واشنطن تتجه لدفع 100 دولار شهرياً لعناصر الجيش اللبناني

تعمل على تحويلها من خلال صندوق خاص في الأمم المتحدة

TT

واشنطن تتجه لدفع 100 دولار شهرياً لعناصر الجيش اللبناني

تواصل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، العمل على تدبير «مخارج قانونية»، لتقديم المساعدات المباشرة، خصوصاً النقدية منها، إلى الجيش اللبناني، تنفيذاً للتعهدات التي التزمت بتقديمها، خلال زيارة قائده العماد جوزف عون الأخيرة لواشنطن. ويدعم أعضاء الكونغرس الأميركي من الحزبين الديمقراطي والجمهوري تلك الجهود، في استمرار لنهج «سياسي أميركي»، لا يزال يتمسك بجدوى الرهان على دور الجيش اللبناني، لمنع الانهيار الشامل في لبنان، «الذي يعيش أسوأ أزمة اقتصادية واجتماعية وسياسية وجودية منذ استقلاله».
وتقول أوساط سياسية أميركية إن الإدارات المعنية لا تزال تبحث عن طرق لتسهيل تسليم أموال نقدية بالدولار، بشكل مباشر إلى الجيش اللبناني، ليتسنى لقيادته على الأقل، دفع 100 دولار شهرياً لكل من عناصره، تضاف إلى رواتب الجنود والضباط الأصلية، وتساعدهم على مواجهة الصعوبات المعيشية. وبما أن القوانين الأميركية وحتى الأوروبية، تمنع التمويل المباشر لجيوش الدول الأجنبية، فإن البحث يدور عن بدائل للالتفاف على هذا العائق القانوني. ووقع الخيار على إنشاء صندوق خاص في الأمم المتحدة، يتم تحويل الأموال إليه من الدول الراغبة في تقديم مساهمتها لدعم الجيش اللبناني، ويجري العمل على تأسيسه بما يتناسب مع القوانين الناظمة لعمل الأمم المتحدة، ومساهمات الدول الأعضاء فيه. وتضيف الأوساط أن الأمر يحتاج إلى تذليل الكثير من العقبات، سواء في كيفية تبرير تحويل تلك الأموال إلى الأمم المتحدة، وتحت أي بند مقترح، وكيف سيتم الإشراف على إيصال الأموال النقدية، وما هي سلطة الولايات المتحدة أو أي دولة أخرى عليها؟ وتقول إن الأجواء مشجعة حتى الآن لإيجاد تلك الآلية، لتوفير «الكاش» النقدي، خصوصاً أن الإدارات الأميركية المتعاقبة، ديمقراطية كانت أو جمهورية، لا تزال متمسكة بالجيش اللبناني، وعملت في السابق على تخفيف الضغط عن ميزانيته، عبر توليها الإنفاق على عملياته اللوجيستية والصيانة وتقديم المعدات العسكرية مجاناً، وهو أمر تتيحه القوانين الأميركية. ونجحت الإدارة الأميركية في وقت سابق من هذا العام، في تمرير دفعة بقيمة 60 مليون دولار نقداً كمساعدة مباشرة إلى الجيش اللبناني، جرى تدويرها من موازنة عام 2018 أُدرجت تحت بند «ضبط الحدود» في مواجهة تهديدات «داعش»، التي وافق عليها الكونغرس في ذلك العام.



أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».