«مسرح العندليب» يعيد زواره للزمن الجميل في «موسم الرياض»

عرض مسرحي يتناول قصص حياته العاطفية

يعد عبد الحليم حافظ أحد أشهر الفنانين العرب  (تصوير: بشير صالح)
يعد عبد الحليم حافظ أحد أشهر الفنانين العرب (تصوير: بشير صالح)
TT

«مسرح العندليب» يعيد زواره للزمن الجميل في «موسم الرياض»

يعد عبد الحليم حافظ أحد أشهر الفنانين العرب  (تصوير: بشير صالح)
يعد عبد الحليم حافظ أحد أشهر الفنانين العرب (تصوير: بشير صالح)

في عودة إلى الماضي وزمن الفن الأصيل، أحيا بوليفارد الرياض «العندليب» عبد الحليم حافظ، بعد غياب دام قرابة الـ44 عاماً، بقي فيها عالقاً في قلوب محبيه، بصوته العذب وكلمات أغنياته الرقيقة التي لامست الأجيال كافة منذ بداياته المتواضعة حتى ذروة شهرته في ستينات القرن الماضي ووفاته في السبعينات.
وتكريماً له، حرصت هيئة الترفيه على مشاركته في موسمها الأضخم بالمنطقة، عبر مسرح ومطعم العندليب، الذي شكل تجربة نوعية مختلفة لمحبيه، والذي ما زالت أعماله تتردد في أرجاء الوطن العربي حتى اليوم، مما شكل رغبة كبيرة من معجبيه لحضور هذا الصرح المسخّر له في وسط العاصمة السعودية الرياض.
تحوي أروقة المطعم أبرز مقتنيات العندليب، من ملابسه الذي ارتداها في حفلاته الشهيرة، وساعاته المتنوعة التي تعبر عن أناقته، وتعلقه بالموضة خلال تلك الفترة، إضافة إلى تفاصيل دقيقة منها، كارته الشخصي وجواز سفره. بالإضافة إلى رسالة نادرة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان يرد فيها على تعزية عبد الحليم في وفاة أخت الملك، وعدد من رسائل محبيه من حول العالم بلغات متعددة، تؤكد على النجاح الكبير الذي حققه ووصلت أصداؤه إلى جميع أنحاء العالم. ويعرض المطعم مسرحية عن حياة العندليب العاطفية عنوانها «حبيبتي من تكون»، عنوان آخر أغنية لعبد الحليم حافظ، من إخراج خيري بشارة، ومشاركة عدد من المسرحيين المصريين الذين ساهموا في عكس تفاصيل حياته، وعرض بعض أشهر المقطوعات من أغانيه، وبعض من مراحل حياته التي ساهمت في تشكيل حضور الفنان في المنطقة.
تعكس المسرحية تفاصيل تعرض لأول مرة، عن حياة العندليب العاطفية وقصص الحب التي عاشها مع عدد من السيدات، اللواتي ساهمن في خلق فيض من مشاعر كوّنت طبقات صوته المذهلة وأعطته نكهة خاصة في أدائه الممزوج بالحب والمشاعر، الذي أبهر كافة مستمعيه من الخليج إلى المحيط.
وركزت المسرحية على علاقاته الخمس التي لم تنجح أي منها لأسباب عدة، مما شكل صورة درامية عميقة زادت من جمال العرض، وساهمت في خلق تجانس بين الحضور والممثلين الذين شعروا فعلاً بمآسي العندليب العاطفية، التي كانت بعضها سبباً في زيادة مشاكله الصحية وتأخره في علاجها.
وعلى هامش العرض الأول للمسرحية، التقت «الشرق الأوسط» مخرجها خيري بشارة، الذي قال إنّها ركزت على حياة عبد الحليم العاطفية للدور الكبير لها في حياته بتشكيل أسلوبه الغنائي ومشاعره الهياجة التي صنعت منه أيقونة الغناء في الوطن العربي.
ويقول بشارة إنّه متخصص في إخراج الأعمال السينمائية إلا أنّه يعشق المسرح، بالإضافة إلى تعلقه بالعندليب كونه فنانه المفضل، مما جعله يوافق على إخراج المسرحية التي أحب تفاصيل قصتها واهتم بإخراجها لأنّها تعكس حياة عبد الحليم المميزة والمليئة بالعواطف والمآسي.
وأضاف بشارة أنّ تجارب الأداء كانت صعبة، وأوضح: «لكنّنا وفقنا بها، وركزنا من خلالها على رؤية مدى دقة تقمص الممثلين لروح الشخصيات بتفاصيلها الدقيقة، مما ساهم في اختيار عدد من الممثلين الذين عملوا على أداء عرض مميز يصل لقلوب الحاضرين قبل أعينهم».
من جانبه، قال الفنان محمود غندور، الذي أدى شخصية عبد الحليم حافظ: «طغت على حياة العندليب العديد من التعقيدات نظراً للظروف الصعبة التي مر بها». وبالتالي فقد حاول غندور أن يدرس عبد الحليم الإنسان بعيداً عن حياته الفنية وعلى المسرح، وتعمق أكثر في تفاصيل حياته وظروفها ليعكس روحه ويتقمص شخصيته الحقيقية التي لا يعرفها الكثير من الناس، مما ساعده في أداء الدور بشكل مميز ومشابه بشكل كبير للفنان الراحل.
ووصفت مروى عيد، مؤدية شخصية «كاريمان» إحدى عشيقات الراحل، تجربتها في المسرحية بالمميزة، لأنها تحكي قصة شخصية كبيرة ومهمة في التاريخ العربي الفني، الأمر الذي شكل لها تحدياً في تأدية الدور بالشكل المطلوب، لأنّها لعبت دور الشخصية الوحيدة التي أحبت الفنان من طرف واحد.
وعلقت أميرة عبد الرحمن، مؤدية شخصية «ديدي» (أقرب عشيقات عبد الحليم) على أن الدور كان صعباً نظراً للتفاصيل الكثيرة في حياة الشخصية، التي كانت مبهمة ولا يوجد الكثير من المعلومات عنها وقد ساعدتها عائلة العندليب في معرفة تفاصيل أكثر عنها، مما ساهم كثيراً في تقمصها الدور بشكل أفضل.
ويحتوي المسرح على 100 مقعد وعدد من التقنيات الصوتية والمرئية التي ساهمت في خلق تجربة أفضل للحضور وساعدت الفريق الفني للمسرحية على ابتداع أفكار مميزة ساهمت في تطوير البعد التقني.
يستمر عرض المسرحية كافة أيام الموسم لـ3 ساعات يومياً، وسيستمتع الحاضر لها بوجبة العشاء أثناء المشاهدة، في أجواء فاتنة تداعب مسامعه بصوت العندليب الأسمر.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».