«الموتزاريلا» الإيطالية تُطيح بـ«الكامامبير» الفرنسية في عقر دارها

نسبة 40 في المائة من الجبن استهلكت لأغراض الطهو عام 2011

عبوات متنوعة من الجبن الفرنسي كامامبير (أ.ف.ب)
عبوات متنوعة من الجبن الفرنسي كامامبير (أ.ف.ب)
TT

«الموتزاريلا» الإيطالية تُطيح بـ«الكامامبير» الفرنسية في عقر دارها

عبوات متنوعة من الجبن الفرنسي كامامبير (أ.ف.ب)
عبوات متنوعة من الجبن الفرنسي كامامبير (أ.ف.ب)

أن تكون الموتزاريلا الإيطالية على مشارف تجاوز منافستها الشهيرة كامامبير من حيث حجم المبيعات، في عقر دار نجمة طبق الأجبان الفرنسية، فهذا أشبه بزلزال صغير في بلد القوالب المصنوعة من الحليب. في الواقع، يُفترض ألا يكون بين هاتين الجبنتين تنافس، فطريقة استخدامهما تختلف تبعاً للمواسم، وفيما تُستَعمَل الموتزاريلا بشكل أساسي في الطهو، تؤكل الكامامبير كما هي.
لكن هذا التراجع الفعلي لهذا النوع من الجبن الذي تختص به منطقة نورماندي في شمال غربي فرنسا، يخفي في طياته تغييراً أوسع يطال العادات المطبخية للفرنسيين. وأظهرت دراسة أجرتها وزارة الزراعة الفرنسية أن مبيعات الكامامبير انخفضت عام 2020 بنسبة 11 في المائة عما كانت عليه عام 2015، بينما زادت مبيعات الموتزاريلا بنسبة 62 في المائة.
ولاحظت شركة «نيلسن» للأبحاث أن «الاتجاه واضح، وهو أن مبيعات الموتزاريلا ستتجاوز قريباً مبيعات الكامامبير».
وفي صفحتها على شبكة «فيسبوك»، كتبت شركة «جيلو» العائلية لإنتاج جبنة الكامامبير التي تتخذ من بلدة سانت إيلير دو بريوز (في شمال غربي فرنسا) مقراً لها «نحن في حال حداد، فكيف أطيحَ بأفضل أنواع الجبن؟».
ورأت نائب مدير مصنع «جيلو» للأجبان إميلي فليشار، أن هذا الانقلاب قد يكون عائداً إلى تغيير في العادات، ومن وجوهه مثلاً تراجع تقليد طبق الجبن.
وقالت «كان والداي يأكلان الجبن مرتين في اليوم. أما أنا شخصياً، فلا آكل منه في نهاية الوجبة إلا عندما يكون لدي على مائدتي ضيوف».
وأكد المسؤول العلمي في المعهد الأوروبي للتاريخ والثقافات الغذائية لوييك بييناسيس، لوكالة الصحافة الفرنسية، وجود هذا الاتجاه، إذ أشار إلى أن «نسبة 40 في المائة من الجبن استهلكت لأغراض الطهو عام 2011، لكنها زادت على الأرجح منذ ذلك الحين».
لكن لتراجع الإقبال على الكامامبير تفسير آخر أيضاً هو أن سمعة هذه الجبنة بهتت مع الزمن.
ورأى خبير صناعة الجبن في متجر «لا كريمري» في الدائرة الباريسية السابعة عشرة الراقية مايك بيجا، أن الكامامبير «تعاني من أن صورتها كجبنة شعبية تقليدية أصبحت متقادمة».
وبينت دراسة الوزارة من جهة أخرى أن محبي هذه أو تلك من الجبنتين ينتمون إلى فئتين عمريتين مختلفين، إذ إن أولئك الذين تزيد أعمارهم عن 65 عاماً يستهلكون الكامامبير أكثر بمرتين مما يستهلكها مَن تقل أعمارهم عن 35 عاماً. وفي المقابل، يُقبل مَن هم دون الخامسة والثلاثين على شراء الموتزاريلا بكميات كبيرة.
فكرة الموتزاريلا البيضاء الصغيرة تتميز بأنها عملية. وقالت سكينة مرازقة التي تدير متجر «لا كريمري» الباريسي مع مايك، «نحن نأكلها أكثر ضمن الأطباق الرئيسية، ومنها السلطة». وتتناسب الموتزاريلا تماماً مع نظام غذائي جديد، صحي وخفيف أكثر. ويشكل ذلك ابتعاداً عن الوجبة الفرنسية التقليدية التي تجسدها الكامامبير، وهي «منتج متطلب، قوي المذاق، يؤكل بمفرده»، حسب مرازقة التي وصفت هذه الجبنة بأنها «مغامرة!». أما الموتزاريلا فتندرج ضمن «أثر الموضة»، وهي «جبنة للشباب» من أبناء المدن، على قول مايك بيجا. ويبيع محل «لا كريمري» أيضاً جبنة الكامامبير المصنوعة من حليب الجاموس، وهي نوع من التوليف الكريمي والجريء تجمع ميزات الجبنتين المتنافستين، ومخصص للزبائن الذين ينفرون من طعم الكامامبير البارز جداً. لكن وراء تراجع الإقبال الإجمالي على الكامامبير حقائق عدة مختلفة تماماً. فكامامبير النورماندي التقليدية مختلفة كلياً عن تلك المصنعة، سواء من حيث المذاق والسعر، إذ يبلغ ثمن النوع التقليدي الضعف تقريباً.
وللحصول على ملصق «تسمية المنشأ المحمية»، يجب على المنتجين استيفاء معايير معينة، من بينها الصب بالمغرفة والحليب الخام... وتضمن هذه المتطلبات مذاقاً لا مثيل له واحترام التقاليد. وأفادت إميلي فليشار بأن مبيعات شركة «جيلو» التي تنتج الجبنة التقليدية خصوصاً «آخذة في الازدياد منذ ثماني سنوات».
وأشارت جمعية الدفاع عن جبنة الكامامبير التقليدية إلى أن المبيعات من هذا النوع زادت بنسبة 20 في المائة بين عامي 2014 و2020.
ولاحظت فليشار أن «الناس يريدون أن يأكلوا أقل ولكن بجودة أفضل». لكن إنتاج الكامامبير التقليدية لا يتجاوز 10 في المائة من إجمالي إنتاج الكامامبير، إذ إن الغالبية العظمى منه تنتجها الشركات الصناعية العملاقة على غرار «لاكتاليس» التي تباع أجبانها في محال السوبر ماركت.
ومع أن التصنيع ساهم في تحقيق شعبية الكامامبير، أدى في المقابل إلى إضعاف مذاقها.
فالكامامبير المصنعة يمكن أن تتحول سريعاً في الفم إلى ما يشبه الجص، وتفقد نكهتها، بينما يحتفظ النوع التقليدي بصفات طعم لذيذة. ورأى لوييك بييناسيس أن «من الممكن بمعنى ما تشبيه الكامامبير بخبز الباغيت الفرنسي الذي اتسع إنتاجه صناعياً في النصف الثاني من القرن العشرين، فتعرض لانتقادات كثيرة بسبب افتقاره إلى الطعم».
واعتبر أن انخفاض المبيعات الذي يطال الكامامبير المصنع أكثر من ذاك التقليدي هو بمثابة «ضريبة نجاحه».


مقالات ذات صلة

6 نقاط قد تعيد تفكيرك في الطهي بأواني الحديد الزهر

صحتك 6 نقاط قد تعيد تفكيرك في الطهي بأواني الحديد الزهر

6 نقاط قد تعيد تفكيرك في الطهي بأواني الحديد الزهر

لا يزال كبار الطهاة العالميين، إضافة إلى ربات البيوت الماهرات في الطهي، يستخدمون أواني الطهي المصنوعة من الحديد الزهر Cast Iron Cookware.

د. عبير مبارك (الرياض)
مذاقات توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

من غزة إلى القاهرة انتقل مطعم «أبو حصيرة» الفلسطيني حاملاً معه لمساته في الطهي المعتمد على التتبيلة الخاصة

نادية عبد الحليم (القاهرة)
مذاقات إم غريل متخصص بالمشاوي (الشرق الاوسط)

دليلك إلى أفضل المطاعم الحلال في كاليفورنيا

تتمتع كاليفورنيا بمشهد ثقافي غني ومتنوع، ويتميز مطبخها بكونه خليطاً فريداً من تقاليد عالمية ومكونات محلية طازجة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
مذاقات صندوق من الكعك والكعك المحلى من إنتاج شركة «غريغز سويت تريتس» في نيوكاسل أبون تاين - بريطانيا (رويترز)

حلويات خطيرة لا يطلبها طهاة المعجنات أبداً في المطاعم

في بعض المطاعم والمقاهي، توجد بعض الخيارات الاحتياطية التي تجعل طهاة المعجنات حذرين من إنفاق أموالهم عليها؛ لأنها على الأرجح خيار مخيب للآمال.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
مذاقات «الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

لقمة خبز قد تأسر القلب، ترفع الحدود وتقرب الشعوب، هكذا يمكن وصف التفاعل الدافئ من المصريين تجاه المطبخ السوداني، الذي بدأ يغازلهم ووجد له مكاناً على سفرتهم.

إيمان مبروك (القاهرة)

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».