أميركا تحذّر من اتجاه الصين للهيمنة على الذكاء الصناعي

أميركا تحذّر من اتجاه الصين للهيمنة على الذكاء الصناعي
TT

أميركا تحذّر من اتجاه الصين للهيمنة على الذكاء الصناعي

أميركا تحذّر من اتجاه الصين للهيمنة على الذكاء الصناعي

حذر المركز الوطني لمكافحة التجسس والأمن، وهو أحد أكبر الأجهزة الاستخبارية الأميركية، من أن الشركات الصينية تجمع البيانات الجينية من كل أنحاء العالم، في سياق جهود بكين لتطوير أكبر قاعدة بيانات بيولوجية في العالم، بالإضافة إلى طموحاتها المتزايدة في مجالات الذكاء الصناعي وغيرها من التقنيات المتقدمة، مما يمكن أن يمنح الصين ميزة عسكرية حاسمة وهيمنة محتملة على الرعاية الصحية وقطاعات أخرى في الولايات المتحدة.
وتقوم وكالات الأمن القومي الأميركية تحت إدارة الرئيس جو بايدن بحملة واسعة النطاق ضد الصين، التي يصفها بعض المسؤولين بأنها أكبر تهديد استراتيجي للولايات المتحدة، علما بأنهم يحاولون في الوقت ذاته تخفيف بعض التوترات من خلال السعي إلى إيجاد أرضية مشتركة في شأن التجارة وتغير المناخ.
في المقابل، ردت بكين بتوجيه اتهامات لواشنطن بأنها تروج للخوف من الصين، بما في ذلك ادعاءات عن أن الزعماء الصينيين أخفوا معلومات مهمة حول منشأ فيروس «كوفيد - 19».
وأعد مسؤولون استخباريون أميركيون من مركز مكافحة التجسس، وهو أحد أذرع مكتب مدير الاستخبارات الوطنية، تقريرا جديدا يفيد بأن الولايات المتحدة بحاجة إلى تأمين أفضل للتقنيات الحيوية، بما في ذلك الذكاء الصناعي والحوسبة وأشباه الموصلات وغيرها من التقنيات المتعلقة بما يسمى «الاقتصاد الحيوي».
وأكد القائم بأعمال مدير المركز، مايكل أورلاندو، أن الصين ودولاً أخرى تحاول الهيمنة على هذه التقنيات، وتستخدم كل الوسائل القانونية وغير القانونية لاكتساب المعرفة الأميركية. ويشدد المسؤولون الأميركيون الآن أيضاً على تقاطع التكنولوجيا والأبحاث الجينية والبيولوجية كمجال للمنافسة والتجسس. وقال المسؤول عن مكافحة التجسس للتكنولوجيات الناشئة والمدمرة، إدوارد يو، إن «الحكومة الصينية تجمع البيانات الطبية والصحية والجينية حول العالم»، مضيفاً أن «الدولة التي تبني أفضل قاعدة بيانات للمعلومات ستكون لها ميزة في تطوير علاجات للأوبئة في المستقبل، والصين لديها بالفعل ميزة».
وأشار المسؤولون الاستخباريون الأميركيون إلى الجهود التي تبذلها شركات صينية، مثل «بي جي آي» و«ووشي» وغيرهما لجمع المعلومات عن ملايين الأشخاص حول العالم. وأفاد مسؤولون في المركز بأن التحذيرات تشمل جهوداً متجددة لإبلاغ رجال الأعمال التنفيذيين والأكاديميين والمسؤولين الحكوميين المحليين والدوليين بمخاطر قبول الاستثمار الصيني أو الخبرة في الصناعات الرئيسية. وبينما لا ينوي المركز إخبار المسؤولين برفض الاستثمار الصيني، فإنه سيشجع الجهود للسيطرة على الملكية الفكرية وتنفيذ الإجراءات الأمنية.
ويتهم المسؤولون الأميركيون والأوروبيون منذ فترة طويلة الصين بأنها تسرق الملكية الفكرية، وتصنع نسخاً أرخص من المنتجات، وتقصي المنافسين الغربيين للهيمنة على السوق. هذا هو النمط الذي اتبعته الصين في مجال الألواح الشمسية، على سبيل المثال.
وخلال السنوات الأخيرة، صعد مكتب التحقيقات الفيدرالي «إف بي آي» ومراكز مكافحة التجسس تحذيراتهم للشركات والجامعات الأميركية في شأن المحاولات الصينية لسرقة التكنولوجيا.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟