إريك زيمور في كتابه الأخير: فرنسا لم تقل كلمتها النهائية

الإسلام والهجرات بعبع المؤلف الساعي لإنقاذ بلاده من «البرابرة»

إريك زيمور في كتابه الأخير: فرنسا لم تقل كلمتها النهائية
TT

إريك زيمور في كتابه الأخير: فرنسا لم تقل كلمتها النهائية

إريك زيمور في كتابه الأخير: فرنسا لم تقل كلمتها النهائية

تصح عليه تسمية «فلتة الشوط» في الانتخابات الرئاسية الفرنسية المقررة يومي 10 و24 أبريل (نيسان) المقبل. وآخر استطلاع للرأي الذي نشرت نتائجه مجلة «تشالنج» الاقتصادية تضعه في المرتبة الثانية في الجولة الانتخابية الأولى، حيث يحصل على نسبة تتراوح بين 18 و17 في المائة من الأصوات، متقدماً بذلك على مارين لوبن مرشحة حزب «التجمع الوطني» اليميني المتطرف الذي ورثته عن والدها جان ماري لوبن. ورغم أنه لم يعلن بعد ترشحه، فإن إريك زيمور يجد نفسه، قبل خمسة أشهر من الموعد الانتخابي الرئيسي في الحياة السياسية الفرنسية، أهلاً لمنافسة الرئيس إيمانويل ماكرون على قصر الإليزيه.
والاستطلاع نفسه يضع ماكرون في المقدمة في الجولتين الانتخابيتين ويتوقع انتصاره، وبالتالي بقاؤه في قصر الإليزيه لولاية ثانية من خمس سنوات. ولكن بالنظر إلى أن الاستطلاعات تعطي صورة فوتوغرافية آنية عن حالة الرأي العام، فإن الأمور قابلة للتبدل، وبالتالي فإن مفاجأة ما قد لا تكون مستبعدة تماماً.
كان المشهد السياسي راكداً، وكان الرأي الغالب أن انتخابات 2022 ستكون تكراراً لانتخابات العام 2017، أي تنافس بين ماكرون ولوبن. لكن بروز اسم زيمور قلب المشهد رأساً على عقب وأحدث زلزالاً في الحياة السياسية، ليس فقط على صعيد ما تعكسه استطلاعات الرأي، ولكن أيضاً لجهة رواج المواضيع التي يطرحها للنقاش بحيث إن اليمين واليسار يلهثان وراءه.
زيمور يركز على مسألة الهوية الفرنسية المهددة وعلى ملف المهاجرين غير الأوروبيين الوافدين من البلدان العربية والمغاربية على وجه الخصوص ومن منطقة الساحل وأفريقيا السوداء، ويحذر من الإسلام غير القابل للانخراط في المجتمع الفرنسي... وكل ذلك يدمجه في النظرية المسماة «الاستبدال الكبير» التي أخذها عن المفكر اليميني المتطرف رينو كامو والتي تشكل الأساس الفلسفي - الآيديولوجي والسياسي لكتبه الأخيرة، وأهمها كتاب «الانتحار الفرنسي»، والأهم منه كتابه «فرنسا لم تقل كلمتها النهائية» الذي صدر في سبتمبر (أيلول) الماضي.
لا غرو أن إريك زيمور يشكل «ظاهرة» سياسية - اجتماعية - فكرية. والدليل على ذلك، أنه في الأسابيع الأخيرة يقوم بجولات على المدن الفرنسية للترويج لكتابه الأخير. وفي كل محطة من محطاته يثير جدلاً واسعاً وينجح في تجميع المئات من المواطنين بحيث تتحول عملية عرض كتابه إلى مهرجان انتخابي أو تثير مظاهرات معارضة له. وحتى منتصف أكتوبر (تشرين الأول)، بيع من كتابه الأخير 187 ألف نسخة بحيث تربع على المرتبة الأولى لمبيعات الكتب السياسية. وينتظر له أن يتخطى الرقم الاستثنائي لكتاب «الانتحار الفرنسي» الذي بيع منه 450 ألف نسخة.
وتعكس هذه الظاهرة أن جانباً من الفرنسيين الذين عرفوه صحافياً وكاتباً يتبنى أفكاراً تميل إلى اليمين المتطرف، أخذت تستهويهم أفكاره وطروحاته التي تصنف إلى يمين اليمين المتطرف بسبب جذريتها التي تجاور العنصرية الفظة. وليس هذا القول اتهاماً؛ إذ إن حكمين قضائيين صدرا بحقه، الأول في العام 2011 بتهمة تبني خطاب عنصري والترويج له، والآخر في العام 2018 بتهمة بث وتحفيز مشاعر معاداة الإسلام.
كتاب زيمور الأخير الواقع في 350 صفحة يتبنى نهجاً خاصاً في بنائه.
فباستثناء مقدمته وخلاصته، فإنه يسلك خطاً زمنياً يبدأ مع العام 2006 وينتهي مع العام 2020. وينطلق المؤلف من تعليقات مختارة من أحداث العام، أو بالأحرى مما يعتبره هو مهماً ويصب في إطار نظرية «الاستبدال الكبير» باحثاً عن حادثة هنا أو ظاهرة هناك لإثبات صحتها، ولكن أيضاً لإظهار أن فرنسا قادرة، كما يبرز ذلك تاريخها العريق، على النهوض مجدداً من كبوتها بفضل «الرجل المنقذ».
وشيئاً فشيئاً، يعي القارئ أنه يرى في نفسه ذلك المنقذ، ويذهب حتى للمقارنة بين حاله وحال الجنرال ديغول الذي رفض الهزيمة والاستسلام بوجه الغزو الألماني النازي وفضّل المقاومة على الانحناء.
وصفحة بعد أخرى، يراكم زيمور البراهين الدالة على خطورة «الانحدار» الفرنسي المتمثل بالتغيير الديموغرافي والثقافي والحضاري في هذا البلد المسيحي الذي نهض على دعائم الإرث الإغريقي - اللاتيني منذ ما لا يقل عن 1500 عام. والخطر الذي يحدق به هو الإسلام؛ إذ إن الأكثرية الساحقة من المهاجرين غير الشرعيين منذ عقود عدة وبعكس الهجرات الأوروبية، هم من المسلمين الذين يحملون ثقافة وقيماً وأساليب حياة لا تتلاءم مع ما هو سائد في المجتمع الفرنسي الذي وفدوا إليه. وبالنظر إلى استمرار تدفقاتهم ولارتفاع معدلات الولادة عندهم وانخفاضها عند الفرنسيين «الأصليين»، فإن فرنسا آخذة بالتحول إلى بلد من بلدان العالم الثالث، حيث إن شعباً أجنبياً وافداً يحل محل الشعب الفرنسي. وبحسب زيمور، فإن عقوداً قليلة ستكون كافية ليتحول المهاجرون إلى أكثرية ويصبح الفرنسيون أقلية في بلادهم إذا لم تحصل يقظة وانتفاضة، ويريد هو أن يكون رافعاً لواءها.
وبنظر الكاتب، فإن مدناً وأحياء في فرنسا اليوم تعيش حالة «الاستبدال الكبير»، حيث البرقع حل محل الرأس والوجه المكشوفين واللحم الحلال محل الملحمة الفرنسية التقليدية التي تبيع لحم الخنزير ومقاهي «الشيشا» (النرجيلة) مكان محال بيع الكحول و«الثوب الإسلامي» محل «الميني جوب» و«البوركيني» محل «البيكيني» واللغة العربية محل اللغة الفرنسية، وهكذا دواليك.
والمفارقة، أن زيمور نفسه يتحدر من عائلة يهودية مهاجرة تنتمي وفق ما يؤكده في كتابه إلى عشيرة «الزمور» اليهودية القبائلية وقد انتقلت من الجزائر إلى فرنسا في الخمسينات من القرن الماضي.
والمفارقة، أنه يصب كامل حقده على المسلمين الذين عاشت بينهم عشيرته منذ مئات السنين. وبعكس ما حصل لليهود في أوروبا، ليس فقط زمن هتلر وتمجيده العرق الآري، بل قبل ذلك بمئات السنوات، حيث كان اليهود يُحصرون في أحياء خاصة تسمى «الغيتو». وفي لفرنسا نفسها، بقي وضعهم على هذه الحال حتى وصول الإمبراطور نابوليون بونابرت إلى السلطة نهاية القرن الثامن عشر.
طريف العرض الذي يقدمه زيمور لبزوغ رغبته في النزول إلى الحلبة السياسية. هنا، يذكر كتاباً عنوانه «انتخابات عادية» لصحافي مغمور يعرض صاحبه سيناريو وصوله (زيمور) إلى قصر الإليزيه. هناك، يروي كيف أن عدداً من الأشخاص كانوا يستوقفونه في الشارع ويحثونه على التنافس الرئاسي. وبتواضع مصطنع، يكتب «في أحلامي الطفولية، لم أكن أتخيل نفسي أبداً رئيساً للجمهورية، لا بل لم يتبادر إلى ذهني إطلاقاً الانتماء إلى حزب سياسي، بل ما كنت أريده أن أصبح شاتوبريان (أحد أهم الكتاب الفرنسيين لنهاية القرن الثامن عشر ومنتصف التاسع عشر) ولا أحد آخر».
ويتابع «إن فرضية دخولي الحلبة السياسية لم تكن سوى تعبير عن ظاهرة تداعي النظام السياسي الفرنسي وانحدار مؤسسات الجمهورية الخامسة. أليس انتخاب إيمانويل ماكرون دليلاً ساطعاً على انحدار النظام؟». ويتابع زيمور «إن عالم الجبابرة الذي سكن شبابي تحول إلى عالم من الأقزام». ويروي الكاتب بالتفصيل لقاءاته واتصالاته التي كانت تدفعه في غالبيتها إلى اجتياز الخطوة التي تفصله عن عالم السياسة، مشيراً إلى النجاحات التي كانت تلاقيها مداخلاته التلفزيونية عندما كان نجم الشبكة الإخبارية «سي نيوز» التي تعد رديفة لـ«فوكس نيوز» الأميركية. كذلك يروي زيمور تفاصيل غداء جمعه مع مارين لوبن التي تحول إلى منافس لها، وكيف أنها سعت لإقناعه أنه غير أهل لمنافستها وغير قادر على تخطي عتبة الثلاثة في المائة من الأصوات في حال ترشحه، وبالتالي لن يمنعها في أن تكون في المقدمة. ويشن زيمور هجوما عنيفا على منافسته في اليمن المتطرف بحيث يقول عنها إنها «لم تقرأ أبداً كتاباً (بينما هو مثقف كبير) ولا تتعب ولا تفهم شيئاً في المجال الاقتصادي وجل اهتمامها هي قططها ونبتاتها».
وصفحة بعد أخرى، يروي زيمور «خيبته» من رجال (ونساء) السياسة، حيث «لا يرى أحد أن فرنسا التي نعرفها بصدد الموت». ويكتب «إن نظرية الاستبدال الكبير ليست خرافة وليست مؤامرة. إنها مسار راسخ ومسألة الهوية تجعل المسائل الأخرى ثانوية حتى الأساسية منها، مثل المدرسة والصناعة والرعاية الاجتماعية وحتى موقع فرنسا في العالم». ويرى الكاتب، أن «لا أحد من بين المرشحين بمن فيهم مارين لوبن يجرؤ على جعل موضوع الهوية والنزاع الحضاري في قلب حملته الانتخابية»، وأن يقرع ناقوس الخطر بالنسبة لـ«أسلمة» فرنسا التي ستتحول من أرض مسيحية عريقة إلى بلد يدخل في الأمة الإسلامية.
وبالنظر لما سبق، فإنه تقع على عاتق زيمور «مهمة» وطنية بدايتها التوعية والتنبيه من آثار «الراديكالية الإسلاموية» المدمرة التي تهدد بالقضاء على ما يمثل قلب الحضارة والثقافة الفرنسيتين، أي الهوية الفرنسية كمرحلة أولى تليها مرحلة الوقوف بوجه هذا التحول بحيث يكون هو رجل المرحلة.
إذا صدقت أقوال زيمور، فإن القارئ يقاد إلى الاعتقاد أن سياسيين أمثال رئيس الوزراء الأسبق إدوار بالادور لم يتردد في أن يقول له، إن في فرنسا «الكثير من المسلمين»، أو أن نيكولا دوبون دينيان، رئيس حزب صغير يتأرجح بين اليمين الكلاسيكي واليمين المتطرف، شجعه على خوض غمار المنافسة الرئاسية. ولكن اللافت، أن حدثاً سياسياً رئيسياً كانتخاب ماكرون رئيساً للجمهورية في العام 2017 لا يلقى أي اهتمام لدى الكاتب عند معالجته العام المذكور وكأنه بذلك اعتبره غير جدير بالتوقف عنده.
في صفحات الكتاب الأخيرة، وضع زيمور بشكل مكثف الخلاصات التي يريد دفع القارئ إليها، وعمادها أنه في عمر الأشخاص كما الأمم، ثمة لحظات انكسار ولكن دوماً تتبعها مرحلة الانبعاث.
وفرنسا، خلال تاريخها الطويل وجدت دوماً رجالاً رفعوها من كبواتها كجان دراك وبونابرت وديغول. وكل من هؤلاء نجح في جمع طاقات الأمة باسم المحافظة على بقائها وباسم مبدأ «السيادة»: سيادة الدولة ضد الإقطاع، سيادة الأمة ضد الإمبراطوريات (المعادية)، سيادة الحضارة ضد «البرابرة». ولا يجد زيمور غضاضة في تمجيد الاستعمار الفرنسي (مثلاً في الجزائر). لكن مسار فرنسا الراهن يراه انحدارياً، حيث «لم تعد فرنسا تلك الأمة المهابة التي كان يخاف منها الألمان والأوروبيون»، و«المسألة بالنسبة إليها اليوم هي أن تبقى أو أن تموت».
ولذا؛ يتعين على الفرنسيين أن «يقاتلوا على جميع الجبهات من أجل إنقاذ الهوية واستعادة السيادة وإعادة إيقاف فرنسا على قدميها». أما «الوصفة» لذلك فتبدأ مع وقف تيار الهجرات وتمكين الشعب، «من خلال آلية الاستفتاء من وضع حد للمّ الشمل العائلي (للمهاجرين) وإلغاء حق الجنسية للذين يولدون على الأراضي الفرنسية وتأطير قانون اللجوء وتدجين القضاة الفرنسيين والأوروبيين والتوقف عن انتقاد (عنف الشرطة) وإعطائهم حق الدفاع عن النفس».
وبنظر زيمور، فإن الانتماء الاثني والديني لمهربي المخدرات والمعتدين على النساء المتقدمات في السن يجب أن ينيرنا ويفتح أعيننا على أن ما يحصل هو عودة البرابرة. ويبرى الكاتب في ذلك «حرباً حضارية تبدأ بسرقة الهواتف النقالة وتتواصل بترهيب المخدرات وتنتهي بالأعمال الإرهابية على غرار ما حصل في مسرح الباتاكلان خريف العام 2015 أو من خلال قطع رأس المدرس صامويل باتي (العام الماضي) أو قتل كاهن في كنيسته».
ويخلط زيمور الحابل بالنابل ويرى أن هؤلاء جميعاً ينتمون إلى المعجن نفسه. زيمور يدعو لـ«ثورة كوبرنيقية». ويريد أن يرص صفوف الفرنسيين حول خمسة عناصر: الهوية، والهجرات، والاستقلال، والتعليم والصناعة. ولا ينسى أن يتهم اليسار الفرنسي بـ«الركوع أمام الإسلام» وقد اخترعت له تسمية «اليسار الإسلاموي». وخلاصة الخلاصات «نحن منخرطون في حرب من أجل الحفاظ على فرنسا التي نعرفها وكما عرفناها ومصير أبنائنا مرهون بمصير هذه المعركة... إن فرنسا لم تقل كلمتها النهائية».

بَيْنَ الحُبِّ والخَطِيئَةِ
بَيْنَ الـمُتْعَةِ والأَمَلْ
بَيْنَ الخَيْرِ القَلِيلِ
والشَرِّ السَّائِدِ الـمُسْتَفْحَلْ
بِفَيْرُوسِ لَعْنَةٍ
جاءَ يَجْتَاحُ بَنِي البَشَرْ...!
بارِيسِيَ!
كَمْ يَحْلُو لي أَنْ أَتَفَرَّدَ بِكِ
وأَنْتِ تَتَوَهّجِينَ
بِلُغْزِ سِحْرِكِ الـمَخْبُوءِ
الـمُبَجَّلِ...
وكَمْ... يَحْلُو لي أَنْ أَلْبَسَكِ
وأَنْتِ تَرْتَدِينَ زَنْبَقَةَ الغَوْرِ
واللَّيْلِ العَتِيِّ
لأَمْتَلِئَ بِكِ
فيَمْتَلِئُ كِلاَنَا أَمَلاً
فِي غَمْرَةِ الوُجُودِ القلِقِ...
* من أمسيات الحجر الصحي


مقالات ذات صلة

«متحف البراءة»... جولة في ذاكرة إسطنبول حسب توقيت أورهان باموك

يوميات الشرق ذاكرة إسطنبول المعاصرة ورواية أورهان باموك الشهيرة في متحف واحد في إسطنبول (الشرق الأوسط)

«متحف البراءة»... جولة في ذاكرة إسطنبول حسب توقيت أورهان باموك

لعلّه المتحف الوحيد الذي تُعرض فيه عيدان كبريت، وبطاقات يانصيب، وأعقاب سجائر... لكن، على غرابتها وبساطتها، تروي تفاصيل "متحف البراءة" إحدى أجمل حكايات إسطنبول.

كريستين حبيب (إسطنبول)
كتب فرويد

كبار العلماء في رسائلهم الشخصية

ما أول شيء يتبادر إلى ذهنك إذا ذكر اسم عالم الطبيعة والرياضيات الألماني ألبرت آينشتاين؟ نظرية النسبية، بلا شك، ومعادلته التي كانت أساساً لصنع القنبلة الذرية

د. ماهر شفيق فريد
كتب ناثان هيل

«الرفاهية»... تشريح للمجتمع الأميركي في زمن الرقميات

فلنفرض أن روميو وجولييت تزوَّجا، بعد مرور عشرين سنة سنكتشف أن روميو ليس أباً مثالياً لأبنائه، وأن جولييت تشعر بالملل في حياتها وفي عملها.

أنيسة مخالدي (باريس)
كتب ترجمة عربية لـ«دليل الإنسايية»

ترجمة عربية لـ«دليل الإنسايية»

صدر حديثاً عن دار نوفل - هاشيت أنطوان كتاب «دليل الإنسايية» للكاتبة والمخرجة الآيسلندية رند غنستاينردوتر، وذلك ضمن سلسلة «إشراقات».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
ثقافة وفنون «شجرة الصفصاف»... مقاربة لعلاقة الشرق والغرب

«شجرة الصفصاف»... مقاربة لعلاقة الشرق والغرب

عن دار «بيت الياسمين» للنشر بالقاهرة، صدرتْ المجموعة القصصية «شجرة الصفصاف» للكاتب محمد المليجي، التي تتناول عدداً من الموضوعات المتنوعة مثل علاقة الأب بأبنائه

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

كتاب جديد يكشف خبايا حملة نابليون على مصر

كتاب جديد يكشف خبايا حملة نابليون على مصر
TT

كتاب جديد يكشف خبايا حملة نابليون على مصر

كتاب جديد يكشف خبايا حملة نابليون على مصر

يتناول كتاب «حكايات في تاريخ مصر الحديث» الصادر في القاهرة عن دار «الشروق» للباحث الأكاديمي، الدكتور أحمد عبد ربه، بعض الفصول والمحطات من تاريخ مصر الحديث؛ لكنه يتوقف بشكل مفصَّل عند تجربة نابليون بونابرت في قيادة حملة عسكرية لاحتلال مصر، في إطار صراع فرنسا الأشمل مع إنجلترا، لبسط الهيمنة والنفوذ عبر العالم، قبل نحو قرنين.

ويروي المؤلف كيف وصل الأسطول الحربي لنابليون إلى شواطئ أبي قير بمدينة الإسكندرية، في الأول من يوليو (تموز) 1798، بعد أن أعطى تعليمات واضحة لجنوده بضرورة إظهار الاحترام للشعب المصري وعاداته ودينه.

فور وصول القائد الشهير طلب أن يحضر إليه القنصل الفرنسي أولاً ليستطلع أحوال البلاد قبل عملية الإنزال؛ لكن محمد كُريِّم حاكم الإسكندرية التي كانت ولاية عثمانية مستقلة عن مصر في ذلك الوقت، منع القنصل من الذهاب، ثم عاد وعدل عن رأيه والتقى القنصل الفرنسي بنابليون، ولكن كُريِّم اشترط أن يصاحب القنصل بعض أهل البلد.

تمت المقابلة بين القنصل ونابليون، وطلب الأول من الأخير سرعة إنزال الجنود والعتاد الفرنسي؛ لأن العثمانيين قد يحصنون المدينة، فتمت عملية الإنزال سريعاً، مما دعا محمد كُريِّم إلى الذهاب للوقوف على حقيقة الأمر، فاشتبك مع قوة استطلاع فرنسية، وتمكن من هزيمتها وقتل قائدها.

رغم هذا الانتصار الأولي، ظهر ضعف المماليك الذين كانوا الحكام الفعليين للبلاد حينما تمت عملية الإنزال كاملة للبلاد، كما ظهر ضعف تحصين مدينة الإسكندرية، فسقطت المدينة بسهولة في يد الفرنسيين. طلب نابليون من محمد كُريِّم تأييده ومساعدته في القضاء على المماليك، تحت دعوى أنه -أي نابليون- يريد الحفاظ على سلطة العثمانيين. ورغم تعاون كُريِّم في البداية، فإنه لم يستسلم فيما بعد، وواصل دعوة الأهالي للثورة، مما دفع نابليون إلى محاكمته وقتله رمياً بالرصاص في القاهرة، عقاباً له على هذا التمرد، وليجعله عبرة لأي مصري يفكر في ممانعة أو مقاومة نابليون وجيشه.

وهكذا، بين القسوة والانتقام من جانب، واللين والدهاء من جانب آخر، تراوحت السياسة التي اتبعها نابليون في مصر. كما ادعى أنه لا يعادي الدولة العثمانية، ويريد مساعدتهم للتخلص من المماليك، مع الحرص أيضاً على إظهار الاحترام ومراعاة مشاعر وكرامة المصريين؛ لكنه كان كلما اقتضت الضرورة لجأ إلى الترويع والعنف، أو ما يُسمَّى «إظهار العين الحمراء» بين حين وآخر، كلما لزم الأمر، وهو ما استمر بعد احتلال القاهرة لاحقاً.

ويذكر الكتاب أنه على هذه الخلفية، وجَّه نابليون الجنود إلى احترام سياسة عدم احتساء الخمر، كما هو معمول به في مصر، فاضطر الجنود عِوضاً عن ذلك لتدخين الحشيش الذي حصلوا عليه من بعض أهل البلد. ولكن بعد اكتشاف نابليون مخاطر تأثير الحشيش، قام بمنعه، وقرر أن ينتج بعض أفراد الجيش الفرنسي خموراً محلية الصنع، في ثكناتهم المنعزلة عن الأهالي، لإشباع رغبات الجنود.

وفي حادثة أخرى، وبعد أيام قليلة من نزول القوات الفرنسية إلى الإسكندرية، اكتشف القائد الفرنسي كليبر أن بعض الجنود يبيعون الملابس والسلع التي حملها الأسطول الفرنسي إلى السكان المحليين، وأن آخرين سلبوا بعض بيوت الأهالي؛ بل تورطت مجموعة ثالثة في جريمة قتل سيدة تركية وخادمتها بالإسكندرية، فعوقب كل الجنود المتورطين في هذه الجريمة الأخيرة، بالسجن ثلاثة أشهر فقط.

يكشف الكتاب كثيراً من الوقائع والجرائم التي ارتكبها جنود حملة نابليون بونابرت على مصر، ويفضح كذب شعاراته، وادعاءه الحرص على احترام ومراعاة مشاعر وكرامة المصريين.

لم تعجب هذه العقوبة نابليون، وأعاد المحاكمة، وتم إعدام الجنود المتورطين في هذه الحادثة بالقتل أمام بقية الجنود. وهكذا حاول نابليون فرض سياسة صارمة على جنوده، لعدم استفزاز السكان، وكان هذا جزءاً من خطته للتقرب من المصريين، وإرسال رسائل طمأنة إلى «الباب العالي» في الآستانة.

وكان من أول أعمال نابليون في الإسكندرية، وضع نظام حُكم جديد لها، استند إلى مجموعة من المبادئ، منها حرية الأهالي في ممارسة شعائرهم الدينية، ومنع الجنود الفرنسيين من دخول المساجد، فضلاً عن الحفاظ على نظام المحاكم الشرعية، وعدم تغييرها أو المساس بقوانينها الدينية، وكذلك تأليف مجلس بلدي يتكون من المشايخ والأعيان، وتفويض المجلس بالنظر في احتياجات السكان المحليين.

ورغم أن بعض بنود المرسوم تُعدُّ مغازلة صريحة لمشاعر السكان الدينية، فإن بنوداً أخرى تضمنت إجراءات شديدة القسوة، منها إلزام كل قرية تبعد ثلاث ساعات عن المواضع التي تمر بها القوات الفرنسية، بأن ترسل من أهلها رُسلاً لتأكيد الولاء والطاعة، كما أن كل قرية تنتفض ضد القوات الفرنسية تُحرق بالنار.

وفي مقابل عدم مساس الجنود الفرنسيين بالمشايخ والعلماء والقضاة والأئمة، أثناء تأديتهم لوظائفهم، ينبغي أن يشكر المصريون الله على أنه خلصهم من المماليك، وأن يرددوا في صلاة الجمعة دعاء: «أدام الله إجلال السلطان العثماني، أدام الله إجلال العسكر الفرنساوي، لعن الله المماليك، وأصلح حال الأمة المصرية».