«ميتافيرس»... فضاء رقمي هائل مشترك يربط الواقعين المعزز والافتراضي

عمالقة التقنية يسعون إلى بنائه

«ميتافيرس»... فضاء رقمي هائل مشترك يربط الواقعين المعزز والافتراضي
TT

«ميتافيرس»... فضاء رقمي هائل مشترك يربط الواقعين المعزز والافتراضي

«ميتافيرس»... فضاء رقمي هائل مشترك يربط الواقعين المعزز والافتراضي

تدعي شركات مايكروسوفت وفيسبوك وغيرهما أن مستقبل الإنترنت سيكون عبارة عن عالم جديد مبني بتقنية الواقع الافتراضي. لذا فإنها تتحدث عن بناء عالم «ميتافيرس» Metaverse، الكلمة التي تتكون من شقين الأول «meta» (بمعنى ما وراء) والثاني Verse» » (مشتق من كلمة «الكون universe»).
ووفق الويكيبيديا فإن هذا المصطلح يستخدم عادةً لوصف مفهوم الإصدارات المستقبلية للإنترنت، المكون من مساحة ثلاثية الأبعاد ثابتة ومشتركة ومرتبطة مع كون افتراضي مدرك.
وقد أعلنت فيسبوك الأسبوع الماضي عن توظيف أكثر من 10 آلاف شخص في مشروع «ميتافيرس» الأوروبي. وكانت الشركة قد اقتربت من هذه الرؤية أكثر في الأسابيع الماضية بكشفها عن بيئة عمل افتراضية لموظفيها الذين يعملون عن بعد. وتعمل الشركة أيضاً على إنتاج سوار ذكي لليد ونظارات واقع افتراضي، وتستثمر حالياً مليارات الدولارات في هذه الجهود.
وكان فيلم الخيال العلمي «ريدي بلاير وان» (2018) قدم لمحة عما تتنبأ شركات التقنية أنه سيكون الخطوة العظيمة المقبلة للإنترنت.
تتحدث قصة الفيلم المستوحى من رواية لإيرنست كلاين (2011) عن طفل يتيم يهرب من وجوده الكئيب في العالم الحقيقي عبر الانغماس في خيال باهر في عالم افتراضي. ويضع بطل الفيلم على رأسه جهازاً يشبه نظارات غوغل ويهرب إلى كون افتراضي اسمه «أواسيس».
في الإعلان الترويجي للفيلم، يقول البطل: «يأتي الناس إلى أواسيس لوفرة الأشياء التي يمكنهم القيام بها، ولكنهم يبقون فيه لكثرة الأمور التي يمكنهم أن يصبحوا فيها».

- عالم تفاعلي
يقول عدد من الرؤساء التنفيذيين في الشركات المطورة لتقنيات تشبه الخيال العلمي إن البشر، وفي يوم قريب، سيمضون أوقاتهم في عالم تفاعلي من الواقع الافتراضي، مليء بالألعاب والمغامرات والتبضع والعروضات الفريدة القادمة من عالم آخر، كما الشخصيات التي نشاهدها في الأفلام.
ولكنهم يطلقون على هذا العالم اسم «ميتافيرس» أو «كون الواقع الافتراضي» عوضاً عن «أواسيس». ويختلف الميتافيرس عن الواقع الافتراضي الموجود اليوم الذي يقدم لمستخدمه تجارب معزولة وبعض فرص اللعب مع أشخاص آخرين بواسطة إكسسوارات ثقيلة للرأس وأجهزة أخرى.
ويأتي الميتافيرس على شكل فضاء رقمي هائل ومشترك يربط الواقعين المعزز والافتراضي ببعضهما، ويتيح للشخصيات الافتراضية القفز من نشاط إلى آخر دون أي عوائق.
اعتبر مارك زوكربيرغ، الرئيس التنفيذي لشركة فيسبوك، في حدث في يوليو (تموز) الماضي، أن فيسبوك يجب أن تسمى «شركة الميتافيرس»، لافتاً إلى أن هدف شركته هو زيادة رواد هذا العالم الافتراضي وجذب مستخدمين جدد عبر تقديم إكسسوارات زهيدة للرأس.
لم يصبح الميتافيرس حقيقةً بعد ولا يوجد تاريخ واضح لذلك خصوصاً وأن تقنيتي الواقعين الافتراضي والمعزز تحتاجان إلى توسيع جمهورهما، فضلاً عن أن سماعات الرأس لا تزال تفتقر إلى الشعبية رغم أن زوكربيرغ تعهد عام 2017 بجذب مليار مستخدم لنظارات «أوكيولوس».
ولكن فيسبوك ليست الشركة الوحيدة التي تراهن جدياً على «ميتافيرس». ففي مايو (أيار)، قالت شركة مايكروسوفت إنها «تتمتع بمكانة خاصة» لتقديمها مجموعة من أدوات الذكاء الصناعي والواقع المختلط لمساعدة الشركات على البدء بتطوير «تطبيقات الميتافيرس اليوم». بدورها، أطلقت مجموعة من الشركات المصنعة لألعاب الفيديو وفي طليعتها «إيبيك غيمز» المالكة للعبة «فورتنايت» الشهيرة، برامج محاكاة وخدمات واقع افتراضي للميتافيرس.

- «الميتافيرس»
• ما هو الميتافيرس؟ ابتكر هذا المصطلح الكاتب نيل ستيفنسون عام 1992 في روايته الخيالية «سنو كراش». يرمز الميتافيرس في هذه الرواية إلى بيئة رقمية انغماسية يتفاعل الناس فيها على شكل شخصيات افتراضية. وسمى هذا الكون الجديد من كلمتين: الأولى هي «ميتا» وتعني ما وراء، والثانية هي «فيرس» وهي مشتقة من كلمة «الكون». وتستخدم شركات التقنية هذا المصطلح لتوصيف عالم ما بعد الإنترنت، والذي قد يعتمد أو لا يعتمد على نظارات الواقع الافتراضي.
يمكنكم أن تتخيلوه كتجسيد للإنترنت تعيشون داخله بدل النظر إليه من الخارج. ولكن هذا العالم الرقمي الجديد لن يكون محصوراً بالأجهزة، إذ أنه سيتيح للشخصيات الافتراضية التحرك في أرجاء فضاء سيبراني كما يتحرك الناس في العالم الحقيقي، وسيسمح لمستخدميه بالتفاعل مع أشخاص على الجانب الآخر من الكوكب وكأنهم في الغرفة نفسها.
يتطلب العالم الافتراضي المتمكن من الجميع أن يكون قادراً على استخدام وشراء إكسسوارات الواقع الافتراضي الخاصة بالرأس. ويجب أن تكون التقنية عصرية وصغيرة الحجم لجذب الناس، ومتطورة بما يكفي للعمل دون مشاكل... وهذا الأمر لم يحصل بعد.
حتى اليوم، اصطدمت إكسسوارات الرأس اللاسلكية المتطورة بالكثير من المشاكل. فقد تميزت نظارة «أوكيولوس كويست 2» من فيسبوك بتصميم جميل ولكن نوعية الصور التي تعرضها كانت رديئة جداً رغم أن سعرها (299 دولاراً) هو الأفضل في السوق؛ أما نظارة «فايف برو 2» من إتش.تي.سي.، فلم تنجح بسبب حجمها المزعج وافتقارها للكثير من قوتها الكومبيوترية دون أسلاكها، فضلاً عن أن سعرها يبدأ من 799 دولارا دون احتساب ثمن أداة التحكم.
• كيف يعمل الميتافيرس؟ نظرياً، يلج المستخدم إلى «الميتافيرس» كما يلج إلى الإنترنت، إلا أنه يجب أن يستخدم إكسسواراً يثبت على رأسه وليس شاشة لرؤية المحتوى، بالإضافة إلى أداة للتتبع الحركي تشبه سوار المعصم الذي تعمل فيسبوك عليه للإمساك بالأشياء.
للحصول على كون افتراضي كامل، لا يمكن لشركة واحدة أن تملك الميتافيرس، تماماً كما لم يمتلك أحد شبكة الإنترنت. ولكن الشركات قد تحاول احتكار زواياها الخاصة من الميتافيرس، كما يفعل بعض عمالقة التقنية اليوم في عالم المحتوى الرقمي عبر وسائل شبيهة بصناعة المال من خدمات الاشتراك بالتطبيقات وبطاقات التبضع والإعلانات.
دالفين براون الخبير الأميركي في التقنية في واشنطن، نقل عن دينيز وايت، مؤسسة شركة «بلاك إكس.آر». للتقنيات الانغماسية قولها: «سيكون هناك لاعبون أقوياء دون شك. فور وضع نظارات الواقع المعزز والبدء برؤية هذه الشخصيات الافتراضية تتجول في أرجاء هذا العالم، ستعرفون أنكم أصبحتم داخل الميتافيرس».
ولكن لم يتضح حتى اليوم كيف ستتحرك الشخصية الافتراضية الواحدة في ظل وجود الكثير من الأجهزة التي طورتها شركات عدة. تشير إحدى النظريات الناشئة إلى أن الميتافيرس سيعمل مثل محركات البحث. فكما يستطيع المستخدم التنقل بين مختلف المواقع الإلكترونية على هاتفه الذكي، سيكون بمقدور الشخصية الافتراضية القفز بين منصات مختلفة مطورة لتتوافق مع منتجات معظم الشركات، حسب ما أفاد دانيال ليبسكيند، الرئيس التنفيذي لمنصة «توبيا» للمحادثات عبر الفيديو.
ويضيف ليبسكيند: «يجب أن يتألف الميتافيرس من مجموعة من التقنيات والخلفيات والمقدمات التي تتفاعل جميعها بشكل جميل».

- لاعبو الميدان الجديد
• من هم اللاعبون الأقوياء في الميتافيرس؟ تتعدد الشركات التقنية الكبرى التي تسعى لحجز مكان لها في الميتافيرس.
فقد أطلقت فيسبوك أخيراً مجموعة منتجات جديدة لبناء مساحة اجتماعية ثلاثية الأبعاد، داعيةً بذلك إلى «نسيج تواصلي» يصل مختلف الخدمات مع بعضها البعض.
وفي مايو (أيار)، قال رئيس مايكروسوفت التنفيذي ساتيا ناديلا إن شركته تعمل لبناء «مشروع ميتافيرس». وفي الشهر الذي سبقه، كشفت «إيبيك غيمز» أنها جمعت مليار دولار لإنفاقها على خططها المرتبطة بالميتافيرس.
وأيضاً، دخل عملاق الحوسبة نفيديا ومنصة الألعاب الإلكترونية «روبلوكس» في سباق المشاركة في هذا العالم. وكانت شركة «سبيشال» قد أطلقت العام الماضي تطبيق واقع افتراضي يتيح للشخصيات الافتراضية الظهور في بيئة المستخدم في العالم الحقيقي.
بدورها، تحركت سنابتشات في هذا الاتجاه لسنوات، مقدمة لزبائنها شخصيات افتراضية ومرشحات تغطي العالم الحقيقي بالمحتوى الرقمي. وطبعاً، لا ننسى آبل وطموحها القديم الجديد فيما يتعلق بالواقع المعزز.
وكانت شركة «ماجيك ليب» من أوائل الشركات التي جذبت الاهتمام لهذا الفضاء بعيد إطلاقها لتطبيق واقع معزز عام 2011، تبيع الحصة الأكبر منه اليوم للشركات التجارية، بحسب موقعها الإلكتروني.
ولكن المساحة لا تزال واسعة لانضمام المزيد من الشركات الناشئة على اعتبار أن العالم الرقمي سيتطلب كميات هائلة من المحتوى والأدوات والأماكن لرؤيته والتفاعل معه.
• هل سيصبح الميتافيرس حقيقةً فعلاً؟ هذا الأمر ليس واضحاً بعد. صحيح أن التطورات التقنية ساهمت في تخفيض وزن وسعر إكسسوارات الرأس المخصصة للواقع الافتراضي في السنوات القليلة الماضية، إلا أن هذه الأجهزة يستخدمها عدد محدد من الأشخاص أبرزهم محبو الألعاب الإلكترونية. ولكن معظم اللاعبين الإلكترونيين لا يملكون نظاماً للواقع الافتراضي، إذ كشفت أرقام جمعية البرامج الإلكترونية الترفيهية أن 29 في المائة فقط من 169 مليون لاعب إلكتروني في الولايات المتحدة يملكون واحداً منها.
وفي هذه اللحظة، لا تزال إكسسوارات الرأس للواقع الافتراضي تراوح مكانها كأدوات فرعية لمنصات الألعاب الإلكترونية ولا يوجد دليل مقنع على أنها ستتطور أكثر من ذلك. وتعد الألعاب الإلكترونية مجالاً تجارياً كبيراً، وهي تمثل مئات ملايين الأشخاص ولكن ليس المليارات منهم، وهذا يعني أنها ليست تجربة عالمية بعد.


مقالات ذات صلة

إشادة دولية بجهود الرياض السيبرانية وتنظيم «بلاك هات»

خاص جانب من حضور واسع يشهده «بلاك هات» (تصوير: تركي العقيلي)

إشادة دولية بجهود الرياض السيبرانية وتنظيم «بلاك هات»

معرض «بلاك هات» يحصد اهتماماً دبلوماسياً وسيبرانياً وإشادة باستضافة السعودية وتنظيمها الناجح.

غازي الحارثي (الرياض)
خاص «بي واي دي»: نخطط للاستثمار في مبادرات تسويقية وتعليمية لزيادة الوعي بفوائد النقل الكهربائي (BYD)

خاص «بي واي دي»... قصة سيارات كهربائية بدأت ببطارية هاتف

من ابتكارات البطاريات الرائدة إلى المنصات المتطورة، تتماشى رؤية «بي واي دي» مع الأهداف العالمية للاستدامة، بما في ذلك «رؤية المملكة 2030».

نسيم رمضان (الصين)
تكنولوجيا «سيبراني» التابعة لـ«أرامكو» الرقمية كشفت عن منتجات تطلق لأول مرة لحماية القطاعات الحساسة (تصوير: تركي العقيلي) play-circle 00:27

لحماية الأنظمة محلياً ودولياً... «أرامكو» تطلق لأول مرة منتجات سيبرانية سعودية

أعلنت شركة «سيبراني» إحدى شركات «أرامكو» الرقمية عن إطلاق 4 منتجات سعودية مخصّصة لعوالم الأمن السيبراني.

غازي الحارثي (الرياض)
تكنولوجيا يبرز نجاح «أكوا بوت» الإمكانات التحويلية للجمع بين الأجهزة المتطورة والبرامج الذكية (أكوا بوت)

روبوت يسبح تحت الماء بشكل مستقل مستخدماً الذكاء الاصطناعي

الروبوت «أكوا بوت»، الذي طوّره باحثون في جامعة كولومبيا، قادر على تنفيذ مجموعة متنوعة من المهام تحت الماء بشكل مستقل.

نسيم رمضان (لندن)
خاص تسعى المنصة لتحقيق قفزة نوعية كبيرة في سوق العملات الرقمية مع وضع مبادئ مبتكرة لاقتصاد تلك العملات (كونتس)

خاص رائدة أعمال سعودية تبتكر أول بروتوكول لعملة رقمية حصينة من الانخفاض

تهدف رائدة الأعمال السعودية رند الخراشي لإرساء معايير جديدة لعالم التمويل اللامركزي «DeFi».

نسيم رمضان (لندن)

إشادة دولية بجهود الرياض السيبرانية وتنظيم «بلاك هات»

جانب من حضور واسع يشهده «بلاك هات» (تصوير: تركي العقيلي)
جانب من حضور واسع يشهده «بلاك هات» (تصوير: تركي العقيلي)
TT

إشادة دولية بجهود الرياض السيبرانية وتنظيم «بلاك هات»

جانب من حضور واسع يشهده «بلاك هات» (تصوير: تركي العقيلي)
جانب من حضور واسع يشهده «بلاك هات» (تصوير: تركي العقيلي)

وسط استمرار التوافد الكبير من الزوّار والخبراء والمختصين في الأمن السيبراني إلى معرض «بلاك هات» بنسخته الحالية، بمركز الرياض للمعارض والمؤتمرات في ملهم، شمال العاصمة السعودية الرياض، حصد المعرض اهتماماً دبلوماسياً وأشاد باستضافة السعودية، وما تضمّنته أعمال وجلسات وفعاليات المعرض، الذي شهد مشاركة من 5 دول.

وفي حديثٍ لـ«الشرق الأوسط» اعتبر ضياء الدين بامخرمة، عميد السلك الدبلوماسي وسفير جيبوتي لدى السعودية، أن «التعاون الدولي في الأمن السيبراني بات أمراً ملحاً لا غنى عنه». وأعاد بامخرمة السبب إلى التحديات الكبيرة التي تتطلب جهوداً مشتركة لمواجهتها وضمان استمرارية الخدمات الإلكترونية بأمان وثقة.

تشكيل تحالفات دوليّة

وأضاف بامخرمة أن الأنظمة الإلكترونية أصبحت مهمة في كل مناحي الحياة، ولم يعد الناس قادرين، وكذلك المجتمعات، على العيش من دونها، وهو ما جعلها هدفاً رئيسياً للهجمات السيبرانية، رغم التقدم العلمي والتكنولوجي الهائل في أنظمة الحماية والرقابة.

وذكر بامخرمة أن هذه الأنظمة عرضة للاختراق والتلاعب والأعطال، الأمر الذي من شأنه أن يجعل الحاجة إلى التعاون وتشكيل تحالفات دولية في مجال الأمن السيبراني، وتبادل المعلومات حول تلك التهديدات، وإيجاد التقنيات الدفاعية لمواجهتها، أكثر أهمية من أي وقت مضى.

ضياء الدين بامخرمة سفير جيبوتي لدى السعودية (الشرق الأوسط)

ولفت بامخرمة إلى أن جيبوتي أولت أهمية كبيرة لهذا الأمر، عبر إنشاء الوكالة الوطنية المعنية بمجالات الأمن السيبراني، التي أبرمت خلال زيارة رسمية مؤخراً مذكرة تعاون مع الهيئة الوطنية للأمن السيبراني في السعودية.

وتهدف تلك الزيارة إلى الاستفادة من التطور الهائل للسعودية في مجال الرقمنة والأمن السيبراني، إلى جانب الانضمام إلى منظمة التعاون الرقمي، بهدف تعزيز التعاون في هذا المجال.

وأعرب سفير جيبوتي عن جزيل الشكر للسعودية على استضافتها وتنظيمها «بلاك هات»، معتبراً أنه تأكيد على حرصها واهتمامها بتعزيز منظومة الأمن السيبراني العالمية.

التزام ألماني بالتعاون مع السعودية في الفضاء الإلكتروني

من جانبه شدد ميشائيل كيندسغراب، سفير ألمانيا لدى السعودية، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» على أن «لا سبيل أمام دول العالم، سوى التعاون وبذل الجهود المشتركة والشعور بالمسؤولية الجماعية، لضمان فضاء إلكتروني آمن لخدمة البشرية».

وتابع السفير الألماني أن برلين ملتزمة بالعمل مع أصدقائها في الرياض وجميع دول العالم، لمواجهة هذه التحديات المتصاعدة، ومواصلة البناء على الأُسس والأهداف التي تؤمن بها. وقال إن بلاده تُسهم في تعزيز التعاون الدولي في مختلف المجالات، بما فيها الأمن السيبراني.

ينظم «بلاك هات» النسخة الكبرى عالمياً من مسابقة «التقط العلم» (تصوير: تركي العقيلي)

وكشف كيندسغراب أن بلاده اعتمدت خطة واستراتيجية للأمن السيبراني في عام 2021، تنفذ على مدى خمس سنوات، وفق مجالات عدة منها المجتمع والقطاع الخاص والحكومة، والشؤون الأوروبية والدولية. واعتبر سفير ألمانيا لدى السعودية أن هذه الخطة والرؤية «تؤكد حرص الحكومة الفيدرالية، بأن تجعل أمن المعلومات «أولوية قصوى» بالنسبة لها. كما نوه بمشاركة بلاده بفعالية في جميع المؤتمرات والمبادرات، إيماناً منها بضرورة التكاتف والتعاون، بين الدول والمنظمات المعنية، لمكافحة الجرائم الإلكترونية.

وعلى هامش «بلاك هات» لفت كيندسغراب إلى أن تحديات «الأمن السيبراني» أصبحت خطراً يهدد مستقبل المجتمعات والشعوب، في ظل عصر يتميز بأجهزة وتقنيات مترابطة، وطرق اتصال تعتمد على الذكاء الاصطناعي، وأنظمة تكنولوجيا المعلومات المبتكرة. وذكر أنها أصبحت جزءاً أساسياً من الحياة اليومية، متمنّياً أن يشكّل «بلاك هات»، فرصة لاستعراض الرؤى والخبرات النوعية، لقادة الفكر والخبراء في مجال الأمن السيبراني.

تنسيق الاستجابة للتهديدات السيبرانية عبر الحدود

والتقت «الشرق الأوسط» على هامش الحدث مع ليزالوتيه بليزنر، سفيرة الدنمارك لدى السعودية، التي صرحت بأن التعاون الدولي بات عنصراً رئيسياً في استراتيجية الأمن السيبراني لبلادها. وعبّرت السفيرة الدنماركية عن التزام بلادها بـ«تحسين الثقافة الرقمية، وتعزيز الوعي بالأمن السيبراني بين المواطنين من خلال التعاون مع الدول الصديقة في العالم، ومنها السعودية».

وزادت أن حكومة الدنمارك أطلقت حملات تعليمية وتثقيفية، ومبادرات تهدف إلى تحسين فهم الجمهور العام لمخاطر الأمن السيبراني.

وأشارت إلى أن هدف هذا النهج المجتمعي أن يكون الأفراد أكثر قدرة على حماية أنفسهم وبياناتهم في العصر الرقمي.

وأردفت: «الدنمارك شاركت بنشاط في مختلف المنتديات والمبادرات الدولية مثل جهود الأمن السيبراني في الاتحاد الأوروبي ومركز التميز للدفاع السيبراني التعاوني التابع لحلف الناتو، وكذلك هذا المعرض» لتبادل المعرفة والخبرات وأفضل الممارسات، وتنسيق الاستجابة للتهديدات السيبرانية عبر الحدود».

وكشفت بليزنر عن اعتماد بلادها الكثير من المبادرات الاستراتيجية في هذا الصدد، والالتزام بالتعاون الدولي مع الأصدقاء والشركاء وفي مقدمتهم السعودية، مع التركيز على الشراكات بين القطاعين العام والخاص، مما يضع البلاد بوصفها قائدة نشطة في هذه التحالفات على المشهد العالمي.

‏وعَدّت السفيرة أن الاستراتيجية الوطنية للأمن السيبراني والمعلومات 2022 – 2024، ركيزة أساسية لجهود الدنمارك، في هذا المجال. وتابعت: «تحدّد هذه الاستراتيجية سلسلة من المبادرات التي تهدف إلى تعزيز قدرات الدفاع السيبراني في البلاد، وحماية البنية التحتية الحيوية، وتعزيز ثقافة المرونة السيبرانية».

وطبقاً لحديثها، تؤكد الاستراتيجية على أهمية الشراكات بين كل القطاعات، وعلى ضرورة التعاون بين الحكومة والقطاع الخاص والأوساط الأكاديمية، لتحقيق نهج شامل للأمن السيبراني، ومن تلك المجالات «حماية البنية التحتية الحيوية، مثل أنظمة الطاقة والنقل والرعاية الصحية».

وسلّطت بليزنر الضوء على «الدور الكبير والفاعل» الذي يؤديه «المركز الدنماركي للأمن السيبراني»، في هذه المواجهة، حيث يقدم معلومات استخباراتية حول التهديدات، ودعماً للجهات العامة والخاصة، وتقييم التهديد السيبراني السنوي. ووفقاً للسفيرة الدنماركية، فإن للمركز «رؤى مهمة حول مشهد التهديدات المتطور عالمياً، مما يساعد المنظمات على فهم المخاطر والتخفيف منها بشكل فعال»، إلى جانب حماية البنية التحتية الحيوية.

ماليزيا: «الرياض أصبحت جنباً إلى جنب مع المراكز العالمية»

عَدّ داتوك وان زايدي، سفير ماليزيا لدى السعودية، معرض «بلاك هات» حدثاً عالمياً بالغ الأهمية في مجال الأمن السيبراني، ورمزاً لطموحات السعودية في ظل «رؤيتها لعام 2030»، مما يضع الرياض جنباً إلى جنب مع المراكز العالمية، مثل لاس فيغاس ولاهاي.

وأفاد لـ«الشرق الأوسط» بأن هذا الحدث يسلط الضوء على الأهمية المتزايدة للأمن السيبراني والخطر القادم الذي يواجه جميع الدول، لحماية البنية التحتية الرقمية وتعزيز الابتكار وحماية مكتسبات الشعوب. واعتبر سفير ماليزيا أن الرياض أصبحت لاعباً قوياً في تطوير مجالات الأمن السيبراني، عبر الشراكات مع الدول والشركات العالمية والمبادرات المحلية، بل أصبحت الأكثر خبيرة ورائدة في هذا المجال.

وبيّن السفير الماليزي أن «بلاك هات» عكس التزام الرياض بمعالجة التهديدات السيبرانية العالمية، وخلق مستقبل رقمي آمن، وخاصة للقطاعات الحيوية مثل الطاقة والتمويل والحكومة.

ومن منظور ماليزيا، فإن «بلاك هات» يقدم وفقاً لزايدي «تصورات وحلولاً قيّمة وفرص تعاون واعدة، مع تعزيز ماليزيا لإطار وجهود الأمن السيبراني لديها، بما يتماشى مع المعايير الدولية وتعزيز الشراكات مع الأشقاء، خصوصاً في منطقة الخليج». وكشف أيضاً عن فرصة لأصحاب المصلحة الماليزيين للاستفادة من الابتكارات المعروضة في «بلاك هات».

وتُختتم الخميس أعمال النسخة الثالثة من «بلاك هات» بتنظيم من «الاتحاد السعودي للأمن السيبراني والبرمجة والدرونز»، وشركة «تحالف» إحدى شركات الاتحاد، بالشراكة مع «إنفورما» العالمية، وصندوق الفعاليات الاستثماري.