سعوديون يُحولون بقايا «البُن» إلى نباتات

في مقهى يطبّق فكرة جديدة بزراعة الأحواض بالقهوة المستعملة

أكواب القهوة تتحول إلى أحواض زراعة في مدينة الجبيل الصناعية
أكواب القهوة تتحول إلى أحواض زراعة في مدينة الجبيل الصناعية
TT

سعوديون يُحولون بقايا «البُن» إلى نباتات

أكواب القهوة تتحول إلى أحواض زراعة في مدينة الجبيل الصناعية
أكواب القهوة تتحول إلى أحواض زراعة في مدينة الجبيل الصناعية

كميات هائلة من بقايا القهوة تُهدر يومياً بعد احتساء المشروب، إما عالقة في قاع كوب ورقي أو مرمية في سلة النفايات حال تنظيف الأكواب، الأمر الذي دفع مقهى في شرق السعودية لابتكار فكرة هي الأولى من نوعها في القطاع، تتضمن زراعة الأحواض باستخدام بن القهوة المستعمل، وذلك عن طريق تجفيف بقايا القهوة واستخدامها في الزراعة، لتتحول الأكواب بعد شُربها إلى أصيص نبتة.
تأتى الفكرة إيماناً بضرورة إعادة تدوير بن القهوة والاستفادة منه، كما توضح سارة المقيط، مديرة قسم التسويق في شركة «القطف المثالي» في مدينة الجبيل الصناعية، التي تشير إلى أن الدافع إلى ذلك هو بيئي بالدرجة الأولى، رغبةً في وقف هدر أطنان كبيرة من بقايا القهوة، التي تفيد بأنها صالحة للاستخدام في الزراعة أو مستحضرات العناية بالبشرة وغير ذلك.
وتشير المقيط لإيجاد مكان خارجي للزوار يتيح لهم تجفيف القهوة تحت الشمس في البداية ومن ثمّ زراعتها في التربة، مبينةً أن الأدوات المستخدمة للزراعة تتضمن: الأحواض - التربة - السماد - بن قهوة المجفف - النبتات الصغيرة - القفازات - بطاقات يُكتب عليها الاسم، ثم تُترك النباتات في مقهى «ميثودز» في الجبيل الصناعية، بحيث تُعرض للزوار الراغبين بالاستزادة أكثر وتطبيق الفكرة.
وتتابع المقيط حديثها لـ«الشرق الأوسط» بالقول: إنّ «فكرة الزراعة بالقهوة جاءت من منطلق المساهمة في جزء من مستهدفات مبادرة السعودية الخضراء التي أطلقها ولي العهد في الشهر الماضي، عن طريق إعادة تدوير البن بعد استخلاص القهوة واستخدامه في زراعة شتلات صغيرة، حيث أُشرك زوار المقهى من جميع الأعمار في عملية الزراعة، عبر عدة خطوات يشرف عليها منظمون لإرشادهم حول كيفية استخدام البن في الزراعة».
وترى المقيط أن زوار المقاهي اليوم صاروا بحاجة لخوض تجارب جديدة وفريدة من نوعها بما يكسر روتينية ارتياد هذه الأماكن، مبينةً أن هذه الفكرة رُشحت للاختيار من مبادرة «الشرقية تبدع» المقامة حالياً في المنطقة الشرقية، بتنظيم مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي في الظهران، وبمشاركة عدد كبير من مختلف الجهات والأفراد، بما يتضمن تقديم أفكار ومنتجات إبداعية. وتضيف: أنّ «الفكرة هي الأولى من نوعها في المقاهي السعودية، ولاقت استحسان الكثير من الزوار. ويبدو حماس الأطفال هو الأكثر وضوحاً، حيث أبدوا تفاعلاً لزراعة واقتناء أحواض النباتات المزروعة من بن القهوة، خصوصاً مع سهولة القيام بخطوات الزراعة وإمكانية تنفيذ ذلك خلال دقائق، الأمر الذي يجعل للفكرة جانباً تعليمياً في إضفاء معلومات زراعية جديدة للصغار المشاركين».
يأتي ذلك في حين تشهد القهوة والأماكن المفتوحة قبولاً شعبياً يتنامى في السعودية، إذ ينفق السعوديون سنوياً ما يتجاوز 1.16 مليار ريال (310 ملايين دولار) على القهوة، وهو ما يعادل -حسب إحصائية صادرة من الجمارك السعودية- 3.18 مليون ريال (85 ألف دولار) يومياً، في وقت سجلت واردات السعودية من البُن خلال عام كامل في إحصائية سابقة نحو 80 ألف طن.
وتبرز دول البرازيل وإثيوبيا وماليزيا ضمن أكثر الدول التي تُستورد منها القهوة إلى السعودية، فيما أوضحت بيانات مؤخراً أن معدل أسعار كوب القهوة بصورة عامة في السعودية يتراوح بين 8 ريالات في المقاهي الصغيرة و35 ريالاً في المقاهي ذات الأسماء الشهيرة، الأمر الذي يجعل فكرة الاستفادة من حبوب البن المستعملة -بدلاً من رميها- ذات جدوى اقتصادية.


مقالات ذات صلة

5 قضايا مناخية رئيسة أمام المحاكم عام 2025

علوم 5 قضايا مناخية رئيسة أمام المحاكم عام 2025

5 قضايا مناخية رئيسة أمام المحاكم عام 2025

دعاوى مشروعة للدول الفقيرة وأخرى ارتدادية من الشركات والسياسيين

جيسيكا هولينغر (واشنطن)
بيئة أنثى «الحوت القاتل» الشهيرة «أوركا» أنجبت مجدداً

«أوركا» تنجب مجدداً... والعلماء قلقون

قالت شبكة «سكاي نيوز» البريطانية إن أنثى الحوت القاتل (التي يُطلق عليها اسم أوركا)، التي اشتهرت بحملها صغيرها نافقاً لأكثر من 1000 ميل في عام 2018 قد أنجبت أنثى

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق المَعْلم الشهير كان يميّز الطريق (مواقع التواصل)

«تخريب رهيب» للفيل البرتقالي الضخم و«الآيس كريم» بإنجلترا

أُزيل فيل برتقالي ضخم كان مثبتاً على جانب طريق رئيسي بمقاطعة ديفون بجنوب غرب إنجلترا، بعد تخريبه، وفق ما نقلت «بي بي سي» عن مالكي المَعْلم الشهير.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد جانب من المؤتمر الصحافي الختامي لمؤتمر «كوب 16» بالرياض (الشرق الأوسط)

صفقات تجاوزت 12 مليار دولار في مؤتمر «كوب 16»

يترقب المجتمع البيئي الإعلان عن أهم القرارات الدولية والمبادرات والالتزامات المنبثقة من مؤتمر الأطراف السادس عشر لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (كوب 16).

عبير حمدي (الرياض)
يوميات الشرق تكريم الفائزين الثلاثة ضمن مبادرة «حلول شبابية» بالتزامن مع «كوب 16» (واس)

منصّتان وشركة... «حلول شبابية» سعودية مبتكرة لمختلف التحديات البيئية

لم تكن الحلول التي قُدِّمت في مؤتمر «كوب 16» للقضايا البيئية والمناخيّة الملحّة، وقضايا تدهور الأراضي والجفاف، قصراً على الحكومات والجهات الخاصة ذات الصلة.

غازي الحارثي (الرياض)

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».