«حد الطار»... قصة شعبية من السعودية إلى رهان «الأوسكار»

الخامس من المملكة الذي يترشح لمنافسة أفضل فيلم أجنبي

بوستر فيلم «حد الطار»  (الشرق الأوسط)
بوستر فيلم «حد الطار» (الشرق الأوسط)
TT

«حد الطار»... قصة شعبية من السعودية إلى رهان «الأوسكار»

بوستر فيلم «حد الطار»  (الشرق الأوسط)
بوستر فيلم «حد الطار» (الشرق الأوسط)

في حي شعبي وسط الرياض تملأه التناقضات والخبايا، تنشأ قصة حب بين ابن منفذ أحكام الإعدام «السياف» وابنة مغنية الأفراح «الطقاقة»، وتعكس هذه القصة خبايا مجتمع الطبقة الكادحة في حقبة التسعينات من القرن المنصرم، في فيلم «حد الطار»، الذي تمكن من شق طريقه وصولاً إلى اختياره من قبل هيئة الأفلام السعودية لتمثيل البلاد رسمياً في مسابقة الأوسكار عن فئة أفضل فيلم أجنبي.
ويوضح السينمائي أحمد الملا، وهو عضو اللجنة السعودية الخاصة بالأوسكار، أن الدول ترشح فيلماً واحداً لمسابقة الأوسكار عن فئة الأفلام الدولية (بلغة غير الإنجليزية)، ثم يتم اختيار قائمة قصيرة من بين أعداد كبيرة جداً، ويضيف: «فيلم (حد الطار) قادر على الوصول إلى القائمة القصيرة، وهو ما أتمناه».
وأبان الملا لـ«الشرق الأوسط» أن فيلم «حد الطار» يحمل عبق وروح الأمكنة القديمة، ويحوي قصة إنسانية عميقة لفئات اجتماعية بسيطة بما يلفت النظر إليه، مفيداً بأن ذلك هو مكمن الحالة الدرامية، فضلاً عن كون الفيلم مشغولاً فنياً بشكل جيد، وهي مقومات أكد أنها ساعدت اللجنة على ترشيحه.
بدوره، يرى فهد الأسطاء، وهو كاتب وناقد سينمائي، أن منافسة فيلم سعودي مع حوالي 60 فيلماً ودولة قدمت أفلامها من أجل الترشح للأفلام الخمس الأخيرة، هو إنجاز كبير.
وبسؤاله عن إمكانية الخروج من المشاركة لأجل التمثيل إلى حصد الجوائز، يؤكد أن المنافسة مع دول سبقت كثيراً في الصناعة السينمائية يعد أمراً ليس بالسهل، والظهور في مرحلة «التمثيل» لا يعد أمراً معيباً، خصوصاً بالنظر إلى حداثة التجربة السعودية.
ويوضح الأسطاء خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أن صناعة الأفلام الطويلة بدأت في السعودية منذ منتصف العقد الأول من هذه الألفية، ويضيف: «ما زلنا نتلمس الخطوات وما زال المخرجون يحاولون تكوين رؤيتهم الخاصة والتجريب أكثر من مرة».
وأشار الأسطاء إلى أن هذه المرة الخامسة التي ترشح فيها السعودية فيلماً للمسابقة، وكانت المرة الأولى من نصيب «وجدة» للمخرجة هيفاء المنصور عام 2013، ثم فيلم «بركة يقابل بركة» للمخرج محمود صباغ عام 2016، فـ«المرشحة الثانية» أيضاً للمنصور عام 2019، تلاه «سيدة البحر» للمخرجة شهد أمين في العام الماضي 2020.
ويدخل «حد الطار» بهذا الترشيح في منافسة مع أفلام من بقية دول العالم، وسيمر بعدة مراحل فرز، قبل الإعلان عن القائمة الأولية ثم النهائية التي ستختارها الأكاديمية الأميركية للعلوم والفنون المانحة لجوائز الأوسكار، التي سيعلن عن الفائز بها في حفل الدورة 94 الذي سيُقام على مسرح دولبي في لوس أنجليس بتاريخ 27 مارس (آذار) المقبل، موضحاً أنه خلال كل دورات الأوسكار هناك نحو 10 أفلام عربية فقط استطاعت الوصول إلى مرحلة الترشيح، وهي نسبة قليلة جداً لأفلام عربية من عدة دول، ملمحاً إلى أن الأفلام العربية إجمالاً ليست ذات حظوظ وافرة في الترشيح النهائي للأوسكار، رغم أنها تنتمي إلى سينما أقدم بكثير من السينما السعودية.
ويشير الأسطاء إلى أن «حد الطار» هو المرشح الأفضل من أفلام السينما السعودية الأخيرة، فضلاً عن كونه حقق إنجازات جيدة وحصد عدة جوائز خلال العام الحالي، وهو الفيلم السعودي الأكثر احتفاء حتى أثناء نزوله لصالات السينما، حيث حقق مشاهدة جيدة، وحظي بصيت شعبي جيد، مما يجعله يعتقد أنه الفيلم الأكثر تأهيلاً لأن يمثل السعودية في الأوسكار.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».