لوحات في عناق بين «التشكيل» و«النص الأدبي»

من خلال 32 عملاً قدمها معرض «شكل» في الدمام

زائرتان تتفحصان اللوحات الفنية في معرض «شكل»
زائرتان تتفحصان اللوحات الفنية في معرض «شكل»
TT

لوحات في عناق بين «التشكيل» و«النص الأدبي»

زائرتان تتفحصان اللوحات الفنية في معرض «شكل»
زائرتان تتفحصان اللوحات الفنية في معرض «شكل»

عناق حار جمع بين الفن التشكيلي والشعر؛ تمخض عنه قصائد لوحية، وكرنفال أدبي ناطق بريشة فنانين تشكيليين استلهموا أعمالهم من روح الشعر الحداثي المعاصر، فجاءت صاخبة وممتلئة بالحياة.. بهذه الصورة بدا معرض الفن التشكيلي الذي حمل عنوان «شكل»، ويأتي بمشاركة 14 فنانا سعوديا من المنطقة الشرقية، تحت رعاية وكالة الشؤون الثقافية بوزارة الثقافة والإعلام.
ومثلما يقال بأن الشعر صورة ناطقة فإن الرسم هو كذلك شعر صامت، حيث تباهت 32 لوحة فنية بمجاراتها للإيقاع الشعري المصاحب للحدث، في قاعة الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون بالدمام، إذ يقام هذا المعرض على هامش مهرجان بيت الشعر الأول، الذي أطلقته الجمعية مساء السبت الماضي، تحت عنوان «دورة محمد العلي» تكريما للدور الريادي للشاعر العلي ومسيرته الأدبية الزاخرة، وهو ما جعل جنبات المهرجان تضج بالشعر والفن التشكيلي والعروض السينمائية والمسرحية.
هذا كله، أعطى للمعرض التشكيلي روحا مختلفة، خاصة أن قاعة العرض تضمنت مجموعة من الدواوين الشعرية والأعمال الأدبية التي أضفت جوا شاعريا للوحات الفنية التي شكلتها أنامل كلا من: عبد الله الشيخ، منير الحجي، عبد الله المرزوق، زمان جاسم، عبد العظيم شيلي، ميرزا الصالح، بدرية الناصر، قصي العوامي، علي الصفار، عبد الرحمن السليمان، كمال المعلم، عبد المجيد الجاروف، حميدة السنان، غادة الحسن.
من جانبه، يوضح الفنان التشكيلي عبد الرحمن السليمان، أن معظم المشاركين في هذا المعرض هم من الجيل الأول للحراك التشكيلي على مستوى المنطقة الشرقية إلى جانب بعض التجارب الفنية الحديثة من الشباب، مشيرا إلى أن الأعمال المشاركة طغى عليها المزاج الأصيل الذي يمتاز بجذوره وامتداده ويتلاءم مع مناسبة تكريم الشاعر الكبير محمد العلي، مع اختلاف الأساليب والصيغ والشخصية الفنية لكل فنان تشكيلي، بحسب قوله. ويرى السليمان خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن تمازج الفن التشكيلي مع الشعر هو حالة فنية بحد ذاتها، قائلا: «من المفترض ألا نعزل الجوانب الإبداعية عن بعضها، سواء أكانت شعرا أو موسيقى أو فنا تشكيليا أو مسرحا وغيره، فجميعها تصب في نهر واحد»، ويشير السليمان إلى الطابع الحداثي المعاصر الذي انعكس خلال المهرجان في الجانبين (الشعر والفن التشكيلي) بقوله «المستوى العام للمعرض يتماشى مع مسألة الحداثة والتجديد».
ويردف السليمان بالقول: «كثير من الفنانين التشكيليين لهم علاقة بالأدب والشعر من حيث الكتابة»، ويضيف «الفنانين بشكل عام أسسوا لحركة فنية حديثة، وبالتالي تسايرت هذه الحركة مع معظم أنواع الفنون وتمازجت مع بعضها البعض، على مستوى الشعر والقصة والموسيقى وغيره، وأصبح لدينا حالة من التلاقح الفني والأدبي».
أما الفنانة التشكيلية حميدة السنان، فتعبر عن هذا التمازج بالقول: «يأخذ الشعر الحديث أبعادا ومضامين تتواصل مع الصورة المرئية والمسموعة أيضا، فاتحا بذلك آفاقا واسعة لتأملات مختلفة تتعدى زمنا معينا أو أسلوبا بعينه، لذلك يبدو التشكيل وجها آخر للتواصل والتمازج الشعري من حيث اللون والمساحات والأشكال المتناغمة، والتي تبحث في شاعرية الصورة».
وتضيف السنان خلال حديثها لـ«الشرق الأوسط» بالقول: «هي نقطة التقاء بينة وواضحة مع الغالب من قصائد الومضة أو شعر النثر الحديث، لذلك جاء المعرض باكورة فجر شعرية متناغمة مع فعالية بيت الشعر المقام بجمعية الثقافة والفنون في دورته الأولى لتكريم الشاعر محمد العلي».
من جانبها، تشير الفنانة التشكيلية بدرية الناصر، إلى أن وفرة المعارض التشكيلية المقامة في السنوات الأخيرة في مختلف مناطق البلاد هي مؤشر لكون الحراك التشكيلي يعيش في أزهى عصوره في البلاد، قائلة: «في الفترة الأخيرة أصبح هناك حضور للفن التشكيلي ووهج جميل، ففي كثير من المناسبات تتم دعوة الفنانين وتخصيص مكان لأعمالهم، وهذا أمر مبشر».
وتوضح الناصر أن فكرة إقامة هذا المعرض بالتزامن مع مهرجان الشعر وتكريم الشاعر محمد العلي هي خطوة انتظرها الفنانون التشكيليون في المنطقة الشرقية منذ فترة طويلة. وحول اختيار الأسماء التشكيلية المشاركة في المعرض، تفيد بأن بعضهم من جيل الرواد والبعض الآخر ممن لهم تجربة قصيرة، لكنهم أثبتوا أنفسهم من خلال الأعمال الفنية الجميلة، بحسب قولها.
ويأتي هذا المعرض ضمن مهرجان بيت الشعر الأول (دورة محمد العلي)، وهي رعاية تتطلع إلى استعادة الشعر لمكانته في الوجدان، ودعما لطموحات تحاول تقديم الشعر في قالب إبداعي، منفتح على سائر الفنون البصرية والسمعية في صيغة جمالية حديثة.
وأصدرت الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون كتيبا ضم تعريفا بالفنانين المشاركين في المعرض وصورا للوحاتهم. وتعلق لجنة الفنون التشكيلية في الجمعية على هذا المعرض بالقول: «بين مسافة الإيقاع ودلالة الكلمة وبين حدود اللون وفضاءات التصويرية من حيز وملامس وسطوح نسعى هنا لدمج تجليات الكلمة بجمالية اللون، ولأن كل فن هو نتاج قريحة الخيال والحلم الذي يمتد إلى أعماق الذاكرة.. وجميعها تسعى لصون الجمال ومقاومة القبح وترميم النفس البشرية».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».