حسن شرارة: التأليف الموسيقي تراجع لصالح أغاني «المهرجانات»

الموسيقار المصري قال لـ«الشرق الأوسط» إنه تعلم الالتزام من أم كلثوم

الموسيقار المصري حسن شرارة (الشرق الأوسط)
الموسيقار المصري حسن شرارة (الشرق الأوسط)
TT

حسن شرارة: التأليف الموسيقي تراجع لصالح أغاني «المهرجانات»

الموسيقار المصري حسن شرارة (الشرق الأوسط)
الموسيقار المصري حسن شرارة (الشرق الأوسط)

قال الموسيقار المصري الدكتور حسن شرارة، أحد أشهر عازفي الكمان في الوطن العربي، إن «فرقة سداسي شرارة تقدم منذ تأسيسها على يد والده الموسيقار الكبير عطية شرارة موسيقى ذات هوية مصرية، وتستند إلى آلات موسيقية عربية من دون أي آلات إلكترونية، إذ إنها تعتمد التخت الشرقي الأصيل، ومن ذلك آلات العود والناي والقانون والرق والطبلة إلى جانب التشيلو والكمان». وأعرب عن سعادته لاحتفال الفرقة بمرور أربعين عاماً على تأسيسها معتزاً بتكريم مهرجان الموسيقى العربية لها في نسخته الثلاثين أخيراً.
وتأسست الفرقة بغرض تقديم الموسيقى العربية المجردة (من دون تقديم أغان)، وبذلك زودت المستمع بطاقة روحانية راقية، ونقلته إلى عوالم من المشاعر العميقة، كما أطلقت العنان لخياله، كما قدمت حفلات في معظم الدول العربية والأوروبية والآسيوية».
ويؤكد شرارة الذي ساهم في إثراء الحياة الموسيقية من خلال معزوفاته وحفلاته ومسيرته الأكاديمية الطويلة، أن الفرقة تعزف مؤلفات كبار الموسيقيين المصريين والعرب: «مصر لها باع طويل في التأليف الموسيقي الخالص من دون أغانٍ، ولدينا قامات عظيمة في هذا المجال أمثال محمد الوهاب ومحمد فوزي وعلي إسماعيل وعلي فراج وعبد الحليم نويرة، وأحمد فؤاد حسن، وجمال سلامة وعطية شرارة، لكن للأسف تراجع التأليف بسبب قلة التمويل وتضاؤل الاهتمام به من جانب المؤسسات الإعلامية والثقافية».
يعتبر شرارة آلة الكمان بمثابة «الحياة» ذاتها منذ بدأ في تعلمها وهو لا يزال طفلاً صغيراً في نهاية الخمسينات من القرن الماضي، ويشعر بالامتنان لها: «منحتني الكثير، وبسببها تم تكريمي في دول كثيرة على غرار روسيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، إلى جانب العديد من الدول العربية منها تونس والجزائر والبحرين».
ويصف شرارة آلة الكمان بأنها «سيدة الأوركسترا» لأنها أكثر آلة موجودة في الأوركسترا، وهي أيضاً الأكثر تعبيراً عن المشاعر المتدفقة، وتستطيع أن تؤدي الألحان الرئيسية في العمل الموسيقى، كما أنها صاحبة أكبر مساحة صوتية بعد البيانو، وتتميز بأنها من الممكن أن تكون آلة شجن بامتياز وفي الوقت نفسه هي آلة تبث الإحساس بالمرح والتفاؤل».
وأضاف الفنان المصري الحاصل على الدكتوراه من كونسرفتوار تشاكوفسكي بتقدير امتياز عام 1974: «في العقود الأخيرة من القرن الماضي، كان هناك تذوق وإقبال أكبر من جانب الجمهور، أتذكر أنه قبل إنشاء دار الأوبرا المصرية الجديدة حين كنا نقدم حفلاتنا على مسرحي الجامعة الأميركية بالقاهرة وسيد درويش بالإسكندرية كانت الحفلات مكتملة والجمهور يجلس في ممرات المسرح لعدم وجود أماكن، ما شجعنا على السفر إلى الأقاليم بما في ذلك أقصى الصعيد، فكنا نقيم صواناً في الشارع وكذلك كانت تفعل أم كلثوم وكبار الفنانين في الأقاليم والمفاجأة أننا وجدنا الترحيب ذاته، ما يؤكد أن الناس تقدر الفن الجميل، لكن للأسف أدت الظروف الاقتصادية والمجتمعية لا سيما انتشار العشوائيات إلى تغير الأحوال، ليتراجع التأليف الموسيقي لصالح أغاني المهرجانات».
ووصف العميد الأسبق لمعهد «الكونسرفتوار» الموسيقى بأنها «مرآة حضارات الشعوب»، لذلك تميزت الموسيقى المصرية على مر الزمن: «نحن لدينا حضارة عظيمة تمتد لآلاف السنين، لكن غياب دور الإذاعة والتلفزيون والدعاية وتسويق الفن وفق المفاهيم الاقتصادية الحديثة ساهم في تراجع الفن الأصيل».
ويعتز شرارة بتعاونه الفني مع كبار الفنانين وأجيال عدة: «عملت على سبيل المثال مع عبد الوهاب وأم كلثوم ووردة وفايزة أحمد ومحمد عبده وعبادي الجوهر وطلال مداح وعبد الله الرويشد وهاني شاكر ومدحت صالح وعلي الحجار، وبجانب الأعمال الفنية المشتركة فإنني أمتلك كنزاً من الذكريات التي لا تُنسى والتي تؤكد على أصالة الفن والفنانين».
ويتابع: «من ذكرياتي مع الفنان محمد عبد الوهاب أنه أثناء تسجيل النشيد الوطني كان يجلس في (غرفة التحكم) وكنت أقوم بدور رائد الأوركسترا فاستدعاني ذات يوم في الغرفة حرصاً منه على التوجيه من دون أن يشعر أحد، ونبهني بصوت منخفض إلى ملحوظة فنية مهمة تداركتها».
ويواصل شريط ذكرياته قائلاً: «كما أتذكر لـ(كوكب الشرق) أثناء تسجيل (الثلاثية المقدسة) مراعاتها التزامي وزملائي طلبة معهد (الكونسرفتوار) بحفل أوركسترا بالمعهد، ومنحتنا يوم إجازة من البروفات، ومن الطريف أننا حين توجهنا للاستديو في اليوم التالي وصلنا في الثانية عشرة ظهراً وهو موعد بدء البروفات المعلن عنه، لكن فوجئنا بالطرقات والمكان خال تماماً، ففتحنا الباب بقوة ونحن نتبادل حديثاً ضاحكاً بصوت مرتفع، لنفاجئ بكوكب الشرق تجلس مع فريق العمل ونكتشف أنهم يحضرون قبل التسجيل بنحو ساعة للتحضير، ليبدأوا عملهم في تمام موعدهم من دون تأخر ولو ثانية واحدة! وهنا شعرنا بالرعب وتوقعنا تعنيفاً من أم كلثوم، لكنها هونت علينا الموقف باستقبالنا بمجموعة من الدعابات، ثم شددت على ضرورة الحضور مبكراً فيما بعد ومن يومها تعلمت الالتزام الشديد».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».