الرئيس الإيراني يركز على السياسة الداخلية

جولاته على المحافظات لا تحظى بإجماع

صورة وزعتها الرئاسة الإيرانية لرئيسي خلال استقباله أمس وزير خارجية فنزويلا الذي يزور طهران (إ.ب.أ)
صورة وزعتها الرئاسة الإيرانية لرئيسي خلال استقباله أمس وزير خارجية فنزويلا الذي يزور طهران (إ.ب.أ)
TT

الرئيس الإيراني يركز على السياسة الداخلية

صورة وزعتها الرئاسة الإيرانية لرئيسي خلال استقباله أمس وزير خارجية فنزويلا الذي يزور طهران (إ.ب.أ)
صورة وزعتها الرئاسة الإيرانية لرئيسي خلال استقباله أمس وزير خارجية فنزويلا الذي يزور طهران (إ.ب.أ)

نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن خبراء قولهم إن الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي، يفضل التركيز على تحقيق نتائج ملموسة في السياسة الداخلية بدل الملف النووي الذي قد يطول حله.
وأشارت الوكالة، في تقرير من طهران، أمس، إلى أن إيران خُنقت مالياً بسبب العقوبات التي فرضت عليها في أعقاب انسحاب الولايات المتحدة أحادياً عام 2018 من الاتفاق النووي الدولي بعد ثلاث سنوات من إبرامه في فيينا.
ولا تزال المفاوضات لإعادة إدماج واشنطن في الاتفاق وتخفيف العقوبات متوقفة.
ويرى المختص في الشؤون الإيرانية برنارد أوركيد، أن رئيسي «يسافر عبر المحافظات لأنه يريد أن يعطي صورة مسؤول كبير براغماتي يبحث عن حلول على الأرض». ويوضح مؤلف كتاب «الجغرافيا السياسية لإيران» أن «همه الأساسي هو منع أي اضطرابات، وهو يعلم أنه في ظل الوضع الاقتصادي المتوتر، تبدأ شرارات محلية تنتشر إذا لم يتوخ الحذر». ويضيف: «لذلك يجب أن يكون منتبهاً جداً ويجري زيارات لمراقبة الوضع عن كثب» في البلاد.
ومنذ تنصيبه في أغسطس (آب)، اتخذ الرئيس الجديد مقاربة معاكسة لتلك التي توخاها سلفه حسن روحاني، الذي ركز إلى حد كبير على الاتفاق النووي. وأوكل رئيسي هذا الملف إلى وزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان.
ويؤكد دبلوماسي غربي، طلب عدم كشف اسمه، أنه «يعلم أن الوصول إلى اتفاق حول النووي قد يستغرق وقتاً لغياب الإجماع بين المسؤولين عن الملف في إيران»، لذلك «يفضل إثبات نفسه في السياسة الداخلية». ويتابع: «إنه تكنوقراطي يريد أن يعطي صورة على الجدية والفاعلية»، حسب ما جاء في تقرير الوكالة الفرنسية.
يجوب إبراهيم رئيسي البلاد في عطلات نهاية الأسبوع. وقال المسؤول المحافظ الذي قضى معظم مسيرته المهنية في القضاء إن «زياراتي رفقة وزراء في المحافظات تهدف إلى التعرف على مشكلات السكان». وأوضح الأسبوع الماضي في محافظة بوشهر جنوب البلاد: «نريد خلق فرص عمل وتحفيز الإنتاج وحل المشاكل، خصوصاً التي يعانيها الفقراء».
وفي بلد سجل أعلى معدل وفيات جراء «كوفيد - 19» في المنطقة، عزز رئيسي التطعيم بشكل كبير. ومنذ أغسطس، ارتفع معدل السكان الذين تم تلقيحهم من 3.8 في المائة إلى أكثر من 20 في المائة. وفي الشهرين الماضيين، قام الرئيس الإيراني بسبع زيارات إلى المحافظات، وهو أداء مشابه لأداء الرئيس الشعبوي الأسبق محمود أحمدي نجاد (في السلطة من 2005 إلى 2013) الذي كان كثير التنقل، وفق ما يلاحظ صحافي إيراني، طلب عدم كشف اسمه لوكالة الصحافة الفرنسية. وبدأت زيارات رئيسي بمحافظة خوزستان غرب البلاد، التي شهدت اضطرابات بسبب نقص المياه. تلتها محافظة سيستان بلوشستان شرق إيران، التي تعاني من تردي البنية التحتية.
ويوضح خبير اقتصادي أوروبي لوكالة الصحافة الفرنسية، أن الرئيس الإيراني لا يبخل بتقديم الوعود، نتيجة اقتناعه بأنه سيتم التوصل إلى اتفاق حول الملف النووي على المدى الطويل، وإن كان جزئياً، وأنه سيتم رفع قسم من العقوبات.
وزار رئيسي محافظة شيراز جنوب البلاد، الخميس، وتوجه إلى مصنع شهير للأجهزة المنزلية مغلق منذ 13 عاماً. وتساءل هناك: «إذا لم أزره، من غيري يمكنه محاولة إعادة فتحه؟».
يحذر الأستاذ الإيراني في جامعة كاليفورنيا محمد ساحيمي، من أن «الناس قد يعجبون بما يسمعونه، ولكن يمكن أن يغضبوا إذا لم يتحقق الوعد». وأضاف: «إذا لم يتحسن الاقتصاد سريعاً، قد ينقلب الناس ضده».
ورغم إشادة الصحف المحافظة بمبادرات رئيسي، إلا أن زياراته لا تحظى بالإجماع. وقالت صحيفة «كيهان» اليومية مرحبة «نرى رئيساً لا يحتاج إلى عربة مصفحة لفهم الوضع. يتنقل من محافظة إلى أخرى للتعرف على مشاكل الناس». في المقابل، تبنت صحيفة «اعتماد» نهجاً انتقادياً، واعتبرت أن «هذه الزيارات لن تحل مشاكل الناس (...) فضلاً عن أن الحل ليس في يد شخص واحد، وإن كانت يد الرئيس».
إلى ذلك، أكد الرئيس الإيراني أمس خلال استقباله وزير الخارجية الفنزويلي في طهران أن بلاده تريد جعل دول أميركا اللاتينية إحدى «أولويات» علاقاتها التجارية. وقال إبراهيم رئيسي إن «أميركا اللاتينية، خصوصاً فنزويلا، من أولويات الدبلوماسية الاقتصادية للجمهورية الإسلامية الإيرانية، ونحن عازمون على تطوير علاقاتنا مع هذه الدول»، وفق ما نقلت عنه وكالة «إرنا» بالعربية. ووصل وزير الخارجية الفنزويلي فيليكس بلاسينثيا، على رأس وفد إلى طهران للقاء مسؤولين إيرانيين، حسب المصدر ذاته.



قائد «الحرس الثوري»: يجب استخلاص العبر... وسوريا ليست مكاناً للتدخل الأجنبي

سلامي متحدثاً خلال مراسم في طهران أمس (دانشجو)
سلامي متحدثاً خلال مراسم في طهران أمس (دانشجو)
TT

قائد «الحرس الثوري»: يجب استخلاص العبر... وسوريا ليست مكاناً للتدخل الأجنبي

سلامي متحدثاً خلال مراسم في طهران أمس (دانشجو)
سلامي متحدثاً خلال مراسم في طهران أمس (دانشجو)

قال قائد قوات «الحرس الثوري» الإيراني حسين سلامي إن سوريا تمثل «درساً مريراً لإيران» و«ليست مكاناً للتدخل الأجنبي»، متوعداً إسرائيل بـ«دفع ثمن باهظ»، وذلك في ثالث خطاب له منذ سقوط بشار الأسد وانسحاب قواته من سوريا.

ودعا سلامي إلى استخلاص العبر مما حدث في سوريا؛ في إشارة إلى الإطاحة بنظام الأسد على يد قوى المعارضة، وكذلك القصف الإسرائيلي الذي تعرضت له سوريا، وقال: «سوريا درس مرير لنا، ويجب أن نأخذ العبرة».

وأنفقت إيران مليارات الدولارات لدعم بشار الأسد خلال الحرب، ونشرت قوات «الحرس الثوري» في سوريا لإبقاء حليفها في السلطة منذ اندلاع الحرب الأهلية في عام 2011.

ودافع سلامي مرة أخرى، عن تدخل قواته في سوريا. ونقلت وكالة «فارس» التابعة لـ«الحرس الثوري» عن سلامي قوله، في هذا الصدد، «رأى الجميع أنه عندما كنا هناك، كان الشعب السوري يعيش بكرامة؛ لأننا كنا نسعى لرفع عزتهم».

وصرح سلامي في مراسم تقديم جائزة قاسم سليماني: «لم نذهب لضم جزء من أراضي سوريا إلى أراضينا، ولم نذهب لنجعلها ميداناً لتحقيق مصالحنا الطموحة».

وتطرق إلى الهجمات الإسرائيلية التي طالت مواقع الجيش السوري في الأيام الأخيرة بعد سقوط نظام بشار الأسد، وقال: «حين سقط النظام السوري، رأينا ما يحدث من أحداث مؤسفة. الصهاينة أصبحوا قادرين على رؤية ما بداخل بيوت أهل دمشق من دون الحاجة إلى أسلحة؛ وهذا أمر لا يمكن تحمله».

وقال: «الآن ندرك أنه إذا لم يصمد الجيش ولم تقاوم القوات المسلحة، فإن البلاد بأكملها قد تُحتل في لحظة»، وأعرب عن اعتقاده بأن «الناس في دمشق يفهمون قيمة رجال المقاومة، ويدركون كم هم أعزاء عندما يكونون موجودين، وكيف ستكون الكارثة إذا غابوا».

وأشار سلامي إلى تصريحات المرشد علي خامنئي بشأن سوريا قبل أيام، وقال: «كما قال قائدنا، فإن سوريا ستحرر على يد شبابها الأبطال، وستدفع إسرائيل ثمناً باهظاً، وستدفن في هذه الأرض».

ورأى أن هذا الأمر «يتطلب وقتاً وصموداً عظيماً وعزماً راسخاً وإيماناً جميلاً»، عاداً ذلك من صفات من وصفهم بـ«الشباب المجاهدين في العالم الإسلامي».

وقال سلامي: «نحن ندافع بحزم عن أمننا واستقلالنا ونظامنا ومصالحنا وتاريخنا وديننا. هذه الأرض ليست أرضاً يمكن للغرباء أن ينظروا إليها بنظرة غير لائقة».

وتحدث سلامي الأسبوع الماضي مرتين إلى نواب البرلمان وقادة قواته. وكان أول ظهور لسلامي الثلاثاء أمام المشرعين الإيرانيين في جلسة مغلقة، لم يحضرها إسماعيل قاآني، مسؤول العمليات الخارجية في «الحرس الثوري»، ونقل نواب إيرانيون قوله إن إيران «لم تضعف» إقليمياً.

أما الخميس، فقد تحدث سلامي أمام مجموعة من قادة قواته، وقال: «البعض يّروج لفكرة أنَّ النظام الإيراني قد فقد أذرعه الإقليمية، لكن هذا غير صحيح، النظام لم يفقد أذرعه». وأضاف: «الآن أيضاً، الطرق لدعم (جبهة المقاومة) مفتوحة. الدعم لا يقتصر على سوريا وحدها، وقد تأخذ الأوضاع هناك شكلاً جديداً تدريجياً».

وتباينت رواية سلامي مع رئيس البرلمان، محمد باقر قاليباف، الذي تحدث بدوره الخميس، عن «الاختلال في العمق الاستراتيجي للقوى المرتبطة بالجمهورية الإسلامية»، رغم أنه توقع أن يتمكن «حزب الله» من التكيف مع الظروف الجديدة.

جاءت تصريحات سلامي، الأحد، في وقت ركزت وسائل إعلام «الحرس الثوري» على حملتها في تبرير الوجود الإيراني خلال الحرب الداخلية السورية، وكذلك سقوط نظام بشار الأسد وتداعياته على إيران وأذرعها الإقليمية.

بعد صمت دام أكثر من 48 ساعة من قبل الإعلام الإيراني إزاء الاحتفالات التي عمت سوريا، وخصوصاً دمشق، بسقوط النظام، كما لم تنشر أي من الصحف الإيرانية صوراً على صفحاتها الأولى من الاحتفالات، أبرزت عدد من الصحف في المقابل آثار القصف الإسرائيلي على مواقع عسكرية سورية، وصوراً من كبار المسؤولين في تركيا، والمعارضة السورية.

على المستوى الرسمي ألقت إيران منذ أولى لحظات سقوط الأسد، اللوم على الجيش السوري، وتركيا والولايات المتحدة وإسرائيل في سقوط حليفها.

قاآني خلال تشييع الجنرال عباس نيلفروشان في طهران 15 أكتوبر 2024 (أ.ب)

خالي الوفاض

قال النائب إسماعيل كوثري، مسؤول الملف العسكري في لجنة الأمن القومي، إن «بشار الأسد كان خالي الوفاض ولم يتمكن من كسب رضا الجيش».

وصرح كوثري، وهو قيادي في «الحرس الثوري»، بأن بشار الأسد «فشل في كسب دعم الجيش بسبب افتقاره للموارد وضعف الدعم، ما أدى إلى انهيار الجيش». وأكد أن الاتصال مع إيران استمر حتى اللحظة الأخيرة، لكن بعض المحيطين بالأسد، مثل رئيس الوزراء وبعض قادة الجيش، عرقلوا هذا التواصل.

وأوضح كوثري أن سوريا كانت نقطة عبور وطريقاً مهماً لدعم «حزب الله»، ولكن بعد رفض الحكومة السورية السماح بالدخول، لم تتمكن إيران من التدخل بالقوة. وأضاف أنه خلال فترة «داعش»، دخلت إيران سوريا بناءً على طلب رسمي وساهمت في القضاء على التنظيم، ما حال دون تمدده نحو الحدود الإيرانية.

وتحدث عن الوضع الحالي، مشيراً إلى أن سوريا ما زالت تحت سيطرة «الكيان الصهيوني وأميركا وعملائهم». وبشأن المستقبل، توقع ظهور خلافات «بين القوى التي اجتمعت بأموال أميركية»، مما سيدفع الشعب السوري إلى إدراك الخداع والبحث عن جهات قادرة على تحقيق الأمن وتحسين الاقتصاد.

ملصقات تحمل صورة زاهدي ونائبه محمد هادي حاجي رحيمي خلال مجلس عزاء في السفارة الإيرانية بدمشق أبريل الماضي (أ.ف.ب)

خسائر «الحرس الثوري»

في سياق متصل، قال الجنرال مهدي فرجي، الذي شارك في الحرب السورية، في حديث لوكالة «فارس»، إن إيران بدأت في إرسال القوات «الاستشارية» منذ 2011، مشدداً على ضرورة «تفسير الأوضاع التي كانت في سوريا حينذاك».

وبرر فرجي وجود إيران بظهور تنظيم «داعش» ومنع وصولها إلى حدود إيران. وأشار إلى دور مسؤول العمليات الخارجية السابق قاسم سليماني، الذي قضى في ضربة أميركية مطلع 2020، وقال: «تنسيق الجيش السوري كان عملاً ذا قيمة كبيرة، حينها لم يكن الجيش السوري ملوثاً إلى هذا الحد، ولكن خلال هذه السنوات العشر، أصبح تأثير العدو على الجيش السوري كاملاً».

كما أشار فرجي إلى الدعم الذي قدمه الرئيس السوري السابق، حافظ الأسد إلى طهران، في الحرب الإيرانية - العراقية في الثمانينات قرن الماضي. وقال: «لقد أرسلت ذخائر بناء على أمر حافظ الأسد»، ونقل عن بشار الأسد قوله: «حافظ الأسد أوصى ابنه بشار قائلاً: طالما أنكم مع إيران، فأنتم موجودون».

وقال فرجي إن الشباب تحت الـ30 شكلوا 90 في المائة من القوات الإيرانية، ونحو 10 في المائة من المحاربين القدامى في حرب الثمانينات؛ في إشارة إلى قادة «الحرس».

وقال إن «الشباب شكلوا أكثر من 90 في المائة من 540 قتيلاً في الدفاع عن الأضرحة».

وهذه أول مرة قيادي من «الحرس الثوري» يشير إلى مقتل أكثر 500 إيراني في الحرب السورية. وهي نسبة أقل بكثير مما أعلنه نائب إيراني الأسبوع الماضي عن مقتل أكثر من ستة آلاف.

وقال النائب محمد منان رئيسي، وهو مندوب مدينة قم، إن إيران خسرت 6000 من قواتها في الحرب الداخلية السورية. وهي أعلى إحصائية يكشف عنها مسؤول إيراني لعدد قتلى القوات التي أطلق عليها مسؤولون إيرانيون اسم «المدافعين عن الأضرحة».

وتعود أعلى إحصائية إلى 2017، عندما أعلن رئيس منظمة «الشهيد» الإيرانية محمد علي شهيدي، مقتل 2100 عنصر من القوات الإيرانية في سوريا والعراق.

ويرفض «الحرس الثوري» تقديم إحصائيات واضحة عن خسائره البشرية والمادية.