أسبوع المطبخ الإيطالي ينطلق من قلب بيروت

سفارة روما لدى لبنان استضافت الأسر في «محطة البلد»

عائلات تشارك في يوم المطبخ الايطالي
عائلات تشارك في يوم المطبخ الايطالي
TT

أسبوع المطبخ الإيطالي ينطلق من قلب بيروت

عائلات تشارك في يوم المطبخ الايطالي
عائلات تشارك في يوم المطبخ الايطالي

أكثر من 250 شخصاً يسكنون في أحياء بيروت التي دمَّرها انفجار المرفأ في 4 أغسطس (آب) من العام الماضي، لبّوا دعوة السفارة الإيطالية في لبنان، لتناول طعام الغداء في «محطة البلد» في الأشرفية.
الهدف من هذه الفكرة التي تأتي عشية انطلاق «أسبوع المطبخ الإيطالي» في العالم، هي بمثابة لفتة تضامنية مع أهالي بيروت، فتبرز مدى تعاطف ودعم الشعب الإيطالي لهم. وتسهم المبادرة، في نشر ثقافة الغذاء الإيطالي بين العائلات والفئات المحتاجة.
احتضن قلب بيروت هذا الحدث وبالتحديد «محطة البلد» التابعة لجمعية «نايشن ستايشن» في منطقة الجعيتاوي. وتأتي هذه الفعالية لتسبق أسبوع المطبخ الإيطالي في لبنان الذي ينطلق من 10 إلى 19 ديسمبر (كانون الأول) المقبل.
نُظّم الحدث بالتعاون مع مكتب وكالة التجارة الإيطالية، واختير الشيف الإيطالي ماسيمو بوغليوزي عرّاباً له. فهو وضع لائحة طعام منوعة وغنية من المطبخ الإيطالي كي تؤلف الأطباق التي ستتناولها العائلات المستضافة.
ووقفت السفيرة الإيطالية في بيروت نيكوليتا بومباردييري مع رئيس الوكالة الإيطالية للتجارة كلاوديو باسكوالوتشي، يستقبلون المدعوين من سكان أحياء بيروت وغالبيتهم من كبار السن. وتحدثت السفيرة إليهم والتقطت صوراً تذكارية معهم تماماً كربة المنزل التي تستقبل زوارها. وقالت بومباردييري في حديث لـ«الشرق الأوسط»، «فكرنا في تنظيم هذه المبادرة في أسبوع المطبخ الإيطالي العالمي، ولكن بطريقة مختلفة. فقدمنا الفرصة لهؤلاء الناس الذين لا تسمح لهم ظروفهم بارتياد المطاعم الإيطالية في لبنان والتعرف إلى أطباق مطبخها. رغبنا في إهدائهم يوماً جميلاً ومختلفاً عن باقي أيامهم المليئة بالهموم». وتتابع «الأجواء كما ترين هنا تنبع من قلب المطبخ الإيطالي التقليدي، وجميع الأطباق حضرت بمكونات طازجة وعالية الجودة. تشاركنا هذه التجربة مع سكان منطقة الجعيتاوي التي تضررت بشكل مباشر من جراء انفجار المرفأ. هذه المنطقة ترمز إلى اتحاد أهاليها ومدى مساندتهم لبعضهم بعضاً، لا سيما بعد انفجار بيروت. وقد استعنا بشباب لبناني تطوع معنا من أجل إنجاح المبادرة، فكانوا أفضل مثال على تكاتف اللبنانيين».
تألفت لائحة الطعام من أطباق إيطالية مشهورة كالبروشيتا واللازانيا والدجاج مع البطاطا بالفرن والبينيه آرابيا وغيرها. وجلس المدعوون يتوزعون على الطاولات يتذوقون الأطباق ويثنون على نكهتها. «سأحتفظ بذكرى هذا اليوم كونه أضاف لي ولوالدتي جرعة من السعادة كنا نحتاج إليها». تقول لودي أبي ضاهر التي تسكن في حي موازٍ لـ«محطة البلد». أما العم يوسف الذي كان يأكل السباغيتي على الطريقة الإيطالية فتحدث عن الأجواء الدافئة التي تلف المكان بضيوفه والداعين إليه. وقال لـ«الشرق الأوسط»، «أشعر بالفرح وجيراني بقربي نتناول طعاماً ساخناً والشتاء ينهمر في الخارج. شكراً للإيطاليين ولدعمهم لنا، وأقول لهم نحن أيضاً نحبكم».
من ناحيتها، فقد أكدت تاتوي، وهي مواطنة أرمنية، أنّها عادة ما تقصد «محطة البلد» ثلاث مرات في الأسبوع لتحصل على طبق غداء ساخن تؤمّنه جمعية «nation station» مجاناً لأهل الحي. وتضيف في سياق حديثها لـ«الشرق الأوسط»، «إنها تجربة جميلة وقد رغبنا في أن نتعرف على المطبخ الإيطالي عن قرب. فأطباقه لذيذة جداً».
وفي جولتنا في «محطة البلد» التقينا الشيف الإيطالي ماسيمو بوغليوزي الذي يعمل في مطعم «فيا روما» في منطقة النقاش، منهمكاً بتقطيع شرائح طبق اللازانيا ليصبّها في أطباق المدعوين، وقال لـ«الشرق الأوسط»، «أستمتع كثيراً بهذه التجربة، فمن الجميل أن يعمل المرء على مساعدة من هم في حاجة إليه. كل ما حضّرته من أطباق هو ممزوج بكثير من الحب، ونتشاركها مع قليل من الدفء الذي يحتاج إليه الناس هنا في ظل مشكلات كثيرة يعيشونها». وعن كيفية اختياره الأطباق، يتابع «إنها جميعها تندرج على لائحة (صنع في البيت)، وقد اخترتها تقليدية مشهورة في المطبخ الإيطالي وبعضها يشبه بمكوناته الطعام اللبناني».
ويشير مازن المر، أحد مؤسسي جمعية «نايشن ستايشن» المستضيفة للمبادرة، إلى أنّ تنظيم هذا اليوم من قبل السفارة الإيطالية، حمل الفرح لأهالي الجعيتاوي. ويتابع «نحن هنا بمثابة عائلة واحدة. فالمأساة التي عشناها إثر الانفجار كانت صعبة وقاسية جداً. هناك أشخاص لم يتمكنوا حتى اليوم من تخطي تلك الفترة وتداعياتها السلبية عليهم. وتأتي هذه المبادرة لتترجم تضامن الإيطاليين مع العائلات التي تأذت من جراء الانفجار».
ويحتفل لبنان بأسبوع المطبخ الإيطالي من 10 إلى 19 ديسمبر المقبل. وسيتخلله مبادرات تسلط الضوء على نوعية وجودة المنتجات الغذائية الإيطالية، وعلى فن المطبخ الإيطالي.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».