حوار «المستقبل» – «حزب الله» يترنح على وقع السجالات الإعلامية غير المسبوقة

مصادر معنية أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن الأمور لن تصل إلى حد القطيعة

حوار «المستقبل» – «حزب الله» يترنح على وقع السجالات الإعلامية غير المسبوقة
TT

حوار «المستقبل» – «حزب الله» يترنح على وقع السجالات الإعلامية غير المسبوقة

حوار «المستقبل» – «حزب الله» يترنح على وقع السجالات الإعلامية غير المسبوقة

بلغت حدّة السجالات الإعلامية بين تيار «المستقبل» و«حزب الله» في لبنان مستويات غير مسبوقة على وقع التطورات على الساحة اليمنية، مما عكس عمق الخلافات بين الطرفين اللذين لم ينجحا في الجلسات التسع السابقة من الحوار بينهما في تحقيق أي خرق سياسي يُذكر على هذا الصعيد.
ولكن رغم إعراب رئيس المجلس النيابي نبيه برّي، راعي الحوار بين «المستقبل» و«حزب الله»، أمام زواره عن «توجّسه من التصعيد السياسي في الإعلام»، فإن مصادر معنية بالحوار الحاصل بين الطرفين شدّدت لـ«الشرق الأوسط» على أنه «لا نية لديهما للذهاب أبعد مما وصلت إليه الأمور لجهة نسف الحوار، باعتبار أن فيه مصلحة لكل منهما». وحسب المصادر، فإن «السجال القائم في الإعلام أرخى بظلاله على العلاقة الهشة التي تجمع الفريقين، إلا أن المهم أن الأمور لن تصل إلى حد القطيعة، وستعقد جلسة الحوار العاشرة في 14 من الشهر الحالي، على أن يُعاتب كل الفريق الآخر وجها لوجه».
برّي كان قد حاول غير مرة تهدئة الخطاب السياسي، ولقد أعرب أخيرا أمام زواره عن تخوّفه مما قد تصل إليه الأمور، في حال استمر السجال على ما هو عليه، ونقل عنه قوله: «بدأت أتوجس من التصعيد السياسي في الإعلام، لذلك يجب أن يتناول الحوار في الجلسة المقبلة هذا الموضوع». ولفت إلى أن «المواقف موضع الخلاف باتت معروفة ولا حاجة لتكرارها وترجمتها بنبرات عالية، لأنه لا أحد سيغير موقفه تجاه الآخر، وليس هذا المطلوب من الحوار». ويوم أمس (الجمعة)، أصدر المكتب الإعلامي لرئيس مجلس النواب بيانا أكّد فيه أن الحوار «قائم ودائم لتحقيق كل ما هو في مصلحة لبنان وبإصرار من الطرفين»، لافتا إلى أن «الجلسة المقبلة كانت وهي باقية بعد العطلة مباشرة، أي في 14 أبريل (نيسان)».
في هذه الأثناء قالت مصادر في قوى 8 آذار، قريبة من حزب الله وتتبنى رأيه: «السجال في الإعلام وصل إلى حده.. الحريري قرع الباب حين استخدم مصطلح (فجّار)، ووجد الجواب المناسب في بيان الحاج محمد رعد»، لافتة إلى «حرص حزب الله على عدم تناول الحريري بما هو شخصي، وإلى تفهمه أنه مجبر على الإدلاء بمواقف مماثلة». وكان السجال بين الطرفين بلغ حده بعد بيان أصدره الحريري ردا على تهجم أمين عام حزب الله حسن نصر الله على المملكة العربية السعودية، أكد فيه المضي بـ«التصدي لأصوات الفجّار، كبارا وصغار، ممن يتحاملون ويتطاولون على السعودية وقادتها».
وأتى الرد على الحريري على لسان رعد، رئيس كتلة حزب الله النيابية، الذي تحدث عن «تفهم حراجة وضع الشيخ سعد وضيق صدره في هذه اللحظة الزمنية».
غير أن كلام النائب رعد استدعى ردا من الأمين العام لـ«تيار المستقبل» أحمد الحريري تحدث فيه عن «وجود تباين واضح واستراتيجي ومنهجي بين (حزب الله) و(تيار المستقبل)، وهو تباين لا يتوقف عند حدود الحدث اليمني، بل يسبقه ويتعدّاه إلى قضايا سبق للرئيس سعد الحريري أن حددها في ذكرى الرابع عشر من فبراير (شباط)، وفيها على سبيل إنعاش ذاكرة النائب (رعد) قضية الاستقواء بالسلاح على الدولة واللبنانيين، وقضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وإخفاء المتهمين من الحزب (بجريمة الاغتيال)، وقضية الخروج على الإجماع الوطني والذهاب إلى نصرة بشار الأسد في حروبه ضد شعبه، وقضية زج أنف لبنان في الصراعات الإقليمية في العراق واليمن والبحرين وسواها، وهكذا دواليك من قضايا تضع لبنان منذ سنوات، وبإرادة مباشرة من (حزب الله)، فوق صفيح ساخن من الانقسامات الوطنية والفتن الطائفية». واعتبر الحريري في بيان له أن دعوة النائب رعد «تيار المستقبل» إلى صحوة ضمير.. «هي بكل أمانة دعوة مردودة إليه وإلى حزب الله، لأن تيار المستقبل وعلى رأسه سعد الحريري، لا يحتاج لمثل هذه الصحوة، وهو لو شعر للحظة واحدة أن لبنان في حاجة لمبادرة من هذا النوع لأقدم عليها من دون تردد».
وبدوره، رأى عضو كتلة «المستقبل» النائب الدكتور عاطف مجدلاني أن «مواقف حزب الله الأخيرة هي ردة فعل من قبل جهة مأزومة ومُربكة ومُحرجة بعدم الدفاع عن مصالح راعيها، أي الجمهورية الإيرانية، وهذا ما يظهر من خلال الإصرار على التهجّم الرخيص ضد المملكة العربية السعودية». واعتبر مجدلاني، الذي كان يتكلّم في حديث تلفزيوني، أن «هناك تباينا في المواقف بين تيار المستقبل وحزب الله، فنحن مع الدولة، وهم مع الدويلة، ونحن مع الحريات والديمقراطية وهم مع القمع والاستبداد والاستكبار وسياسة الفرض، ونحن مع انتخاب رئيس وهم مع فرض رئيس للجمهورية التي يريدونها، ونحن نريد جمهورية ديمقراطية تحترم التعددية والرأي الآخر، وهم مع جمهورية إسلامية تابعة للولي الفقيه».
وتابع مجدلاني أنه «في الوقت عينه فإن تيار المستقبل حريص على استمرار الحوار مع حزب الله، لأن هذا الموضوع يخدم مصلحة لبنان، وقد خفف الاحتقان الداخلي وطمأن اللبنانيين». أما حيال ما قاله برّي عن خشيته على الحوار، فأجاب مجدلاني: «معه حق، وذلك نتيجة إصرار حزب الله على هذا الهجوم الرخيص ضد المملكة العربية السعودية».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».