بعد مسيرة إبداعية حافلة، طافت فيها جاذبية سري، أرجاء العالم على مدار 7 عقود، رحلت عن عالمنا تاركة فرشاتها وألوانها المبهجة للأبد، عن عمر يناهز 96 عاماً، وشُيِّع جثمانها بعد ظهر أمس من «مسجد مصطفى محمود» بحي المهندسين بمدينة الجيزة (غرب القاهرة) إلى مثواه الأخير بحضور مسؤولي الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة المصرية، ونخبة من الفنانين وتلاميذ الفنانة الراحلة.
ونعت الدكتورة إيناس عبد الدايم، وزيرة الثقافة، التشكيلية الراحلة، قائلةً إنها «إحدى العلامات البارزة في مجال التشكيل المصري والعربي»، ووصفتها بأنها «مبدعة من طراز خاص، لأنها سجلت بأعمالها تفاصيل الحياة في المجتمع بأسلوب متفرد».
جاذبية سري، المولودة في عام 1925، عملت بالتدريس في الكثير من الجامعات المصرية والجامعة الأميركية بالقاهرة، واقتنت أعمالها الكثير من المتاحف العالمية والمصرية والعربية، وحصدت جوائز محلية وعالمية عدة على غرار جائزة روما عام 1952، والجائزة الكبرى الرابعة للفن العالمي المعاصر في موناكو عام 1968، وجائزة الدولة التشجيعية في الفنون من المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية عام 1970، ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى عام 1970، وجائزة الدولة التقديرية في الفنون من المجلس الأعلى للثقافة عام 1999.
ورغم مرور مشوار الفنانة الراحلة بـ4 مراحل متنوعة، فإن توثيق الحياة المصرية في أعمالها كان القاسم المشترك بينها، حسب الدكتور أشرف رضا أستاذ الفنون الجميلة، ورئيس المجلس المصري للفنون التشكيلية، والذي يقول لـ«الشرق الأوسط»: «في بداياتها الفنية تناولت أوضاع مصر في ظل الاحتلال الإنجليزي، عقب حصولها على دبلومة الفنون الجميلة في عام 1948، ثم سافرت إلى باريس عام 1952 لتحضير الدراسات العليا، ومن بعدها إلى روما، ثم إلى لندن عامي 1954 و1955».
وأشار أستاذ الفنون الجميلة إلى «أنها اهتمت بأوضاع الفلاحين والضغوط التي تعرضت لها النساء في ظل الاحتلال الإنجليزي، وحكم الأسرة العلوية، قبل أن تهتم مرة أخرى بأوضاعهم في ظل الجمهورية بعد ثورة 23 يوليو (تموز) 1952، مروراً بتعرض مصر للهزيمة والنكسة عام 1967، ثم حرب أكتوبر (تشرين الأول) والسلام»، مؤكداً أن أعمالها اتسمت بالمرح والسعادة عقب تحرير سيناء، واستقرار الأوضاع في مصر، قبل أن تعود مرة أخرى إلى التجريد الذي وصلت إلى قمته على مستوى التلخيص والبعد الفني، حتى وصل عدد معارضها لنحو 80 معرضاً فنياً لرسوماتها في العالم العربي وأوروبا والولايات المتحدة.
واكتسبت سري شهرتها عربياً وعالمياً بفضل أسلوبها التشكيلي الذي كان يعطي إيحاءً بالتجسيم على الأشكال المسطحة، وإقامة معارضها في كبرى عواصم العالم، إلى جانب طول عمرها، على حد تعبير الدكتور رضا.
جاذبية سري التي عانت من المرض خلال السنوات العشر الأخيرة، كانت آخر أضلاع ثالوث جيل رائدات الحركة التشكيلية في مصر مع الراحلتين تحية حليم وإنجي أفلاطون، حسب رضا، الذي يشير إلى أن «مخزون أعمالها كان يُعرض بصفة منتظمة في أحد المعارض الفنية بالقاهرة رغم انقطاعها عن الرسم في العقد الأخير من عمرها». لافتاً إلى «أن أعمال الفنانين التشكيليين تخلّد أسماءهم رغم رحيلهم على غرار كبار الممثلين والمطربين الراحلين».
ولموهبتها الكبيرة تم تسجيل اسمها في موسوعتي «روبير للفن» و«لاروس للتصوير» بباريس في السبعينات، إضافةً إلى موسوعة متحف المتروبوليتان بنيويورك الذي اختار بعض لوحاتها للعرض في أروقته مع متاحف أخرى في فرنسا وبعض الدول الأوروبية التي نالت من جامعاتها مِنح زمالة.
وقال الفنان فاروق حسني، في بيان نعيها، إن الفنانة الراحلة «أثْرت الحركة الفنية باقتدار لاقتحامها عوالم تشكيلية مليئة بالجرأة والابتكار والإبداع»، مؤكداً أنها «ستظل علامة بارزة في تاريخ الفن المصري الحديث».
كما نعاها المجلس القومي للمرأة في بيان قالت فيه الدكتورة مايا مرسي، رئيسة المجلس: «إنها كانت رمزاً من رموز الفن ورائدة من رائداته، إذ وثّقت تاريخ مصر وأحداثها والتحديات التي واجهت النساء والضغوط الاجتماعية».
وأصدرت «غاليرهات» فنية مصرية عدة بيانات نعي لسري، أعربت خلالها عن حزنها لخسارة عالم التشكيل واحدة من أهم رموزه.
مصر تودّع جاذبية سري بعد مسيرة تشكيلية حافلة
تُوفيت عن عمر ناهز 96 عاماً
مصر تودّع جاذبية سري بعد مسيرة تشكيلية حافلة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة