هل تدخل إثيوبيا أزمة مزمنة؟ (تحليل إخباري)

عناصر من الشرطة الفيدرالية الإثيوبية خلال تظاهرة مؤيدة للحكومة في أديس إبابا بعد تقدم قوات تيغراي نحو العاصمة (رويترز)
عناصر من الشرطة الفيدرالية الإثيوبية خلال تظاهرة مؤيدة للحكومة في أديس إبابا بعد تقدم قوات تيغراي نحو العاصمة (رويترز)
TT

هل تدخل إثيوبيا أزمة مزمنة؟ (تحليل إخباري)

عناصر من الشرطة الفيدرالية الإثيوبية خلال تظاهرة مؤيدة للحكومة في أديس إبابا بعد تقدم قوات تيغراي نحو العاصمة (رويترز)
عناصر من الشرطة الفيدرالية الإثيوبية خلال تظاهرة مؤيدة للحكومة في أديس إبابا بعد تقدم قوات تيغراي نحو العاصمة (رويترز)

تحذيرات الأمم المتحدة من اتساع نطاق الحرب في إثيوبيا واتخاذها أبعاداً كارثية، تنطوي كذلك على انعدام اليقين بالمسار الذي تتخذه الأحداث في هذا البلد وتداخل عشرات المعطيات والعوامل لإضفاء المزيد من التعقيد على المشهد السياسي وعلى انعكاساته الإنسانية.
ولخّصت نائبة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية وبناء السلام روزماري ديكارلو، الوضع بالقول: «في بلد يضم أكثر من 110 ملايين إنسان وتسعين جماعة عرقية مختلفة وثمانين لغة، ما من أحد يستطيع توقع ما قد يسفر عنه استمرار القتال وغياب الأمن» قبل أن تنتقل إلى تعداد الأرقام الضخمة للمدنيين المهددين بالمجاعة والطرد من أماكن السكن واللجوء إلى دول الجوار وتحذر من أن خطر الوقوع في حرب أهلية «حقيقي تماماً».
أما رئيس مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي، فحذّر من أن «تقسيم إثيوبيا قد أصبح خطراً ماثلاً، ومن الممكن أن يؤدي إلى المزيد من تدفق اللاجئين».
من جهته، وصف رئيس الوزراء آبي أحمد الأزمة الحالية بـ«الحرب الوجودية»، نافياً التقارير عن قرب اقتحام قوات الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي وحليفها جيش تحرير أورومو العاصمة أديس أبابا، متعهداً بـ«دفن أعدائه بدمائهم»، ما يعطي انطباعاً باستحالة التوصل إلى تسوية من خلال المفاوضات، على ما طالب وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن.
يُدرك آبي أحمد المهجوس بتأكيد شرعية حكمه والمستند إلى تحالف متعدد القوميات في مواجهة قومية التيغراي، أن الأزمة الحالية أعمق وأشرس من كل ما مرّت به البلاد منذ سقوط حكم منغستو هيلاميريام ومجلس «الديرغ» في 1991 على غرار الاضطرابات والمظاهرات التي وقعت في 2016 وفي 2018 على خلفية الانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان التي كانت تمارسها أجهزة الأمن ومحاولات الاستيلاء على الأراضي المحيطة بالعاصمة والتي تعود ملكيتها إلى الأورومو. ويعلم أن إبعاد الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي عن موقعها المقرر في ائتلاف «الجبهة الديمقراطية الثورية لشعوب إثيوبيا» بعد وفاة الرجل القوي ميلس زيناوي، وحل الائتلاف الذي أطاح بنظام منغستو وتشكيل حزب الازدهار كبديل لا تتمثل فيه الكتلة الكبيرة من التيغراي، ما كان ليمرّ من دون ثمن بعدما أبدت جبهة تحرير تيغراي امتعاضها من خطوات رئيس الوزراء.
تداخل الدوافع العرقية والجهوية (والدينية بدرجة أقل)، يطرح مصير إثيوبيا للبحث. وبغضّ النظر عن أن الدولة الإثيوبية الحديثة التي أسّسها الإمبراطور مينيليك الثاني أواخر القرن التاسع عشر عبر توسيع مملكته على حساب الأقاليم المجاورة التي لم يكن قد بلغها بعد الاستعمار الأوروبي، مستعيناً بالقومية الأمهرية وبالنبلاء التقليديين كعناصر لفرض حكمه، كانت (الدولة الإثيوبية) موضع خلاف بين المكونات التي ضمها مينيليك وورثته منذ أيام التأسيس. والصراع الأشهر في هذا السياق هو الحرب الطويلة التي خاضها الإريتريون ضد أديس أبابا وانتهت باستقلال إريتريا عن إثيوبيا في 1993. تبرز هذه الأيام أجواء مشابهة تتمثل في عودة الحديث عن انفصال إقليم تيغراي عن إثيوبيا، ما سيفتح باباً جديداً للصراعات الإقليمية خصوصاً أن بعض الأراضي التي يطالب التيغراي بها تقع في إقليم أمهرا. فيما يرى مراقبون أن خطاب الكراهية الموجّه من الحكومة المركزية ومن عدد من ممثلي القوميات ضد التيغراي يُذكّر بالأجواء التي سبقت مذابح الهوتو ضد التوتسي في رواندا سنة 1994.
أما رئيس الوزراء فقد وقّع اتفاق تعاون عسكري مع روسيا وتركيا، وتشير تقارير إلى رغبته في استيراد طائرات مسيّرة تركية والتعاون مع شركة «فاغنر» الروسية لتزويده بالمرتزقة بعد الهزائم التي نزلت بالقوات الإثيوبية في الأسبوعين الماضيين على جبهات إقليم تيغراي، بعدما كان أحمد قد رأى أن قواته قد دمّرت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي في الجولة التي وقعت قبل عام.
والحال أن هذه المقدمات تحتوي على عناصر كافية، من التشبث بالموقف السياسي إلى سباق التسلح والعداء العرقي، ما يهدد إثيوبيا بالتحول إلى ساحة جديدة من ساحات الصراعات المزمنة. من هنا يمكن فهم التعليقات التي لمح فيها الكثير من المسؤولين والمبعوثين الدوليين إلى أن الأزمة الإثيوبية قد تتحول إلى كارثة تبدو معها حربا سوريا وليبيا «لعبة أطفال»، أخذاً في الاعتبار عمق الخلافات وكثرة السكان وفقرهم وإمكان اندلاع أزمة لاجئين واسعة النطاق.
جرائم الحرب التي تتشارك الأطراف كلها في ارتكابها، من القوات الإريترية إلى مقاتلي التيغراي مروراً بقوات الحكومة المركزية –حسب تقارير المنظمات الدولة وآخرها تقرير منظمة «هيومان رايتس ووتش» عن انتهاكات مسلحي التيغراي في المناطق التي احتلوها أخيراً- تقدم صورة كالحة السواد عن المستقبل الذي ينتظر بلاداً كانت قبل عامين فقط موئل آمال عريضة عن إمكان تحقيق تنمية وازدهار على الرغم من الانقسامات العرقية والقومية والتاريخ الصعب.



روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».