أوروبا في مواجهة مع الموجة الجديدة من جائحة «كوفيد ـ 19»

خيار إلزامية التلقيح مطروح... رغم مخاطر اضطرابات الشارع

أوروبا في مواجهة مع الموجة الجديدة من جائحة «كوفيد ـ 19»
TT

أوروبا في مواجهة مع الموجة الجديدة من جائحة «كوفيد ـ 19»

أوروبا في مواجهة مع الموجة الجديدة من جائحة «كوفيد ـ 19»

«في نهاية فصل الشتاء، سيكون معظم الألمان قد تلقوا اللقاح أو تعافوا أو توفوا». كان هذا تحذير وزير الصحة الألماني يانس شبان قبل أيام، الذي قد يكون أثار الكثير من الاستغراب لصراحته الفاضحة، إلا أنه نجح في لفت الأنظار لمدى خطورة عودة تفشي جائحة «كوفيد - 19» في أوروبا. إذ إن «القارة العجوز» تجد نفسها الآن مرة جديدة «بؤرة» لتفشي فيروس الجائحة، مع أنها كانت الأولى على صعيد بدء حملات التلقيح قبل سنة تقريباً. ومع هذا، فإن نسبة عدد الملقّحين من سكانها لا تتجاوز الـ65 في المائة، وهي نسبة غير كافية بحسب الخبراء الصحيين لتحقيق مناعة جماعية.
وهكذا، عادت الدول الأوروبية لتجد نفسها أمام شبح الإغلاق من جديد، بعدما كان معظمها قد وصف القيود تلك بأنها أصبحت من الماضي. بل، حتى منظمة الصحة العالمية حذرت أخيراً من أن أوروبا قد تشهد وفاة قرابة 700 ألف شخص إضافي بالفيروس بحلول مارس (آذار) المقبل، لتضاف إلى المليون ونصف المليون وفاة سجلتها القارة حتى الآن.
في حين اختارت دول أوروبية فرض الإغلاق الكامل مثل النمسا، أو الجزئي مثل هولندا؛ بهدف السيطرة على الموجة الرابعة من جائحة «كوفيد - 19»، حاولت دول أخرى، مثل ألمانيا، عزل غير الملحقين في محاولة للضغط عليهم لأخذ اللقاح.
كذلك، عاد الجدل حول إلزامية فرض اللقاح على السكان بعدما قرّرت النمسا العمل بذلك ابتداءً من فبراير (شباط) المقبل ومعاقبة كل مَن لم يرفض أخذ اللقاح بغرامات مالية تصل إلى 3 آلاف يورو وإبقائهم في العزل الدائم. بل إن في ألمانيا، حيث كان مجرّد الكلام على «إلزامية اللقاح» يُعدّ من المُحرَّمات، بات الموضوع يناقش بشكل شبه يومي على أنه الحل وحيد لتفادي موجة خامسة من الفيروس.
فهل تتجه أوروبا إلى فرض إلزامية التلقيح للتخلصّ للمرة الأخيرة من جائحة «كوفيد - 19»... أم أنها ستبقى تواجه الإغلاقات والإجراءات التقييدية ريثما يختفي الفيروس من تلقاء نفسه؟
العاصمة السويدية استوكهولم، لا تبدو حالياً على الأقل، في «حالة طوارئ» صحية.
هنا ارتداء الكمامات ليس إجبارياً الآن، ولم يكن كذلك يوماً منذ بداية تفشي فيروس جائحة «كوفيد - 19». ثم إن السويد لم تشهد الإغلاقات التي شهدتها الدول الأوروبية الأخرى حتى في عز موجات التفشي السابقة. وحتى الآن لا تبدو استوكهولم وكأنها مقتنعة بأن «الموجة الرابعة» التي أعادت الفوضى من جديد إلى عدد كبير من الدول الأوروبية، قد وصلتها بعد أو هي على أبوابها الآن.
مع ذلك، فإن الطرقات والأسواق هنا لا تبدو شديدة الازدحام.
- «مهندس» اللا إغلاق .. مصرّ على موقفه
قد يكون للبرد القارس والظلام، الذي يحل مبكراً في دول أقصى الشمال الأوروبي، دور في ذلك. ولكن السويديين اعتادوا منذ بداية محنة «كوفيد - 19» على الخطوات الفردية للحد من تحركاتهم عوضاً عن الاعتماد على القوانين المقيدة للحركة التي تجنبت الحكومة فرضها حتى الآن. فالتوجيهات الحكومية كانت كافية في الماضي لنهي عدد كبير منهم عن الخروج في تجمّعات كبيرة وتحويلهم إلى العمل من المنزل.
غير أن القيود التي رفضت السلطات السويدية فرضها جعلت من نسبة الوفيات بالفيروس في البلاد مرتفعة مقارنة بعدد سكانها. وكانت السويد قد فتحت أخيراً تحقيقاً من أجل تحديد ما إذا كانت السلطات الحكومية قد أخطأت في سياستها الصحية، وأعلنت نتيجته قبل أيام. وعلى الرغم أن من التحقيق توصل إلى استنتاج بأن الحكومة السويدية «تركت الفيروس ينتشر بصورة أسرع من الدول الشمالية الأخرى»، لم يُعط هذا التحقيق الحكم حيال صوابية أو خطأ قرار تفادي الإغلاق.
في هذا السياق، يصرّ أنديرس تيغنل، طبيب الأمراض الوبائية السويدي الذي يُعد «مهندس سياسة» رفض الإغلاق، على أن هذه السياسة لم تكن خاطئة. إذ قال تيغنل في مقابلة مع صحيفة «الفاينانشال تايمز» قبل أيام، إن السويد «بعد سنتين من جائحة (كوفيد – 19) لم تبرز من بين الدول الأخرى، فنحن لسنا الأفضل لكننا لسنا الأسوأ أيضاً. لذا؛ أسمع الآن السؤال حول ما الذي فعلته الإجراءات الصارمة التي اتخذت؟».
هذا السؤال هو بالفعل الذي يؤرق السياسيين في أوروبا اليوم. فالنقاش المحتدم حول جدوى الإغلاقات والإجراءات الصارمة في وقف تفشي الجائحة لا يتوقف.
- النمسا لها ريادة التلقيح الإلزامي
كثيرون توصلوا إلى استنتاج بأن اللقاحات وحدها هي التي ستوقف التفشي؛ وهو ما دفع بالنمسا لكي تصبح أول دولة أوروبية تعتمد إلزامية التلقيح «لأننا لا نريد موجة خامسة» كما جاء على لسان المستشار المساوي ألكسندر شلينغر. ولقد برّر المستشار هذه الخطوة بالقول أيضاً، إنه كان يعتقد أن عدداً أكبر من السكان سيتلقى اللقاح طوعاً، غير أن انخفاض نسبة الملقحين دفع بحكومته إلى اتخاذ قرار بجعل إلزامياً ابتداءً من فبراير المقبل.
لم يتردد شلينغر في إلقاء اللوم في ذلك، ليس فقط على مروّجي «نظريات المؤامرة»، بل أيضاً على حزب الحرية اليميني المتطرف الذي يرفض اللقاحات وإجراءات الوقاية، وهو موقف شبيه بمواقف معظم الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا.
والجدير بالذكر، أن الحكومة النمساوية تواجه الآن انتقادات شديدة... سياسياً من حزب الحرية اليميني المتطرف، وشعبياً من جماعات الرافضين للتلقيح الإلزامي. وقد شهدت العاصمة فيينا، بالفعل، غداة إعلان العودة إلى الإغلاق وفرض اللقاحات مظاهرة ضخمة شارك فيها ما يقارب الـ40 ألف شخص، حمل بعضهم لافتات تصف المستشار النمساوي بالديكتاتور.
للعلم، تسجّل النمسا، إلى جانب الدول الجرمانية بشكل عام، أدنى مستويات التلقيح ضد «كوفيد - 19» في الدول الغربية؛ إذ إن نسبة الملقحين فيها ما زالت دون 66 في المائة من السكان. كذلك، لا تزيد نسبة الذين تلقّوا اللقاح في سويسرا على نحو 66 في المائة من السكان. أما في ألمانيا فالوضع أفضل قليلاً؛ إذ ترتفع النسبة أكثر بقليل لتصل إلى قرابة 68 في المائة. وهكذا، تحولت هذه الدول الثلاث إلى أكبر بؤر للموجة الرابعة من الفيروس التي تضرب أوروبا حالياً. ويظهر الفارق جلياً لدى مقارنة أرقامها مع أرقام دول أخرى، ترتفع فيها نسبة التلقيح مثل البرتغال، حيث تلقى قرابة الـ87 في المائة من السكان اللقاح، وبالفعل ما زالت أعداد الإصابات فيها منخفضة.
على صعيد متصل، مع أن بعض مستشفيات ألمانيا في الولايات الأكثر تأثراً بدأت بنقل مرضاها إلى ولايات ألمانية أخرى وحتى إلى دول أخرى مثل إيطاليا، فإن ألمانيا تستقبل بنفسها مرضى «كوفيد - 19» من هولندا... التي دخلت موجة رابعة قاسية قبل أسابيع وفرضت إغلاقاً جزئياً تسبب في مظاهرات، تحولت إلى ليال من العنف في بعض المدن مثل روتردام.
لقد نقلت هولندا في الأيام الماضية 19 مريضاً إلى مستشفيات ألمانيا. ويشغل نصف أسرّة العناية المركزة في هولندا والبالغ عددها 1050 سريراً، مرضى يعانون من «كوفيد - 19».
بل لقد تحولت مستشفيات هولندا إلى العمل بـ«حالة الطوارئ»، وهي تلغي منذ أسابيع علاجات مرضى السرطان وعمليات القلب الجراحية لنقص أسرّة عناية مركزة قد يحتاجون إلى نقلهم إليها.
- الموجة الجديدة تدعم طرح إلزامية التلقيح
ولكن حتى في البرتغال، التي ترتفع فيه نسبة الملقحين عادت أعداد الإصابات لترتفع خلال الأيام الماضية؛ ما دفع برئيس الحكومة هناك إلى التحذير من إمكانية إعادة فرض بعض الإجراءات الوقائية الضرورية لاحتواء التفشي. وبطبيعة الحال، دفع هذا الواقع كثيرين إلى التساؤل عن جدوى تلقي اللقاحات التي لا تقي بنفسها من العدوى.
غير أن خبراء الصحة العامة، كانوا قد قالوا، وذكّروا مراراً خلال الأشهر الأخير بأن انخفاض نسبة الاجسام المضادة للفيروس بعد 6 أشهر من تلقي اللقاح يعني أن ثمة حاجة ماسّة إلى جرعات معزّزة ثالثة بعد تلك الفترة للحفاظ على أعداد الإصابات الخطرة منخفضاً.
وواقع أن اللقاحات الحالية لا تمنع العدوى، بل تؤمّن حماية ضد المرض الشديد، فتح نقاشاً حول ضرورة تطوير لقاحات تقي من انتقال الأوبئة في المستقبل. وقد دعا الملياردير الأميركي بيل غيتس، الذي يستثمر مبالغ طائلة في الأبحاث العلمية ودراسات تطوير اللقاحات، إلى زيادة الاستثمارات في هذا المجال والتفكير «بأسلوب جديد لتطوير اللقاحات». وقال غيتس في مقابلة مع منظمة «بوليسي إكستشاينج»، إنه من الضروري أن «تركز ميزانيات البحث والتطوير في المستقبل على نقاط الضعف التي كشفها فيروس (كوفيد – 19) في العالم». وأردف «إننا لم نتمكن من تطوير لقاحات تمنع العدوى، بل نجحنا فقط بتطوير لقاحات تساعد صحياً وتساعد بشكل طفيف في منع العدوى».
- ألمانيا على خطى النمسا
وتحاول الدول الأوروبية التسريع ببرامج إعطاء الجرعات المعززة من جهة، والبدء بتلقيح الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين الـ5 سنوات والـ12 سنة؛ بهدف توسيع دائرة الملقحين ورفع نسبة السكان المحصين بأجسام مضادة. ولكن على الرغم من ذلك، فإن المخاوف من تواضع نسب الإقبال على تلقي اللقاحات تحوّلت إلى كابوس يؤرق أوروبا.
وبعدما اتخذت النمسا القرار الأول بجعل التلقيح إلزامياً، بدأت ألمانيا تناقش الموضوع جدياً وبشكل يومي. وبعدما كانت المستشارة أنجيلا ميركل – وهي ذات خلفية تخصصية علمية معروفة – والوزراء والمسؤولون الصحيون في معهد روبرت كوخ للأمراض الوبائية، قد أكدوا مراراً بأن اللقاحات لن تصبح أبداً إلزامية في ألمانيا، بدأت النبرة تتغير في الأيام الماضية، وتوسّعت دائرة السياسيين والمسؤولين الصحيين المؤيدين لإلزامية التلقيح.
هذا، وصدرت دعوات تدعو إلى التمثل بالنمسا من رئيس حكومة ولاية بافاريا وزعيم حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي (الحزب الشقيق لحزب ميركل) ومن فريدريش ميرز المرشح لزعامة حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الحاكم الذي يتخبّط لإيجاد خليفة له بعد ميركل. أيضاً، صدرت دعوات مؤيدة لإلزامية اللقاح من السياسي البرليني الاشتراكي البارز مايكل مولر ومن النائب كارل لوترباخ المتحدث الصحي باسم الحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكي) الذي سيشكّل الحكومة الألمانية المقبلة برئاسة أولاف شولتز.
ويبدو أن ألمانيا بدأت تفكر جدياً بفرض إلزامية اللقاح على جميع السكان؛ فهي بدأت بفرضه على بعض الفئات كما فعلت فرنسا وإيطاليا في السابق. وأعلن الجيش الألماني أن الجنود الألماني سيكون عليهم أخذ اللقاح إلزامياً أو يواجه الرافضون منهم التأديب. وحتى الآن، قبِل 80 في المائة من الجنود الألمان بتلقي اللقاح.
كذلك، يبدو أيضاً أن ألمانيا تتجه إلى جعل التلقيح إلزامياً للعاملين داخل دور المسنين الذين ينقلون العدوى إلى المسنّين... الذين غالباً ما تكون إصابتهم خطرة وفتاكة. وخلال الأسابيع الماضية لوحظت عودة الإصابات والوفيات إلى الارتفاع داخل دور المسنّين بسبب بطء عملية إعطائهم الجرعات المعزّزة، وانخفاض المضادات الحيوية لديهم لأن معظمهم تلقوا الجرعتين الأولى والثانية مطلع العام.
من ناحية أخرى، في ألمانيا مثل النمسا، يرفض حزب «البديل لألمانيا» اليميني المتطرف الإجراءات الوقائية المتخذة والمخطط لها ضد «كوفيد - 19»، ويعارض نوابه التلقيح وهم أنفسهم لم يتلقوه. وهؤلاء باتوا حتى يرفضون إجراء الفحوص الدورية التي تكشف عن الفيروس قبل دخول مبنى مجلس النواب (البوندستاغ) أو حتى وضع الكمامات داخل المبنى؛ ما دفع إلى عزلهم إلى شرفة البرلمان، ومن ثم منع نواب هذه الكتلة المتطرفة بالجلوس في القاعة الرئيسة.
- ما هي توجّهات حكومة شولتز المقبلة؟
> حتى الآن، تبدو مواجهة تفشي الجائحة من أولويات الحكومة الألمانية المقبلة التي قد تتسلم مهامها خلال أسبوعين بعدما أعلنت الأحزاب الثلاث (الحزب الديمقراطي الاجتماعي «الاشتراكي» وحزب «الخضر» والحزب الديمقراطي الحر) عن التوصل إلى اتفاق بعد قرابة شهرين من المفاوضات. ولقد كشف الزعيم الاشتراكي أولاف شولتز – الذي هو حالياً نائب المستشارة ميركل - أثناء إعلانه عن الاتفاق على تشكيل الحكومة، عن تخصيص غرفة عمليات دائمة متخصصة لمواجهة «كوفيد - 19» مقرها مبنى المستشارية. ولكن، ثمة من يقول، إنه على الرغم من أن ميركل حاولت تدفع البلاد نحو إغلاق جديد بهدف السيطرة على تفشي الجائحة، فإن الحكومة الجديدة تبدو رافضة للفكرة... وإن كانت قد أعلنت عن اتخاذ خطوات إضافية لمحاولة احتواء الموجة الرابعة.
ووسط كل هذا الجدل، عادت المستشفيات في دول كثيرة إلى العمل بنظام الطوارئ، أي إلغاء العمليات غير الضرورية وتأجيل استقبال المرضى ذوي الحالات غير الطارئة.
- الحالة الهولندية... قد تكون مقدمة!
> مع عودة إجراءات الإغلاق، عادت معها أعمال الشغب المصاحبة لها. ففي هولندا والنمسا وبلجيكا وغيرها، خرجت مظاهرات غاضبة لآلاف المعارضين للقيود الجديدة. وفي مدينة دوتردام، مثلاً، بقيت أعمال الشغب تندلع لثلاثة أيام متتالية. وراح الشبان المشاركون في المظاهرات يشعلون المفرقعات والألعاب النارية ويرمون رجال الشرطة بها. وجاء هذا رداً على قرار الحكومة إلغاء السماح بإشعال الألعاب النارية ليلة رأس السنة لتفادي إصابات تستدعي دخول الطوارئ التي تفوق طاقتها الاستيعابية بسبب مرضى الجائحة. ووصف رئيس الحكومة الهولندية مارك روته مثيري أحداث الشغب بأنهم «أغبياء»، وأضاف أنه «لن يسمح أبداً بأن يستخدم أغبياء العنف فقط لأنهم ليسوا سعداء» بالإجراءات.
غير أن مراقبين يحذرون من أن أعمال الشغب هذه قد تتفاقم في حال توسع النقاش أكثر حول إلزامية اللقاح وارتفع عدد الدول التي تعتمده. وقال رئيس المركز الأوروبي لتفادي الأمراض المعدية أندريا أمون «إن إلزامية التلقيح قد تثير المزيد من المقاومة من معارضي التلقيح». وبالفعل، في مدن مثل برلين، التي تشهد أصلاً مظاهرات شبه أسبوعية معترضة على وضع الكمامات والقيود المتبقية، فإن «سيناريو» من هذا النوع محتمل جداً، خاصة بعد تطمينات السياسيين لأشهر بأن التلقيح لن يفرض فرضاً ولن يكون إلزامياً.
وفي المقابل، بينما تواصل أعداد الإصابات والوفيات ارتفاعها، بدأت دول أوروبية تحذر من موجة خامسة... قبل أن تنتهي بعد من الموجة الرابعة. وجاءت تصريحات مسؤولة في منظمة الصحة العالمية حول ضرورة مناقشة إلزامية اللقاح في أوروبا بشكل جدي، لتزيد من الضغوط على الدول الأوروبية للتحرك في هذا الاتجاه. ونقلت قناة «سكاي نيوز» عن روب باتلر، مسؤول المكتب الإقليمي في أوروبا في منظمة الصحة العالمية، إنه من المفيد أن مناقشة إلزامية اللقاح على ضوء تزايد الحالات. إلا أنه أضاف بأن جعله إلزامياً «يمكن ولكن ليس دائماً، أن يزيد عدد الملقحين». وبعكس موقفه، حذر أنطوني كاستيلو، وهو مدير سابق في منظمة الصحة العالمية، من اعتماد إلزامية اللقاح بحجة أن قرارا كهذا «من شأنه أن يصدم الكثير من الناس الذين لا يثقون بالحكومات ولا باللقاحات، وقد يؤدي إلى أعمال شغب أكبر» من التي حصلت حتى الآن.


مقالات ذات صلة

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

شمال افريقيا «الصحة» المصرية تنفي رصد أمراض فيروسية أو متحورات مستحدثة (أرشيفية - مديرية الصحة والسكان بالقليوبية)

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

نفت وزارة الصحة المصرية رصد أي أمراض بكتيرية أو فيروسية أو متحورات مستحدثة مجهولة من فيروس «كورونا».

محمد عجم (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أظهر المسح الجديد تراجعاً في عدد الأطفال الصغار المسجلين في الدور التعليمية ما قبل سن الالتحاق بالمدارس في أميركا من جراء إغلاق الكثير من المدارس في ذروة جائحة كورونا (متداولة)

مسح جديد يرصد تأثير جائحة «كورونا» على أسلوب حياة الأميركيين

أظهر مسح أميركي تراجع عدد الأجداد الذين يعيشون مع أحفادهم ويعتنون بهم، وانخفاض عدد الأطفال الصغار الذين يذهبون إلى الدور التعليمية في أميركا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا الزحام من أسباب انتشار العدوى (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

نفى الدكتور محمد عوض تاج الدين مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية وجود أي دليل على انتشار متحور جديد من فيروس «كورونا» في مصر الآن.

أحمد حسن بلح (القاهرة)
العالم رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.