شاشة الناقد

توماسين ماكنزي في «آخر ليلة في سوهو»
توماسين ماكنزي في «آخر ليلة في سوهو»
TT

شاشة الناقد

توماسين ماكنزي في «آخر ليلة في سوهو»
توماسين ماكنزي في «آخر ليلة في سوهو»

‫النزلاء الجدد ****
> إخراج: زينة دكّاش
> لبنان - الولايات المتحدة (2021)
> تسجيلي| عروض:
مهرجان الجونة

بعد فيلمها الممتاز عن سجن النساء تحت عنوان «يوميات شهرزاد» (2013) تنبري المخرجة زينة دكّاش لتحقيق فيلم يوازي الأول في الاهتمام وفي الجودة.
دار فيلمها السابق عن سجن بعبدا للنساء الذي يضم محكومات وأخريات ينتظرن صدور الحكم عليهن. تتناول المخرجة شخصيات متعددة كل منها تحكي ما جنته أو ما اتهمت بأنها جنته. خلال ذلك تسعى المخرجة لتقديم مسرحية تتولى فيه السجينات التمثيل والرقص والتعليق. هذا في نطاق مؤسسة «المركز اللبناني للعلاج بالدراما». في الفيلم الجديد سجن آخر. سجن للرجال المحكوم عليهم بالحبس كونهم ذوي عاهات نفسية أو مجانين. من يدخل سجن رومية المخصص لهم مريضاً يُتوقع منه أن يمضي باقي سنوات حياته فيه. الشخصيات التي تتحدّث للكاميرا بعضها يبدو طبيعياً. يتحدث بطلاقة ويعرف ما يتحدث عنه كأي شخص سليم قد تلتقي به خارج الأسوار. بعضهم الآخر يتحدّث بما يثبت أنه بعيد عن كامل قواه العقلية (أو نصفها) كذاك الذي يخبر المخرجة بأنه ضابط في ثياب مدنية لمراقبة السجناء، أو ذاك الذي يعتقد أنه في المائة والثلاثين من العمر أمضى منها 85 سنة في السجن.
كما في الفيلم السابق، تحاول زينة (التي لا تهاب الاختلاط مع هذه المجموعة من الرجال) حثّهم على تقديم مسرحية يؤدي كل منهم فيها دور واحد من نزلاء القسم الأزرق، وهو قسم يضم الخطرين من فاقدي العقل. لا يعرض الفيلم نتيجة هذه المحاولة لكنه يوفر مشاهد ممتازة الانتقاء وخالية من عيوب التصوير أو سرعة الإنجاز تحيط بالجميع وتقدّم للمشاهد عالماً يدعو للأسف والأسى بطبيعته، وليس بقصد أن يبتدع الفيلم بؤساً مقصوداً.
حب المخرجة الأول هو المسرح لكنها تستخدم السينما بطلاقة كذلك. اختياراتها من الشخصيات والمشاهد متساوية في قيمتها. ذكية في تعاملها مع الجميع وتعرف كيفية التواصل. تتقدّم بالسؤال الصعب في الوقت الذي هي مستعدة فيه للتراجع حتى لا تؤلب أحداً على أحد أو واحداً على نفسه أو سواه (كما الحال بالنسبة لروجيه الذي يعتقد أنه ضابط فعلي). تستدرج المتحدّثين فيخرجون ما في بالهم من ذكريات وحكايات وألم. بعض العبارات لا تُمحى مطلقاً مثل تلك المكتوبة على الجدار بالإنجليزية: «في عالم مجنون، فقط المجانين هم العقلاء». أو كما في العبارة النهائية التي يتفوّه بها أحد السجناء حين وقوفه عند نافذة تطل على مدينة بيروت وبحرها في الأفق ويقول: «وين بدي روح. هون أريحلي».

Hive ***
>إخراج: بليرتا باشوللي
>كوسوفو (2021)
>دراما | عروض: ترشيح كوسوفو لأوسكار أفضل فيلم عالمي

خرج «خلية النحل» بثلاث جوائز من مهرجان صندانس وبعدد آخر كبير من مهرجانات لاحقة وليس من الصعب معرفة السبب. فيلم بليرتا باشوللي الأول يطرح مشاكل الحرب الأهلية في يوغوسلافيا ومشاكل ما بعدها. لا يستعرض شيئاً من آليات تلك الحرب، بل يوفرها كآثار لا تُمحى من وجدان بطلته. فزوجها خرج ولم يعد خلال تلك المحنة. هو لا بد قُتل في معركة كروشا في أواخر التسعينات، لكن هذا لا يعني أن بطلة الفيلم فاريا (ييكا غاشي) تستطيع مواصلة الحياة بلا مبالاة.
يبدأ الفيلم بها وهي تبحث عن جثمان زوجها الذي خرج ولم يعد ويُعتقد أنه قُتل في تلك المعركة. إذا لم يُقتل فهو مفقود. في كلتا الحالتين فإن فاريا مصممة على البحث حتى وإن كانت تدرك، في قرارة نفسها، أن زوجها لن يعود.
سنراها تؤسس لجمعية نسائية تريد حث المسؤولين على المطالبة بمعرفة مصير المخطوفين والمفقودين في تلك الحرب. لا نعرف مستقبل هذه الخطوة لكننا سنتابع في موازاتها حياة امرأة في الأربعينات من سنوات عمرها وهي تقوم بعمل زوجها في رعاية خلايا النحل لبيعها في الأسواق. سنراها بوجه لا يعرف الابتسام وهي تحاول تأمين تكاليف المعيشة لها ولولديها ولوالد زوجها المقعد.
القصّة مأخوذة من شخصية واقعية وأحداثها والمخرجة باشوللي تنجز واحداً من تلك الأفلام الأوروبية من الحالات الصعبة لبطلاتها. فيلم نسائي بتصوير يقصد أن يكون بارداً كالبيئة وشخصياتها. فاريا تواجه في سعيها تأليف جبهة نسائية ضد التجاهل وفي سعيها الموازي لتأمين تكاليف الحياة صداً من داخل البيت وخارجه.
الفيلم هادئ النبرة ربما أكثر مما يجب. مأساة بطلته تطغى على أي جانب آخر. تطلب المخرجة لفيلمها أن يلاحظ صعوبة التأقلم مع الحياة بعد كل هذه السنوات التي مرّت على نهاية الحرب اليوغوسلافية وتطلب من بطلتها أن تحافظ على وجه منقبض يعكس غياب السعادة والكثير من القلق الداخلي الذي قد تستطيع إخفاءه عن الآخرين بتصميمها لكنه لا شك يعايشها.
الثمن الذي تدفعه المخرجة مقابل وضع بطلتها في البؤرة وحدها هو تجاهلها لباقي الشخصيات (القريبة من حياة فاريا أو البعيدة). ليس هناك تطويراً حتى بالنسبة لابنة فاريا الثائرة على أمها، والفصل الأخير من الأحداث هو تحصيل حاصل لا يتساوى مع المتوقع لفيلم يطرح مشكلة عميقة.

Last Night in Soho **
>إخراج: إدغار رايت
>بريطانيا (2021)
>تشويق | عروض: فينيسيا

إيليز (توماسين ماكنزي) تصل إلى لندن من الريف البعيد بعدما تم قبولها في كلية لدراسة فن تصميم الأزياء. كانت زارت لندن صغيرة وأحبّتها. هي الآن في أوج استعادة ذلك الحب. لندن بالنسبة إليها هي سوهو الستينات وأغاني البوب ميوزك لتلك الفترة. نسمع أغاني من ذا كينكس والبيتلز وذا سيرشرز ودستي سبرينغفيلد لكن الحكاية سريعاً ما تتمحور حول أغنية سيلا بلاك You‪’‬re My World. هذا لأن المخرج يختارها في اللحظة التي بدأت فيها إيليز رؤية نفسها في شكل شابّة أخرى اسمها ساندرا (آنيا تايلور - جوي). ‬
الصلة التي يحاول المخرج عقدها بين الفتاتين تشبه تلك التي عقدها إنغمار برغمن في «برسونا» (1966) بين بيبي أندرسن وليف أولمن ناقص الإجادة والعمق. تلك المقاربة المتمثلة بين امرأتين ربما كانتا واحداً في فيلم برغمن نتيجة معالجة فنية عميقة الدلالات. هنا هو حديث عن هذا الوضع من الخارج. يبدو من وحي اللحظة حتى عندما تتشابك الأحداث ويتحوّل الفيلم، قصداً، إلى مشاهد رعب في فصله الأخير.
في هذه المشاهد يقوم المخرج بترجمة كل تلك الأوهام التي في بال بطلته إلى وقائع فعلية فهي باتت، لسبب لا يوفره المخرج جيداً ولا كافياً، فتاة بحياتين واحدة في مقابل الأخرى وما حدث مع ساندي ما أدّى إلى مقتلها يبدو آيلاً للحدوث مع إيليز لو اختار المخرج ذلك.
لا يمكن للمشاهد أن يجزم ما هي ساندي بالنسبة لإيليز. هل هي خيال؟ هل هي شخصيتها الأخرى (كما الحال في فيلم برغمن)؟ أو هي شبح يزورها كما تعبّر في حديثها لصاحبة «البوب» الذي أخذت تعمل فيه؟
براعة المخرج رايت هي في توفير كل ما له علاقة بتصاميم اليوم والأمس في لندن وتصاميمه للمشاهد عموماً وتوزيعها تحت ريشة ملوّنة بارعة وجذّابة لا تخبو. ما يخبو هو الدفاع عن الفكرة التي يتضمنها الفيلم (الفتاة التي من شدّة حبّها للستينات تجد نفسها في شبكة أحداث عنكبوتية داخل تلك الفترة ولو تخيّلاً) بحمايتها من أسلوبه المندفع لإرضاء العين أكثر من العقل.


مقالات ذات صلة

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

سينما «من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة

محمد رُضا‬ (سانتا باربرا - كاليفورنيا)
سينما «موعد مع بُل بوت» (سي د.ب)

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم.

محمد رُضا‬ (لندن)
يوميات الشرق فيلم «الحريفة 2» اعتمد على البطولة الشبابية (الشركة المنتجة)

«الحريفة 2» ينعش إيرادات السينما المصرية في موسم «رأس السنة»

شهدت دور العرض السينمائي في مصر انتعاشة ملحوظة عبر إيرادات فيلم «الحريفة 2... الريمونتادا»، الذي يعرض بالتزامن مع قرب موسم «رأس السنة».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق «صيفي» فيلم سعودي مرشح لجائزة مسابقة مهرجان البحر الأحمر السينمائي للأفلام الطويلة

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

تعود أحداث فيلم «صيفي» الذي عُرض ضمن فعاليات مهرجان البحر الأحمر السينمائي في دورته الرابعة، إلى فترة أواخر التسعينات.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق المخرج محمد سامي في جلسة حوارية خلال خامس أيام «البحر الأحمر» (غيتي)

محمد سامي: السينما تحتاج إلى إبهار بصري يُنافس التلفزيون

تعلَّم محمد سامي من الأخطاء وعمل بوعي على تطوير جميع عناصر الإنتاج، من الصورة إلى الكتابة، ما أسهم في تقديم تجربة درامية تلفزيونية قريبة من الشكل السينمائي.

أسماء الغابري (جدة)

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.