تواصل العصيان المدني في الخرطوم لليوم الرابع... وحشد لـ {مليونية} غداً

وزراء حمدوك يحذّرون من العنف ولجان المقاومة تعدّ «مفاجأة» لقيادة الجيش

لا تزال الخرطوم في حالة شلل وإغلاق شبه كامل بفعل العصيان المدني (إ.ب.أ)
لا تزال الخرطوم في حالة شلل وإغلاق شبه كامل بفعل العصيان المدني (إ.ب.أ)
TT

تواصل العصيان المدني في الخرطوم لليوم الرابع... وحشد لـ {مليونية} غداً

لا تزال الخرطوم في حالة شلل وإغلاق شبه كامل بفعل العصيان المدني (إ.ب.أ)
لا تزال الخرطوم في حالة شلل وإغلاق شبه كامل بفعل العصيان المدني (إ.ب.أ)

يتأهب السودانيون لأكبر تجمع احتجاجي في تاريخ البلاد غداً (السبت)، يعلنون فيه رفضهم الانقلاب العسكري الذي نفذته قيادة الجيش السوداني ضد الحكومة الشرعية برئاسة رئيس مجلس الوزراء عبد الله حمدوك. وفي غضون ذلك، تزايدت عمليات العنف المفرط الذي تمارسه القوات العسكرية ضد المحتجين السلميين؛ ما أدى إلى إزهاق العديد من الأرواح وجرح وإصابة أعداد كبيرة من الجرحى، في حين يتواصل احتجاز كبار المسؤولين والوزراء والزعماء السياسيين.
وأعلنت لجان مقاومة شعبية، وقوى سياسية ومدنية وشبابية، عن تنظيم موكب مليوني يوم غدٍ، يجري التحشيد والاستعداد له باحتجاجات ليلية في الأحياء والمدن، وإغلاق الطرقات بالمتاريس وإطارات السيارات المشتعلة، بالتزامن مع عصيان مدني تقارب نسبته مائة في المائة، وذلك منذ إعلان الرئيس السابق لمجلس السيادة الانتقالي، وقائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، حلّ مجلس السيادة ومجلس الوزراء وحكام الولايات ووكلاء الوزارات وأعلن حالة الطوارئ.
ويتزايد الغضب الشعبي في البلاد باطراد جراء الوحشية التي تتعامل بها القوات العسكرية بمختلف صنوفها مع المحتجين السلميين، والتي نتج منها مقتل 10 من المحتجين ومئات الجرحى، بحسب مدير الطب الشرعي هشام فقيري في إفادة لوكالة الصحافة الفرنسية. وقال فقيري «الاثنين الماضي وصلت المشارح 7 جثث لمتظاهرين، وجثة لجندي من قوات الدعم السريع»، وتابع «في الأيام التالية وصل عدد من الجثث - لم يحدده - بسبب أحداث العنف، وتبدو عليها آثار الضرب بآلات حادة».
من جهة أخرى، قال وزراء تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير في حكومة عبد الله حمدوك، أمس، إنهم يرفضون بشكل تام وقاطع الانقلاب العسكري، ولا يعترفون بأي نتائج قد تترتب عليه. ودعا كل من وزراء الخارجية مريم الصادق المهدي، والري ياسر عباس، والصحة عمر النجيب، والعمل تيسير النوراني، والنقل ميرغني موسى، الهادي محمد إبراهيم في بيان مشترك، قيادة الجيش إلى إلغاء كل الإجراءات غير الدستورية المعادية للتحول الديمقراطي فوراً، وإطلاق سراح رئيس الوزراء ليعود لممارسة مهامه الوطنية والدستورية، وإطلاق سراح كل المسؤولين الدستوريين والوزراء والسياسيين وجميع المعتقلين السياسيين فوراً.

- استعادة الشرعية
وحثّ البيان جماهير الشعب على مواصلة التظاهر والعصيان المدني، حتى إسقاط الانقلاب العسكري واستعادة الشرعية الدستورية، ودعا العاملين في الجهاز التنفيذي والمؤسسات العامة والقطاع الخاص للمشاركة في العصيان المدني. وطلب الوزراء في بيانهم ممن أطلقوا عليهم «أبناء وبنات شعبنا في القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى»، الحفاظ على سلامة المواطنين، والامتناع عن استخدام العنف ضدهم وإطلاق النار عليهم؛ لمنعهم من التعبير عن مواقفهم من الانقلاب العسكري.
وقال شباب لجان المقاومة، إنهم يعدون مفاجأة لقادة الجيش الذين انقلبوا على السلطة، وقال محمد سليمان معاوية، من قادة ما يطلق عليها «الثورة السودانية»، لـ«الشرق الأوسط»، إن الاستعدادات والحماس الفائق بين جماهير الشعب هي سيدة الموقف. وأوضح أن إيقاف «خدمة الإنترنت» لن يؤثر على الأعداد للمواكب المليونية التي ستهز أركان الانقلاب، مضيفاً «درجوا على إزالة المتاريس بشكل عنيف، لكن لجان المقاومة يعيدونها لمكانها، الشعب والبيوت ستكون كلها في الشارع يوم 30 أكتوبر»، مؤكداً أن الاحتجاجات ستستمر حتى إسقاط حكومة العسكر وعودة الديمقراطية. وتابع «كل الشعب يقف خلف رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، ليرد الصاع صاعين».
وواجه الجيش السوداني، أمس، معارضة متزايدة في الشوارع، وتعهد مسؤولو أجهزة الدولة في الخرطوم بتمسكهم بالعصيان المدني، في حين سعى ناشطون إلى حشد الجماهير لمظاهرات. وكان الانقلاب الذي قاده الفريق عبد الفتاح البرهان يوم الاثنين على الحكومة المدنية قد دفع الآلاف للخروج إلى الشوارع رافضين عودة الحكم العسكري ومطالبين بعودة ترتيبات الانتقال إلى الحكم المدني إلى مسارها. وفي بيان نُشر على «فيسبوك» الليلة الماضية، قالت وزارات وأجهزة رسمية في ولاية الخرطوم، أكثر ولايات البلاد ازدحاماً بالسكان والتي تضم العاصمة ومدينة أم درمان المتاخمة لها، إنها لن تتنحى أو تسلم سلطاتها.
وأعلنت هذه الهيئات الإضراب العام رغم أنها ستواصل توفير الطحين (الدقيق) وغاز الطهي والرعاية الطبية للحالات الطارئة. وظلت السوق الرئيسية والبنوك محطات الوقود في الخرطوم مغلقة لليوم الثالث أمس (الخميس)، بينما كانت المستشفيات تقدم خدمات الطوارئ فقط. وفتحت متاجر صغيرة أبوابها، لكن طوابير طويلة تشكلت للحصول على الخبز.
سقط عدد من القتلى في اشتباكات مع قوات الأمن منذ وقوع الانقلاب، ويخشى معارضون أن تستخدم السلطات بقيادة الجيش المزيد من القوة. وقال المصدر المقرب من حمدوك، إن رئيس الوزراء دعا الجيش إلى تحاشي العنف ضد المحتجين. ويوزع معارضو الانقلاب منشورات تدعو إلى المسيرة المليونية غداً، معتمدين على وسائل قديمة للحشد الشعبي بعد أن قلصت السلطات استخدام الإنترنت والهواتف. وتجري الدعوة للمسيرة تحت شعار «ارحل»، وهو الشعار الذي استخدم في الاحتجاجات التي أطاحت بالبشير في أبريل (نيسان) 2019.
ويشهد السودان أزمة اقتصادية عميقة بلغ فيها التضخم مستويات قياسية وشهدت نقصاً في السلع الأساسية، لكن الفترة الأخيرة قد شهدت بعض علامات التحسن التي ساهمت فيها مساعدات قال كبار المانحين الغربيين، إنها ستتوقف ما لم يتم العدول عن الانقلاب. وتقول الأمم المتحدة، إن أكثر من نصف السكان يعيشون في فقر وبلغ معدل سوء التغذية بين الأطفال 38 في المائة. ونظام الرعاية الصحية في البلاد في حالة انهيار.

- هيمنة الجيش
وقد وضع الانقلاب العسكري حداً لفترة انتقالية هشة، كان الهدف منها أن ينتقل السودان إلى انتخابات في 2023 من خلال اقتسام السلطة بين المدنيين والعسكريين في أعقاب سقوط البشير. وأكد تحرك البرهان الدور المهيمن الذي يلعبه الجيش في السودان منذ الاستقلال عام 1956، وذلك بعد أسابيع من التوتر المتصاعد بين العسكريين والمدنيين في الحكومة الانتقالية بسبب قضايا منها ما إذا كان سيتم تسليم البشير وآخرين إلى محكمة الجنايات الدولية في لاهاي لمواجهة اتهامات بارتكاب جرائم حرب ابان فترة حكمه التي امتدت 30 عاماً.
وقال البرهان، إنه تحرك لمنع انزلاق البلاد إلى حرب أهلية، ووعد بإجراء انتخابات في يوليو (تموز) 2023. وقال ناشطون، إن الجيش السوداني - في تجاهل للضغوط التي تبذلها العديد من الجهات - شنّ موجة جديدة من الاعتقالات شملت معارضين للإجراءات التي أعلنها قائد القوات المسلحة عبد الفتاح البرهان، الاثنين الماضي، والتي اعتبرها الكثيرون دخل السودان وخارج انقلاباً عسكرياً على الديموقراطية والتحول إلى الحكم المدني.
وتتواصل احتجاجات في مدن أخرى في أنحاء السودان المختلفة منذ تولي الجيش السلطة، شملت أيضاً ضرابات وعصياناً مدنياً من جانب المواطنين الرافضين لانقلاب العسكري. ونقلت وكالة «بلومبرغ» للأنباء عن محمد يوسف، العضو في تجمع المهنيين السودانيين، القول، إنه جرى اعتقال أكثر من 40 ناشطاً وصحافياً ومسؤولاً حكومياً كل يوم منذ الاثنين الماضي، بعضهم خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية. وقال، إن أي شخص سبق أن تحدث عن الجيش على «فيسبوك» أو «تويتر» أو التلفزيون أصبح «مستهدفاً».
وعلّق الاتحاد الأفريقي، أول من أمس، عضوية السودان، في خطوة عادة ما يتخذها بعد حدوث انقلابات في أي من الدول الأعضاء، في حين تتصاعد الضغوط الدولية من أجل عودة المدنيين إلى السلطة. وكان قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان قال، بشأن من جرى اعتقالهم خلال الأيام الماضية، إنه سيتم تصنيفهم وأن من توجد عليه تهمة جنائية سيتم تقديمه للعدالة.
وأعاد المتظاهرون، أمس، نشر العوائق في الطرق لقطعها، ولا تزال شوارع العاصمة السودانية تشهد انتشاراً أمنياً مكثفاً للجيش وقوات الدعم السريع. وتعمل القوى الأمنية إلى إزالة المتاريس والعوائق التي أقامها المحتجون لإغلاق الطرق. لكن المتظاهرين يعيدونها عقب مغادرة قوات الأمن. وقال حاتم أحمد، البالغ من العمر 26 عاماً، لوكالة الصحافة الفرنسية، في منطقة بحري شرق الخرطوم «منذ نهار الأربعاء، تحاول القوات الأمنية إزالة المتاريس التي وضعناها في الطرق وتقوم بإطلاق الغاز المسيل والطلقات المطاطية. ولكن بعد مغادرة الأمن، نعيد البناء مرة أخرى ولن نزيلها إلا بعودة الحكومة المدنية».



انقلابيو اليمن ينزفون جراء تصعيدهم الميداني

سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)
سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)
TT

انقلابيو اليمن ينزفون جراء تصعيدهم الميداني

سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)
سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)

شيّعت جماعة الحوثيين خلال الأسبوع الماضي 17 قتيلاً من عناصرها العسكريين، الذين سقطوا على خطوط التماس مع القوات الحكومية في جبهات الساحل الغربي ومأرب وتعز والضالع، منهم 8 عناصر سقطوا خلال 3 أيام، دون الكشف عن مكان وزمان مقتلهم.

وفقاً للنسخة الحوثية من وكالة «سبأ»، شيّعت الجماعة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء كلاً من: ملازم أول رشاد محمد الرشيدي، وملازم ثانٍ هاشم الهجوه، وملازم ثانٍ محمد الحاكم.

تشييع قتلى حوثيين في ضواحي صنعاء (إعلام حوثي)

وسبق ذلك تشييع الجماعة 5 من عناصرها، وهم العقيد صالح محمد مطر، والنقيب هيمان سعيد الدرين، والمساعد أحمد علي العدار، والرائد هلال الحداد، وملازم أول ناجي دورم.

تأتي هذه الخسائر متوازية مع إقرار الجماعة خلال الشهر الماضي بخسائر كبيرة في صفوف عناصرها، ينتحل أغلبهم رتباً عسكرية مختلفة، وذلك جراء خروقها الميدانية وهجماتها المتكررة ضد مواقع القوات الحكومية في عدة جبهات.

وطبقاً لإحصائية يمنية أعدّها ونشرها موقع «يمن فيوتشر»، فقد خسرت الجماعة خلال نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، 31 من مقاتليها، أغلبهم ضباط، سقطوا في مواجهات مع القوات الحكومية.

وشيّع الانقلابيون الحوثيون جثامين هؤلاء المقاتلين في صنعاء ومحافظة حجة، دون تحديد مكان وزمان مصرعهم.

وأكدت الإحصائية أن قتلى الجماعة خلال نوفمبر يُمثل انخفاضاً بنسبة 6 في المائة، مقارنة بالشهر السابق الذي شهد سقوط 33 مقاتلاً، ولفتت إلى أن ما نسبته 94 في المائة من إجمالي قتلى الجماعة الذين سقطوا خلال الشهر ذاته هم من القيادات الميدانية، ويحملون رتباً رفيعة، بينهم ضابط برتبة عميد، وآخر برتبة مقدم، و6 برتبة رائد، و3 برتبة نقيب، و 13 برتبة ملازم، و5 مساعدين، واثنان بلا رتب.

وكشفت الإحصائية عن أن إجمالي عدد قتلى الجماعة في 11 شهراً ماضياً بلغ 539 مقاتلاً، بينهم 494 سقطوا في مواجهات مباشرة مع القوات الحكومية، بينما قضى 45 آخرون في غارات جوية غربية.

152 قتيلاً

وتقدر مصادر عسكرية يمنية أن أكثر من 152 مقاتلاً حوثياً لقوا مصرعهم على أيدي القوات الحكومية بمختلف الجبهات خلال سبتمبر (أيلول) وأكتوبر (تشرين الأول) الماضيين، منهم 85 قيادياً وعنصراً قُتلوا بضربات أميركية.

وشهد سبتمبر المنصرم تسجيل رابع أعلى معدل لقتلى الجماعة في الجبهات منذ بداية العام الحالي، إذ بلغ عددهم، وفق إحصائية محلية، نحو 46 عنصراً، معظمهم من حاملي الرتب العالية.

الحوثيون استغلوا الحرب في غزة لتجنيد عشرات الآلاف من المقاتلين (إكس)

وبحسب المصادر، تُحِيط الجماعة الحوثية خسائرها البشرية بمزيد من التكتم، خشية أن يؤدي إشاعة ذلك إلى إحجام المجندين الجدد عن الالتحاق بصفوفها.

ونتيجة سقوط مزيد من عناصر الجماعة، تشير المصادر إلى مواصلة الجماعة تعزيز جبهاتها بمقاتلين جُدد جرى استقطابهم عبر برامج التعبئة الأخيرة ذات المنحى الطائفي والدورات العسكرية، تحت مزاعم مناصرة «القضية الفلسطينية».

وكان زعيم الجماعة الحوثية أقرّ في وقت سابق بسقوط ما يزيد عن 73 قتيلاً، وإصابة 181 آخرين، بجروح منذ بدء الهجمات التي تزعم الجماعة أنها داعمة للشعب الفلسطيني.

وسبق أن رصدت تقارير يمنية مقتل نحو 917 عنصراً حوثياً في عدة جبهات خلال العام المنصرم، أغلبهم ينتحلون رتباً عسكرية متنوعة، في مواجهات مع القوات الحكومية.