مدن العالم لا تتكيف بسرعة مع التغيرات المناخية

غالبيتها ستعاني من أضرارها الطويلة الأمد

مدن العالم لا تتكيف بسرعة مع التغيرات المناخية
TT

مدن العالم لا تتكيف بسرعة مع التغيرات المناخية

مدن العالم لا تتكيف بسرعة مع التغيرات المناخية

يعظم التغيّر المناخي خطر الكوارث الطبيعية كالفيضانات والحرائق والأعاصير الاستوائية والجفاف.
يتركّز عملي منذ سنوات على دراسة مشكلات المدن وتحليل علاقة المدن بالطبيعة، ويبدو لي أنّ المدن تزداد انكشافاً بسرعة أمام الأحداث المناخية المتطرّفة والتحوّلات الدّائمة في مناطقها المناخية.
يراودني شعورٌ بالقلق حيال مسار التغيّر المناخي الذي يفوق بسرعته الخطوات التي تطبّقها المناطق المدنية للتأقلم معه. ففي عام 1950 كان 30% فقط من سكّان العالم يعيشون في المدن. أمّا اليوم، ارتفعت هذه النسبة إلى 56% ومن المتوقّع أن تصل إلى 68% بحلول عام 2050، وهذا يعني أنّ الفشل في تكييف المناطق المدنية مع التغيّر المناخي سيعرّض حياة الملايين للخطر.
تحولات طويلة الأمد
الطقس المتطرّف والتحوّلات الطويلة الأمد في المناطق المناخية
بيّنت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ في آخر تقاريرها الصادر في أغسطس (آب) 2021 أنّ التغيّر المناخي العالمي واسع الانتشار وسريع ومتسارع، ما يعني أنّ المدن الواقعة على خطوط العرض المعتدلة ستعاني من موجات حارّة أكثر ومواسم باردة أقلّ، بينما ستواجه المدن الواقعة على خطوط العرض الاستوائية وشبه الاستوائية مواسم ممطرة غزيرة ومواسم جافّة أكثر حرارة، بالإضافة إلى أنّ معظم المدن الساحلية ستكون مهدّدة بارتفاع منسوب البحر.
بشكلٍ عام، ستواجه المدن حول العالم المزيد من الأحداث المناخية المتطرّفة التي ستختلف حسب موقع المدينة كالثلوج الثقيلة والجفاف المتزايد ونقص المياه وموجات الحرّ القاسية والفيضانات الخطرة والمزيد من الحرائق والأعاصير ومواسم أعاصير طويلة. يتحمّل الكلفة الأعلى لهذه الأحداث المقيمون الأكثر هشاشة ككبار السنّ والفقراء وغيرهم ممن لا يملكون الأموال والنفوذ السياسي الكافي لحماية أنفسهم.
ولكنّ الطقس المتطرّف ليس أكبر المخاوف. فقد توقّعت دراسة نُشرت عام 2019 شملت 520 مدينة حول العالم أنّه حتّى ولو نجح العالم في إيقاف الاحترار عند عتبة درجتين مئويّتين (حوال 3.6 درجة فهرنهايت) فوق مستوى احترار ما قبل الثورة الصناعية، ستتحرّك المناطق المناخية مئات الأميال باتجاه الشمال بحلول عام 2050 وفي جميع أنحاء العالم، وهذا الأمر سيؤدي إلى معاناة 77% من المدن المشمولة في الدراسة من تحوّل كبير في أنظمتها المناخية على مدار العام.
يتوقّع باحثو هذه الدراسة مثلاً أن يصبح مناخ لندن بحلول منتصف القرن أقرب إلى مناخ برشلونة الحالي، بينما ستصبح مدينة سياتل الأميركية أقرب بظروفها المناخية إلى سان فرنسيسكو. باختصار، وفي أقلّ من 30 عاماً، سيصبح لكلّ ثلاث من أصل أربع مدن بارزة في العالم مناخاً مختلفاً كلياً عن المناخ الذي لعب الدور الأساسي في تصميمها وتشكيل بنيتها التحتية.
في سياقٍ متّصل، توقّعت دراسة أخرى شملت 570 مدينة أوروبية أنّ هذه الأخيرة ستعيش مناخاً مختلفاً كلياً خلال 30 عاماً –أي إنّها ستشهد المزيد من موجات الحرّ والجفاف والفيضانات.
تخفيف حدّة التغيّرات
تنقسم استجابات المدن للتغيّر المناخي إلى فئتين كبيرتين هما تخفيف (تقليل) الانبعاثات الدّافعة للتغيّر المناخي، والتكيّف أو التأقلم مع التأثيرات التي لا يمكن عكسها.
تنتج المدن أكثر من 70% من انبعاثات غازات الدفيئة العالمية ومعظمها يصدر عن التدفئة والتبريد في المباني، والسيّارات والشاحنات وغيرها من العربات. يسهم التمدين أيضاً في زيادة هشاشة النّاس أمام تأثيرات التغيّر المناخي.
ومع توسّع المدن، يقضي البشر على المزيد من المساحات الخضراء، ما يزيد خطر الفيضانات وارتفاع منسوب البحر، ويفتح المجال أمام بناء المزيد من الأسطح غير النّافذة التي لا تمتصّ المياه كالطرقات والأبنية.
يؤدّي هذا الأمر إلى زيادة مخاطر الفيضانات ويُنتج جزراً مدنيّة حارّة –أي مناطق مناخية تكون فيها درجات الحرارة أعلى من المناطق النائية. فقد وجدت دراسة حديثة أنّ الجزيرة المدنية الحارّة في جاكرتا، إندونيسيا، توسّعت في السنوات الأخيرة بسبب تطوير المزيد من الأراضي لصالح المشاريع السكنية والتجارية والصناعية وبناء المخازن.
ولكنّ المدن تعدّ أيضاً من أهمّ مصادر الابتكار، فقد ذهبت جائزة «أوبرلاندر» لهندسة المناظر الطبيعية في 14 أكتوبر (تشرين الأول) الجاري إلى مهندسة المناظر الطبيعية الأميركيّة جولي بارغمن، لوضعها تصوّرا جديداً للمواقع المدنيّة الملوّثة والمهملة. وفاز المهندسان الفرنسيان آن لاكاتون وجان فيليب فاسال بجائزة «برايتزكر أرشيتكتورال» لهذا العام لابتكار مبانٍ مرنة عبر تجديد عمارات قائمة بدل هدمها وتأسيس أخرى جديدة.
تنتج 25 مدينة حول العالم 52% من مجمل انبعاثات غازات الدفيئة المدنية، ما يعني أنّ التركيز على هذه المدن يمكن أن يُحدث فرقاً كبيراً في منحنى الاحترار على المدى البعيد.
تطبّق مدن العالم إجراءات تخفيف متنوّعة ككهربة النقل العام والتبريد عبر المباني الخضراء وإصدار قوانين تفرض بناء عمارات ذات بصمة كربونية منخفضة، وأعتقد أنّ هذه الخطوات تشكّل مصدراً للأمل على المديين المتوسّط والبعيد.
تكيّف بطيء جداً
في المقابل، لا بدّ من القول إنّ التكيّف على المدى القريب يسير ببطءٍ شديد ولكن هذا لا يعني أنّ الأمور معلّقة. إذ تعمل مدينة شيكاغو مثلاً على تطوير سياسات لاستباق مناخٍ أكثر حرارة ورطوبة كإعادة رصف الشوارع بمواد نافذة تتيح ترشيح المياه عبر التربة الموجودة تحتها، وزراعة الأشجار لامتصاص ملوّثات الهواء وجريان مياه الأعاصير، بالإضافة إلى تأمين محفّزات ضريبية مقابل تركيب أسقف خضراء للتبريد فوق المباني المكتبيّة. وتوجد مدنٌ كثيرة حول العالم تحذو حذو شيكاغو.
ولكنّ إعادة تخطيط المدن في الوقت المناسب يمكن أن يكون شديد الكلفة، فبعد فشل السدود الذي أدى إلى غرق مدينة نيو أورلينز خلال إعصار كاترينا عام 2005، استجابت الحكومة الأميركية بإنفاق أكثر من 14 مليار دولار لبناء نظام محسّن للسيطرة على الفيضانات في المدينة، انتهى العمل فيه عام 2018، ولكنّ مدناً كثيرة أخرى حول العالم تواجه مخاطر مماثلة، والقليل منها فقط خصوصاً تلك الواقعة في الدول النّامية، يستطيع تحمّل كلفة برنامجٍ طموحٍ كهذا.
يعدُّ الوقت عاملاً شديد الأهميّة مع تسارع وتيرة التغيّر المناخي. وفي أوروبا ينتمي 75% من مباني الاتحاد الأوروبي إلى فئة المباني غير الفعّالة على صعيد الطاقة. وأشار تقريرٌ صدر العام الماضي عن المفوضية الأوروبية إلى أنّ جعل هذه المباني أكثر استدامة ومرونة تماشياً مع التغيّر المناخي سيتطلّب نحو 50 عاماً.
في أفضل الأحوال، يمكن تغيير البنى التحتية المدنية التي شُيّدت لملاءمة أنظمة مناخية سابقة وأحداث مناخيّة أقلّ تطرّفاً بمعدّل 3% فقط في السنة، وبهذا المعدّل الذي سيصعب حتّى على أغنى مدن العالم الالتزام به، سيحتاج تعزيز استدامة ومرونة المدن لعقود. في المقابل، تفتقر الحكومات المحليّة في المدن التي تحتضن السكان الأكثر هشاشة في العالم النّامي مثل مدن دكا في بنغلاديش، ولاغوس في نيجيريا، ومانيلا في الفلبين، إلى الموارد الكافية المطلوبة لتنفيذ التغييرات الباهظة الضرورية.
يتطلّب تغيير المدن حول العالم بالسرعة الكافية للتعامل مع الأحداث المناخية الأكثر تطرّفاً وأنظمة المناخ الجديدة استثمارات هائلة في أفكار وممارسات ومهارات جديدة. أرى في هذا التحدّي أزمة بيئية، ولكنّه في الوقت نفسه فرصة اقتصادية –وفرصة لتعميم المساواة في المدن خلال القرن الحادي والعشرين وما بعده.
* أستاذ في كليّة السياسات العامّة في جامعة ماريلاند، بالتيمور. «فاست كومباني»
- خدمات «تريبيون ميديا»


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

تخمينات جديدة: سلاح غامض وراء «متلازمة هافانا»

تخمينات جديدة: سلاح غامض وراء «متلازمة هافانا»
TT

تخمينات جديدة: سلاح غامض وراء «متلازمة هافانا»

تخمينات جديدة: سلاح غامض وراء «متلازمة هافانا»

قبل عامين، خلص محللو المخابرات الأميركية، بلغة حاسمة واستثنائية، إلى أن المرض الغامض، الموهن للإنسان، المعروف باسم «متلازمة هافانا» (Havana syndrome) لم يكن نتيجة عمل لعدو أجنبي يوظف نوعاً من أسلحة الطاقة، كما كتب شين هاريس (*).

استنتاجات متناقضة

وقد حطم هذا الاكتشاف الذي طال انتظاره، نظرية بديلة تبناها الدبلوماسيون وضباط الاستخبارات الأميركيون الآخرون، الذين قالوا إنهم كانوا ضحايا لحملة سرية متعمدة من قِبل عدو للولايات المتحدة، ربما روسيا، تركتهم معاقين، ويعانون آلاماً مزمنة، ومن مبالغ طائلة للفواتير الطبية. ويبدو أن تقرير الاستخبارات، الذي كتبته وكالة المخابرات المركزية (CIA) بشكل رئيسي، قد أغلق الكتاب حول متلازمة هافانا.

ولكن تبين أن الأمر لم يكن كذلك. فقد ظهرت معلومات جديدة دفعت البعض في مؤسسات الاستخبارات إلى تعديل استنتاجاتهم السابقة. وأعاد تقرير جديد فتح احتمال أن يكون سلاح غامض استخدمه خصم أجنبي هو السبب في متلازمة هافانا. وفي البيت الأبيض، أصبح كبار المسؤولين في إدارة بايدن أكثر اقتناعاً من زملائهم في وكالات الاستخبارات بأن متلازمة هافانا ربما كانت نتيجة لهجوم متعمد من قِبل عدو أميركي.

وستكون العواقب الجيوسياسية عميقة، خصوصاً مع استعداد الرئيس الجديد لتولي منصبه: فإذا ثبتت مسؤولية روسيا، أو أي دولة أخرى، عن الهجمات العنيفة على أفراد الحكومة الأميركية، فمن المرجح أن تشعر واشنطن بأنها مضطرة إلى الرد بقوة.

أعراض «متلازمة هافانا» الصادمة

وبدءاً من نحو عقد من الزمان، أبلغ عدد صغير من الأميركيين، معظمهم من الموظفين الفيدراليين وكثير منهم يعملون في الاستخبارات، عن تجارب مماثلة في هافانا. ففي لحظة، سمعوا رنيناً مؤلماً في آذانهم، تلاه ضغط شديد على رؤوسهم، ودوار مُربك، الذي غالباً ما يتبعه غثيان. كما أصيب بعض الضحايا بمشاكل طويلة الأمد في التعب أو الحركة. وفي وقت لاحق، أبلغ مسؤولون آخرون عن أعراض مماثلة أثناء وجودهم في روسيا ودول أجنبية أخرى. وخلص الكثير منهم إلى أنهم كانوا ضحية لهجوم متعمد بنوع من الأسلحة الصوتية.

تصدّع الإجماع

ظهرت العلامات المبكرة لتفكك الإجماع بشأن متلازمة هافانا في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، عندما اجتمع نصف دزينة من الضحايا - جميعهم من أفراد الاستخبارات الحاليين أو السابقين - في غرفة العمليات بالبيت الأبيض بدعوة من كبار الموظفين في مجلس الأمن القومي.

كان المسؤولون الذين استضافوا الاجتماع قد قرأوا المعلومات الاستخباراتية نفسها التي دعمت التقييم السابق، الذي نُشر في عام 2023، واعتقدوا أن مؤلفيه كانوا متسرعين للغاية في استبعاد هجوم متعمد. كما شعروا بأن الضحايا تعرضوا للتشهير والتضليل ولم يحصلوا على الرعاية الطبية الكافية لأمراضهم؛ ما تسبب في توقف بعضهم عن العمل، كما أخبرني الكثير من الأشخاص الذين حضروا الاجتماع.

وفي إشارة إلى الاحترام، دعا المضيفون رجلاً، يُعدّ أول ضحية معروفة لمتلازمة هافانا، للجلوس على كرسي على رأس طاولة مؤتمرات غرفة العمليات، التي عادةً ما تكون محجوزة للرئيس.

كان الغرض الظاهري من الاجتماع هو المساعدة في كتابة دليل لإدارة ترمب القادمة حول حالات «الحوادث الصحية الشاذة»، وهو «الوصف المهدئ» الذي تبناه مجتمع الاستخبارات للمتلازمة. لكن المسؤولين كان لديهم أيضاً تحديثات للمشاركة بها مع الحضور.

معلومات استخبارية جديدة

قال ماهر بيطار، وهو مسؤول كبير في مجلس الأمن القومي (NSC) مسؤول عن شؤون الاستخبارات، للحاضرين، وفقاً لبعض الأشخاص الذين كانوا حاضرين، إن المعلومات الاستخباراتية الجديدة تقوض تقييم عام 2023 وستجعل الضحايا يشعرون «بأنهم بريئون».

وشدد الحاضرون على أن بيطار لم يكشف أبداً عن أي معلومات سرية، ولم يحدد بالضبط ما هي المعلومات الاستخباراتية الجديدة التي تم اكتشافها. كما لم يذكر مسؤولو البيت الأبيض صراحةً أن قوة أجنبية مسؤولة عن متلازمة هافانا. لكن الضحايا شعروا بأن فريق الرئيس يعتقد أن هذه هي الحال على الأرجح، وأنهم يعتزمون دفع وكالات الاستخبارات لإعادة النظر في موقفها.

وأشاد مارك بوليمروبولوس، ضابط وكالة الاستخبارات المركزية الذي أصيب في موسكو عام 2017، الذي حضر الاجتماع، بمجلس الأمن القومي باعتباره «بطلاً قديماً» للضحايا، بإصرار أعضائه.

سلاح طاقة كهرومغناطيسة

وكان جزء مما أدى إلى الاستنتاج الحاسم الذي توصلت إليه مؤسسات الاستخبارات في وقت سابق بشأن متلازمة هافانا هو الافتراض بأن وجود سلاح طاقة - وهو جهاز يمكن أن يسبب نوع الإصابات التي عانى منها ضحايا متلازمة هافانا - غير معقول ولا تدعمه الأدلة. لكن المسؤولين والضحايا المجتمعين في غرفة العمليات نظروا فيما إذا كان هذا الافتراض صحيحاً حقاً.

اقترحت لجنة مستقلة من الخبراء، شكَّلتها مؤسسات الاستخبارات، أن سلاح الطاقة يمكن أن يستخدم «طاقة كهرومغناطيسية نبضية، خصوصاً في نطاق الترددات الراديوية» للتسبب في هذه الأعراض.

لطالما اعتقد بعض مسؤولي مجلس الأمن القومي أن رأي الخبراء لم يحظ بالقدر الكافي من الاهتمام. وكان طغى عليه بشكل غير ملائم التقرير الذي قادته وكالة المخابرات المركزية. لقد تم إطلاعي على تقرير المخابرات هذا عندما تم إصداره في عام 2023، وفي ذلك الوقت أذهلني مدى وضوح أحكام المحللين.

في تجربتي، يتردد المحللون في استخلاص استنتاجات قاطعة ويحاولون ترك بعض المجال للمناورة. كان المحللون في هذه الحالة أكثر صراحة من أي شخص سمعته من قبل.

ومع ذلك، فقد سمحوا بأن تظل مؤسسات الاستخبارات منفتحة على الأفكار والأدلة الجديدة التي قد تظهر. على سبيل المثال، إذا شوهد عدو أجنبي يحرز تقدماً في تطوير سلاح طاقة، أو التكنولوجيا لبناء سلاح، فقد يغير ذلك تفكير المحللين.

تصورات جديدة

ويبدو أن هذا قد حدث. اليوم، أصدر مكتب مدير الاستخبارات الوطنية Office of the Director of National Intelligence تحديثاً لتقرير عام 2023. ولا تقول وكالات الاستخبارات إن جهة أجنبية هي المسؤولة عن متلازمة هافانا. لكنها لم تعد واثقة من عدم مسؤولية أي جهة أجنبية.

وصرح مسؤول استخباراتي للصحافيين بأن اثنتين من وكالات الاستخبارات «غيرتا حكمهما الآن لتعكسا احتمالاً أكبر» بأن عدداً صغيراً من الحالات كانت بالفعل «ناجمة عن جهة فاعلة أجنبية». وقد فحصت الوكالتان معلومات جديدة تفيد بأن «جهات فاعلة أجنبية» - لم تذكَرا أياً منها - «تحرز تقدماً في البحث العلمي وتطوير الأسلحة».

قررت إحدى هاتين الوكالتين الاستخباريتين - مرة أخرى، لم يسمّها - أن فرص استخدام جهة فاعلة أجنبية سلاحاً جديداً، أو نموذجاً أولياً، لإيذاء عدد صغير من موظفي الحكومة الأميركية أو أفراد أسرهم «متساوية تقريباً» مع احتمالات عدم قيام جهة فاعلة أخرى بذلك. حددت الوكالة الأخرى «فرصة متساوية تقريباً» بأن جهة فاعلة أجنبية طورت سلاحاً يمكن أن يلحق الأذى بالناس، لكنها قررت أن أي جهاز من هذا القبيل من غير المرجح أن يتم استخدامه حتى الآن.

قد يبدو هذا التغيير خفياً، لكنه مهم. إن الانتقال من الموقف السابق الذي يقول إنه لم يكن هناك سلاح، ولم تكن هناك حملة متعمدة تستهدف أفراداً أميركيين، إلى احتمالات 50-50 لحدوث هذه الأشياء، هو تطور ملحوظ وإن كان ضيقاً.

إلا أن خمساً من الوكالات السبع التي ساهمت في التقرير الأول لم تغير موقفها؛ لذا فإن التحول يعكس رأي الأقلية. وقد أخبرتني مصادر قريبة من القضية بأن إحدى الوكالات التي غيَّرت موقفها هي وكالة الأمن القومي National Security Agency؛ ما يشير إلى أن الاتصالات التي تم اعتراضها ربما كشفت عن شيء عن جهود البحث التي يبذلها «الفاعل الأجنبي».

إن موظفي البيت الأبيض وعدداً قليلاً من وكالات الاستخبارات ليسوا الوحيدين الذين يعتقدون أن قصة متلازمة هافانا هي أكبر مما كان متصوراً في السابق. في الشهر الماضي، أصدر النائب الجمهوري ريك كروفورد تقريراً آخر في أعقاب تحقيق أجرته لجنة الاستخبارات في مجلس النواب. وقال التقرير إن استنتاج وكالات الاستخبارات بأن «الأعداء الأجانب ليسوا مسؤولين عن استهداف أفراد أميركيين مشكوك فيه في أحسن الأحوال ومضلل في أسوأ الأحوال».

* «ذا أتلانتيك أونلاين» - خدمات «تريبيون ميديا»

حقائق

2 من 7

وكالات استخبارات أميركية تشير إلى احتمال استخدام سلاح غامض