هيئة دولية لتعزيز الوقاية من الجوائح والاستجابة لها

«أوميكرون» يغزو 23 دولة... ومدير «الصحة العالمية» يؤكد أن المتحور الجديد كان متوقعاً

مدير منظمة الصحة العالمية تادروس أدحانوم غيبريسوس (أ.ب)
مدير منظمة الصحة العالمية تادروس أدحانوم غيبريسوس (أ.ب)
TT

هيئة دولية لتعزيز الوقاية من الجوائح والاستجابة لها

مدير منظمة الصحة العالمية تادروس أدحانوم غيبريسوس (أ.ب)
مدير منظمة الصحة العالمية تادروس أدحانوم غيبريسوس (أ.ب)

أنهت الدورة الاستثنائية لجمعية الصحة العالمية أعمالها ظهر أمس الأربعاء في جنيف باعتماد مشروع مقرر لإنشاء هيئة تفاوض حكومية دولية لتعزيز الوقاية من الجوائح والاستجابة لها، تفضي إلى اعتماد معاهدة أو اتفاقية جديدة ملزمة وتعديل اللوائح الصحية العالمية مع إعطاء دور تنسيقي وصلاحيات أوسع لمنظمة الصحة ومدها بالموارد المالية والبشرية الكافية.
أفادت منظمة الصحة العالمية أن ما لا يقلّ عن 23 دولة من الأقاليم الجغرافية الستة للمنظمة أكدت حتى الآن رصد متحوّر «أوميكرون» على أراضيها، وأن هذا العدد مرشّح للارتفاع في الأيام المقبلة. وناشدت المنظمة جميع الدول عدم تخفيف تدابير الوقاية والاحتواء، خاصة أن «العالم يواجه حالياً طفرة دلتا الخطرة والسريعة الانتشار، والتي أصبحت سائدة في جميع البلدان تقريباً».
وقال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تادروس أدحانوم غيبريسوس في مؤتمر صحافي عقده مساء أمس مع كبار مستشاريه في مقر المنظمة إن «المنظمة تأخذ هذه التطورات بمنتهى الجد، وعلى الدول الأعضاء أن تحذو حذوها».
وأضاف غيبريسوس أن هذه التطورات لا تشكّل أي مفاجأة بالنسبة للأوساط العلمية «لأن هذا من الخصائص الأساسية للفيروسات التي تتسبب في الجوائح مثل (كوفيد – 19). وهذا ما سنشهده في المراحل المقبلة طالما سمحنا للفيروس بمواصلة الانتشار».
وقال خبراء المنظمة إن المعلومات المتوافرة حالياً عن متحور «أوميكرون» ما زالت محدودة جداً وغير كافية لتحديد مواصفاته النهائية من حيث سرعة السريان وخطورة الإصابات الناجمة عنه وتأثيره على الحماية المناعية.
ودعا المدير العام للمنظمة الدول الأعضاء إلى اتخاذ تدابير الوقاية والاحتواء، استناداً إلى القرائن العلمية وأحكام اللوائح الصحية الدولية، مثل إخضاع المسافرين للاختبارات قبل السفر أو بعده، أو فرض تدابير الحجر الصحي على الوافدين في رحلات دولية، لكن من غير اللجوء إلى الحظر الشامل على السفر «الذي لن يمنع انتشار متحوّر (أوميكرون) على الصعيد الدولي، فضلاً عن أنه يشكّل عبئاً كبيراً على مصادر رزق الكثيرين في البلدان النامية».
وكان غيبريسوس إن المشهد الوبائي العالمي الذي نعيشه هذه الأيام مع ظهور متحور «أوميكرون» الجديد كان مكتوباً منذ أشهر في التحذيرات والتوصيات المتكررة التي صدرت عن الهيئات العلمية الأكاديمية المتابعة لجائحة (كوفيد) والمعنية بمكافحتها.
وفي تشخيصه للمسار الذي دخلت فيه جهود مكافحة الوباء على الصعيد الدولي، قال غيبريسوس أمام الدورة الاستثنائية لجمعية الصحة العالمية في جنيف: «الجميع كان يعرف أن التغطية اللقاحية المتدنية في مناطق كثيرة من العالم تشكل الأرض الخصبة المثالية لظهور طفرات فيروسية جديدة، وأن هذه الطفرات قد تكون أسرع سرياناً من سابقاتها، وأشد فتكاً أو قدرة على التهرب من الحماية المناعية التي توفرها اللقاحات، وأن ذلك سيؤدي في نهاية المطاف للعودة إلى التدابير والقيود الجذرية التي رأيناها في بداية الجائحة مثل إغلاق الحدود وإلغاء الرحلات الجوية».
وفيما عاد خبراء المنظمة الدولية للتشديد على أن تدابير إغلاق الحدود كانت متسرعة واتخذت قبل توفر البيانات المسوغة لها، وأن خطورة المتحور الجديد ما زالت موضع دراسة وتقييم، ولا توجد قرائن علمية كافية حتى الآن لتبرير التدابير الوقائية المتخذة، يرى آخرون أن إجراءات الإقفال لم تكن متسرعة لأن المتحور الجديد أصبح منتشراً خارج بلدان الجنوب الأفريقي، وأن وجوده الذي تأكد حتى الآن في أكثر من عشر دول أوروبية يقتضي التحرك بسرعة وحزم، خاصة أن المنطقة الأوروبية تشهد انفجاراً جديداً في عدد الإصابات يهدد بموجة وبائية قاسية.
وتجدر الإشارة إلى أن السلطات الصحية الهولندية أعلنت أمس أنها رصدت المتحور الجديد في عينات فيروسية جمعتها بين التاسع عشر والثالث والعشرين من الشهر الفائت، أي قبل ستة أيام من إعلان جنوب أفريقيا عن كشف متحور «أوميكرون». ويذكر أيضا أن الباحثين في جنوب أفريقيا قد رصدوا المتحور الجديد في عينات تعود إلى الرابع عشر من الشهر الفائت، فضلاً عن أن رصده للمرة الأولى في جنوب أفريقيا لا يعني بالضرورة أن ظهوره الأول كان في هذا البلد، وأنه قد يكون ظهر في بلدان أخرى مجاورة لا تملك القدرات العلمية التي تملكها جنوب أفريقيا لإجراء التسلسل الوراثي للفيروس وتحديد ظهور الطفرات الجديدة.
وكان الخبراء المشاركون أمس في أعمال الدورة الاستثنائية لجمعية الصحة العالمية في مقر المنظمة الدولية يتساءلون كيف توجه المنظمة الانتقادات للدول التي اتخذت تدابير إغلاق الحدود وإلغاء الرحلات الجوية، في الوقت الذي كانت تقاريرها الرسمية تصنف خطر تأثير المتحور الجديد على الصحة العالمية بأنه «مرتفع جداً». ويتفق هؤلاء على أن القارة الأفريقية كانت المرشحة الأولى لظهور متحور فيروسي جديد، كونها المنطقة التي تسجل أدنى مستويات التغطية اللقاحية في العالم.
والمعروف أن التحورات الفيروسية هي الأخطاء في استنساخ مرسال الحمض النووي الريبي التي تحصل خلال تكاثر الفيروس، وبالتالي فإن احتمالات ظهورها لها علاقة سببية مباشرة بالعدد الإجمالي لهذا التكاثر الذي يرتفع بقدر ما تكون التغطية المناعية منخفضة. يضاف إلى ذلك أن بلدان الجنوب الأفريقي تعاني من ارتفاع نسبة المصابين بضعف جهاز المناعة الطبيعي الناجم عن الإصابة بفيروس الإيدز، والذين غالباً ما لا يحصلون على العلاجات المناسبة، الأمر الذي يساعد على انتشار الإصابات المزمنة التي تسهل تكاثر الفيروس، وبالتالي ظهور المتحورات الجديدة.
ويذكر أن منظمة الصحة عندما أعلنت أن المتحور الجديد «مثير للقلق» يوم الجمعة الفائت، قالت إنها استندت إلى «العدد المرتفع من التحولات التي رصدتها التحاليل والتي يمكن أن تؤثر سرعة سريان الفيروس وخطورة الأعراض التي تسببها الإصابة به»، لكنها أشارت إلى أن ذلك ما زال قيد الدرس لاستخلاص الاستنتاجات النهائية. ويستند الخبراء في توقعاتهم حول سرعة سريان «أوميكرون» إلى معدل انتشاره الواسع في إحدى مقاطعات جنوب أفريقيا قبل أن يتوسع في مناطق أخرى من البلاد. ويقول فرنسوا بلانشار رئيس قسم الأمراض السارية في مستشفى جنيف الجامعي: «صحيح أن المعلومات المتوفرة حتى الآن ما زالت أولية، لكنها تشير إلى أن المتحور الجديد أسرع سرياناً من الطفرات السابقة، ولذلك تداعيات مهمة على الصحة العالمية. وإذا كانت نسبة التغطية اللقاحية اللازمة للوصول إلى المناعة الجماعية قد ارتفعت من 70 في المائة إلى 80 مع ظهور متحور «دلتا»، فمن المرجح أن ترتفع مع ظهور «أوميكرون» إلى 80 في المائة أو أكثر».
الشيء الوحيد الذي يجمع عليه الخبراء الذين تحدثت إليهم «الشرق الأوسط» هو أن سرعة سريان هذا المتحور وخطورة الإصابة به ومقاومته للحماية المناعية، ما زالت في باب الاحتمالات والترجيحات، وأنه لا بد من الانتظار لأسبوعين أو أكثر لمعرفة مواصفاته النهائية. ويذكر أن الباحثة الجنوب أفريقية أنجيليك كوتزيه التي رصدت هذا المتحور كانت صرحت أن الإصابات الأولى به كانت تحمل أعراضا طفيفة، علما بأنها كانت جميعاً بين شبان أصحاء، وأن 10 في المائة من المصابين الذين نقلوا إلى المستشفى في إقليم «تشواني» بؤرة انتشار المتحور الجديد كانوا دون الثانية من العمر، وهي نسبة شبيهة بتلك التي سجلت عند ظهور متحور دلتا.
وتجدر الإشارة إلى أن انخفاض فاعلية اللقاحات هو المصدر الرئيسي للقلق كلما ظهر متحور جديد، الأمر الذي دفع شركتي فايزر وموديرنا إلى الإعلان عن مباشرتهما بإنتاج لقاح معدل في حال اقتضى متحور «أوميكرون» ذلك، فيما أعلنت الوكالة الأوروبية للأدوية أنها على استعداد لتيسير هذه الخطوة التي تحتاج في مطلق الأحوال لفترة لا تقل عن ثلاثة أشهر. وكان أحد خبراء الوكالة صرح أمس قائلاً: «لا نملك المعلومات الكافية التي تسمح لنا اليوم بتأكيد ضرورة تعديل اللقاحات لمواجهة المتحور الجديد. نعرف أن ثمة تحولات في البروتين الشوكي، لكن هذا لا يكفي للقول بضعف فاعلية اللقاحات، ولا بد من الانتظار لمعرفة المزيد من المعلومات».


مقالات ذات صلة

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

العالم رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)
صحتك امرأة تعاني من «كورونا طويل الأمد» في فلوريدا (رويترز)

دراسة: العلاج النفسي هو الوسيلة الوحيدة للتصدي لـ«كورونا طويل الأمد»

أكدت دراسة كندية أن «كورونا طويل الأمد» لا يمكن علاجه بنجاح إلا بتلقي علاج نفسي.

«الشرق الأوسط» (أوتاوا)
صحتك «كوفيد طويل الأمد»: حوار طبي حول أحدث التطورات

«كوفيد طويل الأمد»: حوار طبي حول أحدث التطورات

يؤثر على 6 : 11 % من المرضى

ماثيو سولان (كمبردج (ولاية ماساشوستس الأميركية))
صحتك أطباء يحاولون إسعاف مريضة بـ«كورونا» (رويترز)

«كورونا» قد يساعد الجسم في مكافحة السرطان

كشفت دراسة جديدة، عن أن الإصابة بفيروس كورونا قد تساعد في مكافحة السرطان وتقليص حجم الأورام.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)
رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)
TT

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)
رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

ووفقاً للتقرير العالمي بشأن الاتجار بالأشخاص والصادر عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، فإنه في عام 2022 -وهو أحدث عام تتوفر عنه بيانات على نطاق واسع- ارتفع عدد الضحايا المعروفين على مستوى العالم 25 في المائة فوق مستويات ما قبل جائحة «كوفيد- 19» في عام 2019. ولم يتكرر الانخفاض الحاد الذي شهده عام 2020 إلى حد بعيد في العام التالي، وفقاً لما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء.

وقال التقرير: «المجرمون يتاجرون بشكل متزايد بالبشر لاستخدامهم في العمل القسري، بما في ذلك إجبارهم على القيام بعمليات معقدة للاحتيال عبر الإنترنت والاحتيال الإلكتروني، في حين تواجه النساء والفتيات خطر الاستغلال الجنسي والعنف القائم على النوع»، مضيفاً أن الجريمة المنظمة هي المسؤولة الرئيسية عن ذلك.

وشكَّل الأطفال 38 في المائة من الضحايا الذين تمت معرفتهم، مقارنة مع 35 في المائة لأرقام عام 2020 التي شكَّلت أساس التقرير السابق.

وأظهر التقرير الأحدث أن النساء البالغات ما زلن يُشكِّلن أكبر مجموعة من الضحايا؛ إذ يُمثلن 39 في المائة من الحالات، يليهن الرجال بنسبة 23 في المائة، والفتيات بنسبة 22 في المائة، والأولاد بنسبة 16 في المائة.

وفي عام 2022؛ بلغ إجمالي عدد الضحايا 69 ألفاً و627 شخصاً.

وكان السبب الأكثر شيوعاً للاتجار بالنساء والفتيات هو الاستغلال الجنسي بنسبة 60 في المائة أو أكثر، يليه العمل القسري. وبالنسبة للرجال كان السبب العمل القسري، وللأولاد كان العمل القسري، و«أغراضاً أخرى» بالقدر نفسه تقريباً.

وتشمل تلك الأغراض الأخرى الإجرام القسري والتسول القسري. وذكر التقرير أن العدد المتزايد من الأولاد الذين تم تحديدهم كضحايا للاتجار يمكن أن يرتبط بازدياد أعداد القاصرين غير المصحوبين بذويهم الذين يصلون إلى أوروبا وأميركا الشمالية.

وكانت منطقة المنشأ التي شكلت أكبر عدد من الضحايا هي أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بنسبة 26 في المائة، رغم وجود كثير من طرق الاتجار المختلفة.

وبينما يمكن أن يفسر تحسين الاكتشاف الأعداد المتزايدة، أفاد التقرير بأن من المحتمل أن يكون مزيجاً من ذلك ومزيداً من الاتجار بالبشر بشكل عام.

وكانت أكبر الزيادات في الحالات المكتشفة في أفريقيا جنوب الصحراء وأميركا الشمالية ومنطقة غرب وجنوب أوروبا، وفقاً للتقرير؛ إذ كانت تدفقات الهجرة عاملاً مهماً في المنطقتين الأخيرتين.