«الفن أبلغ وسيلة مشتركة للحوار بين الحضارات، بل وأكثرها رقياً وتحضراً»؛ اتجاه يؤمن به الفنان التشكيلي المصري الدكتور طاهر عبد العظيم، الذي اختار الفن التشكيلي ليسلط من خلاله الضوء على سيرة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - التي تعرضت خلال السنوات الماضية إلى محاولات التشويه عبر الرسوم المسيئة وغيرها.
وعبر معرضه الجديد «سيرة ذهبية»، يواصل التشكيلي المصري مشروعه «رؤية تشكيلية للسيرة النبوية»، الذي بدأه في عام 2008، كأول مرحلة منه، من ثمّ كانت مرحلته الثانية في عام 2011، مقدماً خلال هذه المراحل الثلاث أعمالاً فنية مستوحاة من أحداث السيرة النبوية الشريفة، ومواقف من حياة الرسول، مع استلهام بعض القيم والمفاهيم الإنسانية للسيرة.
يضم «سيرة ذهبية» 45 لوحة، وتستضيفه قاعة صلاح طاهر في دار الأوبرا المصرية حتى يوم 24 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، وذلك بالتزامن مع الاحتفال بالمولد النبوي الشريف.
ويقول عبد العظيم لـ«الشرق الأوسط»، «ما دفعني إلى إلقاء الضوء على سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ما تعرّض له من محاولات الإساءة والتشويه من جانب الذين تجاهلوا بالعمد حقيقة أنّه بدأ التنوير حينما كان الجميع يعيش في ظلام، ورفع راية الحوار، ونبذ التعصب في أكثر أوقات التاريخ تطرفاً وعنصرية؛ لذا أردت أن أقوم بدوري كفنان تشكيلي ومن خلال قناعاتي الفكرية أن أبرز الجانب الإنساني في حياته - صلى الله عليه وسلم -، وكيفية التعايش مع الآخر من خلال سيرته العطرة».
ويشير إلى أنّ السيرة لم يتم تناولها في أعمال تشكيلية مشابهة لما يقدمه في معرضه الحالي، فهناك من قدمها في شكل أفلام كارتون أو بشكل صلصال؛ لذا هدفت من خلال مشروعي أن أبيّن للجمهور بعض القيم والتعريف بعظمة الرسول وسماحة الإسلام، وأن أبيّن كذلك لزملائي الفنانين أنّ هناك تراثاً وتاريخاً كبيرين يصلحان لأن يكونا مادة ثرية لإنتاج أعمال تشكيلية».
تركّز الرؤية التشكيلية للسيرة النبوية في المرحلة الجديدة على مشاهد من الهجرة النبوية من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، ومشاهد من غزوة أُحد، ومشاهد أخرى من غزوة الخندق، ولقطات للكعبة المشرفة والمسجد الحرام، بجانب التطرق لبعض المفاهيم الإنسانية من السيرة، وذلك عبر لوحات تصور وتوثق جزءاً من تلك الأحداث. مع اللجوء إلى معالجة بعض موضوعات السيرة بتوظيف تقنيات استخدام اللون الذهبي؛ ما أضفى شعوراً درامياً على سرد الأحداث على سطح اللوحات، ومنه جاء عنوان معرضه «سيرة ذهبية».
وعن تلك التقنية، يقول الفنان «اللون الذهبي هو منطقة جديدة بالنسبة لي، وأعطاني مساحة جديدة وتناولات تشكيلية مستحدثة بأسلوب جديد ومختلف، كما أنّه ليس معتاداً استخدامه لدى الفانيين؛ لذا كان تحدياً لي توظيفه بالشكل الصحيح، فعلى سبيل المثال استخدمه للتعبير عن مولد الرسول، وعلى الرّغم من أنّني قدمت اللوحة من قبل في أول مراحل السيرة، إلا أنّني عدت للموضوع نفسه مجدداً مع تقنية اللون الذهبي، معبراً به عن خروج النور من منازل مكة».
يبدأ المعرض بعمل بانورامي، عبر مجموعة لوحات متصلة منفصلة، ومتسلسلة طبقاً لسير الأحداث تاريخياً، حيث تبدأ اللوحة بـ«عام الفيل» وتحرك جيش أبرهة الحبشي لهدم الكعبة المشرفة، من ثمّ هلاكهم بواسطة الطير الأبابيل وتحولهم عصفاً مأكولاً، مروراً بحال مكة في هذا الوقت، والأشكال المختلفة من العقائد والعبادات التي سادت فيها عبادة الأصنام، وفي العام نفسه كان ميلاد النبي الكريم.
مع التجول في المعرض، نرى نقاط التحول الأساسية في حياة الرسول قبل البعثة، كحادث شق صدره في سن الخامسة في بيت مرضعته السيدة حليمة السعدية، وحادثة نقل الحجر الأسود وتحكيم النبي، من ثم نزول الوحي، مروراً بالجهر بالدعوة وتعرض المسلمين للاضطهاد، وانتهاءً بهجرة الحبشة.
يأمل الفنان المصري أن يستكمل مستقبلاً باقي أحداث السيرة، قائلاً «لم أقدم بعد مراحل السيرة كافة بشكل كامل؛ لأنّها موضوع يصعب الإلمام به، فهي أكبر من أي فنان، وقد استعنت بدار الإفتاء المصرية للإشراف على الجانب المرجعي التاريخي للمشروع؛ لذا أتمنى أن يكون مشروعي بداية محفزة لغيري من الفنانين، وأن تكون السيرة ملهمة لهم يستمدون منها موضوعات تثري أعمالهم».
استلهام «السيرة الذهبية» من حياة الرسول
معرض مصري يضم 45 لوحة للفنان طاهر عبد العظيم
استلهام «السيرة الذهبية» من حياة الرسول
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة