مأدبة الصدر والمالكي... الصلح عقدة الحكم

TT

مأدبة الصدر والمالكي... الصلح عقدة الحكم

لن تكون مأدبة الغداء التي جمعت زعيم «التيار الصدري» مقتدى الصدر بقادة «الإطار التنسيقي»، أمس، دليلاً على استحالة حكومة الأغلبية، أو العكس، في المضي بتوافقٍ شامل، يشبه ما حدث في الحكومات السابقة. المأدبة ليست دليلاً إلا على فشل قادة البيت الشيعي في صياغة معادلة حكم جديدة تكسر علاقات القوة بينهم.
الصدر الذي تقدم خطوة باتجاه خصومه، بعد يوم من إعلان النتائج النهائية، بدا في الصور المنقولة عن الاجتماع الذي احتضنه زعيم «تحالف الفتح» هادي العامري بمنزله، متأخراً خطوتين، متردداً في مصافحة مضيفيه، حتى الجلوس بالقرب منهم. كان بحاجة إلى أن يمسك العامري بيده ليأخذه من مقعد بعيد في الصالة إلى آخر يتوسط فيه خصميه اللدودين، زعيم «ائتلاف دولة القانون» رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، وزعيم «عصائب أهل الحق» قيس الخزعلي.
بعد الاجتماع، حُرّرت بيانات صحافية متباينة، كان الهدف منها مخاطبة جمهور المعسكرين. فالصدر غرّد مُصراً على حكومة الأغلبية، البعيدة عن الشرق والغرب، فيما ذيّل «الإطار التنسيقي» بيانه عن «ودية وأخوة اللقاء»، برسالة استهلاكية للجمهور، قال فيها: «سنواصل الإجراءات القانونية والشعبية فيما يتعلق بموضوع الانتخابات»، في صياغة تقفز على تعابير التزوير والطعن.
وإن بدا ما بدا عليه، فإن الصدر لم يكن يريد التصرف بأقل من فوزه بأعلى المقاعد، بينما يعلم أنها لن تكون كافية لتشكيل الحكومة. أما خصومه الذين ضيّفوه في بغداد، فأدركوا أخيراً أوزانهم الانتخابية. وبينما يعلمون أن الصدر لا يستطيع التحاور مع السنة والكرد من دونهم أو يتركهم في ظهره، يعارضون بالتصعيد. في الحقيقة، يمكنه ترك بعضهم.
بهذا المعنى، لا يمكن توقع حكومة أغلبية وطنية، تذهب بالآخرين إلى المعارضة. من الصعب الحديث عن أول معارضة سياسية في لحظة اشتباك متفلتة، وفي منظومة حكم قائمة على التواطؤ الحزبي.
لكن المتاح الآن هو الاتفاق على تحالف أغلبية، تضم الفاعلين الكبار من معسكري الصدر والمالكي، بتقديم ترضيات وضمانات للخارجين من الصفقة. ولأن الصدر و«الإطار» عالقان في معادلة أكبر تشتمل على اشتراطات كردية وسنية، وظروف النزاع الأميركي - الإيراني، فإن الصيغة الأقرب للتفاهم هي حكومة توافقٍ بين أطراف أقل مما يفترضه التوافق.
وبحسب معطيات تتسرب من أربيل والرمادي، معقلي زعيم الحزب «الديمقراطي» الكردستاني مسعود بارزاني، ورئيس «تحالف تقدم» محمد الحلبوسي، فإنهما لا يملكان تأكيدات حاسمة بشأن الذهاب في حكومة من طرف شيعي واحد. وقد تحدث مسؤولون كرد عن أجواء الحزب «الديمقراطي» بشأن تحالف الكتلة الأكبر، قائلين إن «الخلاف الشيعي يمنعنا من الانخراط الآن في حوارات الحكومة (...) ننتظرهم ينجزون توافقاً قابلاً للعيش، حتى نتفاهم». ولا يذهب موقف السنة بطرفي الحلبوسي ورئيس «عزم» خميس الخنجر بعيداً عن هذا الرأي.
الصدر يرفع سقف المطالب إلى أقصاه حين يطالب بحكومة أغلبية أو معارضتها، ليحصل على أريحية سياسية في إجراء تعديلات «مطلوبة» على معادلة الحكم، لكنه يريد شركاء يتفقون معه على المعايير الجديدة التي يطرحها كصيغة لمصالحه، التي درج على تسميتها بـ«الإصلاح». وفي الطريق إلى هذا، لن يمانع الصدر الخوض في تكتيكات تعطل الحوارات، وتطيل من أمدها.
العقدة الآن في كبش الفداء. فالصيغة التي يطرحها الصدر تتطلب المضي بإجراء تعديلات تلبي مشروعه السياسي، وتتطلب التضحية بلاعبين من البيت الشيعي. وهذه إن تمت تسويتها، فسيختصر الجميع وقتهم في التفاوض. بعض مما سُرب من الاجتماع، أن قادة في «الإطار» «سألوا» عن الضمانات التي يقدمها الصدر لهم، وعن مستقبلهم في دوائر نفوذ «الحشد الشعبي»، ومصيرهم السياسي، وفرصتهم في الاحتفاظ بقنوات «التحكم» بالمؤسسات الحكومية.
العقدة أيضاً أن يتفهم الصدر مخاوف كثيرين من الفاعلين في السياسة من احتكاره مفتاح الحكومة، وأن يعترف خصومه بالتغييرات التي فرضتها الانتخابات، وما وفرته من فرصة لإجراء تعديلات على علاقات القوة، وما يرتبط بها من ملفات، كـ«الحشد الشعبي» وآليات الحكم، وهيكلة كارتلات الفساد، دون أن يعني هذا القضاء عليها.



انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
TT

انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)

ارتكبت جماعة الحوثيين في اليمن موجةً من الانتهاكات بحق قطاع التعليم ومنتسبيه شملت إطلاق حملات تجنيد إجبارية وإرغام المدارس على تخصيص أوقات لإحياء فعاليات تعبوية، وتنفيذ زيارات لمقابر القتلى، إلى جانب الاستيلاء على أموال صندوق دعم المعلمين.

وبالتوازي مع احتفال الجماعة بما تسميه الذكرى السنوية لقتلاها، أقرَّت قيادات حوثية تتحكم في العملية التعليمية بدء تنفيذ برنامج لإخضاع مئات الطلبة والعاملين التربويين في مدارس صنعاء ومدن أخرى للتعبئة الفكرية والعسكرية، بحسب ما ذكرته مصادر يمنية تربوية لـ«الشرق الأوسط».

طلبة خلال طابور الصباح في مدرسة بصنعاء (إ.ب.أ)

ومن بين الانتهاكات، إلزام المدارس في صنعاء وريفها ومدن أخرى بإحياء ما لا يقل عن 3 فعاليات تعبوية خلال الأسبوعين المقبلين، ضمن احتفالاتها الحالية بما يسمى «أسبوع الشهيد»، وهي مناسبة عادةً ما يحوّلها الحوثيون كل عام موسماً جبائياً لابتزاز وقمع اليمنيين ونهب أموالهم.

وطالبت جماعة الحوثيين المدارس المستهدفة بإلغاء الإذاعة الصباحية والحصة الدراسية الأولى وإقامة أنشطة وفقرات تحتفي بالمناسبة ذاتها.

وللأسبوع الثاني على التوالي استمرت الجماعة في تحشيد الكوادر التعليمية وطلبة المدارس لزيارة مقابر قتلاها، وإرغام الموظفين وطلبة الجامعات والمعاهد وسكان الأحياء على تنفيذ زيارات مماثلة إلى قبر رئيس مجلس حكمها السابق صالح الصماد بميدان السبعين بصنعاء.

وأفادت المصادر التربوية لـ«الشرق الأوسط»، بوجود ضغوط حوثية مُورِست منذ أسابيع بحق مديري المدارس لإرغامهم على تنظيم زيارات جماعية إلى مقابر القتلى.

وليست هذه المرة الأولى التي تحشد فيها الجماعة بالقوة المعلمين وطلبة المدارس وبقية الفئات لتنفيذ زيارات إلى مقابر قتلاها، فقد سبق أن نفَّذت خلال الأعياد الدينية ومناسباتها الطائفية عمليات تحشيد كبيرة إلى مقابر القتلى من قادتها ومسلحيها.

حلول جذرية

دعا المركز الأميركي للعدالة، وهو منظمة حقوقية يمنية، إلى سرعة إيجاد حلول جذرية لمعاناة المعلمين بمناطق سيطرة جماعة الحوثي، وذلك بالتزامن مع دعوات للإضراب.

وأبدى المركز، في بيان حديث، قلقه إزاء التدهور المستمر في أوضاع المعلمين في هذه المناطق، نتيجة توقف صرف رواتبهم منذ سنوات. لافتاً إلى أن الجماعة أوقفت منذ عام 2016 رواتب موظفي الدولة، بمن في ذلك المعلمون.

طفل يمني يزور مقبرة لقتلى الحوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

واستحدث الحوثيون ما يسمى «صندوق دعم المعلم» بزعم تقديم حوافز للمعلمين، بينما تواصل الجماعة - بحسب البيان - جني مزيد من المليارات شهرياً من الرسوم المفروضة على الطلبة تصل إلى 4 آلاف ريال يمني (نحو 7 دولارات)، إلى جانب ما تحصده من عائدات الجمارك، دون أن ينعكس ذلك بشكل إيجابي على المعلم.

واتهم البيان الحقوقي الحوثيين بتجاهل مطالب المعلمين المشروعة، بينما يخصصون تباعاً مبالغ ضخمة للموالين وقادتهم البارزين، وفقاً لتقارير حقوقية وإعلامية.

وأكد المركز الحقوقي أن الإضراب الحالي للمعلمين ليس الأول من نوعه، حيث شهدت العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء إضرابات سابقة عدة قوبلت بحملات قمع واتهامات بالخيانة من قِبل الجماعة.

من جهته، أكد نادي المعلمين اليمنيين أن الأموال التي تجبيها جماعة الحوثي من المواطنين والمؤسسات الخدمية باسم صندوق دعم المعلم، لا يستفيد منها المعلمون المنقطعة رواتبهم منذ نحو 8 سنوات.

وطالب النادي خلال بيان له، الجهات المحلية بعدم دفع أي مبالغ تحت مسمى دعم صندوق المعلم؛ كون المستفيد الوحيد منها هم أتباع الجماعة الحوثية.