خلفيات للحرب الاقتصادية بين واشنطن والنظام الفنزويلي

كلاوديا دياز (أ.ب) -  نيكولاس مادورو (إ.ب.أ) - هوغو تشافيز (أ.ف.ب)
كلاوديا دياز (أ.ب) - نيكولاس مادورو (إ.ب.أ) - هوغو تشافيز (أ.ف.ب)
TT

خلفيات للحرب الاقتصادية بين واشنطن والنظام الفنزويلي

كلاوديا دياز (أ.ب) -  نيكولاس مادورو (إ.ب.أ) - هوغو تشافيز (أ.ف.ب)
كلاوديا دياز (أ.ب) - نيكولاس مادورو (إ.ب.أ) - هوغو تشافيز (أ.ف.ب)

شكّلت عملية توقيف أليكس صعب واعتقاله في جمهورية الرأس الأخضر ستة عشر شهراً، قبل تسليمه إلى الولايات المتحدة، ضربة قاسية للنظام الفنزويلي؛ لكونه الحلقة الأساسية في الشبكة التي يعتمد عليها هذه النظام للالتفاف على العقوبات الأميركية... والواجهة التي تعمل لحساب الرئيس نيكولاس مادورو والحلقة الضيّقة التي تحيط به.
إلا أن تسليم صعب إلى القضاء الأميركي، حيث يمثل منذ نهاية الأسبوع الماضي أمام إحدى المحاكم في ولاية فلوريدا، ليس سوى خطوة واحدة في الخطة التي تنسجها واشنطن لإحكام الطوق على غريمها اليساري الأول في أميركا اللاتينية منذ وصول هوغو تشافيز إلى السلطة في فنزويلا ربيع العام 2002.
وبينما كانت الطائرة التي تقلّ صعب من الرأس الأخضر تحطّ في مطار ميامي، كانت المحكمة الوطنية الإسبانية تعلن قرارها تسليم كلاوديا دياز، ممرّضة هوغو تشافير السابقة وأمينة ماله، إلى العدالة الأميركية. ومن المنتظر أن تعلن المحكمة الإسبانية أيضاً هذا الأسبوع عن قرار مماثل بتسليم هوغو كارفاخال، الرئيس السابق للمخابرات الفنزويلية، إلى الولايات المتحدة التي كانت منذ سنوات تطالب بتسليمه لمحاكمته بتهم التواطؤ مع عصابات الاتجار بالمخدرات والمنظمات الثورية في كولومبيا.
ثلاث ضربات متتالية خلال أقل من أسبوع ضد نظام مادورو، الذي حاول بكل الطرق منع حدوثها لما تمثّله من خطر على تجفيف منابع التمويل الذي يحتاج إليه لمواجهة نظام العقوبات الأميركي الذي يحاصره منذ سنوات.
المحكمة الإسبانية كانت قضت بتسليم كارفاخال إلى الولايات المتحدة عام 2019، لكنه تمكن من الهرب إلى أن وقع في شباك الأمن الإسباني مطلع الشهر الماضي في مدريد. هذا، وسبق لكارفاخال الذي كان مقرّباً جداً من الرئيس الفنزويلي السابق الراحل هوغو تشافيز، ثم من خلفه مادورو قبل أن ينشقّ عنه في بداية عهده، التبجّح أمام القضاء الإسباني بأنه يملك معلومات حساسة جدا عن النظام الفنزويلي وشبكة علاقاته الدولية، خاصة أنه كان لعشر سنوات رئيس المخابرات العسكرية والذراع اليمنى لقائد الثورة الفنزويلية هوغو تشافيز.
وفعلاً، كان كارفاخال من أوائل الذين أدرجتهم وزارة العدل الأميركية على لائحتها السوداء منذ أكثر من عشر سنوات إلى جانب نحو مائة مسؤول فنزويلي آخر يتهمهم القضاء الأميركي بالتعامل مع المنظمات الكولومبية لتهريب المخدرات إلى الولايات المتحدة بهدف تمويل النظام والجماعات الثورية الكولومبية ومدّها بالأسلحة.
وعلى غرار العديد من المسؤولين الفنزويليين السابقين الذين يلاحقهم القضاء الأميركي بتهم غسل الأموال والفساد، استقرّت كلاوديا دياز في إسبانيا بعد مغادرة فنزويلا تحت حماية جواز سفر دبلوماسي. وهو الأسلوب الذي حاول النظام الفنزويلي اتباعه لإنقاذ أليكس صعب عندما أوقف في الرأس الأخضر، وعيّنه سفيراً فوق العادة ثم مندوباً دائماً في المفاوضات الجارية مع المعارضة.
ومن الذين كان يلاحقهم القضاء الأميركي وأصبحوا الآن في قبضته راوول غورّين المتهم بتنظيم شبكة للتلاعب بأسعار الصرف التي فرضها نظام تشافيز على كل معاملات وصفقات الاقتصاد الفنزويلي، وأثرت عشرات المقرّبين من النظام. وكان غورّين اشترى القناة التلفزيونية الإخبارية الوحيدة التي كانت مناهضة للنظام، وحوّلها إلى وسيلة شبه رسمية مؤيدة لتشافيز.
ولاحقاً، تقدم المدّعي العام الفنزويلي طارق صعب، المقرّب من مادورو، بطلب إلى السلطات الأميركية لاسترداد غورّين منعاً لتعاونه المرتقب مع القضاء الأميركي، لكن واشنطن لم تتجاوب مع طلب التسليم.
ويذكر، أن البرلمان الفنزويلي، عندما كان تحت سيطرة المعارضة للنظام، قدّر الخسائر التي نجمت عن أنشطة الفساد على عهد تشافيز ثم على عهد مادورو، بما يزيد على 400 مليار دولار، معظمها على صلة بشركة النفط الوطنية والتحكم بأسعار الصرف؛ ما أدى إلى نزف الخزينة العامة وانهيار الاقتصاد ودفع البلاد إلى الكارثة الإنسانية التي تعيشها فنزويلا حالياً.


مقالات ذات صلة

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

حصاد الأسبوع الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد

وارف قميحة (بيروت)
حصاد الأسبوع صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في

راغدة بهنام (برلين)
حصاد الأسبوع  زارا فاغنكنيشت (رويترز)

وضع الليبراليين مُقلق في استطلاعات الرأي

يحلّ حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف راهناً في المركز الثاني في استطلاعات الرأي للانتخابات الألمانية المقبلة، وتصل درجة التأييد له إلى 18 في

حصاد الأسبوع روبيو play-circle 01:45

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل.

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)

نظرة إلى سجلّ سياسات روبيو الخارجية

يعد نهج وزير الخارجية الأميركي المرشح ماركو روبيو في السياسة الخارجية بأنه «تدخلي» و«متشدد». ذلك أن روبيو دعم غزو العراق عام 2003، والتدخل العسكري في ليبيا،

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها
TT

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

خطفت بوتسوانا (بتشوانالاند سابقاً) أنظار العالم منذ أشهر باكتشاف ثاني أكبر ماسة في العالم، بيد أن أنظار المراقبين تخاطفت الإعجاب مبكراً بتلك الدولة الأفريقية الحبيسة، بفضل نموذجها الديمقراطي النادر في قارتها، وأدائها الاقتصادي الصاعد.

قد يكون هذا الإعجاب سجل خفوتاً في مؤشراته، خصوصاً مع موجة ركود وبطالة اجتاحت البلاد منذ سنوات قليلة، إلا أنه يبحث عن استعادة البريق مع رئيس جديد منتخب ديمقراطياً.

على عكس الكثير من دول «القارة السمراء»، لم تودّع بوتسوانا حقبة الاستعمار عام 1966 بمتوالية ديكتاتوريات وانقلابات عسكرية، بل اختارت صندوق الاقتراع ليفرز برلماناً تختار أغلبيته الرئيس. وأظهر أربعة من زعماء بوتسوانا التزاماً نادراً بالتنحي عن السلطة بمجرد استكمال مدّد ولايتهم المنصوص عليها دستورياً، بدءاً من كيتوميلي ماسيري، الذي خلف «السير» سيريتسي خاما عند وفاته في منصبه بصفته أول رئيس لبوتسوانا. وهذا التقليد الذي يصفه «مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية» بأنه «مثير للإعجاب»، جنت بوتسوانا ثماره أخيراً بانتقال سلمي للسلطة إلى الحقوقي والمحامي اليساري المعارض دوما بوكو.

انتصار بوكو جاء بعد معركة شرسة مع الرئيس السابق موكغويتسي ماسيسي ومن خلفه الحزب الديمقراطي... الذي حكم البلاد لمدة قاربت ستة عقود.

ويبدو أن تجربة تأسيس الحزب الديمقراطي من زعماء قبائل ونُخَب أوروبية كانت العلامة الأهم في رسم المسار الديمقراطي لبوتسوانا، عبر ما يعرف بـ«الإدماج الناعم» لهؤلاء الزعماء القبليين في بنية الدولة. لكن المفارقة كانت «الدور الإيجابي للاستعمار في هذا الشأن»، وفق كلام كايلو موليفي مُستشار الديمقراطية في مكتب رئيس بوتسوانا السابق للإذاعة السويسرية. وتكمن كلمة السر هنا في «كغوتلا»، فبحسب موليفي، اختار البريطانيون الحُكم غير المُباشر، عبر تَرك السلطة للقادة القبليين لتسيير شؤون شعبهم، من دون التدخل بهياكل الحكم التقليدية القائمة.

نظام «كغوتلا» يقوم على «مجلس اجتماعي»، ويحق بموجبه لكل فرد التعبير عن نفسه، بينما يناط إلى زعيم القبيلة مسؤولية التوصل إلى القرارات المُجتمعية بتوافق الآراء. ووفق هذا التقدير، قاد التحالف البلاد إلى استقرار سياسي، مع أنه تعيش في بوتسوانا 4 قبائل أكبرها «التسوانا» - التي تشكل 80 في المائة من السكان وهي التي أعطت البلاد اسمها -، بجانب «الكالانغا» و«الباسار» و«الهرو».

وإلى جانب البنية الديمقراطية ودور القبيلة، كان للنشأة الحديثة للجيش البوتسواني في حضن الديمقراطية دور مؤثر في قطع الطريق أمام شهوة السلطة ورغباتها الانقلابية، بفضل تأسيسه في عام 1977 وإفلاته من صراعات مع الجيران في جنوب أفريقيا وزيمبابوي وناميبيا.

على الصعيد الاقتصادي، كان الاستعمار البريطاني سخياً – على نحو غير مقصود – مع بوتسوانا في تجربة الحكم، إلا أنه تركها 1966 سابع أفقر دولة بناتج محلي ضئيل وبنية تحتية متهالكة، أو قل شبه معدومة في بعض القطاعات.

مع هذا، انعكس التأسيس الديمقراطي، وفق محللين، على تجربة رئيسها الأول «السير» سيريتسي خاما؛ إذ مضى عكس اتجاه الرياح الأفريقية، منتهجاً نظام «رأسمالية الدولة»، واقتصاد السوق، إلى جانب حرب شنَّها ضد الفساد الإداري.

على صعيد موازٍ، أنعشت التجربة البوتسوانية تصدير اللحوم، كما عزّز اكتشاف احتياطيات مهمة من المعادن - لا سيما النحاس والماس - الاقتصاد البوتسواني؛ إذ تحتضن بلدة أورابا أكبر منجم للماس في العالم.

ثم إنه، خلال العقدين الأخيرين، جنت بوتسوانا - التي تغطي صحرء كالاهاري 70 في المائة من أرضها - ثمار سياسات اقتصادية واعدة؛ إذ قفز متوسط الدخل السنوي للمواطن البوتسواني إلى 16 ألف دولار أميركي مقابل 20 دولاراً، بإجمالي ناتج محلي بلغ 19.3 مليار دولار، وفق أرقام البنك الدولي. كذلك حازت مراكز متقدمة في محاربة الفساد بشهادة «منظمة الشفافية العالمية». ومع أن الرئيس البوتسواني المنتخب تسلم مهام منصبه هذا الأسبوع في ظل مستويات بطالة مرتفعة، وانكماش النشاط الاقتصادي المدفوع بانخفاض الطلب الخارجي على الماس، إلا أن رهان المتابعين يبقى قائماً على استعادة الماسة البوتسوانية بريقها.