«متحف سرسق» يطلق «مهرجان سينما فلسطين» في نسخته اللبنانية الأولى

من بين الأفلام المعروضة «سبات الروح» و«يا اضطهاد»

«متحف سرسق» يطلق «مهرجان سينما فلسطين» في نسخته اللبنانية الأولى
TT

«متحف سرسق» يطلق «مهرجان سينما فلسطين» في نسخته اللبنانية الأولى

«متحف سرسق» يطلق «مهرجان سينما فلسطين» في نسخته اللبنانية الأولى

في عام 2014 انطلقت فعاليات مهرجان «سينما فلسطين» الذي تنظمه مؤسسة «فيلم لاب فلسطين». وكان في العام الفائت قد غاب عن الأجندة الثقافية العالمية بسبب جائحة «كورونا».
هذه السنة يعود المهرجان الذي تشارك فيه نحو 15 دولة عربية وأجنبية، بينها مصر والمغرب والجزائر وسوريا وإيران ومالطا والبوسنة وصربيا وفرنسا وإنجلترا والولايات المتحدة والدنمارك والسويد وغيرها. ويدخل لبنان على لائحة البلدان الذي تستضيفه للمرة الأولى في تعاون بين «متحف سرسق» وإدارة المهرجان.
وتحت عنوان «استراحة اليقظة: أصوات من أجل فلسطين» تنطلق فعاليات المهرجان غداً ويستمر لغاية 12 نوفمبر (تشرين الثاني). وتُعرض خلاله افتراضياً ثلاثة أفلام قصيرة تتطرّق إلى الحاجة إلى الحس المرهف والطابع النقدي للتعبير عن الأصوات والنضالات المتعددة وإبرازها إلى الواجهة، على أن يتبعها في اليوم التالي «ماستر كلاس». وهذا الأخير هو كناية عن جلسات نقاشات وحوارات تديرها القيّمة في «متحف سرسق» ماري نور حشيمة، وعضو «مهرجان سينما فلسطين» أنايس فارين. يدور فيها نقاش موسّع مع مخرجي الأفلام المعروضة، ومع الباحثة النسوية الفلسطينية إسلام الخطيب.
تتألف لائحة الأفلام المعروضة من «سبات الروح» إخراج باسم سعد، إنتاج عام 2021 و«الفيل الأبيض» للمخرجة شروق حرب، إنتاج عام 2018، و«يا اضطهاد» لبسمة الشريف من إنتاج عام 2014.
وتشير ماري نور حشيمة في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أنّ متحف سرسق أخذ على عاتقه منذ تأسيسه تبني موضوعات ثقافية لها جوانبها السياسية. وتتابع: «تحمل غالبية نشاطاتنا في المتحف، رسائل مختلفة تصب في موضوعات إنسانية واجتماعية وغيرها. فهذا الصرح العريق يمثل رمزاً لبيروت الثقافة والفن، ونتمسك بأن تبقى أبوابه مفتوحة لهذا النوع من النشاطات».
وأشارت حشيمة إلى أنّ هذا التعاون مع مؤسسة «سينما فلسطين» هو الأول من نوعه في لبنان، وأن العروض التي نستضيفها تؤلف النسخة الأولى له في بيروت. «وقد رغبنا في إقامة هذا التعاون، وستكون عروضنا بالتوازي مع تلك التي تنظمها المؤسسة نفسها في باريس».
يقف متحف سرسق وراء الاختيارات للعروض الثلاثة بالتعاون مع «سينما فلسطين». وتوضح حشيمة: «هي شرائط سينمائية قصيرة تعطي المساحة اللازمة لأصحاب الأصوات الخافتة، لإيصال مطالبها وهمومها. هذه الفئة من الأشخاص المهمشين في المجتمعات لا يمكننا عادةً أن نصغي إليها بسبب الضجيج الكبير الذي تثيره حولها مجتمعات متسلطة».
وفي فيلم «سبات الروح» يعبّر مخرجه باسم سعد من خلال «ثورة 17 تشرين»، عن موضوع المهمشين. «إنّه يلقي الضوء على تغييب أصوات الناس الذين شاركوا في الثورة، ولكنهم بقوا رغم ذلك غير مذكورين. فعُتِّم عليهم رغم أنهم شكلوا جزءاً أساسياً من هذه الثورة» توضح ماري نور حشيمة.
تُعرض هذه الأفلام من السابعة لغاية الثامنة مساءً افتراضياً. ويلي عرض الفيلم الأول، فيلم آخر بعنوان «يا اضطهاد» لبسمة الشريف. ونتابع خلاله قصة النضال الفلسطيني في السبعينات الذي أحاطته «بروباغندا» مناوئة له، فلم يأخذ حقه كما يجب على أرض الواقع.
وفي فيلم «الفيلم الأبيض» الذي يُعرض أيضاً غداً (الخميس)، وتستخدم فيه مخرجته شروق حرب، من مدينة رام الله الفلسطينية، الصور التي تداولها وشاركها الإسرائيليّون على الإنترنت خلال حرب الخليج والانتفاضة الأولى. وتتناول فيها تجمّعات الرّقص على موسيقى الترانس، لتركّب بورتريهاً لمراهقة فلسطينيّة في التسعينات وانعكاسها على مرآة ثقافة البوب الإسرائيليّة.
وفي اليوم الثاني للمهرجان (12 نوفمبر) وتحت عنوان «ماستر كلاس» ستجري نقاشات عن الأفلام المعروضة مع مخرجيها ودائماً عبر الـ«أونلاين». وتوضح ماري نور حشيمة التي تدير هذه الحوارات: «سنتحدث عن الوسائل التي تسهم من خلال الكاميرا وفن الإخراج السينمائي برفع أصوات المجتمعات المهمشة، فتصل إلى آذان أكبر عدد من الناس في مختلف دول العالم محققةً الهدف الذي تصبو إليه».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».