بنو كعب... قصة الهجرة وتأسيس إمارة عربستان

أسسوا الدولة الكعبية في مطلع القرن الـ19 واستمرت لأكثر من مائة عام

بنو كعب... قصة الهجرة وتأسيس إمارة عربستان
TT

بنو كعب... قصة الهجرة وتأسيس إمارة عربستان

بنو كعب... قصة الهجرة وتأسيس إمارة عربستان

يروي كتاب «بنو كعب... قصة هجرتهم من نجد والحجاز»، وهو من تأليف خالد النبهان الكعبي، ومراجعة وتحقيق عبد الله الحضبي السبيعي الكعبي، ويوسف العمير آل منصور الكعبي، قصة هجرة بني كعب إلى الأحواز على الشاطئ العربي لإيران، وتأسيس الدولة الكعبية في مطلع القرن التاسع عشر تحت اسم «إمارة عربستان»، التي استمرت لأكثر من 100 عام، وكذلك سير الهجرات نحو أفريقيا وبعض دول الخليج.
ويتناول خلال ذلك الدور السياسي الذي لعبته قبيلة بني كعب، التي كان من أبرز حكامها الشيخ خزعل بن جابر بن مرداو الكعبي الذي تقلّد الحكم في عام 1897. والشيخ خزعل الكعبي آخر حكام الدولة الكعبية.
وقد نزح أفراد من قبيلة بني كعب، وهي من القبائل العربية التاريخية، من الجزيرة العربية، واستقروا على ضفة الخليج، وأجزاء من أفريقيا، وكانت الفتوحات الإسلامية أولاً، ثم القحط الذي أصاب منطقة نجد، قد دفعا بكثير من هذه القبائل إلى الهجرة. يذكر عبد الحكيم الوائلي في المجلد الخامس من «موسوعة قبائل العرب»: «كعب من القبائل العربية القديمة والكبيرة، أصلها من نجد، وتنتسب إلى كعب بن ربيعة من العدنانية، وانتشرت في العراق وإيران وقطر وعمان ومناطق كثيرة في الخليج وأفريقيا». ولعبت هذه القبيلة دوراً سياسياً كبيراً، حيث أسست الدولة الكعبية في مطلع القرن التاسع عشر تحت اسم «إمارة عربستان»، التي استمرت لأكثر من مائة عام. وكان الشيخ خزعل بن جابر الكعبي الذي تقلّد الحكم في عام 1897 من أبرز حكامها، وكان الشيخ خزعل الكعبي آخر حكام الدولة الكعبية، وقد انقلب عليه الإنجليز بعد أن كانوا حلفاءه، بتعاون مع حاكم إيران سنة 1925.
وهذه ليست المحاولة الأولى لسبر أغوار هذا التاريخ لإمارة بني كعب وأصولهم وهجراتهم، فقد سبقت هذا الكتاب محاولات عديدة، أغلبها كان دراسات أكاديمية وبحوث أجنبية نشرت في فترات مختلفة، لكن ما يميز هذه الدراسة أن مؤلفيها باحثون تعود جذورهم لهذه الأسرة، وهي صادرة عن «دار بني كعب للدراسات والبحوث والتوثيق التاريخي» في الكويت.
ويحتوي الكتاب؛ الذي يقع في 224 صفحة؛ على فصلين وملاحق، يحمل الفصل الأول عنوان: «القبائل العدنانية (معرفة عن أصول بني كعب... منازلهم والإمارات السبعية)»، ويقدم سرداً تاريخياً عن قبائل قيس بن عيلان، وموقع بني كعب من طبقات الأنساب، كما يتناول موضوعاً تاريخياً بعنوان «إمارات سبيعية»، ليعرج المؤلف نحو إمارة بني كعب في الأحواز مع ذكر الأمراء.
ويتناول الفصل الثاني؛ الذي يحمل عنوان «انتقاد ومناقشات»، الأخطاء في بعض المخطوطات الحديثة التي تنسب خطأ سبيع إلى قحطان، ويستشهد المؤلف بأقوال مؤرخي سبيع في نجد عن قبيلتهم، كما يعزز التحقيق بآراء 23 مؤرخاً وتنسيبهم لسبيع من عامر بن صعصعة. كما يأتي الفصل على ذكر شعراء سبيع في نجد وأبياتهم الشعرية.
أما الملاحق، فتشمل ملحقاً بعنوان: «قصة الرحيل من نجد والحجاز إلى الأحواز»، يتناول التدرج في الرحيل بين البلدان الإسلامية والعربية وتأسيس الإمارة الكعبية، وملحقاً آخر يتناول مقتطفات من المخطوطات، ويعرض الملحق الثالث الخرائط العربية والأجنبية التي توضح مساكن القبيلة في البلدان التي استوطنها أبناؤها مع خريطة لمسير الهجرة، والملحق الرابع يضم أبناء الأمير محمد الدريس، ويوجد ملحق يضم قصائد مخطوطة تعرض لأول مرة في هذا الكتاب.
يقول المؤلف في مقدمة الكتاب: «أكرمني الله بأن أكون الشخص الذي اجتمع عليه مشايخ بني كعب و(دار بني كعب للدراسات والبحوث والتوثيق التاريخي) (في دولة الكويت)، للرد على بعض المغالطات والادعاءات في مخطوطة الشويكي، وهذه فرصة كبيرة لا تعوّض لكل مؤلف»، في إشارة إلى مخطوط تاريخي قام الكاتب نفسه بطباعته ونشره تحت عنوان: «تاريخ بني كعب» للمحقق علوان بن عبد الله الشويكي المولود في مدينة الفلاحية في عربستان عام 1259هـ (1843 ميلادية).
يقول يوسف محمد العمير آل منصور الكعبي، أحد محققي الكتاب، إن «فكرة الكتاب انبثقت بداية من مشايخ قبيلة بني كعب بغية الخروج بعمل مغاير يصوب ويتجاوز ما كتب في الماضي من محاور الحروب والغزوات والتسلسل المتعاقب في حكم الإمارة والعشائر المتفرعة منها، وتلك المراجع والكتب تبقى مصادر معتبرة ولا يمكن الاستغناء عنها لمن يريد الخوض في دراسة تاريخ إمارة بني كعب». لذلك؛ «فقد جرى التنسيق مع (دار بني كعب للدراسات والبحوث والتوثيق التاريخي) في دولة الكويت، وهي مجموعة تطوعية غير ربحية مهمتها الحفاظ على الموروث التاريخي لقبيلة بني كعب لما تزخر به من مخزون تراثي هائل منذ القرن السادس عشر».
ومؤلف الكتاب خالد النبهان الكعبي يمتلك معرفة بتاريخ بني كعب، وهو حفيد الشيخ نبهان الأول، ومن أحفاد الشيخ فارس بن مسلط بن نبهان، وله علاقة قوية ومعرفة بتاريخ إمارة آل ناصر، وله مؤلفان: ديوان «أنيس الناظرين»، وكتاب عن «أبي زيد الهلالي» ويحمل درجة ماجستير في الأدب العربي وتاريخه.
أما محقق الكتاب عبد الله بن سعد السبيعي العامري؛ فهو كاتب وشاعر سعودي؛ من مؤلفاته: «تاريخ قبيلة سبيع العامرية»، و«شعراء من الطائف في ميزان العصر» و«نوادر بني هلال وملاح الأبطال». كما اشترك في التحقيق يوسف محمد حسن العمير آل منصور الكعبي العامري، من الكويت؛ وهو باحث مختص بقبيلته، له مؤلفان: «تاريخ قبيلة بني كعب في الكويت»، و«قبيلة بني كعب في المراجع والكتب». واشترك في التحقيق مجاهد متعثر منشد العلي الخفاجي العامري، من العراق، وهو باحث وأديب له مؤلفات تاريخية، صدر له كتاب «تحقيق عمود نسب خفاجة في الأرجوزة الخفاجية الكاملة».


مقالات ذات صلة

انطلاق «معرض جازان للكتاب» فبراير المقبل

يوميات الشرق المعرض يتضمّن برنامجاً ثقافياً متنوعاً يهدف إلى تشجيع القراءة والإبداع (واس)

انطلاق «معرض جازان للكتاب» فبراير المقبل

يسعى «معرض جازان للكتاب» خلال الفترة بين 11 و17 فبراير 2025 إلى إبراز الإرث الثقافي الغني للمنطقة.

«الشرق الأوسط» (جيزان)
يوميات الشرق الأمير فيصل بن سلمان يستقبل الأمير خالد بن طلال والدكتور يزيد الحميدان بحضور أعضاء مجلس الأمناء (واس)

الحميدان أميناً لمكتبة الملك فهد الوطنية

قرَّر مجلس أمناء مكتبة الملك فهد الوطنية تعيين الدكتور يزيد الحميدان أميناً لمكتبة الملك فهد الوطنية خلفاً للأمير خالد بن طلال بن بدر الذي انتهى تكليفه.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
ثقافة وفنون قراءات المثقفين المصريين في عام 2024

قراءات المثقفين المصريين في عام 2024

مرَّت الثقافة العربية بعام قاسٍ وكابوسي، تسارعت فيه وتيرة التحولات بشكل دراماتيكي مباغت، على شتى الصعد، وبلغت ذروتها في حرب الإبادة التي تشنّها إسرائيل على غزة

رشا أحمد (القاهرة)
كتب كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

صانع محتوى شاب يحتل بروايته الجديدة قائمة الكتب الأكثر مبيعاً في فرنسا، الخبر شغل مساحات واسعة من وسائل الإعلام

أنيسة مخالدي (باريس)
كتب «حكايات من العراق القديم» و«ملوك الوركاء الثلاثة»

«حكايات من العراق القديم» و«ملوك الوركاء الثلاثة»

صدر عن دار «السرد» ببغداد كتابان مترجمان عن الإنجليزية للباحثة والحكواتية الإنجليزية فران هزلتون.

«الشرق الأوسط» (بغداد)

كتاب جديد يكشف خبايا حملة نابليون على مصر

كتاب جديد يكشف خبايا حملة نابليون على مصر
TT

كتاب جديد يكشف خبايا حملة نابليون على مصر

كتاب جديد يكشف خبايا حملة نابليون على مصر

يتناول كتاب «حكايات في تاريخ مصر الحديث» الصادر في القاهرة عن دار «الشروق» للباحث الأكاديمي، الدكتور أحمد عبد ربه، بعض الفصول والمحطات من تاريخ مصر الحديث؛ لكنه يتوقف بشكل مفصَّل عند تجربة نابليون بونابرت في قيادة حملة عسكرية لاحتلال مصر، في إطار صراع فرنسا الأشمل مع إنجلترا، لبسط الهيمنة والنفوذ عبر العالم، قبل نحو قرنين.

ويروي المؤلف كيف وصل الأسطول الحربي لنابليون إلى شواطئ أبي قير بمدينة الإسكندرية، في الأول من يوليو (تموز) 1798، بعد أن أعطى تعليمات واضحة لجنوده بضرورة إظهار الاحترام للشعب المصري وعاداته ودينه.

فور وصول القائد الشهير طلب أن يحضر إليه القنصل الفرنسي أولاً ليستطلع أحوال البلاد قبل عملية الإنزال؛ لكن محمد كُريِّم حاكم الإسكندرية التي كانت ولاية عثمانية مستقلة عن مصر في ذلك الوقت، منع القنصل من الذهاب، ثم عاد وعدل عن رأيه والتقى القنصل الفرنسي بنابليون، ولكن كُريِّم اشترط أن يصاحب القنصل بعض أهل البلد.

تمت المقابلة بين القنصل ونابليون، وطلب الأول من الأخير سرعة إنزال الجنود والعتاد الفرنسي؛ لأن العثمانيين قد يحصنون المدينة، فتمت عملية الإنزال سريعاً، مما دعا محمد كُريِّم إلى الذهاب للوقوف على حقيقة الأمر، فاشتبك مع قوة استطلاع فرنسية، وتمكن من هزيمتها وقتل قائدها.

رغم هذا الانتصار الأولي، ظهر ضعف المماليك الذين كانوا الحكام الفعليين للبلاد حينما تمت عملية الإنزال كاملة للبلاد، كما ظهر ضعف تحصين مدينة الإسكندرية، فسقطت المدينة بسهولة في يد الفرنسيين. طلب نابليون من محمد كُريِّم تأييده ومساعدته في القضاء على المماليك، تحت دعوى أنه -أي نابليون- يريد الحفاظ على سلطة العثمانيين. ورغم تعاون كُريِّم في البداية، فإنه لم يستسلم فيما بعد، وواصل دعوة الأهالي للثورة، مما دفع نابليون إلى محاكمته وقتله رمياً بالرصاص في القاهرة، عقاباً له على هذا التمرد، وليجعله عبرة لأي مصري يفكر في ممانعة أو مقاومة نابليون وجيشه.

وهكذا، بين القسوة والانتقام من جانب، واللين والدهاء من جانب آخر، تراوحت السياسة التي اتبعها نابليون في مصر. كما ادعى أنه لا يعادي الدولة العثمانية، ويريد مساعدتهم للتخلص من المماليك، مع الحرص أيضاً على إظهار الاحترام ومراعاة مشاعر وكرامة المصريين؛ لكنه كان كلما اقتضت الضرورة لجأ إلى الترويع والعنف، أو ما يُسمَّى «إظهار العين الحمراء» بين حين وآخر، كلما لزم الأمر، وهو ما استمر بعد احتلال القاهرة لاحقاً.

ويذكر الكتاب أنه على هذه الخلفية، وجَّه نابليون الجنود إلى احترام سياسة عدم احتساء الخمر، كما هو معمول به في مصر، فاضطر الجنود عِوضاً عن ذلك لتدخين الحشيش الذي حصلوا عليه من بعض أهل البلد. ولكن بعد اكتشاف نابليون مخاطر تأثير الحشيش، قام بمنعه، وقرر أن ينتج بعض أفراد الجيش الفرنسي خموراً محلية الصنع، في ثكناتهم المنعزلة عن الأهالي، لإشباع رغبات الجنود.

وفي حادثة أخرى، وبعد أيام قليلة من نزول القوات الفرنسية إلى الإسكندرية، اكتشف القائد الفرنسي كليبر أن بعض الجنود يبيعون الملابس والسلع التي حملها الأسطول الفرنسي إلى السكان المحليين، وأن آخرين سلبوا بعض بيوت الأهالي؛ بل تورطت مجموعة ثالثة في جريمة قتل سيدة تركية وخادمتها بالإسكندرية، فعوقب كل الجنود المتورطين في هذه الجريمة الأخيرة، بالسجن ثلاثة أشهر فقط.

يكشف الكتاب كثيراً من الوقائع والجرائم التي ارتكبها جنود حملة نابليون بونابرت على مصر، ويفضح كذب شعاراته، وادعاءه الحرص على احترام ومراعاة مشاعر وكرامة المصريين.

لم تعجب هذه العقوبة نابليون، وأعاد المحاكمة، وتم إعدام الجنود المتورطين في هذه الحادثة بالقتل أمام بقية الجنود. وهكذا حاول نابليون فرض سياسة صارمة على جنوده، لعدم استفزاز السكان، وكان هذا جزءاً من خطته للتقرب من المصريين، وإرسال رسائل طمأنة إلى «الباب العالي» في الآستانة.

وكان من أول أعمال نابليون في الإسكندرية، وضع نظام حُكم جديد لها، استند إلى مجموعة من المبادئ، منها حرية الأهالي في ممارسة شعائرهم الدينية، ومنع الجنود الفرنسيين من دخول المساجد، فضلاً عن الحفاظ على نظام المحاكم الشرعية، وعدم تغييرها أو المساس بقوانينها الدينية، وكذلك تأليف مجلس بلدي يتكون من المشايخ والأعيان، وتفويض المجلس بالنظر في احتياجات السكان المحليين.

ورغم أن بعض بنود المرسوم تُعدُّ مغازلة صريحة لمشاعر السكان الدينية، فإن بنوداً أخرى تضمنت إجراءات شديدة القسوة، منها إلزام كل قرية تبعد ثلاث ساعات عن المواضع التي تمر بها القوات الفرنسية، بأن ترسل من أهلها رُسلاً لتأكيد الولاء والطاعة، كما أن كل قرية تنتفض ضد القوات الفرنسية تُحرق بالنار.

وفي مقابل عدم مساس الجنود الفرنسيين بالمشايخ والعلماء والقضاة والأئمة، أثناء تأديتهم لوظائفهم، ينبغي أن يشكر المصريون الله على أنه خلصهم من المماليك، وأن يرددوا في صلاة الجمعة دعاء: «أدام الله إجلال السلطان العثماني، أدام الله إجلال العسكر الفرنساوي، لعن الله المماليك، وأصلح حال الأمة المصرية».