ثلاثة طعون «دستورية» تحاصر نتائج الانتخابات العراقية

TT

ثلاثة طعون «دستورية» تحاصر نتائج الانتخابات العراقية

ما زال الغموض حاضراً بشأن ما يمكن أن تسفر عنه الأزمة المتعلقة بنتائج الانتخابات البرلمانية التي جرت في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، سواء على مستوى الإجراءات الدستورية التي سبقت عملية التحضير لها، أو الاعتراضات التي أعقبت إجراءها، ذلك أن الأيام القليلة الماضية كشفت عن ثلاثة طعون دستورية «جدية» مرتبطة بالعملية الانتخابية بشكل عام، وبانتظار حكم المحكمة الاتحادية التي من مهامها الأساسية النظر في النزاعات الدستورية.
ولعل أهمية الطعون تأتي من أن اثنين منها غير مرتبطين بالجماعات الخاسرة والمعترضة على نتائج الانتخابات فقط، إنما ارتبط الطعن الأول بنقابة المحامين العراقيين، والثاني بالمرشح المستقل الفائز في الانتخابات باسم خشان.
وفيما يطالب الطعن الذي قدمه، الأسبوع الماضي، تحالف «الفتح» الذي يضم معظم الفصائل التي لها أجنحة مسلحة وخسر في الانتخابات الماضية، بـ«إلغاء نتائج الانتخابات البرلمانية المبكرة، بسبب التزوير والتلاعب الكبير والخطير الذي حصل بهذه النتائج»، تستند نقابة المحامين العراقيين في طعنها المقدم إلى «عدم دستورية حل البرلمان لنفسه» قبل موعد إجراء الانتخابات.
ويقول نقيب المحامين ضياء السعدي إن «الطعن المقدم من نقابة المحامين أمام المحكمة الاتحادية العليا انصرف إلى عدم دستورية حل مجلس النواب (في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي على أن تُجرى الانتخابات في العاشر من الشهر نفسه)، لأن الحل المؤجل والمشروط لإجراء الانتخابات في يوم معين يخالف الفقرة الثانية من المادتين (64 و47) من الدستور العراقي لسنة 2005».
وأكد السعدي، في تصريحات صحافية، أول من أمس، أن «إقامة هذه الدعوى من قبل نقابة المحامين كان قبل إجراء الانتخابات الأخيرة لمجلس النواب، وليس لمصلحة أي حزب أو تكتل أو أي جهة سياسية أخرى سوى مصلحة الدستور». وأضاف أن «الدستور واضح في آليات (حل مجلس النواب) وليس من حق البرلمان تعيين يوم لحل نفسه، وأن يحدد موعداً لإجراء الانتخابات، وهذا مخالفة صريحة للدستور».
وكشف السعدي عن أن المحكمة الاتحادية العليا ستنظر في الأول من ديسمبر (كانون الأول) المقبل الدعوى المقامة من قبل النقابة.
أما الطعن الثالث في العملية الانتخابية الذي قدمه المحامي والناشط المستقل باسم خشان، فيتعلق بـ«إبطال المرسوم الجمهوري الذي على أساسه تم إجراء الانتخابات».
ويقول خشان الذي فاز بمقعد نيابي في الانتخابات الأخيرة، إن «الطعن الذي قدمته وكذلك طعن نقابة المحامين كانا قبل إجراء الانتخابات ومعرفة النتائج، لذلك لا أساس للكلام الذي يصدره البعض ويقول إننا نتحالف مع الجماعات الخاسرة في اعتراضنا على نتائج الانتخابات».
ويضيف خشان، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن «الطعون التي قدمناها تتعلق بمخالفات دستورية سبقت إجراء الانتخابات، لأنها غير دستورية وليست لها علاقة بمن فاز أو خسر، أعتقد أن الخطورة تكمن في تمرير تلك التجاوزات غير الدستورية، وإذا ما مررت فستصبح قواعد يعاني منها الجميع في المستقبل».
ويعتقد خشان أن «المجازفة لا تكمن في إلغاء نتائج الانتخابات، إنما في السماح بتمرير مخالفات دستورية واضحة ولا أساس لها، من الواضح أن الأساس غير الصحيح يفضي إلى نتائج غير صحيحة بالضرورة».
وبشأن مصادقة المحكمة الاتحادية، ذكر أن «المحكمة لن تصادق على نتائج الانتخابات قبل أن تنتهي من النظر والحكم في الطعون التي يفترض أن يتم الحكم بها مطلع الشهر المقبل».
وفيما يذهب معظم خبراء الشأن القانوني الدستوري إلى إمكانية إلغاء نتائج الانتخابات في حل أخذت المحكمة الاتحادية بنظر الاعتبار الطعون المقدمة وحكمت لصالح أحدهما أو كليهما، الأمر الذي يعني إعادة البرلمان المنحل إلى العمل لتصحيح المسار القانوني لطريقة إجراء الانتخابات، يستبعد آخرون إمكانية ذلك، بالنظر للظروف السياسية المعقدة التي تمر بها البلاد التي ستكون عرضة إلى مزيد من التعقيد والانسداد في حال إبطال نتائج الانتخابات وإعادتها. ورغم الإحاطة الإيجابية التي قدمتها الممثلة الأممية في العراق جينين بلاسخارت أمام مجلس الأمن الدولي، الأسبوع الماضي، وإشادتها بطريقة إجراء الانتخابات، فإن تحالف «الفتح» ما زال يشكك في نزاهة إجرائها ويطالب بقوة بإلغاء نتائجها وإعادتها.



الحوثيون يفرضون مقرراً دراسياً يُضفي القداسة على زعيمهم

شقيق زعيم الجماعة الحوثية يشرف على طباعة الكتب الدراسية (إعلام حوثي)
شقيق زعيم الجماعة الحوثية يشرف على طباعة الكتب الدراسية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يفرضون مقرراً دراسياً يُضفي القداسة على زعيمهم

شقيق زعيم الجماعة الحوثية يشرف على طباعة الكتب الدراسية (إعلام حوثي)
شقيق زعيم الجماعة الحوثية يشرف على طباعة الكتب الدراسية (إعلام حوثي)

ازدادت مساحة التدخلات الحوثية في صياغة المناهج الدراسية وحشوها بالمضامين الطائفية التي تُمجِّد قادة الجماعة وزعيمها عبد الملك الحوثي، مع حذف مقررات ودروس وإضافة نصوص وتعاليم خاصة بالجماعة. في حين كشف تقرير فريق الخبراء الأمميين الخاص باليمن عن مشاركة عناصر من «حزب الله» في مراجعة المناهج وإدارة المخيمات الصيفية.

في هذا السياق، كشف ناشطون يمنيون على مواقع التواصل الاجتماعي عن أعمال تحريف جديدة للمناهج، وإدراج المضامين الطائفية الخاصة بالجماعة ومشروعها، واستهداف رموز وطنية وشعبية بالإلغاء والحذف، ووضع عشرات النصوص التي تمتدح قادة الجماعة ومؤسسيها مكان نصوص أدبية وشعرية لعدد من كبار أدباء وشعراء اليمن.

إلى ذلك، ذكرت مصادر تربوية في العاصمة المختطفة صنعاء أن الجماعة الحوثية أقرّت خلال الأسابيع الأخيرة إضافة مادة جديد للطلاب تحت مسمى «الإرشاد التربوي»، وإدراجها ضمن مقررات التربية الإسلامية للمراحل الدراسية من الصف الرابع من التعليم الأساسي حتى الثانوية العامة، مع إرغام الطلاب على حضور حصصها يوم الاثنين من كل أسبوع.

التعديلات والإضافات الحوثية للمناهج الدراسية تعمل على تقديس شخصية مؤسس الجماعة (إكس)

وتتضمن مادة «الإرشاد التربوي» -وفق المصادر- دروساً طائفية مستمدة من مشروع الجماعة الحوثية، وكتابات مؤسسها حسين الحوثي التي تعرف بـ«الملازم»، إلى جانب خطابات زعيمها الحالي عبد الملك الحوثي.

وبيّنت المصادر أن دروس هذه المادة تعمل على تكريس صورة ذهنية خرافية لمؤسس الجماعة حسين الحوثي وزعيمها الحالي شقيقه عبد الملك، والترويج لحكايات تُضفي عليهما هالة من «القداسة»، وجرى اختيار عدد من الناشطين الحوثيين الدينيين لتقديمها للطلاب.

تدخلات «حزب الله»

واتهم تقرير فريق الخبراء الأمميين الخاص باليمن، الصادر أخيراً، الجماعة الحوثية باعتماد تدابير لتقويض الحق في التعليم، تضمنت تغيير المناهج الدراسية، وفرض الفصل بين الجنسين، وتجميد رواتب المعلمين، وفرض ضرائب على إدارة التعليم لتمويل الأغراض العسكرية، مثل صناعة وتجهيز الطائرات المسيّرة، إلى جانب تدمير المدارس أو إلحاق الضرر بها أو احتلالها، واحتجاز المعلمين وخبراء التعليم تعسفياً.

تحفيز حوثي للطلاب على دعم المجهود الحربي (إكس)

وما كشفه التقرير أن مستشارين من «حزب الله» ساعدوا الجماعة في مراجعة المناهج الدراسية في المدارس الحكومية، وإدارة المخيمات الصيفية التي استخدمتها للترويج للكراهية والعنف والتمييز، بشكل يُهدد مستقبل المجتمع اليمني، ويُعرض السلام والأمن الدوليين للخطر.

وسبق لمركز بحثي يمني اتهام التغييرات الحوثية للمناهج ونظام التعليم بشكل عام، بالسعي لإعداد جيل جديد يُربَّى للقتال في حرب طائفية على أساس تصور الجماعة للتفوق الديني، وتصنيف مناهضي نفوذها على أنهم معارضون دينيون وليسوا معارضين سياسيين، وإنتاج هوية إقصائية بطبيعتها، ما يُعزز التشرذم الحالي لعقود تالية.

وطبقاً لدراسة أعدها المركز اليمني للسياسات، أجرى الحوثيون تغييرات كبيرة على المناهج الدراسية في مناطق سيطرتهم، شملت إلغاء دروس تحتفي بـ«ثورة 26 سبتمبر (أيلول)»، التي أطاحت بحكم الإمامة وأطلقت الحقبة الجمهورية في اليمن عام 1962، كما فرضت ترديداً لـ«الصرخة الخمينية» خلال التجمعات المدرسية الصباحية، وتغيير أسماء المدارس أو تحويلها إلى سجون ومنشآت لتدريب الأطفال المجندين.

مواجهة حكومية

في مواجهة ما تتعرض له المناهج التعليمية في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية من تحريف، تسعى الحكومة اليمنية إلى تبني سياسات لحماية الأجيال وتحصينهم.

اتهامات للحوثيين بإعداد الأطفال ذهنياً للقتال من خلال تحريف المناهج (أ.ف.ب)

ومنذ أيام، أكد مسؤول تربوي يمني عزم الحكومة على مواجهة ما وصفه بـ«الخرافات السلالية الإمامية العنصرية» التي تزرعها الجماعة الحوثية في المناهج، وتعزيز الهوية الوطنية، وتشذيب وتنقية المقررات الدراسية، وتزويدها بما يخدم الفكر المستنير، ويواكب تطلعات الأجيال المقبلة.

وفي خطابه أمام ملتقى تربوي نظمه مكتب التربية والتعليم في محافظة مأرب (شرق صنعاء) بالتعاون مع منظمة تنموية محلية، قال نائب وزير التربية والتعليم اليمني، علي العباب: «إن ميليشيات الحوثي، تعمل منذ احتلالها مؤسسات الدولة على التدمير الممنهج للقطاع التربوي لتجهيل الأجيال، وسلخهم عن هويتهم الوطنية، واستبدال الهوية الطائفية الفارسية بدلاً منها».

ووفقاً لوكالة «سبأ» الحكومية، حثّ العباب قيادات القطاع التربوي، على «مجابهة الفكر العنصري للمشروع الحوثي بالفكر المستنير، وغرس مبادئ وقيم الجمهورية، وتعزيز الوعي الوطني، وتأكيد أهداف ثورتي سبتمبر وأكتوبر (تشرين الأول) المجيدتين».

قادة حوثيون في مطابع الكتاب المدرسي في صنعاء (إعلام حوثي)

ومنذ أيام توفي الخبير التربوي اليمني محمد خماش، أثناء احتجازه في سجن جهاز الأمن والمخابرات التابع للجماعة الحوثية، بعد أكثر من 4 أشهر من اختطافه على خلفية عمله وزملاء آخرين له في برنامج ممول من «يونيسيف» لتحديث المناهج التعليمية.

ولحق خماش بزميليه صبري عبد الله الحكيمي وهشام الحكيمي اللذين توفيا في أوقات سابقة، في حين لا يزال بعض زملائهم محتجزين في سجون الجماعة التي تتهمهم بالتعاون مع الغرب لتدمير التعليم.

وكانت الجماعة الحوثية قد أجبرت قبل أكثر من شهرين عدداً من الموظفين المحليين في المنظمات الأممية والدولية المختطفين في سجونها على تسجيل اعترافات، بالتعاون مع الغرب، لاستهداف التعليم وإفراغه من محتواه.