«رسالة إلى الأب»... صراخ وهمسات بخط اليد

شذى شرف الدين تُكرم الورقة والقلم والحبر عبر فرانز كافكا

TT

«رسالة إلى الأب»... صراخ وهمسات بخط اليد

«في النهاية، ليس ضرورياً التحليق إلى قلب الشمس، يكفي السعي إلى مكان صغير نقي على الأرض تضيئه الشمس من حين إلى آخر، ليستطيع المرء أن يجد بعض الدفء». بهذه العبارات التي نسختها شذى شرف الدين من كتاب فرانز كافكا بخط يدها، يمكننا اختصار القيمة الفنية لمعرضها «رسالة إلى الأب» في «مركز مينا للصورة». فهو بمثابة بقعة ضوء دافئة تحتضنها بيروت في خضم أزماتها، فتتيح لزائرها أن يحلق بأحلامه إلى عالم فني لا يشبه غيره.
في المعرض لوحات مكتوبة بخط يد شذى شرف الدين بالعربية والألمانية نسختها عن رسالة فرانز كافكا إلى والده التي لم تصله أبداً، موزعة على كامل أرجاء المكان المضيف، بالتعاون مع «غاليري صالح بركات».
نستعرض قطعاً فنية بسيطة بفكرتها وعميقة بمحتواها. وضمن بنية هندسية تذكرنا بالمخطوطات الإسلامية تأخذنا شرف الدين في مشوار حميم استحدثته بين الورقة والقلم. كتبت بأحرف منمنمة محتوى عزيزاً على قلبها، كما تقول.
ألفت خارطة طريق حدودها 1600 كلمة عليها أن تجمعها في صفحة واحدة. «من هنا تكمن صعوبة هذا العمل الذي اضطرني أن أكتب نحو 2000 كلمة كوني قمت بإعادات كثيرة كي أصل إلى الهيكلية التي أرغب بها. استغرق مني هذا العمل وقتاً طويلاً لإنجازه بلغ نحو ثلاث سنوات. كنت أكتب بمسؤولية وشغف آخذة بعين الاعتبار القيمة الفنية للورق الذي أستخدمه. فهو من نوعية نادرة آتية من المكسيك، وبالكاد كنت أملك عدد الورقات اللازمة لإنجاز مهمتي».
تجذبك مخطوطات شذى شرف الدين بمحتواها وشكلها وكيفية تقديمها لعين ناظرها. أجواء المكان ذو الإضاءة الخفيفة التي ترافقها تسجيلات بصوت شذى تقرأ فيها مقاطع من كتاب كافكا، تزودك بمشاعر وأحاسيس مختلفة. وفي خضم رهبة الموقف الذي تفرضه عليك هذه الأجواء تبدأ في تحليل عملية البوح التي تقوم بها شرف الدين بسلاسة، بحيث لا تستطيع إلا أن تصغي إلى علاقة حب وطيدة بين الورق والقلم. «هدف الفكرة كان أن أجمع محتويات كتاب كافكا «رسالة إلى الأب» ضمن صفحة واحدة. بدأت مشواري مع النص العربي الذي اضطررت إلى إجراء تعديلات على المترجم منه كي أفهمه. ومن ثم انتقلت إلى النص الألماني الذي انطبع في ذاكرتي عندما قرأته. استمتعت في نسخه لأنّه ينقل مشاعر كافكا كما هي، تماماً كما كتبها متوجهاً بها إلى والده».
تكسر شرف الدين الهالة الافتراضية التي تطبع عملية التواصل الطاغية على مجتمعنا العصري اليوم. ومع الورقة والقلم نستعيد قيمة الكتاب والكتابة والقلم والورقة الغائبة عن بال جيل اليوم بسبب الرسائل الإلكترونية. وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «لم أكن أهدف للإشارة إلى هذا الغياب عن حياتنا. فما أنجزته ينبع من حبي وعشقي للكتابة العادية بعيداً عن فن الخط (كاليغرافي). فلطالما انبهرت بالخط العادي عند الناس، الذي يدفعني إلى تأمله والغوص فيه. أعتبره بمثابة بصمة من نوع آخر يتركها الإنسان، وهذه هي طبيعة المزاج الذي لفني وغمرني أثناء القيام بهذا العمل الفني».
تلمس حضور شرف الدين في خطوط الرسائل المعروضة، وتتخيل حركة القلم بين أناملها التي تترجم مشاعر دفينة خرجت إلى النور بطبيعية. تحضر الوحدة والعزلة رغم السطور المتراصة، وكذلك الهدوء والسكينة ضمن قراءة صامتة. وهي مجتمعة تؤلف لوحات تشكيلية مرسومة بتأنٍ ودقة. الريشة والألوان والشخصيات فيها هي القلم والحبر وأحرف طويلة وقصيرة تمزج بين الصراخ والهمس معاً.
تحضر علاقة كافكا بوالده الغائب الحاضر، بأفكاره ورسالته التي وجهها إلى والده من دون أن تصل إليه يوما في أعمال شرف الدين. لا تربط هي الموضوع بعلاقتها مع والدها بالمباشر، بل بالحضور الطاغي للأب عامة في العائلة. «هذا النص عزيز على قلبي لأنّه يحكي عن حالات روحية تسري فينا ونعيشها مع أهلنا. فبغض النظر عن طول الرسالة وقوة وهجها، فإنها تحكي عن عدم القدرة على التواصل. انتقد كافكا والده، فالرسالة لم تطبعها علاقة الحب. وبدوري تحدثت عن سلطة الأب التي تُغلّف وجوده العائلي، وهو ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى فقدان الكثير من الذات. فتكون أحياناً، حادة تحد من حرية الفرد بفعل السلطة الأبوية».
بالحبر القاتم والفاتح وبخلفية ورق مضيء، يعكس وهج النور الذي يشع من أحرف سميكة ورقيقة، خطّتها الفنانة التشكيلية بشغف على خلفية ورق أبيض، تدور السطور حول بعضها وأحيانا تفلت خارج هامشها. «وجدت نفسي أكتب بشكل حلزوني على الورقة. كنت أنسخ بحركة تلقائية أجعل فيها يدي على إيقاع تحدده الفقرات أو الكلمات»، توضح شرف الدين في سياق حديثها. وتؤكد أنّها لم تحضر عندها مرحلة الطفولة أثناء قيامها بهذه المهمة. ورغم أنّ هذه المخطوطات تلامسك عن قرب وتذكرك ببدايات مشوارك مع القلم والورقة فإنها توضح: «في تلك اللحظات أي أثناء كتابتي للنص، لم أتذكر طفولتي بتاتاً. ولكن دعيني أقول لك أمراً، لقد ذكرتني الآن بتلك المرحلة عندما أمسكت بالقلم لأول مرة وأنا في عمر صغير لا يتجاوز السنوات الثلاث، أذكر أنني سُحرت بعملية الكتابة فكنت أعتبرها نوعاً من الرسم. فتركيب الأحرف مع صوت القلم على الورقة حفر في داخلي وأبهرني».
وتحمل رسالة كافكا التناقض بالمشاعر تجاه والده، كذلك نلمس الأمر نفسه في عملية بناء لوحات شرف الدين. فالمخطوطات المعروضة يسكن فيها القمع والعزلة والحرية والحب، ومرات الخروج عن الطور. وفي الوقت نفسه هي محكومة بمساحة محددة استخدمت فيها قلم الرصاص مرة وقلم الحبر اللبادي (feutre) مرة أخرى. تتألف من الخط المنمنم الذي لا نستطيع قراءته بسهولة، وفي المقابل يكبر حجمه ويتضخم في رسالة طويلة كتبت بالأحرف الكرشونية، معلقة وسط المعرض لا نهاية لورقها الملفوف وتشبه الفرمان. «لقد فاق طول رسالتي هذه الخمسة أمتار وكان يمكن أن تطول أكثر. هذا لا يعني شيئا، إذ مهما طالت، فذلك لن يغير في صعوبة إيصال ما أريد قوله».
حالة من التأمل رافقت الفنانة شرف الدين أثناء قيامها بهذه المهمة. «السينوغرافيا منفذة بطريقة حميمة، حتى في تقسيم اللوحة تلمسين الوحدة مع الذات. وعندما تكتبين الأحرف المنمنمة فإنك تدخلين لا شعوريا بحالة تأمل، وأثناءها ممنوع الغلط. فلا مجال لأن تشردي ويضيع تركيزك، وإلا ستعودين إلى نقطة الصفر فتمحين وتكتبين من جديد، وهي عملية لا تتحملها نوعية الورق التي أستخدمها».
تجمع شرف الدين مخطوطاتها هذه بنسخ وأحجام مصغرة ضمن صندوق فخم يشبه إلى حد كبير الكتاب. «هذه المخطوطات عزيزة على قلبي إلى حد أعتبرها كنوزاً من نوع آخر. الصندوق صممته نتالي المير (اختصاصية غرافيك ديزاين) كي أجمع فيه هذه التكريمات للقلم والورقة والكتاب والحبر، ولرسالة كافكا بشكل رئيسي».



إشادة بانفتاح السعودية على تقديم الفن الراقي

نجوم حفل روائع الموجي في ضيافة المستشار تركي آل الشيخ «فيسبوك»
نجوم حفل روائع الموجي في ضيافة المستشار تركي آل الشيخ «فيسبوك»
TT

إشادة بانفتاح السعودية على تقديم الفن الراقي

نجوم حفل روائع الموجي في ضيافة المستشار تركي آل الشيخ «فيسبوك»
نجوم حفل روائع الموجي في ضيافة المستشار تركي آل الشيخ «فيسبوك»

شهدت الرياض وجدة فعاليات مسرحية وغنائية عقب انتهاء شهر رمضان، انطلقت مع عيد الفطر واستقطبت مشاركات مصرية لافتة، منها مسرحية «حتى لا يطير الدكان»، من بطولة الفنانَيْن أكرم حسني ودرة، في موسمها الثاني على مسرح «سيتي ووك جدة»؛ إلى عرض ستاند أب كوميدي «ذا إيليت» المقام على «مسرح محمد العلي» بالرياض، بينما شاركت الفنانة المصرية أنغام بحفلات «عيد القصيم»، والفنان عمرو دياب بحفلات «عيد جدة».
وتشهد العاصمة السعودية حفل «روائع الموجي»، الذي تحييه نخبة من نجوم الغناء، بينهم من مصر، أنغام وشيرين عبد الوهاب ومي فاروق، بالإضافة إلى نجوم الخليج ماجد المهندس وعبادي الجوهر وزينة عماد، مع صابر الرباعي ووائل جسار، بقيادة المايسترو وليد فايد وإشراف فني يحيى الموجي، ومشاركة الموسيقار رمزي يسى.
عن هذا الحفل، يعلّق الناقد الفني المصري طارق الشناوي لـ«الشرق الأوسط»: «نشجّع تكريس الكلمة الرائعة والنغم الأصيل، فحضور نجوم مصر في فعاليات المملكة العربية السعودية، يشكل حالة تكامل من الإبداع»، معرباً عن غبطته بمشهدية الزخم الفني، التي يواكبها في الرياض وجدة.
ووفق «جمعية المؤلفين والملحنين الرسمية» في مصر، ورصيد محمد الموجي، صاحب مقولة «أنا لا أعمل كالآلة تضع فيها شيئاً فتخرج لحناً؛ إنها مشاعر وأحاسيس تحتاج إلى وقت ليخرج اللحن إلى النور»، قد وصل إلى 1800 لحن، ليعلّق رئيسها مدحت العدل لـ«الشرق الأوسط» بالتأكيد على أنّ «الاحتفاء بالرموز الفنية من (الهيئة العامة للترفيه)، كاحتفالية الموجي، أمر غاية في الرقي ويدعو للفخر»، موجهاً التقدير للجميع في المملكة على النهضة الفنية الكبيرة.
واستكمالاً لسلسلة الفعاليات الفنية، فإنّ مدينة جدة على موعد مع حفلين للفنان تامر عاشور يومي 5 و6 مايو (أيار) الحالي، بجانب حفل الفنانَيْن محمد فؤاد وأحمد سعد نهاية الشهر عينه. وعن المشاركات المصرية في الفعاليات السعودية، يشير الناقد الموسيقي المصري محمد شميس، إلى أنّ «القائمين على مواسم المملكة المختلفة يحرصون طوال العام على تقديم وجبات فنية ممتعة ومتنوعة تلائم جميع الأذواق»، مؤكداً أنّ «ما يحدث عموماً في السعودية يفتح المجال بغزارة لحضور الفنانين والعازفين والفرق الموسيقية التي ترافق النجوم من مصر والعالم العربي». ويلفت شميس لـ«الشرق الأوسط» إلى أنّ «هذا التنوع من شأنه أيضاً إتاحة مجال أوسع للمبدعين العرب في مختلف الجوانب، التي تخصّ هذه الحفلات، وفرصة لاستقطاب الجمهور للاستمتاع بها بشكل مباشر أو عبر إذاعتها في القنوات الفضائية أو المنصات الإلكترونية»، معبّراً عن سعادته بـ«الحراك الفني الدائم، الذي تشهده المملكة، بخاصة في الفن والثقافة وتكريم الرموز الفنية والاحتفاء بهم».
وشهد «مسرح أبو بكر سالم» في الرياض قبيل رمضان، الحفل الغنائي «ليلة صوت مصر»، من تنظيم «الهيئة العامة للترفيه»، احتفالاً بأنغام، إلى تكريم الموسيقار المصري هاني شنودة في حفل بعنوان «ذكريات»، شارك في إحيائه عمرو دياب وأنغام، بحضور نخبة من نجوم مصر، كما أعلن منذ أيام عن إقامة حفل للفنانة شيرين عبد الوهاب بعنوان «صوت إحساس مصر».
مسرحياً، يستعد الفنان المصري أحمد عز لعرض مسرحيته «هادي فالنتين» في موسمها الثاني، ضمن فعاليات «تقويم جدة» على مسرح «سيتي ووك‬» بين 3 و6 مايو (أيار) الحالي. وعنه كان قد قال في حوار سابق مع «الشرق الأوسط»، إنّ «الحراك الثقافي الذي تشهده المملكة يفتح آفاقاً وفرصاً متنوعة للجميع لتقديم المزيد من الفن الراقي».