خيول تسهم في التخفيف عن المرضى بباريس

المركز العلاجي المفضل للأطفال المصابين بالشلل

طفل في جلسة علاج
طفل في جلسة علاج
TT

خيول تسهم في التخفيف عن المرضى بباريس

طفل في جلسة علاج
طفل في جلسة علاج

بظهر ثابت وخطوات واثقة، تنطلق المهرتان «تزيغان» و«فيلينغ» لتأدية المهمات المطلوبة منهما في ذلك الصباح. ولا يهمّ إن كان الطقس مشمساً أو مطيراً. إنهما مستعدتان للعمل في كل الظروف. ويصف خبراء العلاج الطبي ما تقوم به المهرتان بأنه يشبه معجزة صغيرة. فهما تبعثان الراحة والهدوء في نفوس الكثير من ذوي الاحتياجات الخاصة والمعاقين غير القادرين على الحركة. يحدث هذا في مركز غير معروف كثيراً، يقع في الدائرة الرابعة عشرة من باريس، قرب ساحة «دنفير» التي يتوسطها أسد حجري.
مرتادو هذا المركز غير التقليدي هم، في الغالب، من الصغار المصابين بالتوحد أو المراهقين المنقطعين عن التواصل بسبب معاناتهم من الشلل وفقدان الاستقلالية. ويمكن للمريض أن يعتلي ظهر الخيل إذا سمحت له حالته الصحية، وذلك بمساعدة العاملين في المركز. أو يمكنه الاكتفاء بملامسة الأفراس والتربيت على أجسادها وإطعامها والتمتع بهمهمتها. وقد يبدو هذا الأمر غير ذي نفع للبعض، لكن الأطباء يؤكدون أنه يوفر للمريض شرنقة عاطفية دافئة ويمنحه علاجاً بديلاً، من دون عقاقير، أو متكافئاً مع ما يتلقاه من أدوية.
يوضح جان لوك أنيورتي، وهو اختصاصي التوازن وأحد العاملين في المركز، أن الحصان ليس سوى وسيط. وأن العناية التي يقدمها هي رعاية نفسية بحتة تشمل العاطفة والحواس والسلوك. ويضيف: «الحصان حيوان حساس للغاية، وهو عندما يشعر بتوتر المريض وتيبّس عضلاته فإنه يخبرني بذلك ويؤكد لي الحالة النفسية والعقلية للمريض».
يعد هذا المكان فريداً من نوعه وواحة في قلب باريس. وهو يشغل مبنى من القرن السابع عشر مدرجاً على قائمة التراث المحمي من الهدم. ويحتوي جناح «فونتينييه» الذي تم بناؤه فوق مرصد من القناة القديمة لتزويد سكان الضفة اليسرى من العاصمة بالمياه. وتملك المركز جمعية «نوتردام دو جوا» الخيرية التي تدير الكثير من مرافق التعليم والإقامة للأطفال والبالغين من ذوي الإعاقات المتعددة. ويضم، أيضاً، مركزاً للمعلومات حول أنواع الإعاقة. كما أنه ليس وليد الأمس بل جرى تأسيسه وتزويده بالمعدات اللازمة قبل 35 عاماً، بمبادرة من الخبراء العاملين في عدة جمعيات تهتم بذوي الاحتياجات الخاصة. وبدأ المركز يستقبل، منذ نهاية الستينات، المعاقين المحتاجين للمساعدة النفسية والدعم المعنوي. واليوم يستقبل نحو خمسين مريضاً كل أسبوع.
يستخدم المركز نوعاً من الأحصنة صغيرة الحجم من الفصيلة المسماة «تاربان». وهي خيول برية انقرضت تقريباً، اليوم. لذلك فإن الفرس «فيلينغ» البالغة من العمر 18 عاماً لؤلؤة نادرة جاءت من نادٍ للفروسية. ويصفها جان لوك أنيورتي بأنها استوفت جميع المعايير السلوكية لتكون وسيطاً جيداً في التعامل مع أصحاب الهمم. وإذا كان النشاط في المركز لا يتطلب الكثير من العمل الجسدي فإنه يحتاج إلى خيول قادرة على الحمل وذوات رقاب عريضة وشخصية اجتماعية. أما الفرس «تزيغان» فإنها تبلغ من العمر 15 عاماً. وتم إحضارها من إسطبل في منطقة «أرديش»، إلى الجنوب الشرقي من فرنسا، وكانت مدربة على مهمتها بوصفها من خيول السباق وتخطي العقبات. والحقيقة أن التدريب الذي تحتاج إليه الخيل هو تخليصها من الحساسية للضوضاء ومن ردة الفعل إزاء كرسي متحرك، على سبيل المثال. لكنها تبقى محتفظة بردود أفعال الجياد وحساسيتهم لإدراك حالة الشخص الذي يحملونه أو الذي يلمس أبدانهم. ويقول خبير المركز إن الحصان يُعرف بأنه يعمل مع كائنات حية. وهو ليس متطفلاً ولا يحمل نظرات مسبقة مثل البشر، كما أنه لا يغشّ.
خلال الجلسات التي تستغرق عادةً نصف الساعة، وهي وقت مكثف بالفعل للمرضى ذوي الإعاقة الشديدة، يبدأ العلاج بـ«لمسة الحصان». ويوضح اختصاصي التوازن أن التركيز يكون على الحواس لا سيما بالنسبة إلى المرضى الذين لا يستطيعون التعبير بالكلام. وهناك الذين يمكن إنهاضهم ووضعهم على صهوة الحيوان في ساحة مجهزة بحزام بارع ومصعد للرفع اعتادت عليه الأفراس أيضاً. وفي ساحة المركز، كان هناك معاقون يتم وضعهم برفق على ظهر الحيوان مباشرةً، أو على الرقبة. بعد ذلك يتكفل دفء الفرس ونعومة وبره بتحقيق الاسترخاء.
يمكن من المفيد للمرضى، أيضاً، تلمس المواد الموجودة في الإسطبل، خصوصاً في بعض الأمراض العقلية.
إن اللعب بالرمل والإمساك بالتبن وتلمس السروج تساعد على الوصول إلى حالة نفسية مستريحة. وهناك فرصة العناية بالحصان، لأن المرء القادر على تلك العناية يستطيع أيضاً أن يعتني بنفسه. ويخصص المركز لكل مريض اختصاصياً للتوازن، وهو المدرب الذي يرافق مريضه في أثناء الجلسة ويتكيف مع قدراته ومع رغباته المعلنة. لكنّ هذا العلاج، رغم ما ينطوي عليه من نتائج طبية، هو «علاج وساطة». فالحصان يسمح بالتواصل ويقدم فوائد بات عالم الطب يعترف بها، لا سيما فيما يتعلق بالاضطرابات العقلية واللغة والثقة بالنفس واضطرابات التواصل لدى مرضى التوحد وبعض الاضطرابات السلوكية.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».