حلت الإعلامية والشاعرة اللبنانية لوركا سبيتي، ضيفة على برنامج «صباح اليوم» (قناة «الجديد») للحديث عن قصتها المتوجهة للأطفال، الصادرة حديثاً: «ماذا أحب؟». تناولت مداخلتها قيم أدب الطفل ورمزية الحب في عالم الطفولة. في اليوم التالي، اتصل بها منتج البرنامج نضال بكاسيني مشجعاً: «أوصلتِ قصتكِ بسلاسة ونريدكِ في فقرة ثقافية، لكن خففي قليلاً بعض المكياج!»، تضحك وهي تخبر «الشرق الأوسط» عن بدايات إطلالتها الصباحية بفقرة مضيئة، اسمها «شبابيك».
أنهت المكالمة، ووضعت نفسها مباشرة أمام واقع يحمسها، بعدما غابت عن التلفزيون لأسباب شخصية ولخيبة بعض التجارب. مغامِرة إلى حد التهور، أكثر ما يهمها هو إيصال أفكارها. انتظرت فرصة لتقديم فقرة ثقافية تضيف إلى المعرفة العامة، فولدت «شبابيك». للمناسبة، اختيار موفق للاسم، يترك انطباعاً بأن الضوء قدره أن يتسلل.
تعرض كتباً بعشرين دقيقة، وقد تصوب مفهوماً أو تضيء على فكرة فلسفية. افتتحت البرنامج بحلقات تعرف الثقافة والمثقف. و«يا جماعة، لا تستطيعون استقبال أي شخص ومحاورته بصفته مثقفاً! الثقافة هي حركة الفكر في المفاهيم. المفاهيم الثابتة ليست ثقافة. والمثقف نوعان، رجعي وتقدمي...»، تستفيض لوركا سبيتي ولا تهدأ.
أمثلة عن المواضيع المطروحة: «ما الفارق بين البر والإحسان، ولِمَ لا يُستحسن جمعهما في حالة واحدة؟». وأيضاً: «الصداقة بين الأفراد والدول، ما الفارق بينهما وكيف فسرها ابن المقفع؟»، إليك الجواب: «الصداقة والمنفعة لا ينفصلان كالماء يُغلى على النار؛ إذا ما رُفعت عنه عادت باردة!».
لنناقش إشكالية غياب المحتوى الثقافي عن الشاشات اللبنانية. الأولوية للترفيه، كأن التلفزيون يخشى «المقامرة» بالثقافة ولو بفتح نافذة. هل الجمهور هو ما يطلب أو ما يُعطى له؟ تؤكد أن الانحدار حين يصيب المجتمع، يضرب تفاصيله وزواياه. في إحدى حلقاتها، أطلقت على الفساد اسم «الجائحة»، ومعاذ الله من هذه التسمية التي أرعبت البشرية. والجائحة، تشرح لوركا، هي غيرها الكارثة. هذه إن أتت على شكل زلزال مثلاً، أصابت مدينة ونجت أخرى. الجائحة تضرب الجميع فتتساوى الأضرار. تداعيات الفساد ليست اقتصادية فحسب، بل اجتماعية ونفسية وثقافية. ارتطامٌ وهبوط وتساقط وتلاشٍ وتشظٍ. وصلنا في لبنان إلى القاع. كان هبوطنا جرعة وراء جرعة، فلم نشعر به. تنص لعبة «الدومينو» على أن تتهاوى كل الأحجار. المحتوى الثقافي في بعض الصحافة والتلفزيون، برامج الأطفال، المسلسلات... معظمها في الهاوية.
لذا، يخشى التلفزيون اللبناني «المخاطرة» بعرض محتوى ثقافي، لزعم مفاده أن الجمهور لا يطلب المعرفة. خبرة لوركا سبيتي تُخرجها بخلاصة: «الجمهور يريد التفاهة، وهي ضرورية أحياناً، تخفف الضغوط، بشرط أن تتوافر على الضفة الأخرى مادة رصينة». يحزنها غياب برامج تفتح شبابيك الضوء في العقل وتذوب جليد الحياة. ومع ذلك، تتفاجأ بكمية الرسائل وحجم المتابعة: «الجمهور إسفنجة، يمتص السيئ والحسن. يدرك أي المحتوى يغذي روحه وأيه لضياع الوقت».
نصارحها: كثر يعتقدون الثقافة مادة جافة، لغتها قديمة وموضوعاتها من زمن آفل. تفكك المفاهيم المعقدة: «التعامل مع الطفولة يتطلب ثقافة تربية الأطفال. التعامل مع الشريك يتطلب ثقافة العلاقات، فندرك متى نقول نعم ومتى نقول لا. ماذا نعطي وماذا نأخذ. كذلك التعامل مع المطبخ والصحة وعلم النفس... وضمنها أيضاً الفنون الجميلة والشعر». تُنشئ لوركا صداقات في كل مكان تحط فيه، وتدهشها كيف تستطيع فكرة واحدة أسر الإنسان. تجد في المعرفة شكلاً من أشكال الحنان، تماماً كالعناق والتربيت على الأكتاف. «هذه هي الثقافة. أن تدرك أنك تريد المزيد. وتبني مع الآخرين حديثاً متواضعاً يغير الأفكار».
انطلقت من الراديو، الحبيب الأول. تكشف لـ«الشرق الأوسط» أن الفقرة التلفزيونية ستتوسع في برمجة «الجديد» الخريفية، وستستضيف ضيفاً تحاوره حول فكرة، لا حوله، عوض أن تتولى بنفسها الشرح والتعليق. تعلمها الحياة الصبر، وهو نقيض شخصيتها المندفعة: «أتطلع لتصبح الفقرة برنامجاً».
الشعر بنظرها يزور الحقيقة، والحقيقة دائماً قاسية. لذا يزور الشعر القسوة ويحولها إلى رطوبة: «لولا الشعر لكنت الآن في مصحة عقلية. هذا اعتراف أقوله للمرة الأولى. أطلُ بطاقة الشعر على خيالي، فأحلق وأرتفع ثم أعود». تُخرجها القصيدة في نزهات، وهي سبيلها الوحيد لتقبل العيش: «الشعر هو العلاج. لا أتناول حبة اكتئاب لأنني أكتب. الكتابة حبوب لمعالجة كآبتي».
محظوظون الكتاب لامتلاكهم قدرة التعبير عن مشاعر يرفضون كبتها. يقولون ما يجب أن يقال، وما لا يقال: «في الكتابة نكون نحن. أحرار بأرواحنا. لا حسابات في الشعر، لا شرطة ولا خوف».
هنا منفاها الأخير: الكتب والثقافة، التطلع نحو الأجمل وإعادة تشكيل الفرح. تخصصت في التربية الرياضية، لكن مطرقة راحت تخبط رأسها: «يجب أن تكتبي»، فولدت القصيدة الأولى، وصولاً إلى ست مجموعات شعرية: «هكذا أبرر سيئاتي وأغوص في نفسي».
تكتب أيضاً أدب الأطفال. لم تقصد الدخول في هذا العالم ومزاحمة من يكتبون هذه القصص. ساقتها التجربة، خصوصاً بعدما أصبحت أماً. انشغلت بعائلتها ولم ترد التوقف عن الكتابة التي تعتبرها تمريناً، ولديها عضل يجب ألا يترهل. استوحت القصة الأولى من طلاقها وحرمان طليقها ابنهما من أمه. ثم كرت الأفكار. لم تقرأ كتاباً عنوانه «كيف تكتبين قصص الأطفال؟». يسعدها أن كل ما أنجزته في عالم الطفولة هو من دون دراسة ألف باء أدب الطفل. تكفي أنسنة الأشياء ومنحها صوتاً. ولوركا سبيتي تؤمن أن هذه الأشياء تشعر، «وقد يراني البعض أتكلم مع حائط أو شباك!». قصتها «لي بدل البيت بيتان» التي تناولت فيها طلاقها وكيف يخبر الأهل الطفل بقرارهما الانفصال، فازت بجائزة «اتصالات لأدب الطفل» في الشارقة من بين 155 قصة تقدمت لخوض المنافسة. ختامٌ شاعري: «الأمومة مصيدة، وقعتُ فيها وعلقت».
لوركا سبيتي: لولا الشعر لكنتُ في مصحة
إعلامية وشاعرة تكتب أدب الأطفال وتقدم فقرة «شبابيك»
لوركا سبيتي: لولا الشعر لكنتُ في مصحة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة