انفجار مبيعات الشقق الفخمة في باريس

منها ما يقع برج «السيدة الحديدية» تحت أنف ساكنها

جيران السيدة الحديدية
جيران السيدة الحديدية
TT

انفجار مبيعات الشقق الفخمة في باريس

جيران السيدة الحديدية
جيران السيدة الحديدية

هناك شقق فخمة في كل مدن العالم، وهناك شقق بالغة الفخامة في باريس، تبدو مساحاتها صغيرة بالقياس لأحجام البيوت العربية، لكن أسعارها تتجاوز عدة ملايين من الدولارات. ورغم القلق الذي يصاحب الجائحة، فإن مبيعات هذا النوع من الشقق يشهد تزايداً غير مسبوق، أو انفجاراً حسب تعبير وكلاء العقارات. والتفسير الذي يقدمه هؤلاء هو أن الاستثمار في بيوت السكن الاستثنائية يبقى الضمانة الأكيدة في الأزمنة الصعبة.
خلال العام الجاري، حقق هذا النوع من الصفقات رقماً قياسياً. ويأتي الأجانب في مقدمة المشترين، بعضهم من الأثرياء الجدد في دول شرق أوروبا يأتون إلى باريس على متن طائراتهم الخاصة. ويلي هؤلاء الفرنسيون العائدون من سنوات عمل في الخارج جمعوا خلالها ثروة صغيرة. وعندما يعثر الزبون على مساحة خضراء وسط غابة من الإسمنت فإنه ينفق من دون حساب.
وقد بيعت شقة لا تتجاوز مساحتها 67 متراً مربعاً بمبلغ مليونين وربع المليون يورو لمجرد أن شرفتها الضيقة تطل على برج «إيفل». والمشتري هو ثري من موناكو قدمها هدية لزوجته لتقيم فيها حين تقصد باريس للتسوق.
بيعت شقة ثانية أوسع كثيراً بمبلغ 5.6 مليون يورو لأن البرج الملقب بـ«السيدة الحديدية» يبدو كأنه يقع تحت أنف ساكنها مباشرة. والشقة مؤلفة من 4 غرف للنوم وصالونين مع مدخل فسيح ومطبخ بمساحة 20 متراً مربعاً، وهي مساحة تعد شاسعة بالنسبة للمطابخ المنزلية في باريس. وقد اقتنى هذه الشقة مدير مؤسسة فرنسية كبرى. ويقول الوكيل الذي أشرف على إتمام الصفقة إن هناك من الزبائن من يشتري شقة وكأنه يقتني لوحة فنية لرسام شهير.
هناك صناديق الاستثمار الأوروبية التي تخصص لشراء العقارات مبالغ تتراوح بين 50 و300 مليون يورو. وهي عادة ما تستهدف البيوت التي تشغل عمارة بأكملها أو الشقق التي يبيعها بالبيع المؤجل مسنون يقطنون في مناطق مرغوبة. ويتلقى البائع دفعة أولى ثم دفعات شهرية ويبقى في الشقة لحين وفاته. إن الأجل قد يوافيه بعد شهرين أو بعد عشر سنوات، حسب حظ المشتري.
ويقول وكلاء العقارات إنهم يتعاملون في الغالب مع زبائن يبحثون عن باريس التي في خيالهم. ولا مبلغ يقف عائقاً أمام الخيال المقترن بالراحة والرفاهية. وأبرز هؤلاء الزبائن هم من اللبنانيين الذين هجروا العاصمة الفرنسية في السنوات العشر الماضية لكنهم يعودون إليها حالياً بعد انفجار مرفأ بيروت وتدهور الوضع المعيشي في بلدهم. وفي حين يفضل الأثرياء الأميركيون أحياء باريس الثقافية والعتيقة مثل «مونبارناس» و«سان جيرمان» فإن اللبنانيين، والعرب عامة، يميلون للسكن في الدائرة السادسة عشرة من العاصمة، حيث العمارات التقليدية التي تخفي وراء واجهاتها الحجرية الهادئة حدائق غناء.
باريس التي في المخيلة تعني تناول القهوة و«الكرواسون» في مقهى على الرصيف. لذلك تشهد أحياء حي الباستيل التاريخي طفرة في أسعار المتر المربع رغم ضيق الشوارع وازدحامها بالمقاهي والمطاعم والمراقص. بل إن من الزبائن من يستهويه هذا الازدحام بالذات. إنه يبحث عن الأصالة، وهو لن يعثر عليها في العمارات بالغة الحداثة التي بزغت حول المبنى الجديد للمكتبة الوطنية، في الدائرة 13 من العاصمة. مع هذا اقتنى عدد من مشاهير النجوم الأميركان شققاً في هذه العمارات تشغل الطابق الأخير بالكامل. ودفع بعضهم ما يزيد على 10 ملايين دولار إذا كانت الشقة تطل على الضفة الجنوبية لنهر «السين».
أسهم هذا الطلب المتزايد على المساكن الفخمة في ارتفاع أرقام مبيعات بعض مكاتب العقارات بنسبة 70 في المائة خلال العام الحالي مقارنة بالعام الماضي. وهذا حال شركة «بارنز» مثلاً المتخصصة في تجارة الشقق الفاخرة. ويؤكد أحد العاملين فيها أن الزبون لا يتردد في إنفاق مليوني يورو لإجراء تصليحات في شقة قديمة. وبخلاف الإقبال على الشقق المعرضة للشمس والواقعة في الطوابق العليا فإن شقق الطوابق الأرضية تشهد تراجعاً في الطلب عليها بنسبة تصل إلى 15 في المائة.
يدرك زائر باريس أنها، مثل القاهرة، تمتد على حافات نهرها عوامات تحولت إلى منازل. وغالباً ما يبحث الفنانون عن هذه المساكن الفريدة التي تتطلب إجازة خاصة باهظة الثمن تسمح لعواماتهم بالرسو في أماكن معينة من العاصمة وضواحيها. وقد دفع فرنسي عائد من العمل في الخارج مبلغ مليوني يورو وربع المليون مقابل مركب يرسو على «السين» عند ساحة «الكونكورد» في مواجهة المبنى التاريخي للبرلمان. وتبلغ مساحة المركب السكني 221 متراً، بضمنه 3 حجرات للنوم و3 حمامات. ولو أراد زبون الحصول على المنظر نفسه من شقة في عمارة لكان عليه أن يدفع أكثر من ضعف المبلغ.
من المناطق المطلوبة حي «مونمارتر» المطل على العاصمة من هضبة في شمالها. ورغم ندرة العثور على سكن في هذا الحي الشهير بارتفاع أسعاره، فإن هناك بيوتاً لا تزال متداولة في سوق العقارات، ومنها منزل مساحته 196 متراً مربعاً بيع بـ4 ملايين وربع المليون يورو. وهو مؤلف من 3 طوابق مع حديقتين أمامية وخلفية مساحتهما 114 متراً مربعاً. وقد كان هذا العقار مسكناً ومرسماً لواحد من الفنانين القدماء الذين تزدحم بهم المنطقة. ولم يود مشتري هذه التحفة الكشف عن هويته سوى أنه من أهل باريس ويبلغ من العمر 50 عاماً.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».