«الحكايات العجيبة والأخبار الغريبة» في التلفزيون الأميركي

من كتاب اكتشف عام 1933 في مسجد بإسطنبول وتعود قصصه للعصور الوسطى

الحكايات العجيبة والأخبار الغريبة قصصها خيالية  وشبيهة بقصص الف ليلة وليلة
الحكايات العجيبة والأخبار الغريبة قصصها خيالية وشبيهة بقصص الف ليلة وليلة
TT

«الحكايات العجيبة والأخبار الغريبة» في التلفزيون الأميركي

الحكايات العجيبة والأخبار الغريبة قصصها خيالية  وشبيهة بقصص الف ليلة وليلة
الحكايات العجيبة والأخبار الغريبة قصصها خيالية وشبيهة بقصص الف ليلة وليلة

قال مسؤول في قناة «إتش بي أو»، المتخصصة في المسلسلات، إنهم يفكرون في تقديم مسلسل عربي، وإنهم كلفوا خبراء ومستشارين بدراسة كتاب «الحكايات العجيبة والأخبار الغريبة»، الذي نشر في بريطانيا في العام الماضي، من ترجمة المستشرق البريطاني مالكولم ليونز، الأستاذ في جامعة كمبردج. ويعتبر هذا الكتاب أول ترجمة إنجليزية لهذه القصص. لكن، ليست هذه هي قصص «ألف ليلة وليلة». عثر على هذه في تركيا في ثلاثينات القرن الماضي.
تشبه قصص «الحكايات العجيبة والأخبار الغريبة» قصص «ألف ليلة وليلة». ومثلها، تتميز بسحر، وغرابة، ووحوش، وملوك جبارين، وأميرات فاتنات الجمال، وكنوز مخبأة، وخيانات، ومؤامرات. وأيضا، انتصارات في الحب والحكم.
الآن، جاءت قصص جديدة، ومتشابهة، في «الحكايات العجيبة والأخبار الغريبة». وكتب المؤلف البريطاني ليونز على غلاف الكتاب: «أول ترجمة إنجليزية لكتاب عربي من القرون الوسطى، فيه مجموعة مذهلة من القصص».
في عام 1933 اكتشف الكتاب، في رف كتب قديمة في مسجد في إسطنبول، المؤرخ الألماني هلموت ريتار. وتظل النسخة الأصلية، المكتوبة بخط اليد والمؤلفة من 600 صفحة، محفوظة في جامع آيا صوفيا في إسطنبول. ولأن الصفحة الأولى من الكتاب العربي مفقودة، لا يعرف متى نشر الكتاب. وجد اسم الكتاب في صفحات داخلية، وليس مؤكدا أنه الاسم الحقيقي. وحسب معلومات في صفحات داخلية، يعتقد أن الكتاب نشر في القرن العاشر الميلادي. لكن، هناك قصص يعتقد أنها من القرن السادس عشر. كما أن نصف الكتاب مفقود. لهذا، توجد فقط 18 قصة (من أصل 42).
قبل هذه الترجمة بسبع سنوات، في عام 2007. كتب ليونز نسخة جديدة من «ألف ليلة وليلة». وقال إنها تختلف عن ما قبلها بأنها «كاملة، ومترجمة ترجمة عصرية».
في يناير (كانون الثاني) الماضي، على هامش مهرجان «غلودن غلوب» (الكرة الذهبية) لأحسن أفلام العام الماضي، أقامت قناة «إتش بي أو» حفلا عربيا في فندق هلتون في لوس أنجليس. وحضر الحفل كبار الممثلين والممثلات. في ذلك الوقت، لمح مسؤولون في القناة أنهم ربما سينتجون «الحكايات العجيبة والأخبار الغريبة».
كانت آخر قناة أميركية قدمت مسلسلات «ألف ليلة وليلة» هي «إيه بي سي» بالاتفاق مع «بي بي سي» البريطانية. كان ذلك عام 2000 أي قبل هجمات 11-9. وقبل الحروب ضد الإرهاب.
الآن تقول قناة «إتش بي أو» إن الأميركيين صاروا يهتمون أكثر بالفنون والآداب العربية والإسلامية.
ويبدو أن الاهتمام بالفنون والآداب العربية والإسلامية يجتاح أنحاء كثيرة في العالم. في الشهر القادم، في مهرجان «كان» للأفلام، سيقدم ماغيل غومز، منتج برتغالي، فيلم «أرابيان نايتز» (ألف ليلة وليلة). وسيكون أطول فيلم يعرض في «كان»: 6 ساعات متواصلة، بل أكثر قليلا. باللغة البرتغالية، مع ترجمة إنجليزية. ربما لهذا قال مسؤولون في قناة «إتش بي أو» إنهم «شبعوا» من «ألف ليلة وليلة»، ويريدون شيئا جديدا.
رغم قرن كامل من إهمال الأفلام والتلفزيونات الأميركية للفنون والآداب العربية والإسلامية، ظهرت أفلام ومسلسلات. لكنها، كما كتب جاك شاهين (أميركي لبناني) في كتابه «ريل باد أرابز» (أفلام عرب سيئين)، كانت سلبية. أو، في أحسن الأحوال، كما في أفلام «ألف ليلة وليلة»، خلطت بين الثقافة والإساءة إلى هذه الثقافة.
أول فيلم عربي كان «الشيخ» (1921). ثم «ابن الشيخ» (1926). ثم انهمرت أفلام «ألف ليلة وليلة»: «لص بغداد» (1940) و«علي بابا والأربعين حرامي» (1943) و«السندباد» (1947).
لكن، كما كتب، يوم الخميس الماضي، مايكل ديربا، صحافي كبير في صحيفة «واشنطن بوست»: «فجأة، توقفت هذه السلسلة من الأفلام العربية مع تأسيس إسرائيل». وأضاف: «في بطء، ولكن في تعمد، صارت صورة العرب في الأفلام السينمائية الأميركية سلبية. صارت هكذا قبل 11 - 9 بعقود. اليوم، صار العرب هم المجرمين في تاريخ هوليوود. لكن، رغم ذلك، لم تمت أفلام ألف ليلة وليلة». لماذا؟ يجيب ديربا قائلا، أولا «تطورات دراماتيكية، وسرعة في الأحداث».، وثانيا «أماكن بعيدة، وعادات غريبة».، وثالثا «يمثل الملك شهريار الرجل الجبار. أقسم أن يتزوج عروسا كل ليلة، ثم يذبحها في الصباح». كما «تمثل شهرزاد المرأة الذكية والحكيمة. حكت له قصة ممتعة كل ليلة حتى شرقت الشمس». ويضيف ديربا أنها «تحتوي على أفكار تظل معروفة ومستخدمة وسط رواة القصص وصنّاع الأفلام المعاصرين. مثل: الحب من طرف واحد، والغيرة بين النساء، والمنافسة بين الرجال، والطمع، والتعطش للجنس، والسلطة».



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)