«كأن شيئاً لم يكن»... المشهد الإنساني بين الماضي والحاضر

تنظمها «سيناريو» اللبنانية على مسرح أشبيليا في صيدا

تتناول مسرحية «كأن شيئاً لم يكن» المشهدية الإنسانية على مر الزمن
تتناول مسرحية «كأن شيئاً لم يكن» المشهدية الإنسانية على مر الزمن
TT

«كأن شيئاً لم يكن»... المشهد الإنساني بين الماضي والحاضر

تتناول مسرحية «كأن شيئاً لم يكن» المشهدية الإنسانية على مر الزمن
تتناول مسرحية «كأن شيئاً لم يكن» المشهدية الإنسانية على مر الزمن

كم مرة نجتهد في الحياة لتغيير واقع ما أو تحويل طريق في اتجاه آخر؟ لكننا نكتشف في النهاية أن النتائج بقيت هي نفسها. ومع مسرحية «كأن شيئاً لم يكن» التي تنظمها جمعية «سيناريو للفنون» على مسرح أشبيليا في صيدا (جنوب لبنان)، سنتابع عرضاً لأحداث عالمية ومحلية تذكرنا بأن التاريخ يعيد نفسه. المسرحية تعرض اليوم وغداً في 3 و4 ديسمبر (كانون الأول) الحالي في مدينة صيدا، أما أبطالها فيتألفون من نحو 12 شاباً وصبية من جنسيات مختلفة، درّبتهم جمعية سيناريو ليقفوا على المسرح ويترجموا أفكارهم المكتوبة تمثيلاً وأداءً.
استغرقت التمرينات على المسرحية نحو ثلاثة أشهر، واستُوحي اسمها من «جدارية» محمود درويش المرفقة بقصيدة من شعره. أما النص، فكتبه الممثلون بعد أن أشرف على تعديله ووضعه في السياق المسرحي المطلوب، مخرج العمل جاد حكواتي ومساعدته فدا الواعر. «إن العمل هو عبارة عن مسرح تشاركي يرتكز أكثر على الارتجال والتثقيف الفني»، يوضح جاد في حديث لـ«الشرق الأوسط». ويتابع «العملية برمتها إبداعية اعتمدت على تمارين جماعية، وكان دوري وضع حبكة معينة لأركبها في قالب إخراجي». ويشرح جاد حكواتي ابن مدينة صيدا، أن هؤلاء الشباب من جنسيات منوعة، بينهم فلسطينيون وسوريون ولبنانيون يسكنون في صيدا أو جوارها. أما فكرة العمل فوُلدت أثناء الجائحة وفرض الحجر المنزلي. «مررنا جميعاً بظروف قاسية، ولكنها سمحت لنا بإعادة حساباتنا. وكم من مرة تساءلنا ما إذا ما كانت حياتنا الطبيعية ستعود إلى سابق عهدها. وهو ما شكّل للشباب وقفة مع أنفسهم طارحين أسئلة كثيرة، أرادوا أن يترجموها في عمل مسرحي، ويقفون من خلاله على رأي الجمهور».
تدور أفكار المسرحية حول أحداث عالمية ومحلية، تتكرر بين الفينة والأخرى. ويشرح جاد حكواتي «إنها تتناول الهجرة والوباء والأفراح والأتراح والحب وانقطاع التيار الكهربائي والأزمات الاقتصادية، وما إلى هنالك من مشكلات عاشها من قبلنا أهلنا وأجدادنا، ونعيشها بدورنا. فهي مشهديات إنسانية، نقف أمامها نبذل جهوداً لتغييرها، وفي النهاية النتائج تبقى هي نفسها. فلا نعرف إذا ما بإمكاننا تغيير الزمن أم لاً». ويضيف «من الضروري أن نقدم أعمالاً مسرحية تشغل ذهن مشاهدها، فيخرج من العرض وهو يحلله. فيأتي العمل مفيداً ويحمل رسائل مختلفة وليس فقط مجرد ترفيه».
يتخلل المسرحية مشاهد كوميدية وأخرى تحكي عن أحداث قاسية وحساسة في آن. أما سبب اختيار جمعية سيناريو لمدينة صيدا الجنوبية لتستضيفها فيلخّصها جاد قائلاً «إن الجمعية تحرص على إيصال الفنون الثقافية إلى مختلف المناطق اللبنانية. هذه المرة اختارت صيدا كي تكون جزءاً من مشاريعها التثقيفية».
خضع الممثلون لنحو 22 حصة، تعلموا خلالها فن الأداء التمثيلي وكيفية الوقوف على خشبة المسرح، فخاضوا تجربة فنية فريدة من نوعها. يقول ثائر عبد الفتاح، أحد المشاركين «لقد وسّعت لي آفاقي في كيفية التعاطي مع لغتي الجسدية، سواء على صعيد الحركة والصوت والتنفس». ويتابع لـ«الشرق الأوسط»، «ومن أهم ما أضافته إلى هذه التجربة هو التمتع بحضور ذهني وبتجربة أكاديمية أتوق إليها».
تعرج المسرحية أيضاً على أزمات لبنانية كسعر صرف الدولار والمواجهات السياسية والميدانية الحادة. كما تحكي عن ثقافة تقبل الآخر وشبه غيابها بين الناس. ويعلق جاد حكواتي «عملنا على تغريب العمل كي يحاكي الجمهور ويتفاعل معه، بحيث لا يشعر بأنه ينفصل عن باقي فريقه. فالحضور يشكل جزءاً من العمل وله دوره الأساسي فيه».
وتروي مروى سيف الدين، إحدى المشاركات في المسرحية، لـ«الشرق الأوسط» عما حملتها لها هذه التجربة «لقد زودتني بالثقة في النفس، خصوصاً من خلال المشاركة الجماعية التي مارستها مع زملائي. واكتشفت أنه بمقدوري الغناء أمام الناس من دون خوف أو تردد، فكان أمرا رائعا سأتذكره دوما في حياتي».
ومن ناحيتها، تشير دعاء إبراهيم المشاركة أيضاً في العرض، إلى أن فترة التمرينات على المسرحية كانت مليئة بالخبرات. وتضيف لـ«الشرق الأوسط»، «تعلمت من خلالها كيف أقف على المسرح الذي كان أحد أحلامي منذ صغري. فالمسرح أصبح بالنسبة لي المكان الوحيد الذي أستطيع معه أن أعبّر عن كل ما يخالجني من مشاعر وأفكار».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».