«خلافات مالية وعائلية» تثير التعاطف مع رشوان توفيق

الفنان المصري اعتبرها «أصعب محنة» في حياته

الفنان المصري رشوان توفيق خلال ظهوره التلفزيوني
الفنان المصري رشوان توفيق خلال ظهوره التلفزيوني
TT

«خلافات مالية وعائلية» تثير التعاطف مع رشوان توفيق

الفنان المصري رشوان توفيق خلال ظهوره التلفزيوني
الفنان المصري رشوان توفيق خلال ظهوره التلفزيوني

لم يكن الفنان المصري رشوان توفيق يتخيل وهو يؤدي دور الأب المصدوم في بعض أبنائه في كثير من الأعمال الدرامية، أن تتحول تفاصيل حياته إلى قصة مشابهة، تجذب التأثير والتعاطف والدموع، بعدما ظهر في حلقة تلفزيونية مع الإعلامي عمرو الليثي مساء أول من أمس، متحدثاً عن المحنة التي يمر بها والتي تخص ابنته (آية) وزوجها وحفيده الذين رفعوا دعاوى قضائية ضده تتعلق بخلافات مالية.
وقال رشوان بنبرة حزينة: «منحت حياتي لأولادي، وقسمت الميراث بينهم منذ فترة، والآن لا أمتلك إلا فضل الله، وهاتفاً محمولاً». معرباً «عن ثقته في القضاء المصري لإنصافه».
وقالت ابنته الإعلامية هبة رشوان، التي رافقت والدها خلال ظهوره بالاستديو: «إن والدي لم يكن يحمل الأموال، ووالدتي كانت المسؤولة كلياً عن ذلك، فقد كان والدي يعطيها كل المال ويكتفي بمصروفه فقط. ووالدتي كانت هي من تشتري لنا الملابس وكل ما نحتاجه». مضيفة أنّ والدها ما زال يحب شقيقتها آية ويدعو لها رغم ما حدث، على حد تعبيرها.
لكنها شددت في تصريحات صحافية أمس، إلى أنّها «سُتقاضي كل من كتب أن شقيقتها رفعت قضية حجز على ممتلكات والدها لأنّ هذا لم يحدث أبداً»، حسب وصفها. مؤكدة أنّ أختها لم تفعل ذلك، ولكن توجد خلافات مالية وعائلية أخرى، أدت إلى رفع قضية من أختها، رافضة الإفصاح عن أي تفاصيل أخرى.
وحاز الفنان المصري المولود في عام 1933 بحي السيدة زينب، على دعم وتعاطف زملائه في الوسط الفني، حيث أعرب عدد كبير منهم عبر صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي عن تضامنهم معه، وتقديرهم له، وكتبت الفنانة إيمان العاصي عبر «فيسبوك»: إنّ «الأستاذ الإنسان الأب الفنان رشوان توفيق، يعز علينا كسرة قلبك، أشعر بالجرح الذي تتألم منه، خصوصاً أني عرفتك عن قرب ولمست رقة قلبك».
وقالت الفنانة سمية الخشاب: «الفنان القدير المحترم رشوان توفيق لا أحد يختلف على أنك في قلوب كل أسرة مصرية وعربية، لأنك رمز للأب المثالي المضحي خلال أدوارك العظيمة، وفي الحياة كأب لنا جميعاً». فيما كتبت الفنانة رانيا محمود ياسين: «كل الحب والدعم والتقدير والاحترام للأب الجميل والأستاذ رشوان توفيق، كلنا أبناؤك وربنا يصلح أحوالك يا رب». فيما كتب الفنان مجدي صبحي: «الأب الروحي لقلبي الفنان القدير والمحترم رشوان توفيق... تعاملت معك في مسلسل (في بيتنا رجل)، وكنت خير مثال في كل شيء، الاحترام والإبداع والخلق الحميدة وما زلت، نحن أبناؤك ولا نرضى بما حدث لك». كما كتب الإعلامي طارق علام: «لا تحزن يا عم رشوان دموعك غالية وعزيزة جداً علينا، وكلنا أبناؤك».
وأكد توفيق أنه يعيش حالياً مأساة كبرى لا تقل في تأثيرها عن وفاة ابنه الوحيد توفيق، بعدما رفع زوج ابنته وحفيده قضايا ضده، بعد التأثير على ابنته الصغرى لتصل الأمور إلى هذا الحد.
وتضامناً معه، أعلن محامي مصري استعداده التام للتطوع دفاعاً عنه في الدعوى المقامة ضده. وقال إنّ هذا التطوع يأتي منه إيماناً بدور الفنان وما قدمه من فن راقٍ أثرى به السينما والتلفزيون في مصر والعالم والعربي.
وقدم توفيق أعمالاً فنية مسرحية وتلفزيونية ودرامية ناجحة عبر مسيرة طويلة منذ تخرجه في معهد التمثيل في ستينات القرن الماضي، واشتهر بشخصيته الطيبة وعلاقته المثالية مع زملائه من مختلف الأجيال.
وقال توفيق في حواره مع «الشرق الأوسط» في شهر أبريل (نيسان) من العام الحالي، إنّه يؤمن بمقولة الفنان الكبير يوسف وهبي بأنّ الممثل لا يعتزل أبداً، إلا إذا فقد ذاكرته أو صحته، وهناك ممثلون كبار ظلوا يمثلون لآخر لحظة من عمرهم مثل حسن البارودي وشفيق نور الدين، وأنا شخصياً إذا عرض علي دور جيد أرحب به.
وشارك الفنان الكبير في عالم الدراما بأدوار اجتماعية لاقت صدى واسعاً في مسلسلات عديدة من بينها: «الليل وآخره»، و«المال والبنون»، و«لن أعيش في جلباب أبي»، و«أين قلبي»، و«سلسال الدم». كما شارك في بطولة مسلسلات دينية من بينها «عمر بن عبد العزيز»، و«أبو حنيفة النعمان»، و«لقضاء في الإسلام»، و«الإمام الشافعي»، و«محمد رسول الله»، كما قدم أعمالاً تاريخية على غرار «الفرسان»، و«هارون الرشيد».
وفاز توفيق بجائزة التمثيل عن فيلم «جريمة في الحي الهادئ» عام 1967. وشارك في أفلام عديدة من بينها «بين القصرين»، و«نادية» أمام سعاد حسني، و«الملاعين» مع فريد شوقي، كما شارك أخيراً في فيلم «خيال مآتة» أمام أحمد حلمي.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)