طهران تطلب «مؤشرات جدية» من بايدن على رفع العقوبات

عبد اللهيان: أوضاعنا أصعب مما قبل إلغاء القرارات الأممية

مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل يلتقي وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان يوم 22 سبتمبر الماضي في نيويورك (مهر)
مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل يلتقي وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان يوم 22 سبتمبر الماضي في نيويورك (مهر)
TT

طهران تطلب «مؤشرات جدية» من بايدن على رفع العقوبات

مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل يلتقي وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان يوم 22 سبتمبر الماضي في نيويورك (مهر)
مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل يلتقي وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان يوم 22 سبتمبر الماضي في نيويورك (مهر)

أبدى وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، شكوكاً حيال «جدية» الإدارة الأميركية في إحياء الاتفاق النووي ورفع العقوبات الاقتصادية، مبدياً تحفظه على استمرار مفاوضات فيينا الرامية لإحياء الاتفاق لعام 2015 من النقطة التي انتهت إليها في الجولة السادسة بعد أقل من 48 ساعة على إعلان فوز المحافظ المتشدد إبراهيم رئيسي في الانتخابات الرئاسية.
وقال عبد اللهيان، في حوار مطول نشرته صحيفة «إيران»؛ المنبر الرسمي للحكومة، أمس، إن العودة إلى الاتفاق النووي «ليست بحاجة إلى كل هذا التفاوض إذا كانت لدى واشنطن إرادة جدية»، عادّاً العودة إلى الأوضاع التي كانت قبل انسحاب الرئيس الأميركي السابق من الاتفاق في مايو (أيار) 2018 «الطريقة الأسهل لعملية تفاوض منطقية». وكرر طلب سلفه؛ محمد جواد ظريف، في بداية عهد الرئيس جو بايدن بأن «يصدر أمراً تنفيذياً لإعلان العودة إلى النقطة التي انسحب منها ترمب»، وقال إن «المشكلة أننا نسمع هذه الإرادة والنية في رسائلهم، لكننا لا نراها في سلوكهم».
وامتدت شكوك عبد اللهيان في جدوى الاتفاق نفسه رغم أنه أبدى تمسكه ببقائه، عندما قال: «لقد كان من المقرر أن يحل مشكلاتنا الاقتصادية... لو حدث هذا الأمر، لكان من الممكن القول إن حدثاً جيداً وقع برفع 6 قرارات في وثيقة لديها 6 أطراف…»، ورأى أن الاتفاق في الوقت الحالي «وثيقة سميكة على الطاولة، تبلغ مائة صفحة ونيفاً، بمسمى (الاتفاق النووي)، ربما جعلت الأمر لإيران أكثر صعوبة من القرارات الستة»، موضحاً أنه يريد بقوله ما حققه الاتفاق من نتائج على أرض الواقع.
وتجمدت 6 قرارات أممية بفرض عقوبات دولية على طهران، وشملت خروج إيران من الفصل السابع في ميثاق الأمم المتحدة، بموجب القرار الأممي 2231، بعد التوصل للاتفاق النووي في يوليو (تموز) 2015.
ونفى عبد اللهيان أن يحمل الفريق الجديد في الجهاز الدبلوماسي أي ضغينة ضد الاتفاق النووي ومسار التفاوض لاستعادته، وقال: «من الممكن أن يعتقد البعض أن طريقة تعامل الفريق الجديد الذي يدخل المفاوضات، ربما ستؤدي عملياً إلى توصل المفاوضات إلى طريق مسدودة، في حين أن هذه ليست هي الحال». وتحدث عبد اللهيان عن كثرة رسائل من مختلف القنوات الدبلوماسية بشأن جدية نوايا بايدن في العودة إلى الاتفاق. وأشار إلى محاولات عديدة من هذه القنوات لانتزاع جدول زمني من الجانب الإيراني بشأن كسر الجمود من المفاوضات، وتوقف في هذا الصدد عند قوله لمسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بورل: «سنعود إلى طاولة المفاوضات، لكن أنتم قلقون إلى هذا الحد، وتصرون على عودتنا لطاولة المفاوضات، وتلعبون دور المنسق... يجب عليكم الضغط على أميركا أيضاً».
وحاول عبد اللهيان أن يقلل من أهمية اعتبار الحضور الأميركي إلى طاولة المفاوضات مؤشراً على جدية بايدن، مكرراً طلبه رفع الحظر عن 10 مليارات من الأصول الإيرانية المجمدة. وقال: «على أميركا أن تقوم بخطوة لإظهار حسن النية… غايتي من طرح هذا المقترح أن نرى أقل دليل وخطوة إيجابية من أميركا لاتخاذ خطوة باتجاه الاتفاق إذا كانوا صادقين، لكن لدينا شكوك جدية حول ذلك». وأضاف: «على أي حال؛ لا نثق بالطرف المقابل، وعدم الثقة ليست حكراً على هذه الحكومة، لقد كان وزير الخارجية السابق (ظريف) لا يثق (بالغربيين) مؤخراً».
وكالعادة، نأى عبد اللهيان بنفسه عن تحديد أي موعد زمني للعودة إلى مسار فيينا، منوها بأن «قرارنا العودة... لكننا ندرس القضايا بشأن كيفية التفاوض، وهل نريد العودة إلى النقطة نفسها التي خرجنا منها، أم نتابع أسلوباً آخر»، قبل أن يقول: «قررنا ألا نبدأ المحادثات من النقطة التي وصلت إلى مأزق، وألا نبقى عالقين في المآزق، والغموض. عندما نقول إن الحكومة الحالية عملية، تريد نتائج، نعني ذلك، بعض التمهيدات ستمكننا من تحقق نتائج ملموسة، وأفضل عندما نجلس إلى طاولة التفاوض، لقد أجرينا جولة من المفاوضات في طهران»، وذلك في إشارة إلى زيارة منسق مباحثات فيينا ومبعوث الاتحاد الأوروبي إنريكي مورا.
إقليمياً، قال عبد اللهيان إن بلاده «صممت آلية متقدمة لتحقق شعار التعاون الإقليمي». وقال: «لن نصمت في وجه الأميركيين الذين يعملون على الترهيب من إيران».
ودفع عبد اللهيان باتجاه الالتفاف على المطالبات بإضافة أطراف إقليمية إلى المحادثات النووية، متحدثاً عن رفضه أي دمج بين الجانب الإقليمي والمحادثات الجارية مع القوى الكبرى بشأن إعادة العمل بالاتفاق النووي، وهي محطة تريدها الإدارة الأميركية أن تكون منطلقاً إلى المحطة التالية للتوصل لاتفاق أشمل يحظى بإجماع دولي وإقليمي ويتيح إطالة أمد الاتفاق، ولجم أنشطة إيران الإقليمية، وضبط برنامجها للصواريخ الباليستية.
وقال: «أعتقد أن مفاوضينا يجب أن يطلعوا الجيران واللاعبين المؤثرين في المنطقة على مسار المفاوضات النووية»، موضحاً أنه طلب من وزير الخارجية العماني أن ينقل معلومات عن المحادثات النووية للدول الأخرى، وقال: «ستكون لي جولة في المنطقة، وأرغب في إطلاع الجيران والأصدقاء في المنطقة على المفاوضات النووية».
وعدّ عبد اللهيان أن مساعي أميركية وأوروبية لإضافة الملف الإقليمي إلى المحادثات «جشع في المطالب». وقال: «قلنا لهم ليست لدينا أي خطة لهذه المفاوضات... قضايا المنطقة تعود للمنطقة، يجب القول إنه ليس على جدول أعمالنا من الأساس. الغربيون يطرحون هذا الموضوع، لكنه ليس شرطاً مسبقاً للتفاوض من قبلهم، ولن نقبل به». وخلص إلى أن طهران «تقبل بمباحثات إقليمية في إطار المنطقة، ونعتقد أنه لا توجد أي صلة بين المباحثات النووية والإقليمية».
وفي السياق نفسه، ألقى عبد اللهيان بعض اللوم في تراجع العلاقات مع الجيران على الحضور الأجنبي، وحمله مسؤولية «ثقافة الترهيب من إيران».
أما عن العلاقات مع السعودية، فقد قال: «جرت مفاوضات بوساطة العراق بين طهران والرياض على خلفية قرار على المستوى الوطني»، مشيراً إلى أن «جميع الأجهزة؛ بما فيها جهاز السياسة الخارجية، تعمل بتنسيق تام». وأضاف: «نشعر أن السعودية تتحرك تدريجياً في هذا الصدد، ونعتقد أن السعوديين ما زالوا بحاجة إلى مزيد من الوقت لدراسة الوضع والاستعداد، وقد تركنا الطريق مفتوحة لهم للعودة إلى العلاقات الطبيعية مع إيران متى شاءوا»، وزاد: «نعدّ المحادثات الحالية إيجابية وإلى الأمام».



فرنسا متأرجحة نحو التغييرات السورية... إقدام أم تروٍّ؟

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً في مؤتمر صحافي مشترك في وارسو مع رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك بمناسبة زيارة رسمية الخميس (د.ب.أ)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً في مؤتمر صحافي مشترك في وارسو مع رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك بمناسبة زيارة رسمية الخميس (د.ب.أ)
TT

فرنسا متأرجحة نحو التغييرات السورية... إقدام أم تروٍّ؟

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً في مؤتمر صحافي مشترك في وارسو مع رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك بمناسبة زيارة رسمية الخميس (د.ب.أ)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً في مؤتمر صحافي مشترك في وارسو مع رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك بمناسبة زيارة رسمية الخميس (د.ب.أ)

لا تشذ فرنسا في مقاربتها للملف السوري عن غيرها من الدول الأوروبية وغير الأوروبية وتتأرجح مواقفها بين الرغبة في الإقدام على الدخول بتفاصيله، والتروي بانتظار أن يتضح المشهد السوري وما تريده السلطة الجديدة وعلى رأسها «هيئة تحرير الشام» بقيادة أحمد الشرع (المكنى سابقاً أبو محمد الجولاني).

كذلك تريد باريس تنسيق مواقفها وخطواتها مع شريكاتها في الاتحاد الأوروبي رغم أن الدول المعنية ليست كلها منخرطة في الملف السوري بمقدار انخراط باريس أو برلين أو مدريد، وأفادت الخارجية الفرنسية بأن الملف السوري سيكون موضع مناقشات بين وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي يوم الاثنين المقبل.

ما تقوله المصادر الفرنسية، يُبين أن باريس، كغيرها من العواصم، «فوجئت» بسرعة انهيار النظام الذي تصفه بأنه «نظام قاتل» مسؤول عن وفاة 400 ألف شخص وكل يوم يمر يكشف عن المزيد من «فظاعاته»، فضلاً عن أنه أساء دوماً للمصالح الفرنسية خصوصاً في لبنان، ولم يحارب الإرهاب بل «شجعه» كما دفع ملايين السوريين إلى الخارج.

وتعدّ فرنسا أن سقوط نظام بشار الأسد شكل «مفاجأة»؛ إلا أنه شكل «بارقة أمل» للسوريين في الداخل والخارج، ولكنها مُكَبّلة بعدد كبير من التحديات والمخاطر؛ منها الخوف من «تمزق» سوريا، وأن تمر بالمراحل التي مر بها العراق وليبيا سابقاً، وأن تشتعل فيها حرب طائفية ونزاعات مناطقية وتنشط مجموعات «إسلاموية وجهادية»، وتدخلات خارجية، وأن تنتقل العدوى إلى لبنان كما حصل في السنوات 2015 و2016.

ملاحظات باريسية

وإزاء مفردات خطاب «معتدلة» تصدر عن أحمد الشرع والهيئة التي يرأسها وعلى ضوء صورة الحكومة الانتقالية التي رأت النور برئاسة محمد البشير، تتوقف باريس عند عدة ملاحظات: الأولى، اعتبار أن ما جرى «يفتح صفحة جديدة»، وأن الهيئة المذكورة لم ترتكب تجاوزات كبرى واعتمدت حتى اليوم خطاباً «معتدلاً» ووفرت ضمانات «كلامية»؛ إلا أن ما يهم فرنسا، بالدرجة الأولى، «الأفعال وليست الأقوال».

وما تريده باريس عميلة انتقال سلمي للسلطة وأن تضم جميع المكونات وأن تحترم الحقوق الأساسية للمواطنين والأديان والطوائف، وأحد معاييرها أيضاً احترام وضع النساء وحقوقهن، كذلك، فإن باريس ستعمل لأجل هذه الأهداف مع الشركاء العرب وأيضاً مع تركيا وإسرائيل.

بيد أن فرنسا لا تريد لا الإسراع ولا التسرع، وإن كانت تتأهب لإرسال مبعوث إلى سوريا يرجح أن يكون الدبلوماسي جان فرنسوا غيوم، لكنها تستبعد الاعتراف السريع بالسلطات الجديدة.

وأكدت وزارة الخارجية الفرنسية في بيان صادر عنها الخميس أن باريس ترى أنه «من السابق لأوانه في هذه المرحلة مناقشة رفع العقوبات المفروضة» على سوريا.

وكان وزير الخارجية المستقيل، جان نويل بارو، قد أجرى محادثات مع بدر جاموس، رئيس لجنة المفوضات السورية ومع ممثلين عن المجتمع المدني.

وقال بيان رسمي إن بارو ومحدثيه «عبروا عن الالتزام بتحقيق انتقال سياسي سلمي يشمل الجميع ويتماشى مع القرار 2254 الصادر عن الأمم المتحدة، يحمي المدنيين والحقوق الأساسية والأقليات».

كذلك أشار إلى «الاتفاق على أهمية الحفاظ على مؤسسات الدولة واحترام سيادة سوريا وسلامة أراضيها»، فضلاً عن «الإعراب عن قلقهم إزاء مخاطر التشرذم وانعدام الاستقرار والتطرّف والإرهاب، وضرورة استنفار الطاقات السورية والدولية من أجل تحاشيها».

اللاجئون

أما بالنسبة لملف عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، فإن باريس تقول إنها ليست من يقول لهؤلاء بالعودة أو بالامتناع عنها. إلا أنها بالمقابل تعدّ الشروط الضرورية لعودتهم مثل الأمن والعودة الكريمة «ليست متوافرة» رغم سقوط النظام القديم وقيام نظام جديد.

وتتوافق المواقف الفرنسية مع تلك التي صدرت عن مجموعة السبع، الخميس، التي أبدت الاستعداد لدعم عملية انتقالية في إطار يؤدي إلى حكم موثوق وشامل وغير طائفي في سوريا، مذكرة بأن العملية الانتقالية يجب أن تتسم بـ«احترام سيادة القانون وحقوق الإنسان العالمية، بما في ذلك حقوق المرأة، وحماية جميع السوريين، بمن في ذلك الأقليات الدينية والعرقية، والشفافية والمساءلة».

لاجئون سوريون في تركيا يسيرون نحو المعبر الحدودي بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد (د.ب.أ)

وضمن هذه الشروط، فإن مجموعة السبع ستعمل مع أي حكومة سورية مستقبلية تلتزم بهذه المعايير وتكون نتاج هذه العملية وتدعمها بشكل كامل.

وبينما تقضم إسرائيل أراضي سورية، وتدفع تركيا بالقوات التي ترعاها في الشمال الشرقي إلى مهاجمة مواقع «قسد»، فإن مجموعة السبع دعت «الأطراف كافة» إلى الحفاظ على سلامة أراضي سوريا ووحدتها الوطنية واحترام استقلالها وسيادتها.

ومن جانب آخر، وفي الكلمة التي ألقتها بعد ظهر الخميس بمناسبة «القمة الاقتصادية الخامسة لفرنسا والدول العربية» التي التأمت في باريس، عدّت آن غريو، مديرة إدارة الشرق الأوسط والمغرب العربي في الخارجية الفرنسية، أن الوضع اليوم في المنطقة «بالغ التعقيد» في قراءتها للتطورات الأخيرة في سوريا وللوضع في الشرق الأوسط، وأن المنطقة «تشهد تحركات تكتونية» (أي شبيهة بالزلازل).

وتعتقد غريو أن هناك «حقيقتين» يتعين التوقف عندهما بشأن سوريا: الأولى عنوانها «انعدام اليقين»، والعجز عن توقع التبعات المترتبة على هذه التطورات ليس فقط في المنطقة ولكن أيضاً في الجوار الأوروبي، إذ إن المنطقة «تسير في أرض مجهولة» وتشهد تغيرات جيوسياسية رئيسية.

و«الحقيقة» الثانية عنوانها السرعة الاستثنائية التي تحصل فيها هذه التغيرات، مشيرة إلى أنه في عام واحد حصلت حرب غزة وحرب لبنان والحرب بين إسرائيل وإيران وانهيار النظام السوري، وهي تطورات غير مسبوقة، لا في أهميتها وتبعاتها ولا في زمنيتها.