سنوات السينما

فيتوريو (يمين) وباولو تافياني
فيتوريو (يمين) وباولو تافياني
TT

سنوات السينما

فيتوريو (يمين) وباولو تافياني
فيتوريو (يمين) وباولو تافياني

‫Caesar Must Die ‬
**** (2012)
جوليوس سيزار... عربة الزمن
كان للأخوين باولو وفيتوريو تافياني (الأول ما زال حياً في التاسعة والثمانين والثاني رحل سنة 2018) تجربة سينمائية مثيرة للتأمل وعلى قدر كبير من الرغبة في صياغة الفيلم الفني غير المتهادن. أعمالهما، منذ منتصف السبعينات، أيام «أب وراعي» و«ليلة النجوم المنطلقة» و«صباح الخير، بابل»، تشهد بالرغبة في عدم التضحية بأي شيء يمكن أن يهدر قيمة الصياغة الأسلوبية والفنية التي يقومان بها. لا ينتج عن ذلك أفلام صعبة ولا أعمال متساوية دائما، لكن الناتج عن سينما خاصة بهما تحترم لرغباتها ولجودتها ولجديتها في الوقت ذاته.
في العام 2011 أمضى الأخوان تافياني ستة أشهر في سجن إيطالي ذي مستوى أمني شديد، إذ يضم بعض عتاة الجريمة ومرتكبيها، للقيام بتحضيرات لتصوير فيلم مأخوذ من مسرحية ويليام شكسبير «جوليوس سيزر» يقوم ببطولته سجناء فعليون. هذا الأمر تطلب اختيار السجناء المناسبين بعد إجراء اختبارات ثم تركهم يجولون في أرض غريبة عليهم إلا من حيث رغبتهم الحارة في إجادة لعب شخصيات المسرحية الخالدة.
العبارة الشهيرة «حتى أنت يا بروتوس» تأتي في سياق أدائي درامي خالص تماما كحالها فيما لو قام بها ممثلون محترفون. تلحظ الحس الصادق للمفاجأة حين يدرك السجناء أنهم أمام فرصة تمثيل ما لم يحفظوه أو - في حالات أخرى - يدركونه أو يقرأونه.
يعمد مخرج الفيلم - داخل - الفيلم، بإجراء امتحان لقدرات كل منهم ما يجعلنا نتابع استعراضا موحياً لرجال تتاح لهم فرصة الوقوف أمام الكاميرا لأول مرة. كيف يحاولون الفوز بهذه الفرصة ولو أنهم قابعون في عالم مطبق كاشفين عن الإنسان الخفي في الداخل، ذاك الذي يحيا سنوات عقاب تتراوح، حسب كل شخص على حدة، ما بين خمس عشرة سنة ومؤبد. إنها السينما التي ستجعل كل منهم يطل على جمهور عريض حول العالم كما لا يستطيع فن آخر أن يفعل.
الفيلم ليس تسجيليا على الإطلاق رغم أن منحاه قد يخدع، فهو يتابع اختيارات مخرج ما (ليس أحد الشقيقين) للذين سيقومون بتمثيل الشخصيات الشهيرة (جوليوس سيزار، بروتو، لوكيو، سينا، ميتالو إلخ…) ثم يصور كيف يلتحمون مع الأدوار ويؤدونها. ويرصد تعاطيهم مع المادة الأدبية والفنية تعاطياً شخصياً مع استعدادات متفاوتة للإجادة.
هناك، على نحو جلي، بناء درامي مركب من المخرجين تافياني يتم العمل بمنواله. فيلمهما الخارجي (ذلك الذي نراه نحن) هو عن فيلم سيتم تصويره عن مسرحية أبطالها السجناء مقتبسة من مسرحية شكسبير الغنية عن التعريف والبداية هنا من فصل المسرحية الختامي (بروتوس يسأل رفاقه أن يقتلوه). هذا هو الجزء الذي تم تصويره بالأبيض والأسود (على يدي سيمون زامباني). الجزء الثاني هو الفيلم داخل الفيلم وهو بالألوان. المشاهد تتداخل لأن غاية المخرجين تافياني هي تصوير التحضير ثم تصوير التصوير. واختيارهما لمزج اللون مع الأبيض والأسود يثمر ثراء ممتعا.
في أحد هذه المشاهد الأخيرة (بالأبيض والأسود) يقول الممثل الذي أدى جوليوس سيزار (جيوفاني أركوري) كلمته التي تحفر لنفسها وجوداً جوهرياً في الفيلم وفي البال: «منذ أن اكتشفت الفن تحولت هذه الزنزانة إلى سجن». يقول ذلك وهو يعلم أنه في سجن، لكنه لم يشعر به على هذا النحو الضيق إلا من بعد أن وجد نفسه ينتقل من الذات الخاصة به إلى ذات أخرى بعيدة. بذلك فإن «سيزار يجب أن يموت» يصبح رمزا لنقلة عبر الزمن، وتجربة فريدة منحت معنى جديدا للحياة، كما هو ممارسة شكسبيرية الذي ما زال أكثر المؤلفين شهرة وعرضة لاقتباسات السينما. في الحقيقة الفيلم من الانصهار النوعي والفني الكامل بين تلك العوالم بحيث ينفرد بعيدا عن كل التجارب المشابهة من قبل.


مقالات ذات صلة

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

يوميات الشرق مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

رغم وقوفها أمام عدسات السينما ممثلة للمرة الأولى؛ فإن المصرية مريم شريف تفوّقت على ممثلات محترفات شاركن في مسابقة الأفلام الطويلة بـ«مهرجان البحر الأحمر».

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)

من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

«السادسة صباحاً» و«أغنية سيما» أكثر من مجرّد فيلمين تنافسيَّيْن؛ هما دعوة إلى التأمُّل في الكفاح المستمرّ للنساء من أجل الحرّية والمساواة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يتطلّع مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لمواصلة رحلته في دعم الأصوات الإبداعية وإبراز المملكة وجهةً سينمائيةً عالميةً. بهذا الإصرار، ختم فعالياته.

أسماء الغابري (جدة)

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
TT

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)

RENDEZ‪-‬VOUS AVEC POL‪-‬POT ★★★

* إخراج: ريثي بَنه (فرنسا/ كمبوديا)

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم. ويُذكّر الفيلم أن الصحافة في تاريخها العريق، دائماً ما وجدت نفسها أمام مسؤوليات وتحديات عديدة. في هذا الفيلم الذي أخرجه ريثي بَنه عن الأحداث التي عصفت في بلاده سنة 1978 اقتباسات عن كتاب الصحافية إليزابيث بَكَر (Becker) وعن تجربتها بصفتها واحدة من 3 صحافيين دُعوا لمقابلة بُل بوت، رئيس وزراء كمبوديا وأحد قادة منظمة «الخمير الحمر» (Khmer Rouge) المتهمة بقتل ما لا يقل عن مليون و500 كمبودي خلال السبعينات. الصحافيان الآخران هما الأميركي ريتشارد دودمان، والأسكوتلندي مالكوم كالدويل.

لا يبدو أن المخرج اتّبع خُطى الكتاب كاملةً بل تدخّل بغايةِ ولوج الموضوع من جانب الحدث الذي وضع حياة الثلاثة في خطر بعدما جاءوا للتحقيق ومقابلة بُل بوت. في الواقع دفع الأميركي حياته ثمناً لخروجه عن جدول الأعمال الرسمي والتقاطه صوراً تكشف عن قتلٍ جماعي. وفي الفيلم لحظة مختصرة لكنها قاسية التأثير عندما يَلقى الصحافي حتفه غرقاً في نهر دُفع إليه.

الفرنسية إيرين جاكوب التي تؤدي شخصية الكاتبة بَكَر تُعايش بدورها الوضع بكل مأساته. تُفصل عن زميلها ولم تعد تعرف عنه شيئاً، وتمر بدورها بتجربة مخيفة لم تكن تعلم إذا ما كانت ستخرج منها حية.

في باطن هذا الفيلم الجيد على تواضع إنتاجه، تُطرح أسئلة فيما إذا كان الصحافي يستطيع أن يقبل التحوّل إلى جزءٍ من البروباغاندا. وهل هو أداة لنقل الرأي الرسمي بغياب حرية التعبير؟ وماذا لو فعل ذلك وماذا لو لم يفعل؟

هو ليس بالفيلم السّهل متابعته من دون معرفة ذلك التاريخ ودلالاته حول العلاقة بين النُّظم الفاشية والإعلام. والحرية التي لا تُمنح لصحافيين محليين هي نفسها التي لا تُمنح كذلك للأجانب ما دام عليهم نقل ما يُقال لهم فقط.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

‪THE‬ WRESTLE‪R‬ ★★

* إخراج: إقبال حسين شودهوري (بنغلاديش).

يقترب الرجل المسن موجو (ناصر أودين خان) وسط أشجار ليست بعيدة عن شاطئ البحر وينتقل من واحدة لأخرى ماداً يديه إليها كما لو كان يريد أن يدفعها بعيداً أو أن يُزيحها من مكانها. ومن ثَمّ يتركها ويركض صوب أخرى ليقوم بالفعل نفسه قبل أن يعود إليها. يبعث هذا المشهد على تكراره سخرية غير مقصودة. قد تكون طريقة قديمة لممارسة تمارين المصارعة أو التدريب الوحيد المُتاح في تلك القرية، لكن موجو جادٌ في محاولته لدفع الأشجار إلى الخلف أو تغيير مواقعها، استعداداً لملاقاة مصارع أصغر منه سنّا وأكبر حجماً في المباراة المقبلة.

«المصارع» (أبلبوكس فيلمز)

هناك كثير مما يتأمله المخرج شودهوري بطيئاً قبل تلك المباراة وما بعدها. بعضُ المشاهد لديها نسبة معقولة من الشِّعر الناتج عن تصوير الطبيعة (ماء، أشجار، حياة... إلخ) وبعضها الآخر لا يفضي إلى تقدير خاص. في نصف الساعة الأولى يعكس المخرج شغفاً ما بتصوير شخصياته من الخلف. عندما يتخلى المخرج عن هذه العادة لاحقاً، يستبدل بتلك اللقطات سلسلة من المشاهد البعيدة عن شخصياته في الغالب. هنا يتحسّن تأطير اللقطات على نحوٍ نافع ولو أن شغله على الدراما يبقى غير ذي مكانة.

يطرح الفيلم مشكلة رجلٍ لا يريد الاعتراف بالواقع ويتحدى من هو أكثر قوّة منه. يحقّق طموحه بلقاء المصارع الآخر ويخفق في التغلب عليه. في الواقع يسقط أرضاً مغشياً ومن ثمّ نراه لاحقاً في بيت العائلة قبل أن يعود إلى تلك الأشجار ليصارعها. المخرج (ثاني فيلم له) طموح، لكن أدواته التّعبيرية وإمكانياته التي تفرض نفسها على السيناريو وحجم الفيلم بأسره، محدودة.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

ONE OF THOSE DAYS WHEN HEMME DIES ★★★

* إخراج: مراد فرات أوغلو (تركيا).

قرب نهاية الفيلم يبدأ الشاب أيوب مراجعة ما مرّ به طوال اليوم. لقد انطلق غاضباً من المُشرِف على العمل عندما شتم أمّه. يعمل أيوب في حقلٍ لتجفيف الطاطم. ويعرف المخرج كيف يوظّف المكان، درامياً (سهل منبطح تحت شمس حامية وصعوبة العمل)، وجمالياً (تلك الثمار المقطوعة إلى نصفين والملقاة فوق شراشف على مد النظر).

«أحد تلك الأيام التي مات فيها هيمي» (مهرجان مراكش)

نقطة الخلاف أن أيوب يُطالب بأتعابه، لكن المُشرف على العمل لم يتقاضَ المال بعد ليدفع له، مما يؤجّج غضب أيوب فينشب شجار بينهما. يركب دراجته النارية وينطلق صوب بلدته. في منزله مسدسٌ سيتسلّح به وفي البال أن يعود لينتقم. معظم الفيلم هو رحلة على الدراجة التي تتعطل مرّتين قبل إصلاحها عند المساء. الأحداث التي تقع على الطريق وفي القرية الصغيرة تُزيّن الموضوع بشخصيات تدخل وتخرج من الحدث الرئيسي الماثل. في أحد هذه الأحداث الثانوية يُساعد أيوب رجلاً عجوزاً اشترى بطيخة ولا يستطيع حملها، فيوصله والبطيخة إلى داره. وفي مشهد آخر يستمع لتوبيخ زوج شقيقته لأنه كان عرض عليه العمل في شركته ورفض. لا يقول لنا الفيلم لماذا رفض ما ينتقص من بنية الموضوع وأسباب عزوف أيوب على تنفيذ وعده لنفسه بالانتقام.

اعتمد المخرج هذين المشهدين وسواهما لملء الوقت الممتد بين عزم أيوب على الانتقام وعزوفه عن ذلك. لكنه هذه المشاهد ضرورية رغم أن الفيلم ينتهي من دون أن يبني حجة دامغة لقرار أيوب النهائي. هذا الفيلم دراما مصوّرة جيداً ومكتوبة بدراية، رغم الهفوات المذكورة.

* عروض حالياً في مهرجان «مراكش»

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز