الطيور تحكم وتكتب التاريخ بمخيلة روائية

عبد الرحيم كمال يستدعي أجواء الليالي في «أبناء حورة»

الطيور تحكم وتكتب التاريخ بمخيلة روائية
TT

الطيور تحكم وتكتب التاريخ بمخيلة روائية

الطيور تحكم وتكتب التاريخ بمخيلة روائية

عالم من الخرافة والفانتازيا يسيطر على أجواء رواية «أبناء حورة» للروائي المصري عبد الرحيم كمال، الصادرة حديثا عن دار «الكرمة» للنشر بالقاهرة، فالسرد يطرق أبواب مستقبل يبدو من اللحظة الأولى مكتسيا بملامح حجرية وبدائية، حيث البشر قد تقزموا في مقابل الحيوانات والحشرات، ويبدون كأنهم في ساحة حرب لفرض السيادة بين فريق منهم والكائنات الأخرى. يُبرز السرد ملامح تلك البدائية بكل غرائبيتها عبر تطويع اللغة للروح التراثية الأقرب لحكايات «ألف ليلة وليلة» وقالبها السردي المسترسل المنغم: «وحين ترك الإنسان الشوارع في السنة الثلاثين بعد الألفين والتزم بيته، لم تستعد الأرض عافيتها فقط، بل استعادت أيضاً حشرات وحيوانات عافيتها بقدر مبالغ فيها».
تقع الرواية في 421 صفحة، وتنقسم إلى ثلاثة أبواب رئيسية هي: «حورة»، و«نور وحور» و«الراصدة»، وهي أبواب متصلة تبدأ فيها الحكاية فور ولوج بابها الأول، لتتناسل لعدد لانهائي من الحكايات، يتدفق سريانها وصولاً للباب الأخير في الرواية. فيما تبدو الأحداث وكأنها تفجرت من قلب بيضة ضخمة مسحورة، تشبه البيضة التي كان يتداول ذكرها في الحكايات القديمة عن طيور الرُخ الأسطورية، ويتكشف سر تلك البيضة النباضة، التي تثير قلق البشر وحيرتهم بعد أن يجدوها تنتصف ميدانا بالقاهرة، حتى يخرج منها «الأطفال السبعة» أو «العمالقة السبعة»، بأذرع وأيدي وأقدام ورؤوس طيور.
ويمعن الكاتب في تنويع مسارات الخرافة، بل يوظفها بشك فانتازي كأحد مقومات السرد ونمو الصراع، فلا نلبث أن نكتشف أن تلك البيضة هي واحدة من بين أربع بيضات تستقر كل واحدة منها في عاصمة مختلفة، تحوم أمهم «حورة» بأجنحة طير وبوجهها البشري الفاتن، لتتفقد أبناءها المتفرقين بين الأمكنة، ووسط ذهول البشر من تلك الكائنات العجيبة التي استقبلوها بكل الرعب والهلع، ينطق أخيراً هؤلاء العمالقة بوصفهم «أبناء السيدة حورة» وأنهم سيحكمونهم بالعدل لسبع سنوات، وكذلك بالعقاب لمن يخطئ أو يكذب.
يبدو خطاب «أبناء حورة» أقرب لتراتيل «المدينة الفاضلة»، وسط انصياع كامل من البشر لصالح الطير الحاكم، بكل ما أوتوا من ملكات تُمكنهم من الاطلاع على نوايا البشر ومراوغاتهم في ذلك العصر العجيب، الذي لا مكان فيه لوسائل التواصل الاجتماعي، ولا وسائل الإعلام، أو العلامات التجارية أو الصور الفوتوغرافية، ليتصاعد لغز التاريخ الذي وصل بجميع الأطراف لهذا المشهد المُقفر، الذي لا تخلو غرابته من ديستوبيا صارخة. في هذا الجو يصبح تذكر التاريخ ونسج عباءته مُهمة شاقة. ويقوم «أبناء حورة» بتكليف أحد السكان بمهمة استدعاء التاريخ وتدوينه، وينضم له فيما بعد شخص آخر، فيقومان بتدوين كتاب تاريخ بلغة أقرب للغة «الجبرتي» الحكائية، فتظهر في هذا الكتاب مشاهد عن «الوباء الكبير كورونا»، ومشاهد أخرى تتسم بلغة التدوين التراثية: «حدث أنه في يوم الخامس من يوليو (تموز) من السنة السادسة والتسعين وتسعمائة بعد الألف، استطاع الإنسان أن يستنسخ نعجة اسمها دوللي، وعاشت تلك النعجة المستنسخة سبع سنوات». يصبح عالم «أبناء حورة» بكل فانتازيته وكأنه نسخة مستقبلية رديفة لديستوبيا الواقع المعاصر، الذي لا تقل فيه أعاجيب «كورونا» والنعجة دوللي عن حكم طير للبشر، ليُحلق الخيال الروائي بين عالمي الماضي والمستقبل.
يبدأ عالم التاريخ الجديد الذي يُكتب في زمن «أبناء حورة» في احتلال مساحات متفرقة من السرد، فيصير بكل مفارقاته وعبثيته كأنه كان تمهيداً لمستقبل غارق في عجائبيته وكوابيسه، وتصبح قراءة مقاطع التاريخ التي هي في الأساس فصول من زمننا المعاصر، أقرب لتأمل حاضرنا البشري بعين سحرية بعيدة. في الوقت نفسه، تصبح الكتابة في حد ذاتها وسيلة لاستعادة الوجه البشري الحالم، عبر استعادة الحكايات المنسية والبحث في ثناياها عن تفاصيل تربطهم بحكايات أجدادهم بما فيها ذكريات السينما، ومباريات كرة القدم: «واصل حليم الخردواتي الكتابة وهو يشعر بحماس غير عادي، فمنذ أن شرع في الكتابة عن الماضي أدرك أنه يؤدي مهمة مُقدسة، ليس فقد من أجل الزعماء السبعة ولكن من أجل العالم أجمع، العالم الذي نسي الماضي». نكتشف بالتدريج قصة «حورة» التي خرجت من رحمها حكايات الطيور العملاقة الممتدة بين الدول، وملامح الأسطورة التي جمعت بينها وبين حبيبها البشري، لتصير على مدار الرواية حكاية شفاهية تتناقلها الجموع وتستخلص منها العِبرة: «ثوب الحب لا يُصنع إلا بخيوط من عجب».
الرواية تتمتع بحيوية سردية، حيث تتنقل الأمكنة بين البر للجو، وصولاً للغابات والبحار، ويفسح الفضاء المكاني مزيداً من التأملات حول الوجود، والحب، والإنسانية، والزيف، ودائماً تكون تلك التأملات «محلقة»: «الأسئلة مُعلقة في أجنحة الطير»، ولا تتوقف شخصيات الرواية عن التدفق في الظهور، بأسماء وهيئات وأدوار مُختلفة، ليغرق السرد في نهر من الأجيال الجديدة التي لا تجد فكاكاً من معايشة تلك الأعاجيب، ومحاولة التصالح معها، والعيش في ظلال تلك الفترة السحرية لحكم «أبناء حورة» التي لا تلبث أن تصبح هي الأخرى جزءاً من التاريخ، بعد أن تنتهي سنوات حكمهم، ليتحولوا بعد العدم لشذرات من حكايا تُروى على مسامع السامعين هنا وهناك.
ومع وصول الرواية بابها الثالث، تتحول الحكايات في حد ذاتها لساحة معارك، من أجل بسط السيطرة والنفوذ، والتحكم في أدوار ولو زوراً، واستلاب أصولها من أجل كتابة تاريخ جديد يُنكر كل ما قبله، كأنما ابتلعته دائرة مُفرغة.



«جائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية» تُعلن قائمتها الطويلة

«جائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية» تُعلن قائمتها الطويلة
TT

«جائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية» تُعلن قائمتها الطويلة

«جائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية» تُعلن قائمتها الطويلة

أعلنت «جائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية»، في الكويت، اليوم (الأحد)، عن القائمة الطويلة لدورتها السابعة (2024 - 2025)، حيث تقدَّم للجائزة في هذه الدورة 133 مجموعة قصصية، من 18 دولة عربية وأجنبية. وتُعتبر الجائزة الأرفع في حقل القصة القصيرة العربيّة.

وقال «الملتقى» إن جائزة هذا العام تأتي ضمن فعاليات اختيار الكويت عاصمة للثقافة العربية، والإعلام العربي لعام 2025، وفي تعاون مشترك بين «المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب»، و«جائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية»، في دورتها السابعة (2024 - 2025).

وتأهَّل للقائمة الطويلة 10 قاصّين عرب، وهم: أحمد الخميسي (مصر) عن مجموعة «حفيف صندل» الصادرة عن «كيان للنشر»، وإيناس العباسي (تونس) عن مجموعة «ليلة صيد الخنازير» الصادرة عن «دار ممدوح عدوان للنشر»، وخالد الشبيب (سوريا) عن مجموعة «صوت الصمت» الصادرة عن «موزاييك للدراسات والنشر»، وزياد خدّاش الجراح (فسطين) عن مجموعة «تدلّ علينا» الصادرة عن «منشورات المتوسط»، وسامر أنور الشمالي (سوريا) عن مجموعة «شائعات عابرة للمدن» الصادرة عن «دار كتبنا»، وعبد الرحمن عفيف (الدنمارك) عن مجموعة «روزنامة الأغبرة أيام الأمل» الصادرة عن «منشورات رامينا»، ومحمد الراشدي (السعودية) عن مجموعة «الإشارة الرابعة» الصادرة عن «e - Kutub Ltd»، ومحمد خلفوف (المغرب) عن مجموعة «إقامة في القلق» الصادرة عن «دار إتقان للنشر»، ونجمة إدريس (الكويت) عن مجموعة «كنفاه» الصادرة عن «دار صوفيا للنشر والتوزيع»، وهوشنك أوسي (بلجيكا) عن مجموعة «رصاصة بألف عين» الصادرة عن «بتانة الثقافية».

وكانت إدارة الجائزة قد أعلنت عن لجنة التحكيم المؤلّفة من الدكتور أمير تاج السر (رئيساً)، وعضوية كل من الدكتور محمد اليحيائي، الدكتورة نورة القحطاني، الدكتور شريف الجيّار، الدكتور فهد الهندال.

النصّ والإبداع

وقال «الملتقى» إن لجنة التحكيم عملت خلال هذه الدورة وفق معايير خاصّة بها لتحكيم المجاميع القصصيّة، تمثّلت في التركيز على العناصر الفنية التي تشمل جدة بناء النصّ، من خلال طريقة السرد التي يتّخذها الكاتب، ومناسبتها لفنّ القصّ. وتمتّع النصّ بالإبداع، والقوّة الملهمة الحاضرة فيه، وابتكار صيغ لغوية وتراكيب جديدة، وقدرة الرؤية الفنيّة للنصّ على طرح القيم الإنسانيّة، وكذلك حضور تقنيّات القصّ الحديث، كالمفارقة، وكسر أفق التوقّع، وتوظيف الحكاية، والانزياح عن المألوف، ومحاكاة النصوص للواقع. كما تشمل تمتّع الفضاء النصّي بالخصوصيّة، من خلال محليّته وانفتاحه على قضايا إنسانية النزعة.

وقالت إن قرارها باختيار المجموعات العشر جاء على أثر اجتماعات ونقاشات مستفيضة ومداولات متعددة امتدت طوال الأشهر الماضية بين أعضاء اللجنة، للوصول إلى أهم المجاميع القصصيّة التي تستحق بجدارة أن تكون حاضرة في القائمة الطويلة للجائزة، المكوّنة من 10 مجاميع، بحيث تقدّم مشهداً إبداعياً قصصياً عربياً دالّاً على أهمية فن القصة القصيرة العربية، ومعالجته لأهم القضايا التي تهم المواطن العربي، ضمن فضاء إبداعي أدبي عالمي.

وستُعلن «القائمة القصيرة» لجائزة «الملتقى» المكوّنة من 5 مجاميع قصصيّة بتاريخ 15 يناير (كانون الثاني) 2025، كما ستجتمع لجنة التحكيم في دولة الكويت، تحت مظلة «المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب»، في منتصف شهر فبراير (شباط) 2025، لاختيار وإعلان الفائز. وسيُقيم المجلس الوطني احتفالية الجائزة ضمن فعاليات اختيار الكويت عاصمة للثقافة والإعلام العربي لعام 2025. وستُقام ندوة قصصية بنشاط ثقافي يمتد ليومين مصاحبين لاحتفالية الجائزة. وذلك بمشاركة كوكبة من كتّاب القصّة القصيرة العربيّة، ونقّادها، وعدد من الناشرين، والمترجمين العالميين.