هل يحضّر المرزوقي للعودة إلى السلطة من باب معارضة سعيّد؟

المنصف المرزوقي (غيتي)
المنصف المرزوقي (غيتي)
TT

هل يحضّر المرزوقي للعودة إلى السلطة من باب معارضة سعيّد؟

المنصف المرزوقي (غيتي)
المنصف المرزوقي (غيتي)

بعد أفول نجمه في السنوات الأخيرة، صار الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي، المقيم في فرنسا، الصوت المعارض الأبرز في وجه رئيس تونس الحالي قيس سعيّد، وذلك منذ إصداره قرارات 25 يوليو (تمّوز) الماضي، ما يعزز فرضيات عودته للساحة السياسية، حسب محلّلين.
ودخل المرزوقي في مواجهة مفتوحة مع سعيّد، داعياً إلى عزله، بينما تبنت الأحزاب التقليدية في تونس، على غرار حركة النهضة، التي تعد كبرى الكتل النيايية في البرلمان المجمّد، موقفاً أقل حدة، وتركت مجالاً للحوار والنضال السلمي.
وتصاعدت وتيرة الاتهامات بين الرجلين خلال الأيّام الأخيرة، بعد أن وصف المرزوقي الرئيس سعيّد، سواء في بياناته الرسمية أو خلال ظهوره المتكرر في الإعلام، «بالديكتاتور» و«الانقلابي». كما دعا فرنسا إلى عدم دعمه «في إطار احترام السيادة الوطنية التونسية»، لأنه «انقلب على الثورة».
وقد أثارت هذه التصريحات حفيظة سعيّد، الذي ردّ في أول مناسبة، متهماً المرزوقي «بالتآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي»، وقرّر سحب جواز سفره الدبلوماسي، مطالباً وزيرة العدل بفتح تحقيق قضائي ضده. غير أن المرزوقي أبدى عدم اكثراث، وقال إنه «غير معني بأي قرار يصدر من هذه السلطات غير الشرعية». لكن هل تعني هذه الخرجات أن المرزوقي يمهد من خلالها للعودة إلى المشهد السياسي التونسي؟
يقول المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي، إن طموح المرزوقي هو «أن يكون الصوت الأعلى من داخل المعارضة، ويطمح إلى أن يقود العملية السياسية». غير أن أستاذ التاريخ المعاصر، عبد اللطيف الحناشي، يستبعد في تصريحه لوكالة الصحافة الفرنسية عودة المرزوقي، قائلاً: «لا أعتقد أن يكون رمزاً للمعارضة»، في إشارة إلى تراجع كبير لشعبيته السياسية.
ومنذ إعلان قرارات ما يسميه «انقلاب» 25 يوليو، صار المرزوقي «مجنّداً» لقضية «عودة الشرعية»، ودعم القوى المعارضة. لكنه يؤكد في المقابل أنه «يتفادى الظهور رفعاً لكل تأويل عن الركوب على الأحداث، والإعداد للعودة للسلطة».
ويضيف الجورشي معلّقاً على ظهور المرزوقي كمعارض شرس للرئيس سعيد: «لقد برز في الفترة الأخيرة كرئيس سابق معارض للرئيس الحالي. والمنصف المرزوقي ليس لديه ما يخسره»، مقارنة بباقي الأحزاب السياسية كحركة النهضة، التي ما زالت «تحافظ على مسافة مع سعيّد»، والتي دائماً ما تدعو في بياناتها الرسمية سعيّد للعدول عن قراراته، والعودة إلى المسار الديمقراطي.
ويعد الجورشي أن الوضع الراهن يسمح للمرزوقي بعودة قوية للحياة السياسية، بعد أن قرّر الانسحاب منها. فيما يؤكد الحناشي أن بروز المرزوقي من جديد له ما يبرره؛ «أولاً لاسمه كرئيس دولة سابق، له علاقات خارجية واسعة، وثانياً لتاريخه النضالي في مجال حقوق الإنسان والحريات»، مضيفاً: «المرزوقي يحاول العودة إلى الحياة السياسية، والنهضة من صالحها أن تدفعه للواجهة، وأن يلعب هو الدور الذي من المفروض أن تلعبه».
لكن علاقة المرزوقي بالنهضة توترت منذ خروجه من سدة الحكم، إثر انتخابات 2014 التي لم تدعمه فيها الحركة التي كانت حليفته سابقاً، بعد تمكنه من المرور إلى الدور الثاني في مواجهة الرئيس الراحل السابق الباجي قائد السبسي. وعلى أثر ذلك أسس حزب «الإرادة»، ثم تقلص ظهوره الإعلامي، واقتصر على مواقف في مواقع التواصل الاجتماعي.
وإلى اليوم، يدعو المرزوقي إلى «إزاحة رجلين»، هما سعيّد ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي «عن طريق تونس، وإلا فإنهما سيتسببان في خراب الوطن».
في هذا السياق يوضح الحناشي أن «من صالح المرزوقي أن يسترجع شعبيته»، التي تراجعت منذ قراره الابتعاد بعد انتخابات 2019.
والمرزوقي من الشخصيات السياسية التي تثير الجدل، ويعرف بصلابة مواقفه التي لم تتغير. وكان معارضاً شديداً لحكم الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، قبل أن تطيح بنظامه ثورة 2011. وقد استقر في فرنسا، وكان ممنوعاً من الرجوع إلى تونس، التي عاد إليها بعد الثورة ليتولى رئاسة البلاد لاحقاً.



«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
TT

«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)

ما زال حزب «الجبهة الوطنية» المصري الجديد يثير انتقادات وتساؤلات بشأن برنامجه وأهدافه وطبيعة دوره السياسي في المرحلة المقبلة، خاصة مع تأكيد مؤسسيه أنهم «لن يكونوا في معسكر الموالاة أو في جانب المعارضة».

وكان حزب «الجبهة الوطنية» مثار جدل وتساؤلات في مصر، منذ الكشف عن اجتماعات تحضيرية بشأنه منتصف الشهر الماضي، انتهت بإعلان تدشينه في 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وتمحورت التساؤلات حول أسباب ظهوره في هذه المرحلة، وهل سيكون بديلاً لحزب الأغلبية في البرلمان المصري (مستقبل وطن)، لا سيما أن مصر مقبلة على انتخابات برلمانية نهاية العام الجاري.

هذه التساؤلات حاول اثنان من مؤسسي الحزب الإجابة عنها في أول ظهور إعلامي مساء السبت، ضمن برنامج «الحكاية» المذاع على قناة «إم بي سي»، وقال وكيل مؤسسي حزب «الجبهة الوطنية» ووزير الإسكان المصري السابق عاصم الجزار، إن «الحزب هو بيت خبرة هدفه إثراء الفكر وإعادة بناء الوعي المصري المعاصر»، مؤكداً أن الحزب «لا يسعى للأغلبية أو المغالبة، بل يستهدف التأثير النوعي وليس الكمي».

وأضاف: «هدفنا تشكيل تحالف من الأحزاب الوطنية القائمة، إذ لن نعمل وحدنا»، معلناً استعداد الحزب الجديد، الذي لا يزال يستكمل إجراءات تأسيسه رسمياً، للتحالف مع «أحزاب الأغلبية مستقبل وطن وحماة وطن والمعارضة والمستقلين أيضاً بهدف خدمة المصلحة الوطنية»، مستطرداً: «لن نكون أداة لتمرير قرارات، بل أداة للإقناع بها».

وشدد الجزار على أن «الحزب لا ينتمي لمعسكر الموالاة أو للمعارضة»، وإنما «نعمل لمصلحة الوطن».

وهو ما أكده رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات» بمصر وعضو الهيئة التأسيسية لحزب «الجبهة الوطنية»، ضياء رشوان، الذي قال: «سنشكر الحكومة عندما تصيب ونعارضها عندما تخطئ»، مشيراً إلى أن «مصر ليس لها حزب حاكم حتى يكون هناك حديث عن موالاة ومعارضة».

الانتقادات الموجهة للحزب ارتبطت بتساؤلات حول دوره في ظل وجود نحو 87 حزباً سياسياً، وفق «الهيئة العامة للاستعلامات»، منها 14 حزباً ممثلاً في البرلمان الحالي، يتصدرها حزب «مستقبل وطن» بأغلبية 320 مقعداً، يليه حزب «الشعب الجمهور» بـ50 مقعداً، ثم حزب «الوفد» بـ39 مقعداً، وحزب «حماة الوطن» بـ27 مقعداً، وحزب «النور» الإسلامي بـ11 مقعداً، وحزب «المؤتمر» بـ8 مقاعد.

ورداً على سؤال للإعلامي عمرو أديب، خلال برنامج «الحكاية»، بشأن ما إذا كان الحزب «طامحاً للحكم ويأتي بوصفه بديلاً لحزب الأغلبية»، قال رشوان: «أي حزب سياسي يسعى للحكم، لكن من السذاجة أن نقول إن حزباً يعمل على إجراءات تأسيسه اليوم سيحصد الأغلبية بعد 8 أو 10 أشهر»، مشيراً إلى أن «الحزب لن يعيد تجارب (الهابطين من السماء)». واستطرد: «لن نسعى للأغلبية غداً، لكن قد يكون بعد غد».

وأضاف رشوان أن «الحزب يستهدف في الأساس إعادة بناء الحياة السياسية في مصر بعد فشل تجربة نظام الحزب الواحد في مصر منذ عام 1952»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إحياء تحالف 30 يونيو (حزيران)»، لافتاً إلى أن «التفكير فيه هو ثمرة للحوار الوطني الذي أثار زخماً سياسياً».

طوال ما يزيد على ساعة ونصف الساعة حاول الجزار ورشوان الإجابة عن التساؤلات المختلفة التي أثارها إعلان تدشين الحزب، والتأكيد على أنه «ليس سُلمة للوصول إلى البرلمان أو الوزارة»، وليس «بوابة للصعود»، كما شددا على أن «حزب الجبهة يضم أطيافاً متعددة وليس مقصوراً على لون سياسي واحد، وأنه يضم بين جنباته المعارضة».

وعقد حزب «الجبهة الوطنية» نحو 8 اجتماعات تحضيرية على مدار الأسابيع الماضي، وتعمل هيئته التأسيسية، التي تضم وزراء ونواباً ومسؤولين سابقين، حالياً على جمع التوكيلات الشعبية اللازمة لإطلاقه رسمياً.

ويستهدف الحزب، بحسب إفادة رسمية «تدشين أكبر تحالف سياسي لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، عبر صياغة تفاهمات سياسية واسعة مع الأحزاب الموجودة»، إضافة إلى «لمّ الشمل السياسي في فترة لا تحتمل التشتت».

ومنذ إطلاق الحزب تم ربطه بـ«اتحاد القبائل والعائلات المصرية» ورئيسه رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، حتى إن البعض قال إن «الحزب هو الأداة السياسية لاتحاد القبائل». وعزز هذه الأحاديث إعلان الهيئة التأسيسية التي ضمت رجل الأعمال عصام إبراهيم العرجاني.

وأرجع الجزار الربط بين الحزب والعرجاني إلى أن «الاجتماعات التحضيرية الأولى للحزب كانت تجري في مكتبه بمقر اتحاد القبائل؛ كونه أميناً عاماً للاتحاد»، مؤكداً أن «الحزب لا علاقة له باتحاد القبائل». وقال: «العرجاني واحد من عشرة رجال أعمال ساهموا في تمويل اللقاءات التحضيرية للحزب». وأضاف: «الحزب لا ينتمي لشخص أو لجهة بل لفكرة».

وحول انضمام عصام العرجاني للهيئة التأسيسية، قال رشوان إنه «موجود بصفته ممثلاً لسيناء، ووجوده جاء بترشيح من أهل سيناء أنفسهم».

وأكد رشوان أن «البعض قد يرى في الحزب اختراعاً لكتالوج جديد في الحياة السياسية، وهو كذلك»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إعادة بناء الحياة السياسية في مصر التي يقول الجميع إنها ليست على المستوى المأمول».

بينما قال الجزار: «نحن بيت خبرة يسعى لتقديم أفكار وحلول وكوادر للدولة، ونحتاج لكل من لديه القدرة على طرح حلول ولو جزئية لمشاكل المجتمع».

وأثارت تصريحات الجزار ورشوان ردود فعل متباينة، وسط تساؤلات مستمرة عن رؤية الحزب السياسية، التي أشار البعض إلى أنها «غير واضحة»، وهي تساؤلات يرى مراقبون أن حسمها مرتبط بالانتخابات البرلمانية المقبلة.

كما رأى آخرون أن الحزب لم يكن مستعداً بعد للظهور الإعلامي.

بينما أشار البعض إلى أن «الحزب ولد بمشاكل تتعلق بشعبية داعميه»، وأنه «لم يفلح في إقناع الناس بأنه ليس حزب موالاة».

وقال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عمرو الشوبكي لـ«الشرق الأوسط» إن «الحزب قدم حتى الآن كلاماً عاماً دون تصور أو رؤية واضحة للإصلاح التدريجي»، موضحاً أنه «من حيث المبدأ من حق أي جماعة تأسيس حزب جديد».

وبينما أكد الشوبكي أن ما عرضه المسؤولون عن الحزب الجديد بشأن «عدم طموحه للحكم لا يختلف عن واقع الحياة السياسية في مصر الذي يترك للدولة تشكيل الحكومة»، مطالباً «بتفعيل دور الأحزاب في الحياة السياسية»، فالمشكلة على حد تعبيره «ليست في إنشاء حزب جديد، بل في المساحة المتاحة للأحزاب».