«اسكوتلنديارد» تتهم قاتل النائب البريطاني بـ{عمل إرهابي»

علي حربي علي مثل أمام محكمة وستمنستر الجزئية في لندن

مساعد مفوض شرطة العاصمة البريطانية يطلع ممثلي الإعلام على تطورات التحقيق في مقتل النائب عن حزب المحافظين ديفيد أميس خارج مقر «نيو اسكوتلنديارد» في جنوب غربي لندن أمس (أ.ف.ب)
مساعد مفوض شرطة العاصمة البريطانية يطلع ممثلي الإعلام على تطورات التحقيق في مقتل النائب عن حزب المحافظين ديفيد أميس خارج مقر «نيو اسكوتلنديارد» في جنوب غربي لندن أمس (أ.ف.ب)
TT

«اسكوتلنديارد» تتهم قاتل النائب البريطاني بـ{عمل إرهابي»

مساعد مفوض شرطة العاصمة البريطانية يطلع ممثلي الإعلام على تطورات التحقيق في مقتل النائب عن حزب المحافظين ديفيد أميس خارج مقر «نيو اسكوتلنديارد» في جنوب غربي لندن أمس (أ.ف.ب)
مساعد مفوض شرطة العاصمة البريطانية يطلع ممثلي الإعلام على تطورات التحقيق في مقتل النائب عن حزب المحافظين ديفيد أميس خارج مقر «نيو اسكوتلنديارد» في جنوب غربي لندن أمس (أ.ف.ب)

اتهمت الشرطة البريطانية (اسكوتلنديارد)، أمس، علي حربي علي (25 عاماً) بقتل النائب البريطاني ديفيد أميس، الذي طُعن حتى الموت الأسبوع الماضي في كنيسة خلال اجتماع مع ناخبين، قائلة إنه كان عملاً إرهابياً. وصدم مقتل أميس المؤسسة السياسية البريطانية بعد 5 سنوات من مقتل نائب آخر؛ الأمر الذي قاد لمطالبات بزيادة تأمين أعضاء البرلمان. واتُهم علي حربي علي بـ«القتل والإعداد لأعمال إرهابية». وقال نيك برايس، رئيس «شعبة الجرائم الخاصة ومكافحة الإرهاب» في «إدارة الادعاء الملكي»: «سنقول للمحكمة إن لجريمة القتل هذه علاقة إرهابية، وتحديداً دوافع دينية وآيديولوجية».
وأضاف: «كما أنه اتُهم بالإعداد لأعمال إرهابية. يأتي هذا بعد مراجعة للأدلة التي جمعتها شرطة العاصمة في تحقيقها».
ومثل علي، وهو نجل مستشار إعلامي سابق لرئيس وزراء صومالي سابق، أمام محكمة وستمنستر الجزئية بلندن أمس، واكتفى بتأكيد اسمه وعمره وعنوانه. ومددت المحكمة توقيفه على أن يمثل الجمعة أمام محكمة الجنايات (أولد بايلي).
وقال مات جوكس، مساعد مفوض شرطة لندن للعمليات المختصة، إن الاتهامات جاءت بعد عمل مكثف من جانب المحققين. وأضاف: «هناك تكهنات كبيرة في وسائل الإعلام بخصوص خلفية وتاريخ ودوافع الرجل المتهم حالياً». وأوضح أنه لم تجر عمليات اعتقال أخرى، وأن الشرطة لا تجري عمليات بحث عن أي أناس آخرين فيما يتعلق بالجريمة. وكان مقتل أميس، الذي خدم في البرلمان البريطاني لنحو 40 عاماً وحصل على «وسام الملكة إليزابيث الثانية» في عام 2015، صدم بريطانيا، خصوصاً السياسيين، الذين يفخرون بأنهم قريبون من ناخبيهم. وأثار الحادث محادثات على أعلى المستويات حول كيفية حماية الدولة قادتها والتصدي للتطرف في الداخل.
وجاءت جريمة القتل بعد 5 سنوات من إطلاق النار على نائبة حزب العمال جو كوكس وطعنها حتى الموت على يد يميني متطرف. وكانت كوكس أول نائب بريطاني يقتل منذ أن أنهت اتفاقية سلام أعمال عنف واسعة النطاق في آيرلندا الشمالية قبل نحو 30 عاماً. وقالت «مؤسسة جو كوكس»، التي تحمل اسم النائبة العمالية الراحلة، في بيان لها إنها فزعت عقب سماع خبر الطعن. وأضافت المؤسسة الخيرية: «نفكّر في ديفيد أميس، وفي عائلته، ومحبيه في هذا الوقت العصيب». ووصف زعيم حزب العمال المعارض السير كير ستارمر مقتل السير ديفيد بأنه حادث «مروع وصادم».
ونعى وزير الصحة ديفيد أميس، قائلاً إنه كان «رجلاً عظيماً، وصديقاً عظيماً، ونائباً عظيماً، قضى وهو يقوم بدوره الديمقراطي». وكان السير ديفيد، النائب عن دائرة ساوثيند ويست، في لقاء دوري مع ناخبيه يناقش معهم مطالبهم قبل تعرّضه للطعن. كان ديفيد أميس نائباً عن حزب المحافظين نحو 40 عاما دون أن يشغل منصباً وزارياً.
ودخل السير ديفيد البرلمان عام 1983 نائباً عن منطقة باسيلدون التابعة لمقاطعة إسكس. واحتفظ بالمقعد عام 1992، لكنه أصبح نائباً عن دائرة قريبة هي ساوثيند ويست في انتخابات عام 1997. وقال رئيس مجلس العموم السير ليندسي هويل: «أثر هذه الحادثة سيشيع في مجتمع البرلمان وفي أرجاء البلاد كلها».
وحضرت زوجة ديفيد أميس إلى موقع الجريمة الاثنين، ماسحة دموعها خلال قراءتها رسائل التكريم المتروكة إلى جانب باقات من الزهور. وأكّد أفراد عائلة أميس أنهم لا يستطيعون «فهم سبب حدوث هذا الشيء الرهيب». وقالت عائلته في بيان: «يجب ألا يموت أحد بهذه الطريقة». وعبّر عمدة لندن صادق خان عن «حزن عميق»، ووصف السير ديفيد بأنه كان «خادماً مخلصاً للصالح العام». فيما قال زعيم «الديمقراطيين الأحرار» السير إد ديفي إنه كان «يوماً بالغ الصعوبة على صعيد السياسة البريطانية».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟