تشكل ظاهرة ارتفاع درجة حرارة الإلكترونيات في أثناء العمل داخل الهواتف الذكية الحديثة تحدياً كبيراً يواجه العلماء، إذ إنه مع ارتفاع درجة الحرارة بشكل منتظم، يتقاعس الجهاز عن تأدية المهام المطلوبة بالكفاءة المتوقعة.
وفي هذا الإطار، ابتكر باحثون بجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) طريقة سريعة فعالة لصنع مادة كربونية قد تصبح وسيلة مثالية لتبديد الحرارة في تلك الأجهزة. ومن الوارد أيضاً الاستعانة بهذه المادة متعددة الاستعمالات في مجالات إضافية، من مستشعرات الغاز حتى الخلايا الشمسية.
غرافيت «نانوي»
وتستخدم كثير من الأجهزة الإلكترونية أغشية من الغرافيت لسحب وتبديد الحرارة التي تتولد عن المكونات الإلكترونية. ومع أن الغرافيت هو أحد المعادن التي تتشكل طبيعياً من الكربون، فإن التحكم في حرارة الإلكترونيات مهمة صعبة، وتعتمد عادة على استخدام أغشية مصنعة عالية الجودة من الغرافيت، تبلغ سماكتُها بضعة ميكرومترات (الميكرومتر هو جزء من المليون جزء من وحدة المتر).
لكن الدكتور جي ديوكار، الباحث في مرحلة ما بعد الدكتوراه في مختبر الدكتور بيدرو كوستا الأستاذ المساعد في قسم العلوم والهندسة الفيزيائية بـ«كاوست» الذي أشرف على هذا الجهد البحثي، يستدرك قائلاً: «إن استخدام البوليمرات بصفتها مادة أولية في صنع أغشية الغرافيت طريقة معقدة، وتستهلك قدراً هائلاً من الطاقة».
ويشار إلى أن الأغشية المستخدمة حالياً تُصنَع في عملية متعددة الخطوات تتطلب درجات حرارة تصل إلى 3200 درجة مئوية، وهذا لا يتيح إنتاج أغشية تقل سماكتُها عن بضعة ميكرومترات.
وللتغلب على هذا العائق، ابتكر ديوكار وكوستا وزملاؤهما طريقة سريعة موفرة للطاقة لصنع ألواح من الغرافيت تبلغ سماكتُها 100 نانومتر تقريباً (النانومتر هو واحد من المليار من قيمة المتر). فقد أنتج الفريق أغشية من الغرافيت ذات سماكة نانومترية، على رقاقات من النيكل، باستخدام طريقة تسمى «الترسيب الكيميائي للبخار»، وهي عملية كيميائية تستخدم لإنتاج مواد صلبة عالية الأداء عالية النقاوة، يلعب فيها النيكل دوراً تحفيزياً محولاً غاز الميثان الساخن إلى غرافيت على سطحه.
ويقول ديوكار: «لقد صنعنا أغشية من الغرافيت ذات سماكة نانومترية عبر خطوة الإنماء بالترسيب الكيميائي للبخار التي لم تتجاوز مدتها 5 دقائق، وكانت درجة حرارة التفاعل 900 درجة مئوية».
وتجدر الإشارة إلى أن الغرافيت يعد شكلاً من أشكال الكربون، ويوجد بصفته معدناً في الطبيعة، كما يمكن تكوينه صناعياً. وللغرافيت استخدامات متعددة غير استخدامه في أقلام الرصاص، فهو موصل جيد للحرارة، مما يتيح استخدامه في كثير من المنتجات الإلكترونية، مثل الأقطاب الكهربائية والبطاريات والألواح الشمسية.
ونمت أغشية الغرافيت ذات السماكة النانومترية التي يمكن إنتاجها في ألواحٍ تصل مساحتها إلى 55 سنتيمتراً مربعاً على جانبي الرقاقة كلاهما. وقد أمكن استخلاصها ونقلها إلى أسطح أخرى، دون الحاجة إلى طبقة بوليمرية داعمة، تكون مطلوبة في العادة عند التعامل مع أغشية الجرافيت أحادية الطبقة.
استخدامات حرارية
ومع عمل الفريق مع الدكتور أليساندرو جينوفيز، اختصاصي التصوير بالمجهر الإلكتروني في «كاوست»، التقط الباحثون صوراً مقطعية، بالمجهر الإلكتروني النافذ، لأغشية الغرافيت ذات السماكة النانومترية على النيكل. ويعلق كوستا قائلاً: «كان رصد سطح التماس بين أغشية الغرافيت ورقاقة النيكل إنجازاً غير مسبوق من شأنه أن يسلط مزيداً من الضوء على آليات إنماء هذه الأغشية».
واستناداً إلى سماكتها، تقع أغشية الغرافيت ذات السماكة النانومترية بين أغشية الغرافيت ذات السماكة الميكرومترية المتوفرة تجارياً والغرافين أحادي الطبقة. ويقول كوستا: «تعد أغشية الغرافيت ذات السماكة النانومترية مكملة للغرافين وألواح الغرافيت الصناعية، وهي تمثل إضافة جديدة إلى مجموعة أدوات أغشية الكربون ذات الطبقات». وعلى سبيل المثال، بفضل ما تمتاز به أغشية الغرافيت ذات السماكة النانومترية من مرونة، من الممكن أن تلعب دوراً في التحكم في الحرارة داخل الهواتف المرنة التي بدأت تطرح حالياً في الأسواق.
ويضيف كوستا أنه «من شأن إدماج أغشية الغرافيت ذات السماكة النانومترية أن يوفر التكلفة، ويزيد درجة المتانة، في مقابل ما يمكن أن يتيحه غشاءُ الغرافين».
غير أنه من الوارد الاستفادة من أغشية الغرافيت ذات السماكة النانومترية في كثير من الاستخدامات، خلاف تبديد الحرارة. وكان من بين السمات المثيرة للاهتمام التي أظهرتها صور المجهر الإلكتروني النافذ أن بعض مقاطع أغشية الغرافيت ذات السماكة النانومترية لم تزد سماكتها عن بضعة ألواح من الكربون. ويقول ديوكار: «من اللافت أن وجود نطاقات الجغافين محدودة الطبقات أدت إلى درجة معقولة من شفافية الضوء المرئي للغشاء كله».
واقترح الفريق إمكانية استخدام أغشية الغرافيت ذات السماكة النانومترية، الموصلة شبه الشفافة، بصفتها مكوناً في الخلايا الشمسية، أو مادة استشعارٍ لرصد غاز ثاني أكسيد النيتروجين. ويقول كوستا: «نخطط لدمج أغشية الجرافيت ذات السماكة النانومترية في الأجهزة، بحيث تعمل بصفتها مادة نشطة متعددة الوظائف».