منيه عقل لـ«الشرق الأوسط»: لا أريد أن أكون الضوء الوحيد في حياة والديّ

فيلم المخرجة اللبنانية «كوستا برافا» يحصد جائزة «الجونة الخضراء»

منيه عقل خلال تصويرها فيلم «كوستا برافا» في منطقة الشوف
منيه عقل خلال تصويرها فيلم «كوستا برافا» في منطقة الشوف
TT

منيه عقل لـ«الشرق الأوسط»: لا أريد أن أكون الضوء الوحيد في حياة والديّ

منيه عقل خلال تصويرها فيلم «كوستا برافا» في منطقة الشوف
منيه عقل خلال تصويرها فيلم «كوستا برافا» في منطقة الشوف

«طفولتي الجميلة، وأبي المحب، هما ما دفعاني إلى الشغف بالسينما». هكذا تشرح المخرجة اللبنانية منيه عقل أسباب دخولها عالم السينما، حيث تعطي الطفولة دوراً بارزاً في فيلمها «كوستا برافا».
الفيلم سبق وشارك في عدة مهرجانات عالمية، وحصد مؤخراً جائزة «الجونة الخضراء» في «مهرجان الجونة السينمائي». كما حاز على جائزة أفضل عمل أول من قبل الاتحاد الدولي للنقاد السينمائيين (فيبرسي).
وعما يعني لها هذا النجاح في الجونة تقول لـ«الشرق الأوسط»: «أهم ما حققته من هذه الجائزة ومن مشاركتي في المهرجان، هو رؤية الفرح يلمع في عيون الطفلتين التوأم اللتين شاركتا في الفيلم. فمرافقتهما لي إلى مصر كانت رحلة سفرهما الأولى، حيث شعرتا بالفخر وكانتا سعيدتين إلى أبعد الحدود. كما أنهما استطاعتا من خلال مشاهدتهما الفيلم معي، فهم واستيعاب ما قدمتاه من عمل رائع. فالفرصة لم تسنح لهما من قبل لمشاهدته كاملاً. خلال تصويرنا الفيلم كانتا بمثابة جرعة أمل لكل الفريق. فالجميع كان حزيناً وموجوعاً عندما قررنا استكمال تصوير العمل، بعيد انفجار بيروت، إلّا أنّ وجودهما زودنا بأشياء كثيرة اعتقدنا أننا خسرناها إلى الأبد، وأهمها الإقبال على الحياة».
وهل انفجار بيروت حاضر في الفيلم؟ «يبدأ الفيلم بمشهد التقطناه على المرفأ أثناء نقل تمثال منه إلى الجبل. الفكرة لم تكن، في البدء، ترتكز على أخذ لقطة للمرفأ وهو مدمر، إذ لم يكن قد حصل الانفجار بعد. ولكن جاء سياق الفيلم وعودتنا إلى التصوير بعد هذا التاريخ المشؤوم ليفرض علي ذلك. وقلت في نفسي إنّه من الأفضل ألا أكذب، وأن أظهر الواقع على حقيقته. فهذه مأساة لا يمكن تجاوزها».
تؤكد منيه أنّ نجاح الفيلم في «الجونة» السينمائي، فتح له أبواباً كثيرة، خصوصاً أنّ أمامه مشواراً طويلاً. فهو يشارك قريباً في عدة مهرجانات سينمائية من بينها مهرجان «أجيال» في قطر و«سيفيللا» في إسبانيا. وشارك في أخرى بلوس أنجليس وفيلادلفيا وفرنسا ولندن. «ولكن تبقى تمنياتي المهمة والكبرى أن يُعرض في لبنان، وأطمح أن يكون ذلك في السنة المقبلة».
يحكي الفيلم عن الفساد وتلوث البيئة. وهو من بطولة نادين لبكي وصالح بكري. يلعبان فيه دور زوجين يقرران ترك التلوث السام لمدينتهما بيروت، على أمل بناء حياة مثالية لهما في منزل بالجبل. لكن أحلامهما تتحطم عندما يُبنى مكب نفايات بجوارهما، ما يؤدّي إلى مواجهة القمامة والفساد اللذين كانا يأملان في تركهما وراءهما.
تعبر منيه عقل في الفيلم، عن كل ما يخالجها من أحاسيس حملتها معها من طفولتها. فتبرز أهمية دفء العائلة في نمو الأولاد بصورة صحيحة، ومدى تأثرهم بالأب والأم، وبالدور الكبير الذي يلعبانه في رسم شخصيات أطفالهما من دون أن يدريا. كما تخصص مساحة من فيلمها لألعاب طفولية تقليدية، يتشارك فيها كل أفراد العائلة. «بالفعل أنا متأثرة بهذه الألعاب لأنّ والديّ كانا يتشاركاها معنا بشكل دائم. كان والدي يردد على مسامعنا بأنها كانت ملاذه ليحمينا من ألعاب الكبار على الأرض، حيث يأخذنا إلى عالم آخر حقيقي يشبهنا بعفويته». وهل شخصية وليد في الفيلم تشبه شخصية والدك؟ «نعم ولا. والدي هو صديقي المفضل والأقرب. زودني بالقدرة على التخيل والمقاومة والدفاع عن نفسي. شخصية وليد (بطل الفيلم) لا تمثل والدي، ولكن كمية الحب الذي تبادله إياه ريم الصغيرة استوحيتها من علاقتي معه».
شاركت منيه عقل في تظاهرات «طلعت ريحتكم» في عام 2015، احتجاجاً على تكدس النفايات في شوارع بيروت، وإقفال مكب الناعمة، وانبعاث الروائح النتنة من مكب «كوستا برافا» في منطقة الأوزاعي. «كانت الأوضاع في لبنان لا تُحتمل، ومشكلات النفايات تفوق الطبيعة، كأنه كتب علينا العيش مع الوجع والألم. شعرت بأنّ فساد رجال السياسة خطف منا حياتنا الكريمة. وفي مكان آخر، أحسست بأنّ لبنان كسر قلبي. فأنا أعشقه وهو كل شيء بالنسبة لي، أفتخر به لأنّه بمثابة عائلتي الحقيقية، ولا أستطيع تركه أو الابتعاد عنه لوقت طويل. قررت أن أصور هذا الفيلم لأنقل مشاعر لبنانيين كثر يتألمون، وبينهم والداي، فهما يقاومان أيضاً، على طريقتهما. هناك جزء كبير مني في كل شخصية من شخصيات الفيلم، وألم أهلي».
تتابع عقل: «ولدت في عام 1989. كنت لا أزال في رحم أمي والحرب دائرة في الخارج، هذا يعني أني عشتها بشكل وبآخر. وعندما حصل انفجار بيروت لمست هذا عن قرب. ليس من المنطقي بعد مرور 40 عاماً على الحرب اللبنانية أن يعيش والداي تجربة قاسية كهذه مرة جديدة. يكفيهما ما عاشاه من قبل، وكان من الأفضل لهما اليوم أن يستمتعا بحياتهما، ويأخذا جرعة من الراحة».
وعن ردود فعل والديها بعد أن حصد فيلمها هذه الجوائز، تقول: «يعدانه بمثابة شعاع أمل، كانا يحتاجانها في هذه الأوقات العصيبة. فهو أعاد البسمة إلى ثغرهما. ولكني في المقابل لا أرغب في أن أكون الضوء الوحيد الذي ينير حياتهما. كنت أتمنى أن يكون بلدي بخير وأن يمنحهما هذا الضوء. فهما من أعطياني القوة والشجاعة لأكمل طريقي بعزم وصلابة، ويستحقان كما جميع اللبنانيين وطناً يكرمهما، ويؤمن لهما أبسط حقوقهما الإنسانية؟».
لامست عقل مشاعر الإنسانية وأهمية العائلة في حياة الناس، وهو ما حرّك لدى مشاهديها من عرب وأجانب أحاسيس يفتقدونها في زمننا الحالي. فهل قصدت الإضاءة على هذا الموضوع؟ ترد: «الجائحة لفتت نظرنا إلى أهمية الوقت الذي يجب أن نعطيه للأشخاص الذين نحبهم. وعرفنا أنّنا كنا نضيع وقتنا بأمور تافهة. شخصياً أحب لمّة العائلة، حتى فريق عملي أعده عائلتي الثانية. الجميل في الفيلم ونحن نجول به من بلد إلى آخر، رؤيتنا قدرته على ملامسة الناس. في لندن أسرّت لي إحدى النساء أنّه فتح عينيها على أهمية دور الأم. وقالت لي إحداهن إنّ الفتاة الصغيرة ريم تشبهها كثيراً، وغالبية الناس أحبتها لأنّها كانت بمثابة المحرك الفعلي للم شمل العائلة. وبالوقت نفسه استوعب كثيرون أنّ تلاقي العائلة ليس بالضروري أن يحدث في بيت واحد. فالعائلة عندما تفترق كما تروي قصة الفيلم، نلاحظ أنّها تبقى مساندة لبعضها. وأنا أيضاً والداي مطلقان، وعلى الرغم من ذلك، بقيت أُسس العائلة حاضرة بقوة بيننا جميعاً».
تخبرنا عقل عن كيفية اختيارها لأبطال فيلمها «كوستا برافا»: «صلاح بكري كتبتُ الدور من أجله. سبق وتعرفت إليه منذ سنوات قليلة، ورأيته مناسباً جداً. أما نادين لبكي فأجرينا معاً جلسات طويلة وعديدة نبحث في شخصية ثريا التي ستلعبها في الفيلم. أحبتها كثيراً، خصوصاً أنّها شخصية جديدة لم يسبق أن قدمتها من قبل. فهي تتناول المرأة والأم بصورة مغايرة، وبكثير من العفوية».
وتتابع عقل: «بحثت كثيراً عن فتاة تلعب دور ريم الصغيرة، وبالصدفة شاهدت فيديو قصيراً لها عبر وسائل التواصل الاجتماعي. أعجبتني وطلبت من قسم الإنتاج (جنجر برودكشن) العثور عليها. تبين أنّها لها شقيقة توأم. عندما تعرفت إليهما (سيانا وجيانا رستم) لمست الفرق بين شخصيتيهما، وقررت إشراكهما معاً في الفيلم. أما ناديا شربل (ابنة الممثلة كارين رزق الله) فلم أكن أعرفها من قبل، ولكن وصلني عنها أصداء جيدة. إنّه الفيلم الأول لها، فقد سبق وشاركت في مسلسلات تلفزيونية. اجتمعت بها وطرحت عليها بعض الأسئلة من دون إجراء أي تجارب تمثيلية. بعد مرور 15 دقيقة على اجتماعنا معاً، استنتجت أنّها الشخص المناسب للدور (تؤدي دور الابنة الكبرى للعائلة)».
وتختم عقل بأنّها تطمح أن يصل لبنان إلى شاطئ الأمان: «أتمنى أن يأخذ اللبنانيون استراحة طويلة من المشاكل التي تحيط بهم، فيتخلصون منها بشكل دائم، ويتحررون من أوجاعهم. همي الأول والأخير اليوم يرتبط باللبنانيين المتألمين، ومن بعدهم يأتي اهتمامي بمهنتي وبالسينما».


مقالات ذات صلة

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
سينما «من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة

محمد رُضا‬ (سانتا باربرا - كاليفورنيا)
سينما «موعد مع بُل بوت» (سي د.ب)

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم.

محمد رُضا‬ (لندن)
يوميات الشرق فيلم «الحريفة 2» اعتمد على البطولة الشبابية (الشركة المنتجة)

«الحريفة 2» ينعش إيرادات السينما المصرية في موسم «رأس السنة»

شهدت دور العرض السينمائي في مصر انتعاشة ملحوظة عبر إيرادات فيلم «الحريفة 2... الريمونتادا»، الذي يعرض بالتزامن مع قرب موسم «رأس السنة».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق «صيفي» فيلم سعودي مرشح لجائزة مسابقة مهرجان البحر الأحمر السينمائي للأفلام الطويلة

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

تعود أحداث فيلم «صيفي» الذي عُرض ضمن فعاليات مهرجان البحر الأحمر السينمائي في دورته الرابعة، إلى فترة أواخر التسعينات.

أسماء الغابري (جدة)

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».