ماجدة الرومي تختتم فعاليات «الموسيقى العربية»

الدورة الـ30 للمهرجان شهدت زخماً كبيراً وإيرادات لافتة

TT

ماجدة الرومي تختتم فعاليات «الموسيقى العربية»

أسدل مهرجان الموسيقى العربية الستار على دورته الثلاثين مساء أول من أمس، بحفل ختام أحيته الفنانة اللبنانية الكبيرة ماجدة الرومي، على مسرح النافورة المكشوف في دار الأوبرا المصرية بحضور وزيرة الثقافة المصرية إيناس عبد الدايم. وقدمت الرومي خلال الحفل أكثر من 10 أغنيات من أشهر أغنياتها تحت قيادة المايسترو نادر عباسي.
صعدت الرومي للمسرح وهي تحمل حباً وشغفاً كبيرَين للمصريين، وبدأت حفلها بتقديم أغنية يا مساء الفل يا بهية، أتبعتها قائلة: «أتمنى أن يعرف الجميع مدى حب وعشق اللبنانيين لمصر والمصريين، فمصر هي بالنسبة لنا الحضن الدافئ الذي يجمعنا دائماً، ونرتاح فيه من تعب المشوار الطويل والحروب التي لا تنتهي أبداً في بيروت».
وأصرت ابنة بيروت على أن تختم حفلها الغنائي برفع العلم المصري والتلويح به وتقبيله على المسرح وغناء عدد من الأغنيات المصرية منها أغنية موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب «حي على الفلاح» التي قدمتها مرتين.
واختتمت ماجدة حفلها بتقديم أغنية الفنان الراحل عبد الحليم حافظ «كل ما أقول التوبة»، ولكنّ الجمهور أصرّ على إعادتها مرة أخرى للمسرح وإجبارها على تقديم أغنية أخرى فما كان منها إلا تلبية أمره، وغنّت أغنيتها الشهيرة «ميلي يا حلوة».
وعن كواليس الحفل تحدث المايسترو نادر عباسي قائد أوركسترا الفلهارموني لـ«الشرق الأوسط» قائلاً: «دوماً رفقة الفنانة الكبيرة ماجدة الرومي نبحث عن التجديد للجمهور، حتى لا تخرج الحفلات بشكل متكرر، فدائماً ما نقدم في حفلاتنا الإيقاعات المصرية التي يحبها المستمع بصوت الرومي، وكانت مفاجأة ماجدة لجمهورها في حفل الموسيقى العربية هو تقديمها أغنية «ميلي يا حلوة» الممزوجة بالإيقاع الأيوبي، وأيضاً إصرارها على تقديم أغنياتها مع الموسيقار الراحل جمال سلامة».
وعن تعاونه الدائم مع الرومي، قال عباسي: «علاقتي بالسيدة ماجدة بدأت منذ حفل سفح الأهرامات عام 2015، الذي نظمته إحدى المؤسسات الخيرية ومن هنا بدأ بيننا انسجام تام في العمل، فهي فنانة راقية وتعشق التجديد والتطوير في أعمالها».
شهدت الدورة الـ30 من مهرجان الموسيقى العربية تطوراً ونجاحاً ملحوظاً عن السابقة التي تأثرت بشدة بسبب وباء «كورونا»، حين غابت عنها بعض الأسماء اللامعة. بينما شهد العام الجاري حضور نجوم جدد لأول مرة على رأسهم الفنان السعودي عبادي الجوهر، والفنان اللبناني زياد برجي، ومعين شريف، وحضور نجوم كبار أمثال عاصي الحلاني، ووائل جسار، ومروان خوري، وعودة الفنانة سميرة سعيد بعد غياب أكثر من 6 سنوات، والفنانة السورية أصالة نصري، فيما استمر غياب الفنانة أنغام للعام الثاني على التوالي.
ووفق متابعين فإنّ نسبة الحضور الجماهيري للمهرجان تأثرت بسبب ارتفاع أسعار التذاكر، فشهدت معظم الحفلات وجود كراسٍ فارغة باستثناء حفلة الفنانة أصالة نصري التي كانت ممتلئة تماماً، بل وقف عدد من الحاضرين بسبب عدم وجود كراسٍ خالية؛ في حين كان حفل الافتتاح الذي شهد التكريمات وفقرة غنائية للفنان المصري أحمد إبراهيم الأقل حضوراً.
وانتقد عدد كبير من الجمهور زيادة أسعار حفلات المهرجان، إذ بلغ سعر تذكرة الفنانة ماجدة الرومي ألفي جنيه (الدولار الأميركي يعادل 15.7 جنيه مصري)، في حين كان حفل الفنان الفلسطيني محمد عساف والفنانة جنات الأرخص إذ لم تجاوز سعر تذكرتها 800 جنيه.
لم يشهد مهرجان الموسيقى العربية في الدورة المنتهية أي مشاكل كبرى أثرت على حفلاته طيلة أيامه الـ15، سوى المشادة الكلامية المتبادلة بين الفنانة سميرة سعيد وقائد حفلها المايسترو محمد عرام، حينما عزف أغنية «آل جاني بعد يومين» من طبقة موسيقية أعلى من طبقة صوتها مما جعلها توقف الحفل، وتحتد عليه قائلة له «هذا ليس ما اتفقنا وتدربنا عليه»، مما تسبب في النهاية إلى جعلها تختتم حفلها الموسيقي سريعاً معتذرة للجمهور بسبب ارتفاع درجة حرارة جسدها.
من أبرز طرائف المهرجان هو غناء الفنان التونسي صابر الرباعي باللغة الفرنسية رغم أنّ المهرجان خاص بالموسيقى العربية، وقدّم أغنية «أتحدى العالم» بالفرنسية. أما الحفل الذي شهد عدداً كبيراً من المواقف الطريفة والمضحكة كان حفل أصالة التي أصرت على أن تصطحب أسرتها بالكامل ومن بينهم زوجها الشاعر العراقي فائق حسن في أول ظهور له بحفل في القاهرة التي ظلت تغازله طيلة الحفل بكلمات روحي وقلبي، وغنت له أغنية الفنانة «صباح يا دلع»، كما شهد الحفل غناء أصالة لأول مرة في مسيرتها أغنية للفنانة الكبيرة ميادة الحناوي التي وُجد خلاف معلن بينهما منذ أكثر من 10 سنوات، وغنت لها أغنية «حبينا واتحبينا».
ووفق إدارة المهرجان، بلغت إيرادات الدورة الـ30 على مدار أسبوعين، 12 مليون جنيه مصري، وهي الأعلى على مدى دوراته السابقة، وشارك في الفعاليات 101 فنان من 10 دول عربية، و50 باحثاً عربياً وأجنبياً من 15 دولة، وحضر الحفلات الـ33 نحو 30 ألف مشاهد على 6 مسارح في 3 محافظات بالقاهرة والإسكندرية والبحيرة.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».