مدينة صور اللبنانية تطلق مهرجان «أيام فلسطين الثقافية» في نسخته الرابعة

الممثل محمد بكري من ضيوف المهرجان
الممثل محمد بكري من ضيوف المهرجان
TT

مدينة صور اللبنانية تطلق مهرجان «أيام فلسطين الثقافية» في نسخته الرابعة

الممثل محمد بكري من ضيوف المهرجان
الممثل محمد بكري من ضيوف المهرجان

في عام 2015 أطلقت مدينة صور في جنوب لبنان، الدورة الأولى من مهرجان «أيام فلسطين الثقافية». يومها شمل البرنامج، مجموعة أنشطة ركزت على الأغنيات والمسرحيات التراثية، والأزياء الفولكلورية، ووجهت تحية إلى الفنانين الراحلين غسان مطر ومحمود سعيد.
اليوم وفي النسخة الرابعة للمهرجان الذي ينظمه أيضاً «المسرح الوطني اللبناني» وجمعية «تيرو للفنون» و«مسرح إسطنبولي»، تقام مجموعة عروض مسرحية وسينمائية وموسيقية، وكذلك ندوات ومعارض ومساحات للفنون التشكيلية وأمسيات شعرية تحت عنوان «من أجل الحرية». ويهدف المهرجان الذي يقام في 30 و31 الجاري، إلى تظهير الثقافة والتراث الفلسطينيين، بغية الإسهام في الحفاظ على الهوية الفلسطينية وذاكرتها.
ويشير مؤسس «المسرح الوطني اللبناني» الممثل والمخرج قاسم إسطنبولي، في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أن التجدد الذي تشهده هذه النسخة يتمثل بتقصير أيام المهرجان من ناحية وإدخال مشاركات فيه عبر الـ«أونلاين» من ناحية ثانية. ويتابع: «إن استمرارية هذا المهرجان ترتكز على ظروف الفلسطينيين وقضيتهم، التي لا تزال تنبض حتى اليوم. وهدف إقامتنا لهذا الحدث منذ أربع سنوات حتى الآن، هو الحفاظ على الذاكرة الفلسطينية. كما أنها فرصة للتعريف بها إلى جيل من الشباب يجهلها».
وستوجه خلال المهرجان تحية إلى شخصيات فنية فلسطينية لعبت دوراً بارزاً في هذا المجال. كما تشير إلى شخصيات أدبية ومؤسسات ثقافية أسهمت في إبراز الثقافة والفن والتراث الفلسطيني. ومن بين ضيوف المهرجان الممثل محمد بكري والمخرجة نجوى النجار والممثلة هيام عباس والمخرجة آن ماري جاسر. كما يذكر المناضلة ليلى خالد ومسرح الحرية في مخيم جنين من خلال المؤسس زكريا الزبيدي وكل أسرى نفق الحرية.
ويتابع إسطنبولي في سياق حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «خلال تواصلنا مع ضيوفنا من فلسطين لمسنا محبتهم الكبيرة للبنان، وحماسهم تجاه مبادرة فنية خاصة ببلادهم. فالممثل محمد بكري أبدى سعادته بهذا النشاط، وكان متأثراً للتحية التي نخصه بها. كذلك الأمر بالنسبة للمخرجة نجوى النجار التي تمنت لو تستطيع الحضور والمشاركة شخصياً في الحدث من مدينة صور». وتعد ليلى خالد إحدى ضيفات المهرجان ابنة مدينة صور، كونها وُلدت وترعرعت فيها. وسيمثلها في الحدث حضورياً شقيقها الدكتور عمر خالد. وسيُعرض لها فيديو مصور يتبعه اتصال افتراضي معها عبر وسائل التواصل الاجتماعي. «إنها اليوم تستقر في الأردن وهي تعاني من أوضاع صحية حرجة، ولذلك لن تستطيع الحضور شخصياً لمشاركتنا المهرجان».
على مدى يومين متتاليين سيجري عرض أفلام سينمائية ونقل معارض رسم افتراضياً من فلسطين. ومن الأفلام المعروضة «جنين» الذي أخرجه محمد بكري عام 2002، وكذلك يُعرض فيلم «زغلول» للإسبانية أنا سندريرو الفريز، وآخر وثائقي قصير بعنوان «رحلة مقاتل الحرية» للمخرج محمد معاوية.
وسيتم عرض أفلام قصيرة عن ضيوف المهرجان وإجراء اتصالات معهم تُعرض على شاشة كبيرة. كما يتضمن فقرات منوعة أخرى مع الحكواتية رجاء بشارة، وعرضاً موسيقياً لفرقة «بيت أطفال الصمود». ويعلق إسطنبولي: «هذه النشاطات تُترجِم هدف المهرجان لفتح باب تواصل مع الفنانين الفلسطينيين، فهي بمثابة جسر نعبر معه إلى مناطق الضفة ويافا وكذلك إلى عام النكبة الفلسطينية في سنة 1948، فنعيد جمع الشمل الفلسطيني من الشتات وفي المخيمات ولو افتراضياً».
ويتضمن برنامج المهرجان لوحات راقصة فولكلورية، يشترك في تصميمها وتقديمها فلسطينيون من مخيمات عين الحلوة والرشيدية والبرج. ويوضح إسطنبولي: «سنتابع مباشرة على مسرح إسطنبولي في صور لوحات تراثية راقصة بينها الدبكة من يافا ورقصة الكوفية المشهورة في فلسطين».
وعن شعار المهرجان «من أجل الحرية» يقول قاسم إسطنبولي: «أردناه حدثاً بعيداً عن السياسة يحاكي الفلسطينيين أينما كانوا، من خلال جسور فنية يمدها لبنانيون وسوريون. وقد استوحينا العنوان من مسيرة طويلة أمضاها الفلسطينيون في النضال من أجل قضيتهم. وكذلك نستذكر الأسرى الفلسطينيين الستة، الذي فرّوا من سجن جلبوع في إسرائيل عبر نفق الحرية الذي حفروه».
وتهدف جمعية «تيرو للفنون» التي يقودها الشباب والمتطوعون إلى إنشاء مساحات ثقافية حرة ومستقلة في لبنان من خلال إعادة تأهيل سينما الحمرا وسينما ستارز في النبطية وسينما ريفولي في مدينة صور التي تحولت إلى المسرح الوطني اللبناني، كأول مسرح وسينما مجانيين في لبنان. وهي تنظم نشاطات ثقافية على مدار السنة وتقيم الورش والتدريب الفني للأطفال والشباب. ومن المھرجانات التي أسستها مھرجان لبنان المسرحي الدولي، ومھرجان شوف لبنان بالسينما الجوالة، ومھرجان لبنان المسرحي الدولي للحكواتي، ومھرجان صور الموسيقي الدولي، ومھرجان تیرو الفني الدولي، ومھرجان صور السينمائي الدولي للأفلام القصيرة، ومهرجان صور الدولي للفنون التشكيلية، ومهرجان أيام صور الثقافية، ومهرجان لبنان المسرحي لمونودراما المرأة، ومهرجان لبنان المسرحي للرقص المعاصر.
ويختم إسطنبولي: «يعد مسرحنا الوحيد من نوعه في العالم العربي الذي يأخذ على عاتقه استذكار فلسطين سنوياً ضمن مهرجان ثقافي خاص بها. وإننا متمسكون بتنظيمه كعادتنا كل عام، للإضاءة على الهوية الفنية الفلسطينية والحفاظ عليها».
أما الدورة الثانية فجاءت بعد توقف المهرجان لمدة أربع سنوات ووُجهت التحية حينها إلى الكاتب والأديب سلمان الناطور، والفنانة ريم البنا، والشاعر سميح القاسم، ورسام الكاريكاتير ناجي العلي، والمخرج والمصوّر هاني جوهرية، والتشكيلي كمال بلاطة. وجاءت الدورة الثالثة عام 2020 تحيةً إلى الشاعر محمود درويش والأديب غسان كنفاني، والتشكيلي مصطفى الحلاج والشاعرة فدوى طوقان، والإعلامية فاطمة البديري، والمصورة كريمة عبود.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».