جاك أماتييس السالسي يوثّق كواليس شعراء «قصيدة النثر»

محاضر جلسات «خميس مجلة شعر» في كتاب يصدر غداً

من اليسار في الصف الأمامي: شوقي أبي شقرا ومحمد الماغوط ويوسف الخال وفؤاد رفقة وأدونيس ولورا غريب وخالدة سعيد... وفي الصف الخلفي: جورج صيدح ونازك الملائكة وبدوي الجبل وسلمى خضراء الجيوسي وقد جمعتهم إحدى جلسات {خميس مجلة شعر} في يناير 1960
من اليسار في الصف الأمامي: شوقي أبي شقرا ومحمد الماغوط ويوسف الخال وفؤاد رفقة وأدونيس ولورا غريب وخالدة سعيد... وفي الصف الخلفي: جورج صيدح ونازك الملائكة وبدوي الجبل وسلمى خضراء الجيوسي وقد جمعتهم إحدى جلسات {خميس مجلة شعر} في يناير 1960
TT

جاك أماتييس السالسي يوثّق كواليس شعراء «قصيدة النثر»

من اليسار في الصف الأمامي: شوقي أبي شقرا ومحمد الماغوط ويوسف الخال وفؤاد رفقة وأدونيس ولورا غريب وخالدة سعيد... وفي الصف الخلفي: جورج صيدح ونازك الملائكة وبدوي الجبل وسلمى خضراء الجيوسي وقد جمعتهم إحدى جلسات {خميس مجلة شعر} في يناير 1960
من اليسار في الصف الأمامي: شوقي أبي شقرا ومحمد الماغوط ويوسف الخال وفؤاد رفقة وأدونيس ولورا غريب وخالدة سعيد... وفي الصف الخلفي: جورج صيدح ونازك الملائكة وبدوي الجبل وسلمى خضراء الجيوسي وقد جمعتهم إحدى جلسات {خميس مجلة شعر} في يناير 1960

قد تكون المرة الأولى التي ينتقل فيها الكلام حول ولادة قصيدة النثر، وتحولات الشعر العربي الحديث، من طور الجدل الشفاهي وتراشق الادعاءات، إلى التوثيق، من خلال كتاب جمع، عشرات من محاضر جلسات، «خميس مجلة شعر»، التي ناقش خلالها كبار أدباء العرب في تلك المرحلة، دواوين ستصبح في كثير منها، من بين الأشهر والأهم في القرن العشرين.
تمكن الأب جاك أماتييس السالسي، بفضل إحاطته بتلك المرحلة، وعميق معرفته بيوسف الخال، أن يضيف إلى المحاضر التي تغطي الفترة من 1957 إلى 1964 دراسات وصوراً وتحاليل وفهارس، تزود القارئ برؤية واضحة عن الجو الأدبي في خمسينات وستينات القرن الماضي، من خلال أدباء المرحلة أنفسهم.
سيصدر الكتاب في أكثر من 500 صفحة عن «دار نلسن» في بيروت، تحت عنوان «خميس مجلة شعر»، ويتكون من أربعة أقسام، تحتل المحاضر نحو نصف الكتاب. يكتشف القارئ، كم كانت النقاشات جادة، والأحكام مدروسة، والمتابعة الأدبية حثيثة، كل يدلي بدلوه، وكأنه يصنع التاريخ. فالجلسات الأسبوعية كانت إضافة إلى جماعة «مجلة شعر»، تستضيف أدباء لبنانيين وعرباً، من بينهم سلمى الخضراء الجيوسي، وفدوى طوقان، وبدر شاكر السياب، ونازك الملائكة، ونذير العظمة، وكثر آخرون.
بدأت «ندوة الخميس» كملتقى شعراء جاءوا لإلقاء قصائدهم والإصغاء إلى نقدها، ناقشوا مفهوم الشعر، وأساليب التعبير واللغة وصورة الشاعر في التراث. طرح يوسف الخال المفهوم الجديد للشعر الذي يتمثل في التعبير عن تجربة صادقة ترتفع فوق الزمان والمكان وتعكس شمولية التجربة الإنسانية. كذلك برز مفهوم جديد للقصيدة حيث أصبحت خلقاً يتحد فيها المبنى والمعنى في وحدة عضوية، كما ظهرت صورة جديدة للشاعر الحديث الذي تسربل برداء الفيلسوف والنبي.
في المرحلة الثانية، وابتداء من 3 أبريل (نيسان) 1958. اقتصرت الندوة على المشتغلين في الشعر وبعض الزوار، وصار المحور هو نقد المجموعات الشعرية الصادرة عن دار «مجلة شعر».
المحاضر في الكتاب، تقرأ بمتعة كبيرة، لأنها تعكس حيوية الحوارات التي كانت تدور في تلك الجلسات، وشكلت مطبخ المجلة الفعلي، وورشات عمل على مدار السنة، حيث نكتشف، كيف كان يتخاطب شعراؤنا الكبار، وحول ما يختلفون، أو يتفقون.
الندوة كرست العديد من اجتماعاتها في ربيع عام 1960 لقراءة قصائد لأنسي الحاج، وهي التي كانت الشرارة التي أثارت موضوع قصيدة النثر. ثم بعد ذلك قدّم أدونيس دراسته عن قصيدة النثر وقرأها على الحضور في أبريل 1960. لكن شوقي أبي شقرا كان قد نشر في فبراير (شباط) من السنة نفسها، أربع قصائد، ونوقشت في ندوة الخميس، ولم يخلص المجتمعون إلى نتيجة بشأنها. لكن أبي شقرا كان قد نشر منذ أبريل 1959. نموذجاً شعرياً آخر، تحت عنوان «رب البيت الصغير» وصفه هو بأنه «قصيدة نثر» كمصطلح فني للتعريف بنصه. وفي ديسمبر (كانون الأول) من العام نفسه، كتب مقالة عن ألويزيوس برتران (1841 - 1907) أبي قصيدة النثر، مظهراً اهتماماً خاصاً بهذا النوع الأدبي.
لذلك تاريخياً يمكن قول التالي: إن أنسي الحاج كان أول من أثارت قصائده موضوع قصيدة النثر في «ندوة الخميس»، وأبي شقرا هو أول من نشر محاولة وصفها بقصيدة نثر، وأدونيس كتب أول دراسة حول هذه القصائد.
لكن خالدة سعيد، في رسالة منشورة في الكتاب تقول التالي: «بدايات الشعر نثراً كانت قد حضرت قبل ذلك. كما أن المحاولات والإرهاصات والبوادر في اتجاه التجديد شكلاً ومضموناً كانت قد انطلقت منذ مطالع القرن العشرين في سوريا مع مجلة لم تعمر طويلاً هي (القيثارة)». وتكمل خالدة سعيد أن هذه المجلة «نشرت لسورياليين عرب، كما نشر فيها أدونيس في بداياته، يوم كان طالب ثانوية».
وبالطبع كان ثمة محاولات عربية لكتابة قصيدة النثر في العراق وفلسطين وأماكن أخرى، لكن «مجلة شعر» تعتبرها إحدى إنجازاتها، لما هيأت لها من جو ودفع، واعتراف بكينونتها، في خضم معركتها من أجل «قیام شعر طلیعي تجریبي».
ومما تتحدث عنه الناقدة خالدة سعيد هو أن عوامل ودوافع التجديد، والرغبة في الابتكار والتحديث الذي اعتبرته «مجلة شعر» على رأس أولوياتها كانت أسبابه عديدة، ولا تنكر تأثير أنطون سعادة وكتابه «الصراع الفكري في الأدب السوري» لكنها قالت أيضاً: «كانت هناك في الجو رياح تجديد، قادمة من مواقع مختلفة، لا أستطيع الآن أن أستحضرها جميعاً». وتعطي الناقدة أمثلة السوريالية الفرنسية والسورياليات العربية، بالأخص في سوريا ومصر.
ويعتبر مؤلف الكتاب، الأب جاك أماتييس السالسي أن «حركة مجلة شعر» وندوة خميسها، حاملة راية الثورة والتمرد والرفض أمام جمود التراث العربي، قامت بتأسيس ورعاية يوسف الخال وقيادته. وكتابان يقفان في الخلفية الفكرية لهذا الشاعر، هما: «المقدمة» لشارل مالك و«الصراع الفكري في الأدب السوري» لأنطون سعادة. وفي رأيه أن شخصية الخال حملت ملامح من فكر مالك وسعادة. استمد من الأول معاني الحرية، أهمية العقل الباحث عن الحقيقة، وفكرة وحدة الحضارة الإنسانية. واستلهم من الثاني مفهوم التجديد والنظرة الجديدة إلى «الكون والحياة والفن» لإحداث نهضة حضارية وتأسيس عقلية حديثة.
ويخصص الكتاب صفحات لما لم تتطرق إليه محاضر جلسات «خميس شعر»، ومنه الخلاف مع «مجلة الآداب» حينها. وأمر آخر أكثر طرافة، هو أن «جريدة النهار» كانت قد خصصت في تلك الفترة، مسابقة لقصيدة النثر، بعد أن تفاعل الموضوع ثقافياً، وفاز بها محمد الماغوط في 20 سبتمبر (أيلول) 1960. ومن المستغرب ألا يرد في المحاضر أي ذكر لهذا الأمر، رغم أنه في صميم اهتمام أصحاب الندوة.
جمع المؤلف هذه المحاضر المهمة التي لا يمكن معرفة ما كان يدور في كواليس مجلة شعر من دونها، من جريدتي «النهار» و«الجريدة» وما نشرته مجلة «شعر» من نشاطات الندوة في باب «قضايا وأخبار». وكذلك اعتمد الكتاب على صفحة النهار الثقافية بين عامي 1957و1964؛ ثم «خواطر» يوسف الخال وأدونيس التي هي بنفس أهمية المحاضر بما نقلته من معلومات عن مناقشات «الخميس» ومعاني الحداثة والقضايا الشعرية.
واذ يصف المؤلف ظاهرة «مجلة شعر» وخميسها بأنها «إنسانية - حضارية ثقافية - أدبية»، يشرح أنها تأسست في سياق ولادة تجمعات أخرى شهدها القرن العشرون، تشكلت بسبب المآسي الاستثنائية التي عاشتها البشرية. حربان عالميتان، الثورة البولشيفية، الارتجاجات المفصلية التي تعرضت لها المنطقة العربية، التيارات الغربية التي بدأت تتسرب إلى الفكر العربي. خلال هذه الفترة نشأت تجمعات، منها «الرابطة القلمية» عام 1920 في أميركا الشمالية، «العصبة الأندلسية» في أميركا الجنوبية عام (1932 - 1960)، «جماعة أو مدرسة الديوان» عام 1921. وفي مصر أيضاً أنشأ أحمد زكي أبي شادي «جماعة أبوللو» وأصدر «مجلة أبوللو» عام 1932...
أما في لبنان فأنشأ ميشال أسمر «الندوة اللبنانية» عام 1946 لتكون منبراً لـ«قوة المفكرين» تاريخاً وثقافة. وعام 1956 ألّف شبان طليعيون، أكثرهم من مدرسة الحكمة، «حلقة الثريا»، التي رسمت طريقاً لمستقبل الأدب والشعر والسياسة الوطنية.
وعام 1957 أسس يوسف الخال في لبنان «حركة مجلة شعر» وندوتها الأسبوعية «خميس مجلة شعر»، التي احتضنت الحركة الشعرية الجديدة الناشئة في العالم العربي واتخذها حافزاً لمبادرة ثقافية جريئة مغامرة.
انتهت جلسات «خميس مجلة شعر»، منذ أكثر من نصف قرن، لكن القضايا التي طرحتها لا تزال موضع اهتمام المثقفين والباحثين، لأنها تضرب بجذورها عميقاً، ولا تزال تستحق الدراسة والبحث.
يصف يوسف الخال نشاط «حركة مجلة شعر» و«ندوة الخميس»، قائلاً: «نحن مفترق الطريق. لا للشعر فقط، بل فيما ننتمي إليه أيضاً. بعدنا لن يكون وجه الأشياء كذي قبل. فالكارثة نحن: طوفاناً كنا أم ولادة... نحن في لبنان والعرب، شرارة الحريق الأولى».
خلاصة لمناقشات خميس مجلة شعر لديوان السياب «أنشودة المطر» *
استهل فؤاد رفقة الكلام بقوله: «انطباعي عن إنتاج بدر شاعر يتطور وقد مر في ثلاث مراحل: تقليدية، وتطورية، ونضج. هناك عناصر مشتركة في المراحل الثلاث. ورأيت أن نتناوله من أربع زوايا: الصورة، والأسطورة، والأسلوب، والنفس الشعري… في المرحلة التقليدية هناك صور ولكن يطغى عليها هدير قوي، فهي صورة خلفية كما أنه ليس هناك رمز أو قضية كبرى. أما أسلوبه في المرحلة الأولى فمرتبط بالقديم - أنه خال من الحرارة والدم. أنه أقرب إلى الوجدانية أو الرومنطيقية.
يوسف الخال: ألا تعتقد أنه في هذه المرحلة الأولى متأثر بأبو شبكة؟
فؤاد رفقة: أعتقد ذلك… في المرحلة الثانية بقي الرمز متخفياً وعابراً. إنما هنا يدخل شيئان جديدان. أنه يكسر الشكل، العمود الشعري يتكسر. أما الشيء الثاني فهو أن اللفظة تصبح حية. هناك أيضاً حوار داخلي لم يكن ظاهراً في المرحلة الأولى.
أما المرحلة الثالثة فأهم ما هناك هو الرمز. ويعود ذلك في رأيي إلى عمق الرؤيا - وعمق الرؤيا يفرض على الشاعر أن يرتكز على الرمز. الرمز أصبح بارزاً بينما خفت الوجدانية وغطيت بالرمز والصورة والموضوع. تلاشت الفوضوية وأصبحت القصيدة أكثر واقعية ونضجاً ووعياً.
من الظاهر أن بدر يرى أن الإنسان خير - ولذلك، مثلاً، يعود في قصائده إلى الطفولة (في جيكور) - ويخاف من الموت.
أما موقف بدر فهو موقف بعث شعبه، ولكنه في عودته إلى الطفولة خرج من الجو الحضاري وأطل على الجو الميتافيزيقي الأرحب.

ثلاثة أشياء
يوسف الخال: أريد أن أبرز ثلاثة أشياء: أولاً، ما الذي يفسر نزعة بدر الوطنية الشعبية القوية - المحبة والالتصاق القويين بالشعب. ثانياً ما الذي يفسر كونه شاعراً تموزياً يؤمن بالبعث. والنقطة الثالثة: هل التبدل الذي حدث في المرحلة الثالثة هو الذي فتح المجال الميتافيزيقي كي يقفز الشاعر قفزة جديدة؟ لقد فتح طاقة جديدة بعد موقفه التموزي.
هاني أبي صالح: ألاحظ أن في نفسية بدر شيئين. هناك أزمة، أولاً. وثانياً هناك تفاؤلية جماعية. ولكن التفاؤلية غير مطلقة، فهي مبنية على مرحلة تاريخية. فشعره محصور في هذين الجوين. الرمز عنده - نوعاً ما - عرضي. لا يستخدم الرمز كأسلوب أدبي لتورية الموضوع وإخراجه عن المباشرية.
يوسف الخال: تقصد أن بدر لا يكتب الشعر تحت تأثير الفن؟
هاني أبي صالح: عندما يكون في جوه الوجداني الرومنطيقي يكتب تحت تأثير الفن. وعندما يستعمل الرمز لا يصل به إلى غناه الجمالي - أن الجمالية غير مكثفة كما هي عند الشعراء الغربيين الحديثين ثم إن المعنى الحضاري في قصائده لم يتخذ بكل وسعه الحضاري. التفاؤلية سابقة عند الشاعر لاتخاذه الرمز، التفاؤلية الجماعية تأتي قبل الرمز في الأهمية.
فسأله فؤاد رفقة عند ذاك: ولماذا اتخذ الرمز؟ فأجابه أبي صالح أن السبب هو إعجاب الشاعر بأسطورة أدونيس وعشتروت والوحي الذي يمثله تموز، أما مشاعر السياب العميقة أمام هذه الرموز فلم تهتز حقاً. لقد استعار الرمز لا لشيء إلا لصلته بالنهضة الاجتماعية أو الحالة الاجتماعية.
وتشعب الكلام حول الرمز الأسطوري، فقال أنسي الحاج: إنني أرغب في أن يجيبني أحد عن هذا السؤال: الرمز التاريخي غير جديد فهو مستعمل في الشعر الكلاسيكي القديم. فما الفرق بين الرمز التاريخي في شعر بدر شاكر السياب والرمز التاريخي في الشعر الكلاسيكي والتقليدي؟.
وبعد أن أوضح يوسف الخال السؤال وتوسع فيه، قال إلياس مسوح: لقد استخدم بدر الرمز كنوع من العقيدة وهو يضع نفسه موضع الأبطال الأسطوريين ليكون طليعة لشيء أفضل. الرمز لصيق به، يجده في أمثال العراقيين وحياتهم، ولا أعتقد أنه يتناوله كموضوع عابر.
وقالت خالدة سعيد: هناك فرق بين الرمز الجزئي والرمز الذي يستوعب الموضوع بجمله. فرد أبي صالح بأن هذا الفرق عرضي في شعر السياب، واستطردت خالدة سعيد: أنا أرى غير ذلك. لنتساءل هل يعيش بدر في الأسطورة؟ المسيح وتموز شيء واحد في شعره. فالمهم عنده، إذن، الإيماء الأسطوري المرتبط بحياته. الكلاسيكيون أخذوا الأسطورة كموضوع مستقل عن حياتهم، أما الشعراء المحدثون، وبدر منهم، فالأسطورة عندهم رؤيا. أي أن موقف بدر قد اتخذ شكل هذه الأسطورة وأضحت مرتبطة بموقفه الحياتي.
يوسف الخال: بالنسبة للفرق بين استعمال الكلاسيكي للأسطورة واستعمال الشاعر الحديث لها أقول، كما قالت خالدة، إن الكلاسيكيين أخذوا الأسطورة كموضوع. أما الشاعر الحديث فيستعمل الأسطورة لأنه يعتقد أن الرؤيا - رؤيا عالم آخر - تساعده على خلق عالم آخر. هذا يأتي عن طريق اللاوعي واللامعقول. ولكي يصل إلى غايته أخذ يرجع إلى الأفكار الطفولية عنده. الطفولة مهمة لأنها خالية من العقل. كذلك الأسطورة خالية من العقل. إنها أحلام الأقدمين. لقد كان الأقدمون يرون الأسطورة شيئاً واقعياً، والعالم الأسطوري القديم قد خلق الأسطورة بلا وعي. الشاعر الحديث يهتم بكل ما يأتي من اللاوعي.
لور غريب: لكن فيكتور هوغو، وهو شاعر غير حديث، قد نجح في استعمال الأسطورة أيضاً.
تفاؤلي أم لا؟
عصام محفوظ: الأسطورة هي نتيجة لخوف الإنسان القديم وهربه من المسؤولية. التجأ الإنسان القديم إلى الأسطورة بطفولة. الأسطورة في شعرنا الحديث هي كردة فعل للفوضى المادية، والأسطورة عند بدر تضع حدوداً نهائية للقصيدة. حدودها معروفة وتقلل في الشاعر تلك الخطوة نحو الميتافيزيقية.
أنسي الحاج: هل تعتقدون أن الأسطورة عند بدر تنحو منحى تفاؤلياً؟
خالدة سعيد: بالعكس. أنه يؤلف في الأسطورة التناقضات الموجودة في الحياة.
فؤاد رفقة: لا أوافق. فهو ينهي إحدى قصائده بقوله «إن موتي انتصار» إنه تفاؤلي إيجابي.
خالدة سعيد: يجب أن ننظر إليه كشاعر إيجابي كان حزيناً، من جهة، ومن جهة ثانية كشاعر طفل في نفسه من القلق ما يجعله يستخدم الأسطورة للتوفيق بين المتناقضين.
لور غريب: الأسطورة عنده هرب والمأساة أقوى من التفاؤل.
أنسي الحاج: إنه متفائل. المحور الأساسي لشعره هو البعث. مجرد التسليم بالموت والبعث يعني أنه متفائل.
خالدة سعيد: عنده ازدواجية، وهو يحاول التوفيق بين جانبي شخصيته. التشاؤمية عنده ليست عدمية. لكن عنده إحساس مر بالحياة.
أنسي الحاج: لنتساءل هل هو مؤمن أو يائس؟ عوض أن نتساءل هل هو متشائم أو متفائل. وفي رأيي أنه مؤمن واستخدامه الأسطورة يرتدي هذا الإيمان.
خالدة سعيد: إنني لا أنظر إلى الموضوع من هذه الزاوية.
هاني أبي صالح: لبدر شخصيتان. شخصية الطفل، وشخصية الذي يحس بالأزمة. وشعره صياغة على مستوى ذهني لإظهار موقفه الحضاري وتفاؤله الاجتماعي.
خالدة سعيد: لديه نوع من الفرح ولذة في تلبس شخصية الشهيد. يفرح أن يموت ليس فقط لأنه يريد الانتصار.
بين النجاح والإخفاق
عصام محفوظ: الأسطورة محتوى. وقد التجأ بدر إلى محتوى أسطورة تموز، فهل نجح أم فشل؟
يوسف الخال: استخدام الأسطورة لا يجعل الشاعر كبيراً أو صغيراً. المهم هو كيفية تناول الأسطورة. فهل نجح بدر في استخدام الأسطورة؟
عصام محفوظ: بدر جدد تجاوز العقلية العربية القديمة المادية. تجاوز الحدود المادية إلى جو ميتافيزيقي. الموضوع عنده يضغط على العبارة والكلمات.

كامو والسياب
يوسف الخال: ما هو تأثير كامو على بدر؟ ما هو تأثير المرأة في شعر بدر؟ ما مدى وجود الكلية في شعر بدر؟ هذه أسئلة أحب طرحها ويجب طرحها لاستكمال فهم شعر السياب.
أنسي الحاج: يلتقي مع كامو في اشتراكية الكفاح والتعاضد الإنساني والثورة من أجل الخير، ولكنه لا يلتقي معه في العبث.
يوسف الخال: والمرأة؟
فؤاد رفقة: ليس للمرأة تأثير مباشر على شعره.
خالدة سعيد: لقد هرب من عالم المرأة، أو أنه بالأحرى، مطرود من عالم المرأة.
يوسف الخال: المرأة في شعر بدر غير ظاهرة بقوة وكذلك الغزل. ولكن المرأة ظاهرة، في حسية الصور الشعرية حتى عندما يكتب بدر عن النضال الثوري.
خالدة سعيد: هذه دراسة فرويدية.
يوسف الخال: طبعاً. ولكن المرأة ظاهرة بطريقة غير مباشرة وتقمصه في أشياء أخرى.
والآن، إلى أي حد شعره كلي؟… أي كم فيه من الشمول؟
فؤاد رفقة: أعتقد أنه ركز نفسه اجتماعياً تركيزاً تاماً.
خالدة سعيد: أتصور أن في شعر بدر بعض الشمولية. ولكنه مر في نكسة بعد 1956.
هاني أبي صالح: لا أعتقد أن له حظاً من الشمول الكوني.
* «خميس مجلة شعر» يناقش «أنشودة المطر». النهار 28: 7722
(5 شباط 1961) ص 10؛ 11

أنسي الحاج: النكسة التي تحدثت عنها خالدة ما سببها؟ هل هي لأنه استنفد تجربته؟
يوسف الخال: أن بدر نفسه يحس بذلك وقد حدثني عن رغبته في تغيير أجوائه وتجربته.
مكانة بدر
أنسي الحاج: هناك سؤال أيضاً أحب طرحه. هل استنفد بدر الأساطير التي استعملها؟
فؤاد رفقة: طبعاً. أصبح له هوس بالأسطورة إلى حد زائد.
خالدة سعيد: بلغ ذروة استخدامه للأسطورة في «رسالة من مقبرة». و«النهر والموت».
أنسي الحاج: وما مركز شعر بدر بالنسبة للشعر الحديث؟
خالدة سعيد: سنة 1956 كان بدر في طليعة الشعراء العرب. أما بعد ذلك فلم يعد كذلك.
فؤاد رفقه: أعتقد أنه ما زال طليعياً.
لور غريب: الشعر الحديث لم يعد يرتكز على بدر السياب كما كان من قبل.
إلياس مسوح: كان حتى 1956 أسطع الشعراء المحدثين أما بعد ذلك فأصبح بين عدة نجوم ساطعة.
عصام محفوظ: أعتبره حلقة وصل بين الشعر القديم والشعر الحديث.
هاني أبي صالح: إن بدر السياب لهو من الشعراء الملتزمين من ضحايا الموضوع، لكنه يمتاز عنهم بالنبرة الخاصة.
سبب التوقف
وقال يوسف الخال: هناك حقيقة في كل ما قيل في هذا الموضوع، غير أن التوقف الذي توقفه بدر شاكر السياب منذ 1957 سببه الظروف المحيطة به، وهو توقف لا يدل على عجز ولا على استنفاد، بل على حالة طبيعة. المهم هو أن بدر، كما يظهر في «أنشودة المطر»، مهيأ لانطلاقة جديدة يفيد منها الشعر العربي.



«جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي» تتوّج الفائزين بدورتها العاشرة

الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)
الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)
TT

«جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي» تتوّج الفائزين بدورتها العاشرة

الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)
الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)

كرّمت «جائزةُ الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي»، بدولة قطر، مساء الثلاثاء، الفائزين في فئات الدورة العاشرة، وذلك خلال حفل كبير حضره الشيخ ثاني بن حمد آل ثاني الممثل الشخصي لأمير البلاد، وشخصيات بارزة، وأعضاء البعثات الدبلوماسية، ونخبة من الباحثين والعاملين بمجال الترجمة.

وتهدف الجائزة إلى تكريم المترجمين وتقدير دورهم في تمتين أواصر الصداقة والتعاون بين شعوب العالم، وتقدير دورهم عربياً وعالمياً في مد جسور التواصل بين الأمم، ومكافأة التميز في هذا المجال، وتشجيع الإبداع، وترسيخ القيم السامية، وإشاعة التنوع، والتعددية والانفتاح.

الشيخ ثاني بن حمد لدى حضوره حفل تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)

كما تطمح إلى تأصيل ثقافة المعرفة والحوار، ونشر الثقافة العربية والإسلامية، وتنمية التفاهم الدولي، وتشجيع عمليات المثاقفة الناضجة بين اللغة العربية وبقية لغات العالم عبر فعاليات الترجمة والتعريب، ويبلغ مجمل قيمة الجائزة في مختلف فئاتها مليوني دولار أميركي.

وقال الدكتور حسن النعمة، أمين عام الجائزة، إنها «تساهم في تعزيز قيم إنسانية حضارةً وأدباً وعلماً وفناً، اقتداءً بأسلافنا الذي أسهموا في بناء هذه الحضارة وسطروا لنا في أسفار تاريخها أمجاداً ما زلنا نحن اليوم الأبناء نحتفل بل ونتيه مفتخرين بذلك الإسهام الحضاري العربي في التراث الإنساني العالمي».

وأشاد النعمة بالكتاب والعلماء الذين ترجموا وأسهموا في إنجاز هذه الجائزة، وبجهود القائمين عليها «الذين دأبوا على إنجاحها وإخراجها لنا في كل عام لتكون بهجة ومسرة لنا وهدية من هدايا الفكر التي نحن بها حريُّون بأن نرى عالمنا أجمل وأسعد وأبهج وأرقى».

الدكتور حسن النعمة أمين عام الجائزة (الشرق الأوسط)

من جانب آخر، أعربت المترجمة والأكاديمية، ستيفاني دوغول، في كلمة نيابة عن الضيوف وممثلة للمترجمين، عن شكرها لجهود دولة قطر وجائزة الشيخ حمد للترجمة في تكريم المترجمين والمثقفين من كل أنحاء العالم، موجهة التحية لجميع الفائزين، وللغة العربية.

يشار إلى أنه في عام 2024، توصلت الجائزة بمشاركات من 35 دولة حول العالم، تمثل أفراداً ومؤسسات معنية بالترجمة، من بينها 17 دولة عربية. وقد اختيرت اللغة الفرنسية لغة رئيسية ثانية إلى جانب اللغة الإنجليزية، بينما اختيرت الهنغارية والبلوشية والتترية واليوربا في فئة اللغات القليلة الانتشار.

الفائزون بالدورة العاشرة

وفاز بالجائزة هذا العام «فئة الترجمة من اللغة العربية إلى اللغة الفرنسية»، في المركز الثاني رانية سماره عن ترجمة كتاب «نجمة البحر» لإلياس خوري، والثالث إلياس أمْحَرار عن ترجمة كتاب «نكت المحصول في علم الأصول» لأبي بكر ابن العربي، والثالث (مكرر): ستيفاني دوغول عن ترجمة كتاب «سمّ في الهواء» لجبور دويهي.

وعن «فئة الترجمة من اللغة الفرنسية إلى اللغة العربية»، فاز بالمركز الثاني الحُسين بَنُو هاشم عن ترجمة كتاب «الإمبراطورية الخَطابية» لشاييم بيرلمان، والثاني (مكرر) محمد آيت حنا عن ترجمة كتاب «كونت مونت كريستو» لألكسندر دوما، والثالث زياد السيد محمد فروح عن ترجمة كتاب «في نظم القرآن، قراءة في نظم السور الثلاث والثلاثين الأخيرة من القرآن في ضوء منهج التحليل البلاغي» لميشيل كويبرس، والثالث (مكرر): لينا بدر عن ترجمة كتاب «صحراء» لجان ماري غوستاف لوكليزيو.

من ندوة «الترجمة من اللغة العربية وإليها... واقع وآفاق» (الشرق الأوسط)

أما (الجائزة التشجيعية)، فحصل عليها: عبد الواحد العلمي عن ترجمة كتاب «نبي الإسلام» لمحمد حميد الله. بينما فاز في «فئة الترجمة من اللغة العربية إلى اللغة الإنجليزية»، حصلت على المركز الثالث: طاهرة قطب الدين عن ترجمة كتاب «نهج البلاغة» للشريف الرضي. وذهبت الجائزة التشجيعية إلى إميلي درومستا (EMILY DRUMSTA) عن ترجمة المجموعة الشعرية «ثورة على الشمس» لنازك الملائكة.

وفي (فئة الترجمة من اللغة الإنجليزية إلى اللغة العربية) حصل على المركز الثاني مصطفى الفقي وحسام صبري عن ترجمة كتاب «دليل أكسفورد للدراسات القرآنية» من تحرير محمد عبد الحليم ومصطفى شاه، والثاني (مكرر): علاء مصري النهر عن ترجمة كتاب «صلاح الدين وسقوط مملكة بيت المقدس» لستانلي لين بول.

وفي «فئة الإنجاز»، في قسم اللغة الفرنسية: (مؤسسة البراق)، و(دار الكتاب الجديد المتحدة)، و«في قسم اللغة الإنجليزية»: (مركز نهوض للدراسات والبحوث)، و(تشارلز بترورث (Charles E. Butterworth)، وفي لغة اليورُبا: شرف الدين باديبو راجي، ومشهود محمود جمبا. وفي «اللغة التترية»: جامعة قازان الإسلامية، و«في قسم اللغة البلوشية»: دار الضامران للنشر، و«في اللغة الهنغارية»: جامعة أوتفوش لوراند، وهيئة مسلمي المجر، وعبد الله عبد العاطي عبد السلام محمد النجار، ونافع معلا.

من ندوة «دور الجائزة في الارتقاء بمعايير جودة الترجمة» (الشرق الأوسط)

عقدٌ من الإنجاز

وعقدت الجائزة في الذكرى العاشرة لتأسيسها ندوة ثقافية وفكرية، جمعت نخبة من أهم العاملين في مجال الترجمة والمثاقفة من اللغة العربية وإليها، تتناول الندوة في (الجلسة الأولى): «الترجمة من اللغة العربية وإليها: واقع وآفاق»، بينما تتناول (الجلسة الثانية): «دور الجائزة في الارتقاء بمعايير جودة الترجمة، وكيفية تطوير هذا الدور».

وخلال مشوارها في عشر سنوات، كرّمت الجائزة مئات العاملين في الترجمة من الأفراد والمؤسسات، في نحو 50 بلداً، لتفتح بذلك آفاقاً واسعة لالتقاء الثقافات، عبر التشجيع على الاهتمام بالترجمة والتعريب، ولتصبح الأكبر عالمياً في الترجمة من اللغة العربية وإليها، حيث اهتمت بها أكثر من 40 لغة، كما بلغت القيمة الإجمالية السنوية لمجموع جوائزها مليوني دولار.

ومنذ تأسيسها، كرمت الجائزة 27 مؤسسة ودار نشر من المؤسسات التي لها دور مهم في الترجمة، و157 مترجماً و30 مترجمة، حيث فاز كثيرون من مختلف اللغات الحية عبر العالم. حتى اللغات التي يتحدث بها بضعة ملايين بلغتها الجائزة وكرمت رواد الترجمة فيها من العربية وإليها. أما اللغات الكبرى في العالم فكان لها نصيب وافر من التكريم، مثل الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والألانية والصينية والكورية واليابانية والتركية والفارسية والروسية.

وشملت الجائزة كذلك ميادين القواميس والمعاجم والجوائز التشجيعية للمترجمين الشباب وللمؤسسات الناشئة ذات الجهد الترجمي، وغطت مجالات الترجمة شتى التخصصات الإنسانية كاللغوية والتاريخية والدينية والأدبية والاجتماعية والجغرافية.

وتتوزع فئاتها على فئتين: «الكتب المفردة»، و«الإنجاز»، تختص الأولى بالترجمات الفردية، سواء من اللغة العربية أو إليها، وذلك ضمن اللغات الرئيسية المنصوص عليها في هذه الفئة. وتقبل الترشيحات من قبل المترشح نفسه، ويمكن أيضاً ترشيح الترجمات من قبل الأفراد أو المؤسسات.

أما الثانية فتختص بتكريم الجهود الطويلة الأمد المبذولة من قبل الأفراد والمؤسسات في مجال الترجمة من اللغة العربية أو إليها، في عدة لغات مختارة كل عام، وتُمنح الجائزة بناء على عدد من الأعمال المنجزة والمساهمة في إثراء التواصل الثقافي والمعرفي.