«الثنائيات» في «التحرير» توثّق قصص غرام زمن الفراعنة

تلفت الأنظار إليها في عيد الحب المصري

تمثال القزم سنب وزوجته وطفليهما
تمثال القزم سنب وزوجته وطفليهما
TT

«الثنائيات» في «التحرير» توثّق قصص غرام زمن الفراعنة

تمثال القزم سنب وزوجته وطفليهما
تمثال القزم سنب وزوجته وطفليهما

من بين دلالات كثيرة تحملها تماثيل «الثنائيات» في المتحف المصري بالتحرير، أنها تُجسد المكانة التي تمتعت بها المرأة في العصر الفرعوني، وقيم المساواة والندية مع الزوج الملك، وهو ما يتضح في وضع النساء ملكات أو زوجات عاديات بجوار الزوج في منحوتة واحدة على قدم المساواة في وضعيات توضح قوة المرأة ومكانتها المرموقة، وتوثق هذه التماثيل أشهر قصص الغرام في زمن الفراعنة، وتجتذب الباحثين عن حكايات الحب التاريخية وقوة المرأة ودورها في المجتمع، خصوصاً في عيد الحب.
في مدخل المتحف يطل على الزائرين تمثال ضخم للثنائي الملكة تي وزوجها الملك إمنحتب الثالث كأنه لافتة تاريخية تبث رسائلها المتنوعة عن الحب والزواج ومكانة المرأة في الدولة الفرعونية، وحظي تمثال الثنائي الشهير بمزيد من الأضواء والاهتمام عقب نقل مومياء كل منهما إلى المتحف القومي للحضارة في موكب تاريخي ضمن 22 مومياء ملكية في 3 أبريل (نيسان) الماضي، التمثال مصنوع من الحجر الجيري وعثر عليه بمدينة الأقصر (جنوب مصر).
ويمتلك المتحف مجموعة كبيرة متنوعة من التماثيل وفق صباح عبد الرازق، مدير عام المتحف المصري بالتحرير، والتي تقول لـ«الشرق الأوسط» إن «معظم تماثيل الثنائيات تظهر فيها المرأة جنباً إلى جنب مع زوجها وهي تضع يدها على كتفه أو حول خصره، في إشارة إلى القوة والحب والترابط الأسري وقيمة الزواج، والمكانة اللافتة التي تمتع بها النساء في العصر الفرعوني».
ويحتفل المصريون بعيد الحب مرتين في العام... المرة الأولى في عيد الحب المصري الذي يوافق 4 نوفمبر (تشرين الثاني) من كل عام، والثاني (عيد الحب العالمي) والذي يوافق 14 فبراير (شباط)، وبدأ تخصيص يوم للاحتفال بعيد الحب المصري منذ عام 1974 إثر دعوة أطلقها الكاتب الصحافي الراحل مصطفى أمين.
ومن أبرز تماثيل الثنائيات بالمتحف تمثال الأمير رع حوتب وزوجته نفرت، ويعود التمثال إلى الفترة من 2551 إلى 2575 قبل الميلاد في عصر الأسرة الرابعة بالدولة القديمة، والأمير رع حوتب هو ابن الملك سنفرو وشقيق الملك خوفو، ويعد التمثال تحفة فنية تعكس الواقعية في فن النحت بالعصر الفرعوني، فضلاً عن الرسائل التي تتعلق بتصوير المرأة بنفس الحجم وبمظهر يُبرز قيم المساواة والاعتزار وفق شيرين أمين، مديرة متحف الطفل بالمتحف المصري بالتحرير، وتقول شيرين أمين لـ«الشرق الأوسط» إن «التمثال نُفذ بصورة غاية في المثالية، إذ يظهر الأمير وزوجته بالحجم نفسه ونظرهما متجه للأمام بشكل مستقيم، ولُوّن تمثال رع حوتب باللون البني المحمر، وهو اللون الذي كان يستخدم عادة للرجال في الفن المصري القديم تعبيراً عن قضائهم أوقاتاً طويلة في الشمس، بينما الزوجة نفرت لُوّنت باللون الأصفر الشاحب، كما كانت معظم النساء تُصوّر في مصر القديمة، وبرع الفنان المصري في إظهار الواقعية من خلال التمثيل الواقعي للعينين باستخدام الكريستال الصخري والكالسيت، والخطوط الخارجية للعيون التي صنعت من النحاس».
وأبرزت نصوص الأدب المصري القديم في عدد من البرديات التاريخية قيم الحب والزواج ومكانة المرأة في مواضع مختلفة، فقد قال الحكيم «بتاح حتب»، من الأسرة الخامسة بالدولة القديمة، في تعاليمه «أحبب زوجتك كما يليق بها، قدم لها الطعام والملابس، أسعد قلبها ما حييت، لا تتهمها عن سوء ظن»، فيما أوصى الحكيم «آني» من الدولة الحديثة ابنه «لا تصدر أوامر كثيرة إلى زوجتك في منزلها، إذا كنت تعلم أنها امرأة ماهرة في عملها، لا تسألها عن شيء أين موضعه؟ ولا تقل أحضريه إذا كانت قد وضعته في مكانه المعتاد، تعلم كيف تدرأ أسباب الشقاق في بيتك، ولا يوجد مُبرر لخلق نزاعات في المنزل، كل رجل قادر على أن يتجنب إثارة الشقاق في بيته إذا تحكم سريعاً في نزعات نفسه».
ولا تقتصر تماثيل الثنائيات على الملكات والملوك، إذ يمتلك المتحف مجموعات متنوعة لأشخاص عاديين، أبرزهم مجموعة تماثيل القزم سنب وزوجته، ويظهر فيها جالساً بأرجل متدلية وبجانبه زوجته تعانقه بمودة (يدها على كتفه) وهي طبيعية الطول. ولتحقيق التناسق في التمثال قام النحات بتصوير ابني سنب مكان رجليه ليصبح بطول ساق زوجته، ووصل القزم سنب إلى مناصب رفيعة، حيث كان رئيس الأقزام في القصر الملكي، ومسؤول خزانة الملابس الملكية، وقد تزوج من سيدة عادية ليست قصيرة القامة.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».