النزلاء الجدد ****
> إخراج: زينة دكّاش
> لبنان - الولايات المتحدة (2021)
> تسجيلي| عروض:
مهرجان الجونة
بعد فيلمها الممتاز عن سجن النساء تحت عنوان «يوميات شهرزاد» (2013) تنبري المخرجة زينة دكّاش لتحقيق فيلم يوازي الأول في الاهتمام وفي الجودة.
دار فيلمها السابق عن سجن بعبدا للنساء الذي يضم محكومات وأخريات ينتظرن صدور الحكم عليهن. تتناول المخرجة شخصيات متعددة كل منها تحكي ما جنته أو ما اتهمت بأنها جنته. خلال ذلك تسعى المخرجة لتقديم مسرحية تتولى فيه السجينات التمثيل والرقص والتعليق. هذا في نطاق مؤسسة «المركز اللبناني للعلاج بالدراما». في الفيلم الجديد سجن آخر. سجن للرجال المحكوم عليهم بالحبس كونهم ذوي عاهات نفسية أو مجانين. من يدخل سجن رومية المخصص لهم مريضاً يُتوقع منه أن يمضي باقي سنوات حياته فيه. الشخصيات التي تتحدّث للكاميرا بعضها يبدو طبيعياً. يتحدث بطلاقة ويعرف ما يتحدث عنه كأي شخص سليم قد تلتقي به خارج الأسوار. بعضهم الآخر يتحدّث بما يثبت أنه بعيد عن كامل قواه العقلية (أو نصفها) كذاك الذي يخبر المخرجة بأنه ضابط في ثياب مدنية لمراقبة السجناء، أو ذاك الذي يعتقد أنه في المائة والثلاثين من العمر أمضى منها 85 سنة في السجن.
كما في الفيلم السابق، تحاول زينة (التي لا تهاب الاختلاط مع هذه المجموعة من الرجال) حثّهم على تقديم مسرحية يؤدي كل منهم فيها دور واحد من نزلاء القسم الأزرق، وهو قسم يضم الخطرين من فاقدي العقل. لا يعرض الفيلم نتيجة هذه المحاولة لكنه يوفر مشاهد ممتازة الانتقاء وخالية من عيوب التصوير أو سرعة الإنجاز تحيط بالجميع وتقدّم للمشاهد عالماً يدعو للأسف والأسى بطبيعته، وليس بقصد أن يبتدع الفيلم بؤساً مقصوداً.
حب المخرجة الأول هو المسرح لكنها تستخدم السينما بطلاقة كذلك. اختياراتها من الشخصيات والمشاهد متساوية في قيمتها. ذكية في تعاملها مع الجميع وتعرف كيفية التواصل. تتقدّم بالسؤال الصعب في الوقت الذي هي مستعدة فيه للتراجع حتى لا تؤلب أحداً على أحد أو واحداً على نفسه أو سواه (كما الحال بالنسبة لروجيه الذي يعتقد أنه ضابط فعلي). تستدرج المتحدّثين فيخرجون ما في بالهم من ذكريات وحكايات وألم. بعض العبارات لا تُمحى مطلقاً مثل تلك المكتوبة على الجدار بالإنجليزية: «في عالم مجنون، فقط المجانين هم العقلاء». أو كما في العبارة النهائية التي يتفوّه بها أحد السجناء حين وقوفه عند نافذة تطل على مدينة بيروت وبحرها في الأفق ويقول: «وين بدي روح. هون أريحلي».
Hive ***
>إخراج: بليرتا باشوللي
>كوسوفو (2021)
>دراما | عروض: ترشيح كوسوفو لأوسكار أفضل فيلم عالمي
خرج «خلية النحل» بثلاث جوائز من مهرجان صندانس وبعدد آخر كبير من مهرجانات لاحقة وليس من الصعب معرفة السبب. فيلم بليرتا باشوللي الأول يطرح مشاكل الحرب الأهلية في يوغوسلافيا ومشاكل ما بعدها. لا يستعرض شيئاً من آليات تلك الحرب، بل يوفرها كآثار لا تُمحى من وجدان بطلته. فزوجها خرج ولم يعد خلال تلك المحنة. هو لا بد قُتل في معركة كروشا في أواخر التسعينات، لكن هذا لا يعني أن بطلة الفيلم فاريا (ييكا غاشي) تستطيع مواصلة الحياة بلا مبالاة.
يبدأ الفيلم بها وهي تبحث عن جثمان زوجها الذي خرج ولم يعد ويُعتقد أنه قُتل في تلك المعركة. إذا لم يُقتل فهو مفقود. في كلتا الحالتين فإن فاريا مصممة على البحث حتى وإن كانت تدرك، في قرارة نفسها، أن زوجها لن يعود.
سنراها تؤسس لجمعية نسائية تريد حث المسؤولين على المطالبة بمعرفة مصير المخطوفين والمفقودين في تلك الحرب. لا نعرف مستقبل هذه الخطوة لكننا سنتابع في موازاتها حياة امرأة في الأربعينات من سنوات عمرها وهي تقوم بعمل زوجها في رعاية خلايا النحل لبيعها في الأسواق. سنراها بوجه لا يعرف الابتسام وهي تحاول تأمين تكاليف المعيشة لها ولولديها ولوالد زوجها المقعد.
القصّة مأخوذة من شخصية واقعية وأحداثها والمخرجة باشوللي تنجز واحداً من تلك الأفلام الأوروبية من الحالات الصعبة لبطلاتها. فيلم نسائي بتصوير يقصد أن يكون بارداً كالبيئة وشخصياتها. فاريا تواجه في سعيها تأليف جبهة نسائية ضد التجاهل وفي سعيها الموازي لتأمين تكاليف الحياة صداً من داخل البيت وخارجه.
الفيلم هادئ النبرة ربما أكثر مما يجب. مأساة بطلته تطغى على أي جانب آخر. تطلب المخرجة لفيلمها أن يلاحظ صعوبة التأقلم مع الحياة بعد كل هذه السنوات التي مرّت على نهاية الحرب اليوغوسلافية وتطلب من بطلتها أن تحافظ على وجه منقبض يعكس غياب السعادة والكثير من القلق الداخلي الذي قد تستطيع إخفاءه عن الآخرين بتصميمها لكنه لا شك يعايشها.
الثمن الذي تدفعه المخرجة مقابل وضع بطلتها في البؤرة وحدها هو تجاهلها لباقي الشخصيات (القريبة من حياة فاريا أو البعيدة). ليس هناك تطويراً حتى بالنسبة لابنة فاريا الثائرة على أمها، والفصل الأخير من الأحداث هو تحصيل حاصل لا يتساوى مع المتوقع لفيلم يطرح مشكلة عميقة.
Last Night in Soho **
>إخراج: إدغار رايت
>بريطانيا (2021)
>تشويق | عروض: فينيسيا
إيليز (توماسين ماكنزي) تصل إلى لندن من الريف البعيد بعدما تم قبولها في كلية لدراسة فن تصميم الأزياء. كانت زارت لندن صغيرة وأحبّتها. هي الآن في أوج استعادة ذلك الحب. لندن بالنسبة إليها هي سوهو الستينات وأغاني البوب ميوزك لتلك الفترة. نسمع أغاني من ذا كينكس والبيتلز وذا سيرشرز ودستي سبرينغفيلد لكن الحكاية سريعاً ما تتمحور حول أغنية سيلا بلاك You’re My World. هذا لأن المخرج يختارها في اللحظة التي بدأت فيها إيليز رؤية نفسها في شكل شابّة أخرى اسمها ساندرا (آنيا تايلور - جوي).
الصلة التي يحاول المخرج عقدها بين الفتاتين تشبه تلك التي عقدها إنغمار برغمن في «برسونا» (1966) بين بيبي أندرسن وليف أولمن ناقص الإجادة والعمق. تلك المقاربة المتمثلة بين امرأتين ربما كانتا واحداً في فيلم برغمن نتيجة معالجة فنية عميقة الدلالات. هنا هو حديث عن هذا الوضع من الخارج. يبدو من وحي اللحظة حتى عندما تتشابك الأحداث ويتحوّل الفيلم، قصداً، إلى مشاهد رعب في فصله الأخير.
في هذه المشاهد يقوم المخرج بترجمة كل تلك الأوهام التي في بال بطلته إلى وقائع فعلية فهي باتت، لسبب لا يوفره المخرج جيداً ولا كافياً، فتاة بحياتين واحدة في مقابل الأخرى وما حدث مع ساندي ما أدّى إلى مقتلها يبدو آيلاً للحدوث مع إيليز لو اختار المخرج ذلك.
لا يمكن للمشاهد أن يجزم ما هي ساندي بالنسبة لإيليز. هل هي خيال؟ هل هي شخصيتها الأخرى (كما الحال في فيلم برغمن)؟ أو هي شبح يزورها كما تعبّر في حديثها لصاحبة «البوب» الذي أخذت تعمل فيه؟
براعة المخرج رايت هي في توفير كل ما له علاقة بتصاميم اليوم والأمس في لندن وتصاميمه للمشاهد عموماً وتوزيعها تحت ريشة ملوّنة بارعة وجذّابة لا تخبو. ما يخبو هو الدفاع عن الفكرة التي يتضمنها الفيلم (الفتاة التي من شدّة حبّها للستينات تجد نفسها في شبكة أحداث عنكبوتية داخل تلك الفترة ولو تخيّلاً) بحمايتها من أسلوبه المندفع لإرضاء العين أكثر من العقل.