هل يواجه المحتوى العربي تحديات على «منصات التواصل»؟

شعار «ميتا» الجديد
شعار «ميتا» الجديد
TT
20

هل يواجه المحتوى العربي تحديات على «منصات التواصل»؟

شعار «ميتا» الجديد
شعار «ميتا» الجديد

طُرحت تساؤلات حول التحديات التي تواجه المحتوى العربي على منصات التواصل الاجتماعي، عقب جدل أثارته «وثائق مسربة» من داخل منصة «فيسبوك»، ونُشرت على صعيد واسع في وسائل الإعلام الغربية والعربية، تتعلق بتعامل المنصة مع المحتوى المنشور باللغة العربية. إذ أظهرت هذه «الوثائق المسربة»، سوء فهم خوارزميات «فيسبوك» للهجات العربية المختلفة، إضافةً إلى أن فريق متابع المنشورات العربية الموجود في المغرب يواجه صعوبة في فهم اللهجات العربية وطُرق الكتابة، وهو ما تسبب في حظر كثير من المنشورات بطريق الخطأ.
يرى متخصصون وخبراء أن «فيسبوك» لم ينجح في التعامل مع المحتوى العربي. وأشار بعضهم إلى أن «المشكلة لا تتعلق باللغة العربية فقط بل تشمل اللغات الأخرى». لكنهم أوضحوا أن «أعداد الجمهور العربي على المنصة خلفت الكثير من التحديات».
وفق الوثائق التي سرّبتها الموظفة السابقة في «فيسبوك» فرنسيس هوغن، ونشرتها وسائل الإعلام العالمية، الأسبوع الماضي، فإن «الأخطاء في التعامل مع المحتوى العربي لم تكن بسيطة». في حين أشارت وكالة «أسوشييتد برس» الأميركية في تقرير لها، إلى أن «إدارة (فيسبوك) كانت على علم بهذه الإخفاقات لسنوات؛ لكنها لم تفعل شيئاً لحل المشكلة». وذكر تقرير الوكالة أنه «من الأخطاء التي وقع فيها (فيسبوك») ما حدث في مايو (أيار) الماضي، حين حظر تطبيق (إنستغرام) استخدام كلمة (أقصى)، في إشارة إلى (المسجد الأقصى)، بسبب الخطأ في فهم معنى الكلمة، وهو ما اعتذر عنه (فيسبوك) فيما بعد». وفق «أسوشييتد برس» فإن «فحص الوثائق المسرّبة لـ(فيسبوك) أظهر أن المشكلة ليست محصورة بمحتوى اللغة العربية، بل يشمل أيضاً مناطق أخرى من العالم، حيث ينتشر المحتوى الضار وخطاب الكراهية، لأن الشركة لا تملك كادراً ملمّاً بلغات هذه المناطق وسياقاتها الثقافية».
أشرف زيتون، المدير السابق لسياسات «فيسبوك» في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أوضح في لقاء مع «الشرق الأوسط»، أن «المحتوى على منصة تواصل اجتماعي مثل (فيسبوك) يمرّ عبر ثلاث بوابات: الأولى هي بوابة الذكاء الصناعي التي تعتمد على الخوارزميات المُعدّة سلفاً عبر فريق من المبرمجين ولا يتدخّل فيها أي عنصر بشري، وهي مسؤولة عن التعامل مع 85% من المحتوى. أما البوابة الثانية، المسؤولة عن التعامل مع ما بين من 10 و13% من المحتوى، فهي بوابة شركات الاستشارات الخاصة التي تتولى تقديم خدمة إدارة المحتوى لـ(فيسبوك)، وهي عادةً ما توظِّف لهذه المهمة فريقاً كبيراً من مديري التعليقات ليست لديهم خبرات وليسوا موظفين دائمين... بالتالي، لا يتحمل (فيسبوك) أي تبعات تجاههم، وهذا الفريق موجود حالياً في المغرب».
ويتابع زيتون: «وفيما يتعلق بالبوابة الثالثة، فهي تتكون من الفريق العربي لـ(فيسبوك). ويضم هذا القسم نحو 40 موظفاً موجودين حالياً في العاصمة الآيرلندية دبلن، وهو فريق مدرب ومعيّن لدى (فيسبوك)، ولديه قدرات أكبر من الفريق الموجود في المغرب».
زيتون يرى أن «هذه البوابات الثلاث لم تنجح في التعامل مع المحتوى العربي. فالفريق الموجود في المغرب لا يستطيع فهم جميع اللهجات العربية، وكذلك تعجز خوارزميات (فيسبوك) عن تفسيرها، إضافةً إلى أن المنطقة العربية من المناطق التي يصعب التعامل معها بسبب كثرة الحروب والنزاعات فيها».
من جهته، قال فتحي أبو حطب، الخبير المصري في شؤون الإعلام الرقمي، في حواره مع «الشرق الأوسط» إنه «على الرغم من أن (فيسبوك) يُفترض وجوده في كل مكان في العالم؛ فلديه مناطق ونقاط عمياء -حسب تعبيره. ففريق الإدارة في المغرب صغير مقارنةً بحجم العمل، كما أن لهجات اللغة العربية متعددة، ويستخدم العرب طُرقاً مختلفة للكتابة». ويشير إلى أنه «وفق الوثائق المسرّبة فإن المسؤولين عن إدارة المحتوى العربي قد أبلغوا إدارة (فيسبوك) بصعوبة التعامل معه».
أيضاً، حسب تقرير «أسوشييتد برس» فإن «(فيسبوك) أخفق في تطوير تقنيات ذكاء صناعي قادرة على اكتشاف المحتوى الضارّ. وهو ما سمح بانتشار خطاب الكراهية وازدهاره في بعض الدول، فأدى إلى حذف وتقييد كلمات عادية وشائعة تستخدم في الخطاب اليومي». ثم إن التقرير أشار كذلك إلى أن «المشكلة غير المحصورة في اللغة العربية؛ موجودة في اللغات الأخرى وأماكن النزاع مثل أفغانستان والهند».
عودة إلى زيتون، فإنه يقول: «رغم وجود 215 مليون مستخدم لـ(فيسبوك) في المنطقة العربية، فإن النظام داخل (فيسبوك) عاجز عن التعامل مع هذا العدد من الجمهور العربي، ما يخلق الكثير من التحديات». ثم يشير إلى أنه «سبق أن أبلغ إدارة (فيسبوك) باعتراضه على تمركز فريق إدارة المحتوى العربي في المغرب». وطالب بـ«تجنب التعامل مع المنطقة العربية ككتلة واحدة، لأنها في الحقيقة مقسّمة إلى عدة مناطق ولهجات، إضافةً إلى أنه لا بد من فهم السياقات التي يجري فيها الحديث».
ثم يتحدث زيتون عن سوء استثمار «فيسبوك» للسوق العربية، فيشرح «رغم كون العراق ثاني أكبر سوق بعد مصر على المنصة؛ لا يضم فريق الإدارة في دبلن إلا عراقياً واحداً». ويضيف: «للأسف، (فيسبوك) لم يستثمر الكثير في هذه السوق رغم كبرها...». وهنا يقول أبو حطب، موضحاً أن «(فيسبوك) غير مُتحيز ضد العرب، لكنه في نفس الوقت غير مهتم بهم، وهنا تكمن المشكلة».
من جهة أخرى، كشفت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية عن أن «برامج الذكاء الصناعي التي يعتمد عليها (فيسبوك) لم تتمكن إلا من حذف 2% من إجمالي منشورات خطاب الكراهية». وحسب مراقبين، «يواجه (فيسبوك) حالياً حملة إعلامية، يشارك فيها 30 صحافياً من 17 مؤسسة مختلفة، تعتمد على الوثائق التي سرّبتها الموظفة السابقة هوغن حول سياسات الشركة تجاه المستخدمين».
وبالمناسبة، كانت شركة «فيسبوك»، مالكة المنصة العالمية، قد أعلنت الأسبوع الماضي عن تغيير اسمها إلى «ميتا»، وهو ما فسّره المراقبون بأنه «محاولة لتحسين السمعة وتحاشي ربط اسم الشركة التي تضم منصات متعددة بمنصة (فيسبوك) التي تواجه الكثير من الانتقادات حالياً


مقالات ذات صلة

«ميتا» تعلن اعتزامها تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي بالمحتوى العام للمستخدمين الأوروبيين

تكنولوجيا «ميتا» تعتزم بدء استخدام المحتوى المتاح للعامة من المستخدمين الأوروبيين لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة بها (أ.ف.ب)

«ميتا» تعلن اعتزامها تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي بالمحتوى العام للمستخدمين الأوروبيين

أعلنت شركة التكنولوجيا الأميركية «ميتا» اعتزامها بدء استخدام المحتوى المتاح للعامة من المستخدمين الأوروبيين لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة بها.

«الشرق الأوسط» (لندن)
تكنولوجيا من المقرر أن تبدأ محاكمة «ميتا» بشأن مزاعم القيام بعمليات احتكار غير قانونية لمنصات للتواصل الاجتماعي (رويترز)

محاكمة تاريخية لمكافحة الاحتكار ضد «ميتا» في واشنطن اليوم

من المقرر أن تبدأ محاكمة «ميتا»، الشركة الأم لـ«فيسبوك»، بواشنطن بشأن مزاعم قيام عملاق التكنولوجيا الأميركية بعمليات احتكار غير قانونية لمنصات للتواصل الاجتماعي

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
تكنولوجيا «ميتا»: لا بث مباشراً عبر «إنستغرام» لمن تقل أعمارهم عن 16 عاماً

«ميتا»: لا بث مباشراً عبر «إنستغرام» لمن تقل أعمارهم عن 16 عاماً

قالت شركة «ميتا» المالكة لتطبيق «إنستغرام»، الثلاثاء، إن المستخدمين الذين تقل أعمارهم عن 16 عاماً لن يتمكنوا من البث المباشر.

«الشرق الأوسط» (لندن)
تكنولوجيا الملياردير الأميركي مارك زوكربيرغ (رويترز)

بـ23 مليون دولار... زوكربيرغ يشتري قصراً في واشنطن للتقرب من ترمب

أقدم الملياردير الأميركي مارك زوكربيرغ على شراء قصر ضخم في واشنطن، بقيمة 23 مليون دولار نقدًا، في إطار جهوده للتقرب من الرئيس دونالد ترمب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ غلاف كتاب «كيرلس بيبول» Careless People (أناس مهمِلون) لسارة وين وليامز (أ.ب)

كتاب مثير للجدل لموظفة سابقة في «ميتا» يتصدر المبيعات في أميركا

تصدّر كتاب لموظفة سابقة في شركة «ميتا» يتناول بطريقة سلبية عدداً كبيراً من المسؤولين في المجموعة الأميركية بينهم مارك زوكربيرغ ، المبيعات في الولايات المتحدة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

هل تُعزز أدوات «يوتيوب شورتس» مستقبل «المحتوى الفوري»؟

هل تُعزز أدوات «يوتيوب شورتس» مستقبل «المحتوى الفوري»؟
TT
20

هل تُعزز أدوات «يوتيوب شورتس» مستقبل «المحتوى الفوري»؟

هل تُعزز أدوات «يوتيوب شورتس» مستقبل «المحتوى الفوري»؟

مع احتدام المنافسة بين منصات الفيديو القصير مثل «إنستغرام ريلز» و«سنابشات سبوت لايت» و«تيك توك»، يواصل «يوتيوب شورتس» ترسيخ مكانته لاعباً أساسياً في هذا القطاع الديناميكي. ولهذا اتجه «يوتيوب» مطلع أبريل (نيسان) الحالي إلى تعزيز تجربة «شورتس» بأدوات تحرير من شأنها إنتاج محتوى جذاب في وقت أقل.

يُذكر أن «يوتيوب» كان قد أعلن في وقت مبكّر من الشهر الحالي عن تحديث، يشمل مجموعة من أدوات التحرير المُحسّنة، ويتيح للمُستخدمين تجربة أكثر سلاسة في إنتاج الفيديوهات القصيرة من خلال مزايا مثل إعادة ترتيب المقاطع وتعديلها بدقة، وإضافة الموسيقى والنصوص المتزامنة مع الإيقاع، مما يجعل تجربة التحرير أكثر تفاعلية وانسيابية.

أيضاً عزّزت المنصة خدماتها الجديدة بتقنية مزامنة الموسيقى أو المؤثّرات الصوتية مع حركة الفيديو بدقة، إلى جانب القدرة على استخدام أصوات بطريقة مشابهة لميزة «استخدم هذا الصوت» في «تيك توك». وللعلم، كانت منصة «شورتس» قد أطلقت رسمياً عام 2021، وسرعان ما تحوّلت إلى أحد أبرز أدوات «يوتيوب» لجذب جمهور الشباب وصُناع المحتوى الجدد، وسط تحوّل عالمي متسارع نحو المحتوى البصري القصير والتفاعلي.

في لقاء مع «الشرق الأوسط»، اعتبر حاتم الشولي، المشرف على تحرير الإعلام الرقمي في قناة «الشرق للأخبار»، الميزة الجديدة التي أطلقها «يوتيوب» لتعزيز «شورتس» فرصة للمؤسسات الإعلامية تمكّنها من الوصول إلى جمهور أوسع. وأكد أن «يوتيوب يهدف بهذا التحديث إلى جذب صُناع المحتوى من جميع الفئات لمنافسة المنصات الأخرى على الهدف الأقوى، ألا وهو الوصول للجمهور. وبمقدور المؤسسات الإعلامية تحديداً الاستفادة من ذلك عبر استخدام هذه الميزة لتقديم المعلومة السريعة والخفيفة، لا سيما، في عالم الأخبار السريع والمتجدّد لحظة بلحظة».

الشولي قال إن المؤسسات الإعلامية استفادت من خدمة «شورتس» بالفعل منذ ظهورها قبل أربع سنوات، مضيفاً: «قمنا في الشرق للأخبار، منذ البداية، بتفعيل محتوى الشورت عبر (يوتيوب) من خلال نشر الفيديوهات المُعدة بأسلوب مناسب لمنصات التواصل الاجتماعي، التي تتوفر فيها ميزات الفكرة الجذابة والقصة المحبوكة تحريرياً بطريقة سلسلة، بالإضافة إلى عوامل الجذب البصري وإضافة النصوص والموسيقى».

وأردف: «حققت الفيديوهات القصيرة في البداية نتيجة جيدة، لكن مع مرور الوقت ووجود تغطيات صحافية لبعض القضايا الرئيسة كانت الشورتس تُحدث فارقاً بالوصول لجمهور جديد وتحقيق مشاهدات أعلى، مقارنة بالفيديو الأصلي الكامل للقصة الإخبارية».

وعن الاستفادة التي يمكن أن تحقّقها المؤسسات الإعلامية من تحديث «يوتيوب»، ذكر الشولي أن «على المؤسسات أن تتكيف مع التحديثات وتستغلها لصالح هدف التفرد والوصول للجمهور». وفي حين عدّ هذا عبئاً على المؤسسات، فإنه أكد: «تفرض طبيعة الجمهور وخصائص كل منصة أحياناً ضرورة تخصيص نوع معين من المحتوى ليتناسب مع طريقة العرض والاهتمامات الخاصة بكل فئة مستخدمين، وهو ما قد يشكل عبئاً إضافياً على المؤسسات الإعلامية التي تضطر إلى إعادة صياغة الرسالة الإعلامية بما يتلاءم مع أكثر من منصة».

جدير بالإشارة أن «يوتيوب» أتاحت نموذج الأرباح من «شورتس» اعتباراً من فبراير (شباط) 2023، وفي هذا النظام، يحصل منشئو المقاطع القصيرة على 45 في المائة من عائدات الإعلانات، بينما يحصل منشئو الفيديوهات الطويلة على 55 في المائة.

على صعيد متصل، صنّف خالد فودة، المتخصص في وسائل التواصل الاجتماعي بمصر، ميزة «يوتيوب» الجديدة كاتجاه يحمل مسارين، ففي حين تعزز تجربة المؤسسات لإنتاج مقاطع الفيديو القصيرة، فإنها أيضاً تشعل منافسة مجحفة بين صُناع الأخبار والأشخاص من «صُناع المحتوى» القادرين على استخدام هذه الأدوات بسهولة وإنتاج يعادل ما تنتجه هذه المؤسسات بالإضافة إلى دعم من قبل المنصة.

وعدَّد لـ«الشرق الأوسط» مكاسب تحديث «يوتيوب»، قائلاً إنه «بات بقدرة صحافيي الميدان إعداد تغطية مباشرة وسريعة، وتُمكنّهم هذه الأدوات من إنتاج تقارير قصيرة فورياً باستخدام الهاتف الذكي خلال ثوانٍ معدودة، كما تمكّنهم من إضافة عناوين، ومقاطع صوتية ودمج بعض المؤثرات الثابتة التي تعكس هوية المؤسسة».

فودة تابع أنه من «المُبكر تقييم التجربة»، وأضاف أنه يتوقع «نجاح التجربة في تعزيز الأخبار، لأن المقاطع القصيرة بشكل عام يمكنها الوصول إلى عدد أكبر من الجمهور بفضل خوارزميات الاقتراح... من المتوقع أن يدعم هذه الأدوات دعماً كاملاً من قبل المنصات نفسها، من خلال ترشيحها للجمهور أكثر من الفيديوهات الطويلة».

في المقابل، رهن خبير التواصل المصري نجاح مؤسسات الأخبار في استغلال الأدوات الجديدة بكيفية التعاطي مع التحديات، لافتاً إلى أنه «قد يكون التحقق من المعلومات أكثر تعقيداً في حالة آلية النشر السريع، مما قد يؤثر على دقة الخبر، وبالتالي ستفقد المنصات المصداقية فيما يتعلق بصحة الأخبار... وهو ما يعني أن على المؤسسات تشجيع الابتكار واستخدام الأدوات الجديدة».