ترميم المساجد الأثرية في مصر يعيدها إلى الأضواء

ضمن مشروع تطوير «القاهرة التاريخية»

ترميم المساجد الأثرية في مصر يعيدها إلى الأضواء
TT

ترميم المساجد الأثرية في مصر يعيدها إلى الأضواء

ترميم المساجد الأثرية في مصر يعيدها إلى الأضواء

رغم القيمة الأثرية والمعمارية والمكانة الدينية للمساجد التاريخية المصرية، فإن بعضها حظي بشهرة أقل من غيره، وهو حظ عاثر يوشك أن يتغير على خلفية مشروع لترميم مساجد القاهرة، يأتي ضمن خطة كاملة لمناطق القاهرة الإسلامية تتبناه الحكومة بهدف ترميم وصيانة عدد من المساجد غير الشهيرة وإعادتها للأضواء ودائرة الاهتمام السياحية والأثرية وإبراز قيمتها المعمارية والفنية.
يستهدف المشروع الذي تنفذه زارة السياحة والآثار، ترميم وصيانة المساجد التراثية ذات الطابع المعماري المميز في القاهرة، وكذلك تجديد جميع البنايات الأثرية، وتطوير الأحياء الموجودة بها تطويراً حضرياً عمرانياً يتضمن تجديد الشوارع والحواري والأزقة والبنايات السكنية لإعادتها إلى حالتها الأصلية بطابعها التراثي المميز.
ويعيد مشروع الترميم الكثير من المساجد غير المعروفة، التي لم تحظَ بالشهرة رغم قيمتها المعمارية والتاريخية إلى دائرة الأضواء، ويضعها على الخريطة الأثرية والسياحية، وافتتح الدكتور خالد العناني، وزير السياحة والأثار، مؤخراً، المرحلة الأولى من مشروع ترميم مسجد الطنبغا المارداني بشارع باب الوزير بمنطقة الدرب الأحمر، وهو مسجل كأثر منذ عام 1951 ميلادياً، ويحمل قيمة تاريخية ومعمارية مميزة، إذ شُيد بين عامي 739 هجرياً الموافق 1338ميلادياً و740 هـجرياً الموافق 1340 ميلادياً على يد الأمير الطنبغا بن عبد الله المارداني الساقي، أحد أمراء الملك الناصر محمد بن قلاوون.
ويتكون المسجد من صحن مكشوف مستطيل تحيط به 4 ظلات أكبرها ظلة القبلة التي تتكون من 4 أروقة، والظلات الثلاث الأخرى يتكون كل منها من رواقين، وللمسجد ثلاثة مداخل في الغرب والجنوب والشمال، ويعد المدخل الشمالي هو المدخل الرئيسي وعلى يساره توجد مئذنة مكونة من 3 دورات تمثل قمة تطور المآذن من المربع إلى المثمن ثم الدائرة.
ويعد محراب المسجد من المحاريب النادرة دقيقة الصنع، حيث كُسيت جدرانه بالرخام الدقيق والصدف مكونة زخارف هندسية لافتة، ويعلو المحراب قبة كبيرة ترتكز على ثمانية أعمدة من الجرانيت الأحمر ومقرنصاتها من الخشب الملون، وإلى جوار المحراب يوجد منبر من الخشب بحشوات مطعمة بالعاج.
وما زالت أعمال الترميم جارية لعدد من المساجد التاريخية، منها جامع محمد علي، الذي يقع في الركن الغربي للقسم الجنوبي داخل قلعة صلاح الدين الأيوبي، حيث يطل على مدينة القاهرة بقبابه ومئذنتيه، وهو يعد معلماً من معالمها الأثرية والسياحية، كما أنه اشتهر بمسجد الألبستر أو المرمر، ومسجد الظاهر بيبرس بالقاهرة الفاطمية، الذي يعود تاريخه إلى أكثر من 850 عاماً مضت، حيث بناه السلطان الظاهر بيبرس البندقداري، الذي شارك سيف الدين قطز في هزيمة المغول، ويعتبره المؤرخون المؤسس الفعلي لحكم دولة المماليك البحرية، وقد كان رابع سلاطين المماليك.
ويقول الدكتور جمال عبد الرحيم، أستاذ الآثار الإسلامية بجامعة القاهرة لـ«الشرق الأوسط»، إن «أحد أسباب شهرة بعض المساجد التاريخية مقارنة بأخرى هو مكانة الشخص الذي بناه وشهرته، لكن السبب الأكبر هو الناس، حيث لم يكن هناك اهتمام سابقاً بمعرفة الآثار وتاريخها من عامة الشعب، وهي نظرة تغيرت تدريجياً في السنوات الأخيرة».
ويضيف عبد الرحيم: «مشروع تطوير القاهرة الإسلامية، ومن داخله ترميم المساجد التاريخية سيعيد المساجد غير المعروفة إلى واجهة الاهتمام والأضواء، بل إن الأمر سيمتد إلى الكثير من الشوارع التراثية التي لم تحظَ بالشهرة التي تستحقها، فمثلاً حظي شارع المعز بشهرة كبيرة عقب تطويره، وسنجد الكثير من الشوارع الأخرى في الفترة المقبلة تتقدم إلى دائرة الشهرة بعد تطويرها، مثل باب الوزير والصليبة».
ويضم مشروع التطوير قائمة كبيرة من المساجد التاريخية التي تستعد للعودة إلى واجهة الأضواء، واستعادة رونقها المعماري والتراثي، أبرزها في منطقة الأزهر مثل: «مسجد أم الغلام، وجامع إيدمر البهلون، ومسجد آل ملك الجوكندار، حيث تجري لها في الوقت الحالي عمليات صيانة شاملة».
ويقول الأثري شريف فوزي، المنسق العام لشارع المعز لـ«الشرق الأوسط»، إن «ترميم وصيانة هذه المساجد التاريخية سيعيدها إلى الأضواء، ويعيد إليها قيمتها المعمارية والفنية، وسوف تنال حظها من الشهرة، إذ سيبدأ الناس في التساؤل عن تاريخها مثلما حدث مع شارع المعز وبناياته التراثية ومساجده».
وتتوزع قائمة المساجد المستهدفة ضمن مشروع الترميم في العديد من أحياء القاهرة التاريخية، منها في منطقة الدرب الأحمر، مسجد وزاوية فرج بن برقوق، ومسجد الصالح طلائع، وجامع محمود الكردي، ومسجد ومدرسة إينال.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».