رئيس الوزراء البريطاني في ورطة بسبب قطعة نقانق

كاميرون: لن أغير الطريقة التي أتصرف بها ولم أخف نشأتي المرفهة

ديفيد كاميرون يتناول النقانق بالشوكة والسكينة مع إحدى العائلات خلال جولة انتخابية (أ.ف.ب)
ديفيد كاميرون يتناول النقانق بالشوكة والسكينة مع إحدى العائلات خلال جولة انتخابية (أ.ف.ب)
TT

رئيس الوزراء البريطاني في ورطة بسبب قطعة نقانق

ديفيد كاميرون يتناول النقانق بالشوكة والسكينة مع إحدى العائلات خلال جولة انتخابية (أ.ف.ب)
ديفيد كاميرون يتناول النقانق بالشوكة والسكينة مع إحدى العائلات خلال جولة انتخابية (أ.ف.ب)

أثارت صورة رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون وهو يأكل «هوت دوغ» (نقانق) بالشوكة، زوبعة طريفة على مواقع التواصل الاجتماعي وفي وسائل الإعلام. وفي وقت يحاول رؤساء الأحزاب البريطانية التودد للناخبين قبيل الانتخابات البرلمانية في 6 مايو (أيار) المقبل، فمن الطبيعي أن تنصب السهام على كل منهم سواء من الخصوم أو من المتابعين من الجمهور وأن توضع كل كلمة وكل تصرف تحت المجهر.
والتقطت الصورة لكاميرون أثناء قيامه بجولة انتخابية في مدينة بوول بجنوب إنجلترا خلال عطلة عيد الفصح، وهناك تناول وجبة مع إحدى العائلات، ولفتت اللقطة اهتمام أعضاء الفريق الصحافي المرافق وتحولت بعد ذلك إلى مثار التعليقات والاستنكار من الجمهور الذي رأى أن تناول النقانق بالشوكة إنما يشير إلى أن كاميرون شخص مرفه وإن حاول أن يجاري الناخبين من الطبقات المتوسطة.
وحسب ما ذكرت الصحف، فيبدو أن كاميرون كان متوقعا أن تثار الضجة، فلم يبدأ بالأكل إلا بعد انصراف المصورين الصحافيين، ولكن فيما يبدو أحدهم نجح في البقاء والتقاط الصورة. ولعل كاميرون كان يريد تفادي حملات السخرية التي وجهت لزعيم حزب العمال إد ميليباند بعد أن التقطت له صورة وهو يأكل ساندويتشا، وبدا مرتبكا، وشبهه البعض وقتها بشخصية «والاس» من السلسلة الناجحة «والاس آند غروميت». وظلت وسائل الإعلام تذكر تلك اللقطة لميليباند.
وليست هذه المرة الأولى التي يتعرض فيها كاميرون للسخرية بسبب طريقة أكله، ففي خلال زيارة للولايات المتحدة الأميركية في عام 2012 التقطت صور له وهو يتناول ساندويتش نقانق مع الرئيس الأميركي باراك أوباما خلال مباراة كرة السلة، وبالنسبة لأوباما فقد اعتاد الجمهور أن يراه وهو يأكل في مطاعم البورغر مع عامة الجمهور أو يتناول البوظة في هاواي أو النقانق عند حضوره المباريات الرياضية وتعامل تلك الصور على أنها دليلا على اقتراب أوباما من المواطن الأميركي، ولكن بالنسبة لكاميرون، فالأمر مختلف، فما كان من صحيفة «الديلي ميل» إلا أن علقت على الصورة بأن كاميرون كان يبدو «غير مرتاح للأكل من دون الشوكة والسكينة»، وأن ذلك يعود لنشأته المرفهة.
وتوالت بعد ذلك عناوين الصحف لتصف تلك اللحظة التي «نزل فيها رئيس الوزراء لبيوت العامة وحاول التصرف مثلهم» امتثالا لضرورات الحملة الانتخابية. فقالت «صحيفة الديلي ميل»: «كاميرون يقول إنه لن يخفي أنه من طبقة عليا بعد أن أكل النقانق بالشوكة والسكينة»، صحيفة «المترو» المجانية كتبت: «كاميرون لا يعرف كيف يأكل قطعة نقانق»، أما صحيفة «إيفننغ ستاندرد» فكتبت: «كاميرون يتناول النقانق بالشوكة والسكينة، بينما نايجل فاراج، رئيس حزب الاستقلال البريطاني، يتناول قطعة كيك بيده».
أما بالنسبة لمستخدمي موقع «تويتر» فكانت الفرصة ذهبية للسخرية من رئيس الوزراء فقال أحدهم: «كاميرون يأكل في مواجهة الكاميرا.. شجاع»، بينما قال آخر: «جديد الانتخابات: ديفيد كاميرون يأكل النقانق مع الكاتشب ليقول لنا إنه يتصرف مثل كل الناس، ولكنه يفسد محاولته باستخدام الشوكة والسكينة».
ولكن كاميرون اختار أن يرد على موجة السخرية بتحد وعلق على الصورة قائلا خلال مقابلة تلفزيونية، أمس، على محطة «آي تي في» إنه لن يغير الطريقة التي يتصرف بها لكي يخفي نشأته المرفهة. وأضاف: «تعلمت في مدرسة راقية وتمتعت بتربية مرفهة. لم أحاول أبدا إخفاء ذلك ولن أغير لكنتي لأتحدث بطريقة مختلفة».
ويعاني كاميرون من تهمة أنه فاقد الصلة مع الواقع والمجتمع البريطاني، وهي تهمة يكيلها له خصومه في حزب العمال، وأيضا الجمهور الذي يشير لنشأة كاميرون في عائلة غنية، حيث كان والده يتاجر بالأسهم، وتلقى تعليمه في أرقى المدارس الخاصة في بريطانيا وهي مدرسة إيتون. ولكن إد ميليباند رئيس حزب العمال يعاني أيضا من التهمة نفسها، فهو ابن مهاجر يهودي وأستاذ جامعي ماركسي ودرس في جامعة أكسفورد.
وبينما ينال الزعيمان نصيبهما من التهكم حول ثرائهما يتقبل الجمهور من نيجل فاراج، زعيم حزب الاستقلال البريطاني، اندماجه في الطبقات العاملة وذهابه إلى الحانة وتناوله الجعة معهم، على الرغم من أن فاراج أيضا يتمتع بثراء كبير.
ويبدو من تعليقات بعض الصحف الأوروبية أو الأميركية، استغراب من أن تشغل صورة لسياسي بريطاني، وهو يتناول الطعام بطريقة ما، كل تلك الضجة، لكن في المجتمع البريطاني الذي يعير اهتماما خاصا للطبقات الاجتماعية يمكن تفهم دلالات ذلك.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».