«الصبَّابَّات» ورقة بحثية تروي تقاليد المناسبات الاجتماعية السعودية

إلهام الدوسري: هنّ «العمود الفقري» لأي مناسبة نسائية

«الصبَّابَّات»... فنون في تقديم الخدمات والقهوة (الشرق الأوسط)
«الصبَّابَّات»... فنون في تقديم الخدمات والقهوة (الشرق الأوسط)
TT

«الصبَّابَّات» ورقة بحثية تروي تقاليد المناسبات الاجتماعية السعودية

«الصبَّابَّات»... فنون في تقديم الخدمات والقهوة (الشرق الأوسط)
«الصبَّابَّات»... فنون في تقديم الخدمات والقهوة (الشرق الأوسط)

بين أطياب العود وفناجين القهوة وعبق الهيل وثرثرة الفتيات، تقف «الصبابة» أو مقدمة الخدمة ممثلة رحابة الاستضافة وكرم الضيافة في المناسبات الاجتماعية النسائية.
مشهد «الصبابات» هو مشهد مألوف مصاحب لكل النشاطات الاجتماعية السعودية منذ عقود، ومن هنا تكتب الفنانة إلهام الدوسري ورقتها البحثية باللغتين العربية والإنجليزية بعنوان «الصبابات»، التي أرفقت لها الصورة والفيديو توثيقاً لعادة وجود الصبابة اجتماعياً.
تعتبر إلهام الدوسري الصبابات أو مقدمات الخدمة «العمود الفقري» لأي مناسبة اجتماعية نسائية في المملكة لما يعطي وجودهن أهل المناسبة من وجاهة وتمثيل اجتماعي يطمح له الأفراد، وتمتد جذور فكرة الورقة البحثية إلى طفولة الفنانة إلهام والتي كان يلفتها منظر الصبابات بردائهن الشعبي الأنيق أكثر من منظر العروس في عرسها.
وتحكي الفنانة لـ«الشرق الأوسط» أنها أثناء عمل الورقة البحثية لاقت العديد من ردود الفعل الرافضة للاستفتاء الذي عملت عليه لتطوير بحثها من قبل الصبابات، حيث يفضلن الانطواء في عالم تخفى تفاصيله عن غيرهن، وتقديراً للصبابات ومكانتهن الاجتماعية خصصت الفنانة إلهام الدوسري جزءاً من ريع المشروع لأبنائهم وبناتهم. وتعتبر الفنانة إلهام الدوسري الصبابات نساء لافتات أخلاقياً فهن يشتركن في عامل النزاهة وعزة النفس والأداء المستمد من كرم الضيافة والأصالة واحترام الوقت وتروي الفنانة أن مع كثرة المقابلات مع الصبابات في العاصمة الرياض إلا أن جميعهن اتفقوا على عدم ذكر السيئات أو الذم مما أبهر الفنانة في مستوى الأخلاقيات العالية التي يمتلكنها.
الكثير من المصاريف المادية تطوق المناسبات الاجتماعية في السعودية من زينة وديكور وأطباق للضيافة تروي الفنانة إلهام الدوسري أنه ورغم كثرة الصرف في المناسبات فإن مبالغ الصبابات تعتبر زهيدة، بالإضافة إلى أن العديد من الأشخاص يطلب السعر الأقل وهو القليل في أساسه وهذا ما يترجم التجاهل الاجتماعي للقطاعات الخدمية والتي تصفه الفنانة «بالجارح».
وبسبب الفجوة الاجتماعية التي يخلقها التفاوت الاقتصادي تتمتع الصبابات أو مقدمات الخدمة في المناسبات الاجتماعية بالهدوء والسكون الذي يدفعهن غالباً لعدم خلق أي أحاديث جانبية مع الضيوف، وهذا ما عزز الفضول لدى الفنانة إلهام لتكتشف جوانب مختلفة عن هؤلاء النساء.
تهدف الورقة البحثية «الصبابات»، التي جاءت باللغة العربية والإنجليزية لتوثيق مهنة الصبابات بالكتابة البحثية والصور، بالإضافة إلى نشر بعض من العادات والتقاليد السعودية وتسليط الضوء على أبرزها، وخصوصاً الأثر النسائي منها. الفنانة إلهام الدوسري نشرت ورقتها البحثية «الصبابات» بعد نقطة تحول خاضتها في 2019 والتي تمثلت في فترة إقامة فنية عاشتها في الريف الإسباني خرجت منها بقرارات كان أبرزها ترك عملها ذي الدوام الكامل والتفرغ التام للفن.
وسبق «الصبابات» عمل نحتي يحكي عن نساء العاصمة الرياض في التسعينات الميلادية وكيف أثر عليهن دخول الطابع العمراني الحديث، تقول إلهام: «لن نجد لهؤلاء النساء صوراً أو توثيقاً في وقتها وهذا ما دفعني لتوثيق الصبابات ووجودهم الحالي بين مجتمع المناسبات الاجتماعية».
وتختم إلهام حوارها بأن «النساء السعوديات إلهام بالنسبة لي» و«حتى الآن جميع أعمالي المستقلة كانت مرتبطة بالنساء، ولكن حالياً أعمل على مشاريع مستقبلية مختلفة النمط والمفهوم».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».