«البريئة»... ما وراء الجريمة والحقيقة

مسلسل لبناني على «شاهد» يتميّز بطبقاته الداخلية

أبطال المسلسل
أبطال المسلسل
TT

«البريئة»... ما وراء الجريمة والحقيقة

أبطال المسلسل
أبطال المسلسل

ثماني حلقات من «البريئة»، عرضها «شاهد» وأمتع. تبدو بطلته كارمن بصيبص مثل شجرة واثقة تتجمّل بالفروع المثمرة. تتبنّى المسلسل من دون أن تعامله كمُحتكرة. تمرّر الطابة للجميع فيسدّدونها في اتجاهها. ورغم أنّ الحبكة تدور حول التلفيق والظلم، فإنها في الحقيقة تلفّ حبلاً غليظاً حول إشكالية بالغة الأهمية: التربية المنزلية.
المسلسل طبقات داخلية: هناك الجريمة والتحقيقات، والصداقة المعرّضة للطعن، والمظاهر الاجتماعية، والفساد المستتر خلف الأعمال الخيرية، والتواطؤ المدمّر، والتوحّش الإنساني، والطمع ومسار الحقيقة. ذلك تحت رداء الاستغلال الوظيفي والنحت المزوّر واستعادة الآثار المسروقة، ثم ارتكاب الجريمة وكشف مرتكبيها. يقدّم الأب وابنه في الواقع والدراما، جورج ويورغو شلهوب، مشهدية مؤثرة عن التربية الخاطئة، وهي تتحوّل انتحاراً جماعياً يفكك الأسرة ويفضح هشاشتها. المواجهة الأخيرة بينهما، قبل انتحار الابن، ثم بقاء الأب وحيداً، متكئاً على عصاه وكذبة جبروته، يحسمان نظرية الزرع والحصاد، ويؤكدان أنّ ما بُني على باطل فهو باطل، وبعض الخسائر لا تُعوّض.
تتميّز «إيغل فيلمز» (جمال سنّان) بهذا المسلسل اللبناني؛ بهاراته الخاصة ترفع مستوى التذوّق. تكتب نورا الشيخ وندى عزت (من ورشة سرد بإشراف مريم نعوم)، نصاً يتحرّك في الـ«Red Zone» بثقة. ومع أنّ مسلسلات الجريمة والانتقام والشبهة الحائمة حول الجميع، باتت تتكرّر، إلا أنّ صبَّ «البريئة» في منبع الشرذمة الأسرية، وتطرّقه إلى العلاقات الإنسانية بجانبها الملتبس (أب وابنه - أم وابنتها...)، وسط غياب مُتعمّد للأم الأساسية (والدة «كامل» و«نادين»)؛ ينقذانه من الرتابة.
تتوجّه الأنظار إلى ما هو أعمق من إثبات براءة «ليلى» (كارمن بصيبص) إلى أصل المشكلة. لا تعود الجريمة في ذاتها جوهر المسلسل، بل ذريعته للإضاءة الدرامية الضرورية على علاقة الآباء بالأبناء، وأدوات التربية، وأساليبها، ومفرداتها، والفعل ورد الفعل. كل ما حصل سببه أبٌ ربّى ابنه على جنون العظمة، إلى أن أفلتت الأمور من بين يديه وسقط الهيكل دفعة واحدة على رأسه. لم تعد تنفع محاولات الترقيع وتلميع الصورة التي لم يعرف مَخرجاً سواها في المواقف الحرجة. جرّبها مراراً، فراكمت أطناناً من النفور والرفض والغضب والأنانية. انتحار الابن في المشهد الأخير هو صرخة في وجه التراكمات واستحالة الرضا والثأر المزدوج (من الذات والآخر)، وصولاً إلى الذاكرة المزنّرة بأحزمة ناسفة والسلوك المستجيب، في لحظة تعبئة قصوى، للانفجار المؤجّل.
ممتاز يورغو شلهوب بشخصية «كامل»، هو الجلّاد والضحية. من ارتدائه الأسود طوال الوقت تقريباً، وعلاقته المضطربة بالسلاح (أهداه والده مسدساً كهدية نجاحه في الشهادة المتوسطة، فأهدى ابنه سيفاً في عيد ميلاده!)؛ إلى تعدّد جرائمه المغطّاة بنفاق اجتماعي يسبق موسم الانتخابات؛ وبعقدة تجاه الأب، يحملها منذ الطفولة، فتقضي عليه بعد معارك فاشلة للقضاء عليها. شلهوب فنان، ابن فنان.
تدفع «ليلى» ثمن هذا الغليان، وتخرج من السجن لترد الاعتبار للعدالة المُنتهَكة ولنفسها المظلومة. بديعة في الدور، لا غبار على أدائها. تمنحها كاميرا رامي حنا مساحة للتفوّق. الأبيض في شعرها، مظهرها العادي، الإهمال المقصود للأنثى المتألمة في داخلها بعد الطلاق من زوجها وزواجه من أعزّ صديقاتها؛ كلها أحمال ترفعها بصيبص بشطارة، لا في عضلاتها المهنية فحسب، بل أيضاً في الإرادة والذهنية والتصميم على الهدف.
لم نعتد كثيراً في لبنان على بطلات يتخلّين عن معالم الجمال، حتى الشعر المصبوغ، من أجل الدور. الشيب الساطع يمنح الشخصية صدقية. وهي هنا خارج «كليشيه» الحب المُنتصر ووقوع جميع الرجال تحت تأثير سحرها. تحمل البطلة ما يبدو أثقل من النهاية القائمة على اختيار رجل بين اثنين، فتختار أمومتها. أدّى بديع أبو شقرا بدور المحقّق «جاد»، مشهديات مُتقنة تحاكي العدالة المُستعادة بعد شهادة الزور وموت الضمير؛ فيدرك بحسّه الإنساني براءة «ليلى» ويسعى معها إلى تأكيدها. جيد أنّ المسلسل جنّبهما الاعتراف (المُستَهلك) بالحب بحكم الضرورة حين يتعلق الأمر ببطل وبطلة يبلغان خط النهاية «السعيدة». ولم «يورّطها» أيضاً بحب مُحتمل مع «كريم غنام» (إيلي شوفاني بدور سلس، مُقنع)، بعدما مدّ يده لمساعدتها وأحاطها بالحماية والأمان. تجمع الثلاثة قيمتان ساميتان: الحق والحقيقة. فيقف الحب في الخلف، يبارك ويصفّق، من دون أن يتقدّم خطوة.
العتب على مشهد عصيٍّ على الإقناع: ثلاث طلقات عن قرب نحو «ليلى» في الجهة العليا من جسدها، لكنها تعود إلى الحياة كأنّ شيئاً لم يكن! كيف مرّت هذه الهفوة أمام كاميرا المخرج رامي حنا، اللافتة واللامعة؟ إلا إن كان المقصود حدوث معجزة تعوّض سنوات العذاب!
عدا ذلك، بصيبص في دور فريد، تجتمع وتقلا شمعون بدور صديقتها «فادية» على التألق العفوي، بعد لقائهما الاستثنائي في ثلاثية «عروس بيروت»، إمبراطوريتها. تتعرّض الصداقة لسوء الفهم والأذية غير المُتعمّدة، حين تدفع الحاجة المادية إلى سلوك دروب مشبوهة. حضور مُحبب لشمعون، تلتقي مع جورج شلهوب بشخصية رجل الأعمال النافذ «فضل معروف»، فيعقدان زواجاً سرياً إلى أن تتوضّح الحقيقة.
مفاجأتان في المسلسل: إيلي متري بشخصية «علي» وساشا دحدوح بشخصية «نادين». الاثنان خرجا من عباءتهما. مرّرا بمهارة قضايا اجتماعية - نفسية كتشويه السمعة، والتملّك، والغيرة، والطموح القاتل، والندم المتأخر، والعقاب المتعدد الأوجه. كلاهما دفع ثمناً على طريقته: «علي» بالموت المُتعمّد كضريبة لكشفه المستور، و«نادين» بالسجن واهتزاز عرشها وبقائها وحيدة مع ما اقترفته يداها (لقطة فضح الجريمة بتدبير منها، رائعة إخراجياً).
يزجّ المسلسل بالطفولة في لعبة الكبار وسقوطهم واحداً تلو الآخر. الأمومة هي الورقة الرابحة الوحيدة على الطاولة. تستعيد «ليلى» ابنتها التي صدّقت أنّ أمها قاتلة وخائنة، فتنجو أولاً من غسل الدماغ، ثم من المكيدة المُدبّرة لتدمير المرأة التي أنجبتها. عناقهما الصادق بعد الجفاء يمسح الأحزان كلها.



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.