الملك فهد تشرب السياسة بالرياض وباشرها لأول مرة في سان فرانسيسكو

جيمس بيكر وصفه بأنه «صانع قرار» يتصف بالقوة والجودة العالية

الملك فهد تشرب السياسة بالرياض وباشرها لأول مرة في سان فرانسيسكو
TT

الملك فهد تشرب السياسة بالرياض وباشرها لأول مرة في سان فرانسيسكو

الملك فهد تشرب السياسة بالرياض وباشرها لأول مرة في سان فرانسيسكو

ظهرت على الراحل الملك فهد بن عبد العزيز، منذ أن نضجت شخصيته وتفكيره، سمات الجدية والطموح، لذا كلفه والده الملك عبد العزيز بالعديد من الأعمال السياسية والإدارية من خلال إشراكه في مهمات ووفود رسمية لبلاده، فقد كان عضوا في الوفد السعودي الذي رأسه الأمير فيصل بن عبد العزيز للمشاركة في المؤتمر الأول لمنظمة الأمم المتحدة بالولايات المتحدة الأميركية (سان فرانسيسكو) عام 1945، كما شارك والده الملك عبد العزيز لدى زيارته لمصر في العام الذي يليه.
ومثّل الملك فهد والده المؤسس في تشييع الملك عبد الله بن الحسين في الأردن عام 1950، كما مثل والده الملك عبد العزيز في حضور حفل تتويج الملكة (إليزابيث) ملكة بريطانيا في عام 1952، وكل هذه المهمات الدبلوماسية والسياسية كونت في شخصية الملك فهد بن عبد العزيز عناصر الشخصية القيادية ودربته على الاحتكاك بالأجواء السياسية مبكرا، لكن الاستعداد في شخصيته لهذه المهمات كان موجودا لديه منذ أن كان طفلا. يقول الشيخ محمد الصالح العذل: «الملك فهد كان منذ طفولته متفردا عن زملائه في اهتماماته، وميله الواضح إلى الجدية، والرؤية العميقة الناقدة التي تجسدت في إصراره على حضور مجالس كبار مستشاري الملك عبد العزيز، وقد لاحظ والده هذه الرغبة لديه فسمح له بحضور جلسات المستشارين مستمتعا، وكان بذلك أصغر الحضور سنا».
وأوردت موسوعة الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود أيضا رأيا للدكتور غازي القصيبي، الذي تولى مناصب عدة في عهد الملك فهد. يقول القصيبي عن أسلوب تعامله حين كان وليا للعهد مع الوزراء، واصفا «الأمير فهد» بأنه رجل جم الأدب شديد الحياء: «لم أره قط يرفض طلبا من وزير أو من إنسان آخر بصفة مباشرة. مع الزمن تعودت، وتعود بقية الوزراء، على أسلوب ولي العهد. عندما كان يوافق على طلب من وزير كان يوجهه بأن يمضي قدما للتنفيذ، وكان يستعمل عبارات مثل (على بركة الله)، أو (توكل على الله) أو (هذا مناسب جدا)، وعندما تكون لديه تحفظات على الطلب كان يطلب من الوزير أن يكتب له رسالة عن الموضوع، ويعني هذا أن احتمال الموافقة قد انخفض إلى 50 في المائة.. وعندما تكون لديه شكوك جدية حول حكمة القرار المطلوب، كان يقول للوزير: (دعني أفكر)، ومعنى هذا أن احتمال الموافقة انخفض إلى 10 في المائة.. وعندما يقرر عدم الاستجابة لطلب كان يطلب من الوزير أن يبحث الموضوع مع وزير المال، ويعني هذا أن احتمال الموافقة قد أصبح 1 في المائة».
كانت مدرسة الملك فهد بن عبد العزيز السياسية الأولى مجلس والده الملك عبد العزيز، ففيه تعلم مبادئ السياسة والتعامل مع الشخصيات المختلفة، واكتسب كثيرا من صفات والده وسجاياه وأخلاقه حتى أصبح ملكا وصف بأنه سياسي محنك يعرف مواضع الحزم فيحزم ويعرف مواطن اللين والتؤدة فيلين. قال عنه جيمس بيكر، وزير الخارجية الأميركي الأسبق: «الملك فهد صانع قرار ممتاز.. وحين يتوصل لقراره فإنه يقوله بوضوح وقوة أيًا كانت تكلفته».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».